«اعترافات أحمد» على خشبة «عبد الله العروي» بأزمور

تابع عشاق أبي الفنون والمهتمون به وبأخباره، يوم السبت السابع من دجنبر الجاري، مسرحية «اعترافات أحمد» التي عرضتها فرقة دراما كااخ (جمعية فنون للتربية والتنمية بأزمور) بالمركب الثقافي بأزمور. المسرحية تطرقت على المستوى الدرامي وفي قالب تراجيدي رصين إلى التشظي المؤلم الذي تعانيه الذات الإنسانية المثقلة بالخيبات التاريخية والذاتية وجعلت المشاهد يتابع عبر فصولها سعي هذه الذات إلى البحث عن إجابات لأسئلتها الوجودية العميقة المختزلة للسؤال الهايدغري الخالد «كيف يمكن لنا أن نكون أنفسنا دون أن نعرف من نكون؟».
من أنا؟ من أكون؟ هذا هو السؤال المضمر الذي أعطي شرارة الحكي، فشرع البطل في سرد اعترافاته التي سيتكلف كاتب برقنها، كاتب خفي مجهول يُفصح عنه صوت آلة الرقن المنبعث من مكان مامن عالم الشخوص القاتم. اسمي أحمد – يقول البطل- مسقط رأسي لا أعرفه، ولدت قبل النكسة بقليل، اسم أمي خلود، ولدت بين الحجر والشجر، بين الصخر والمطر.هذا ما يعترف لنا به- منذ البداية – ثم يصحبنا في رحلة معالجة بقية هذا السؤال عبر سلسلة من المواقف والاعترافات التي يمتزج فيها التخييلي بالواقعيو حتى العجائبي أحيانا، جاعلا المتابع يعيش مع الشخصية الرئيسة روتينها اليومي، الذي تصارع فيه خيالاتها الدونكيشوتية وتفر من التاريخ الجمعي لترتمي في أحضان تاريخها الخاص المثخن بالأعطاب وتشرف منه على واقعها الخاص الذي يختزل في الوقت نفسه واقع الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها، دون أن تحفل بالطيفين الجميلين اللذين يعيشان معها ويراقبنها من عالمهما الخاص، يعتنيان به ويشاغبانها يقسوان عليها ويحنوان ويحاولان مساعدتها في وحدتها العميقة مع كتبها.
المسرحية ألفها عبد الحميد شكيب وقام بإخراجها مصطفى العسري الذي جسد فيها دور البطل «أحمد»أيضا، رفقة الممثلتين القديرتين «نورا لخداري» و«أميمة لعوز». فعمد –على مستوى الإخراج- إلى العديد من التقنيات التي تنتمي غلى مسرح ما بعد الدراما متجاوزا مثلا الوظيفة التقليدية للخشبة التي تقيم علاقة محدودة وجامدة مع الجمهور، ليجعل قاعة العرض منطلقا لبعض المشاهد في البداية وفي العديد من المشاهد الأخرى وسط المسرحية، مما خلق تمازجا بين الفضاءين (فضاء العرض وفضاء التلقي) تحوّل معه المشاهد من مجرد متابع يجلس بمواجهة خشبة تجري عليها أحداث منفصلة عنه ، إلى متابع يجلس في وسط هذه الأحداث فيكون بذلك جزءا منها كما يصير قريبا من الممثلين بشكل كبير، مما جعل هذه المشاهد تؤدي وظيفتها الفرجوية والتأثيرية بشكل أعمق معتمدا كذلك على المؤثرات التقنية المساعدة في تعميق الايهام ،فوظف الإنارة بطريقة مؤثرة في تعميق الإيهام بواقعية بعض المشاهد لتحريك مشاعر المتلقي ودفعها لذروتها، كما وظفت لجعل الأحداث تنتقل بين العتمة والنور لإبراز الحد الفاصل بين عالمين متوازيين تدور في كل منهما أحداث متعالقة تجعلهما متأثران ببعضهما البعض.العالم اللامرئي للأطياف التي ترعى البطل أحمد بحب من عوالمها المتخيلة، وعالمه الواقعي حيث أفكاره وأسئلته و ذكرياته، جاعلة الحدود بين المتخيل والواقعي أكثر ضبابية وأقل وضوحا .
ساهمت بقية المؤثرات الأخرى في تعزيز مبدا تغريب الأحداث و إبراز الشخوص في وضعيات متناقضة وعميقة أعطت الانطباع العميق بأنهم ينتمون إلى زمن الحدث المسرحي دون أن ينسلخوا عن انتمائهم الواقعي لزمننا، وفي تقديم عرض مسرحي نال استحسان الجمهور المتعطش لمثل هذه العروض التي باتت نادرة.


الكاتب : رشيد بلفقيه

  

بتاريخ : 30/12/2019