يقف عمال زراعيون بجانب آلات حصاد وسط بلدة دار بلعامري شمال الرباط في انتظار فرصة عمل صارت نادرة في البوادي المغربية، بسبب جفاف حاد للعام السادس تواليا رفع معدل البطالة إلى مستوى قياسي.
قدم العامل الأربعيني مصطفى اللوباوي من ضواحي مدينة سطات، بعدما أصبح العمل قليلا بسبب الجفاف كما يقول لوكالة فرانس برس، وهو يعرض خدمات حصاد الحبوب والقطاني بآلة يجرها جرار.
وتضاءلت فرص العمل بالنسبة للمزارعين على الخصوص، بعد تراجع المساحة المزروعة إلى 2,5 ملايين هكتار فقط مقابل أربعة ملايين في موسم عادي بسبب الجفاف، وفق وزارة الفلاحة، فيما ارتفع معدل البطالة ما بين الفصل الأول من سنة 2023 والفصل نفسه من هذا العام من 12,9 إلى 13,7، وفق المندوبية السامية للتخطيط، وذلك جراء فقدان حوالي 159 ألف فرصة عمل في الأرياف مقابل خلق نحو 78 ألف وظيفة في المدن حيث لا تزال وضعية سوق الشغل تعاني من آثار الجفاف، وفق ما أوضحت المندوبية في ماي.
وأنهت المملكة العام الماضي بأعلى معدل بطالة سنوي، 13 بالمائة، منذ العام 2000، بعد فقدان حوالى 157 ألف وظيفة في الأرياف.
ويوضح الخبير في القطاع الزراعي عبد الرحيم هندوف أن مستوى البطالة مرتبط بالتقلبات المناخية، لأن القطاع الزراعي لا يزال يوظف قرابة ثلث السكان النشيطين رغم أن مساهمته في الناتج الداخلي الخام لا تتجاوز 11 إلى 14 بالمائة في السنوات الماطرة.
غير بعيد عن مركز بلدة دار بلعامري المطل على وادي جاف، يقضي المزارع الخمسيني الشيلح البغدادي وقته في بيت متواضع حيث يقول «أنا عاطل عن العمل»، بعدما فقد أي أمل في محصول حبوب زرعها في حقل صغير.وتعول أسرته المكونة من خمسة أفراد على الأم التي تغادر في الصباح الباكر للعمل في قرية كبيرة بضواحي مكناس ، كما هو الشأن بالنسبة لمعظم المزارعين الصغار الذين يضطرون للهجرة بحثا عن عمل.
رغم جفاف الوديان والسواقي، تغلب الخضرة على عدد من القرى الكبيرة في هذه المنطقة الزراعية الغنية، بفضل مضخات مياه وتقنيات ري عصرية، وهي في الغالب تنتج خضروات وفواكه تصد ر للخارج،
فقد راهن المغرب على تطوير الزراعات المروية الموجهة للتصدير منذ تبني مخطط «المغرب الأخضر» العام 2008، فنمى الناتج الإجمالي للقطاع من حوالى 63 إلى 125 مليار درهم في عشرة أعوام، بحسب معطيات رسمية.
وتعول المملكة على الاستمرار في هذا التوجه مع مخطط «الجيل الأخضر 2020-2030» بالاعتماد على تحلية مياه البحر وتقنيات ري متطورة، لزيادة الصادرات من حوالي 30 إلى 60 مليار درهم في عشرة أعوام.
لكن المفارقة أن هذا النمو لم ينعكس على التوظيف الذي ما يزال رهنا بالتقلبات المناخية.
ويوضح هندوف «لدينا زراعة عصرية متطورة، لكنها لا تشغل سوى حوالى 15 بالمائة من مجمل المساحة القابلة للزراعة، بينما لا تزال الغالبية الساحقة من المزارعين تحت رحمة التقلبات المناخية»
ويضيف «لو كان الاقتصاد قادرا على استيعابهم لتوجهوا إلى قطاعات أخرى»
وسط حقل صغير تغطيه بقايا يقطين أتلفتها الحرارة، يأسف المزارع الستيني بنعيسى كعوان قائلا «لو تعلمت أي صنعة أخرى لتخليت عن الزراعة»ويضيف الرجل الذي انتظر المطر لأشهر طويلة، «لا حياة دون مطر» . ويقول إنه يعول في معيشته على أبنائه العاملين خارج القرية.
وعملت المملكة على تطوير الصناعة والخدمات خلال العقدين الماضيين، لكن هذه الأنشطة لا تزال عاجزة عن خلق ما يكفي من الوظائف وتغطية تلك التي يدمرها الجفاف.
وبينما تصدرت السيارات صادرات المغرب برقم قياسي العام الماضي ،أكثر 141 مليار درهم، لا يخلق القطاع الصناعي سوى 80 إلى 90 ألف وظيفة سنويا، مقابل 320 إلى 330 ألف طالب عمل جديد كل عام، كما أوضح وزير الصناعة رياض مزور.
وأضاف في حوار مع إذاعة محلية مؤخرا «التشغيل نقطة ضعف المنظومة الاقتصادية»
في مواجهة الانتقادات، اعتبر رئيس الحكومة عزيز أخنوش أمام البرلمان منتصف يونيو أن «الجفاف واقع»، لكنه أكد تفاؤله «بخلق ما يقارب 140 ألف وظيفة» دون تحديد آجال.
ويدفعه إلى ذلك توقيع اتفاقيات استثمار عد ة بحوالى 241 مليار درهم في الصناعة والطاقات المتجددة والسياحة، لكنه رقم يبقى بعيدا عن وعوده الانتخابية بخلق مليون منصب عمل خلال خمسة أعوام 2021 2026.