قليلا ما يعنى بقيام أطفالنا إلى السبورة، وقليلا ما يلتفت المدرسون بمدارسنا التعليمية بأصنافها وأسلاكها المختلفة (ابتدائي،إعدادي وثانوي) إلى هذه الطريقة الهادفة و الداعمة، وإلى هذا الأسلوب البيداغوجي الحديث نظرا لأهميته التربوية والمعرفية البليغة، سواء في بناء المعارف وتخزينها في ذاكرة المتعلم، أو في بناء شخصيته بشكل عام، وحفزه على المشاركة والمبادرة وتعويده على الكتابة على السبورة، التي غالبا ما تنسب للمدرس وحده، في حين أن السبورة تعد الوسيلة الأكثر اعتمادا وتوظيفا التي يلجأ إليها المدرس لتمرير جملة من التعلمات والمهارات لمتعلميه، وأن حضورها داخل الفصول الدراسية يترجم مدى حيويتها لكل عملية تعليمية تعلمية من جهة ، و مدى ضرورة عودة كل الفاعلين بالمؤسسة ومن له العلاقة بها (المدرسون-المدير- هيئة المراقبة والتأطير…الخ) اليها من جهة اخرى .
وكلما أحسسنا متعلمينا بهذه الحقيقة الغائبة عن أذهانهم ، تقوت رغباتهم في النهوض اليها و تعزز بالتالي تنافسهم عليها. و بقدر ما يعمل المدرسون على تشجيع تلاميذهم للنهوض الى السبورة ، بقدر ما تنتج المدرسة أطفالا تتخلل مواقفهم الجرأة والمواجهة والتنافسية والنقد والدقة في الملاحظة وحسن الإنصات والردود السديدة، وتلكم هي أهم المواصفات التي يجب أن يكتسبها متعلمونا اليوم ، لانها ستجعل منهم حتما في المستقبل شخصيات متوازنة وفاعلة ومنخرطة في قضايا محيطيها المدرسي والإجتماعي و الثقافي محليا و اقليميا و جهويا و كونيا .
تعد السبورة من أنجع الوسائل التعليمية التي بواسطتها تحقق العملية التدريسية أهدافها المتوخاة ، فهي لوحدها تشغل فضاء يمكن المتعلم من الوقوف امام اصدقائه لتقديم شيء معين او للتعبير عن ارائه و مواقفه و ميولاته تجاه فكرة او قضية ما ، او للتواصل معهم مباشرة عن طريق اشراكهم رأيهم بغية الوصول الى النتيجة الصحيحة و السليمة .
إنها بحق انجح الطرائق البيداغوجية التي حققت النتائج الباهرة التي نادت بها كل المدارس والدراسات الحديثة- انظر المشروع التربوي عند فروبل وديكرولي وبياجيه وألسكندرنايل.
ونحن نعيش عالم الثورة الرقمية (حيث اجتاحت الإعلاميات كل مناطق المعمور وعلى شتى المستويات: الاقتصادية ، التعليمية ، التكوينية ، والثقافية …..، وحيث أن العالم يعد عدته لمواكبة التحولات الحاصلة و والتحديات المطروحة ، ما زلنا لم نعط الفرصة بعد لتلاميذنا للمثول أمام السبورة (الشبح المخيف) قصد تصحيح الانشطة الكتابية أو رسم خريطة أو قراءة موضوع أو قص حكاية أو تأدية دور مسرحي أو غيرها من الأنشطة الموازية التي بفضلها تتغذى الحياة المدرسية و تؤكد استمراريتها.
إن طريقة تحفيز المتعلمين وإيقاظ اهتمامهم بقيامهم إلى السبورة وتحبيبها لديهم وتعويدهم عليها ، ليعد نبراسا تربويا جديدا ومؤشرا إيجابيا على القطع مع كل اشكال الخوف والارتباك المخيمة على فضاءات مؤسساتنا التعليمية و حجراتها الدراسية .
من هنا ، يمكننا الجزم ان مشاركة المتعلمين على السبورة أو مثولهم أمامها قصد القيام بنشاط ما، لتعد في الصميم الفرصة الذهبية لبناء علاقة تعارف وانفتاح وتواصل ليس بين المدرس وتلاميذه فحسب، بل بين المتعلمين أنفسهم. كما تعد ورقة رابحة للتخلص من كل أشكال الكبت والإرتباك والخجل والإنطواء … الخ من المظاهر السلبية التي تعج بها فصول مؤسساتنا التعليمية بأسلاكها المتعددة و المتنوعة . يقول بياجي رائد المدرسة التكوينية :أن تفهم معناه أن تبتكر وتعيد البناء وهذا ما سينطبق جليا على متعلمينا الذين يبادرون بالقيام إلى السبورة.
إن كل معرفة لا يشارك في بنائها المتعلم محكوم عليها بالتلاشي ، وأن كل مدرس لا يتيح لمتعلميه الفرصة للقيام إلى السبورة، يعتبر نصف مدرس وطريقته عقيمة لا نفع منها ولاطائل . يقول مكارينكو رائد المدرسة الواقعية « على المربي أن يتصرف بصورة كون كل حركة من حركاته تربى» وبناء عليه، وجب على مناهجنا و برامجنا الدراسية أن تربي أطفال مدارسنا على الاستقلالية و المشاركة و إبداء الرأي والإنتاج والخلق و المبادرة ، وليس على أشكال التبعية والإتكالية وترديد الجمل . انظر مقالات الدكتورة آسية أقصبي بالملاحق التربوية الأسبوعية بجريدة الإتحاد الإشتراكي.
فمتى يا ترى ستهتم طرائقنا التربوية بقيام التلميذ الى السبورة ؟ و متى سيتحرر أطفالنا من اثار و أساليب المدرسة التقليدية ( الخوف ، الصمت، و الغش؟).
مهتم بالشؤون التربوية.