«الآداب المرتحلة» في نسختها الرابعة: من أجل لغة إنسانية بقيم مشتركة في مجتمعات تنحو نحو الانغلاق

عقدت جمعية «الآداب المرتحلة»، وهي جمعية ثقافية تعنى بالشأن الثقافي والإبداعي الوطني والدولي، برحاب المكتبة الوطنية بالرباط، ندوة صحفية صباح الخميس الماضي تم فيها الإعلان عن مهرجان «الآداب المرتحلة» في دورته الرابعة المزمع عقدها بمدينة فاس بفضاء جنان السبيل، باعتباره مكانا له رمزيته الخاصة والذي ارتبط دائما بالقراءة والإبداع.
وقد أجمع المنظمون على أهمية هذه المبادرة النوعية التي تم تنظيمها سابقا في كل من الرباط، سلا، مراكش والتي دائما ما يتم فيها طرح تساؤلات كبرى كونية حول إشكالية القراءة اليوم في ظل أزمة العرض وأزمة الطلب. وستعقد الدورة المقبلة يوم 1 أكتوبر بمدينة فاس لما لمدينة فاس العتيقة من تاريخ كبير في العلم والإبداع على مر العصور، وقد تم اختيار فضاء جنان السبيل بذات المدينة لاحتضان الدورة الرابعة من مهرجان الآداب المرتحلة، ما سيسمح بنقاش حقيقي بين الثقافات المختلفة خاصة أن المهرجان دأب على استقبال ضيوف مبدعين من دول عديدة ومن أجيال مختلفة ، وكذلك أصناف سردية متنوعة ستمكن لا محالة من فتح نقاش حقيقي حول إشكالية الثقافة عموما وعن أدوارها اليوم في التنمية وفي عجلة التقدم والازدهار للأوطان والشعوب معا، كما ستجيب عن تساؤل كبير مفاده كيف لنا أن نتكلم لغة إنسانية بقيم وأهداف مشتركة في ظل انغلاق المجتمعات الذي يعيق دائما حوار الثقافات وتلاقحها، في احترام للخصوصية دائما.
إن اختيار مدينة فاس لم يكن اعتباطيا، إذ أنها مدينة عريقة وعاصمة للثقافة وأصدق شاهد على تاريخ غني من المآثر والمنجزات. ويشارك في هذه الدورة، كتاب ومبدعون من عدة دول وهي: المغرب، الجزائر، تونس، فلسطين، فرنسا، مصر، موريتانيا، الكاميرون، لبنان، تركيا، السودان، الكوت ديفوار، والأردن.
نادية السالمي، رئيسة جمعية» الآداب المرتحلة» صرحت لجريدة «الاتحاد الاشتراكي « بأن فكرة المهرجان تتمحور حول تقريب القارى من المؤلف لكي ينسجما جسديا وروحيا من خلال تبادل الحوار والأفكار وكذلك المنشورات الابداعية.
بدوره، عبر د. يوسف أمين العلمي وهو كاتب وأكاديمي مغربي مشارك كذلك ضمن قائمة الكتاب والمبدعين المشاركين في هذا اللقاء بنسخته الرابعة، عن أن الهدف الرئيسي من هذا الملتقى يكمن في توطيد العلاقة بين القارى والمؤلف، ومحاولة تقليص الهوة بينهما، إضافة إلى تقريب الثقافات والمؤلف من القارئ والقارئ من الكتاب معا، ما سيمكن بشكل كبير من تلاقح الأفكار وتلاقي الآراء، بحيث تبقى الفكرة والهدف هو منح الكتاب للقارئ في الشارع وداخل الأماكن العمومية المفتوحة لما لها من مكانة رمزية، خصوصا الفضاءات التاريخية والتراثية.
في السياق نفسه، يضيف الأكاديمي والاقتصادي د.ادريس الكراوي لجريدة «الاتحاد الاشتراكي»، أن هذا النشاط هو بادرة نوعية بالأساس، تأتي في ظرف دقيق وخاص على الصعيد الوطني والذي يتميز بانحسار مجالات ومناسبات الحوار الجاد والمثمر والمسؤول والهادف بين مثقفي الوطن ومختلف مكونات المجتمع المغربي، فقيمته المضافة هي أن مبدعي الوطن في إطار حوارهم مع متتبعي الشأن الثقافي والإبداعي ببلادنا، سيطرحون مما لا شك فيه أسئلة وتساؤلات حول الأوضاع الجديدة التي تعرفها بلادنا والبشرية اليوم، بهدف معرفة ماذا يمكن اليوم، أو ماذا يمكن لمثقف أو مبدع اليوم أن يقوم به لإنتاج أفكار جديدة تقدم بدائل جديدة تساعد أولا على فهم التحولات النوعية العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي وتعرفها المنظومة الدولية اليوم من جهة، ومن جهة أخرى، ستمكن من أن يظهر المثقفون والمبدعون المكانة التي يجب أن يوليها المجتمع وصناع القرار بالخصوص للمثقف والعالِم والحامل للفكر، كما بينت الدور الأساسي لأزمة كوفيد الاخيرة. هذه الجائحة التي بينت الحلول الحقيقية الدائمة والمجدية لقضايا الأمم وقضايا الشعوب، لا يمكن أن تمر إلا عبر المعرفة والفكر وعبر الثقافة والابداع، لأن الجائحة بينت أن أكبر التساؤلات التي طرحها الأفراد والجماعات وطنيا ودوليا هي أسئلة الوجود، وكيف يمكن للإبداع والفكر والثقافة أن يساعد مختلف مكونات مجتمعاتنا على إيجاد أسئلة تجيب على معضلة الوجود اليوم في ظل انعدام رؤية واضحة لما ستؤول إليه ليس فقط التحولات الجديدة التي تعرفها مجتمعاتنا اليوم، ولكن كذلك المخاطر الجديدة والحروب الجديدة أو الجيل الجديد من المخاطر والحروب، والمشاكل التي بدأت تؤرق ليس فقط صانعي القرار في إطار بلورة سياسات عمومية ملائمة وفي مستوى خطورة الأزمات التي بدأنا نعرفها فقط، بل كذلك في إنتاج بدائل من شأنها أن تساعد مجتمعاتنا وصناع القرار وطنيا ودوليا اليوم على احتوائها.
كذلك الحال بالنسبة للأستاذ إدريس اليزمي، وهو بالمناسبة عضو المكتب التنفيذي لذات الجهة المنظمة، حيث صرح لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» بأن الدورة الرابعة لمهرجان «الآداب المرتحلة» بفاس يوم فاتح اكتوبر هي بادرة نوعية لها عدة ميزات، أولها رمزية المكان باعتبار فاس مدينة العلم والثقافة، إضافة إلى رمزية مكان جنان السبيل باعتباره مكانا ذا رمزية كبيرة خاصة أنه يعتبر من أقدم الحدائق بالمغرب، لهذا سيضيف هذا الفضاء النوعي، حسب ذ. إدريس اليزمي، نكهة خاصة لهذه الدورة، كالعادة هناك حوالي 40 كاتبا ومبدعا ينتمون إلى 16 عشر دولة إضافة إلى المغرب، ينتمون لأجيال مختلفة ومن أعراق وتقاليد متنوعة أيضا وأنواع سردية متعددة كذلك ستغني المائدتين المستديرتين المزمع عقدهما باللغتين العربية والفرنسية يوم فاتح أكتوبر في القاعة الكبيرة لبلدية البطحاء بفاس، حيث سيتدخل في المائدة المستديرة باللغة الفرنسية حول موضوع من ثقافة إلى أخرى كل من فؤاد العروي (المغرب)، فيرونيك تانجو(الكوت ديفوار)، إيفان جابلونكا(فرنسا)،وكريستيان توبيرا(فرنسا). كما ستدير اللقاء كاثرين فروشون توسان، رئيسة مجلة «أدب بلا حدود» RFI راديو فرنسا الدولي.
ويشارك في المائدة المستديرة باللغة العربية كل من عبد الفتاح كيليطو(المغرب)، زينب لعوج(الجزائر)، نجوان درويش(فلسطين)، عبد العزيز برمة ساكن(السودان). وسيدير اللقاء ذاته، محمد الصغير جنجار، وهو مدير مساعد لمؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود.
المائدتان معا، ستغنيان مما لا شك فيه النقاش الذي يدور في فلك إشكالية الانتقال من ثقافة إلى أخرى، في وقت تتميز فيه المجتمعات بالانغلاق والرجوع إلى هويات أكثر انغلاقا في مقابل البحث عن إمكانيات أوسع وأرحب للحوار والإبداع المشترك وكذلك التفكير في مستقبل إنساني مشترك، خاصة أن المهرجان يمنح فرصة اللقاء المباشر بين القارئ المتلقي والكاتب المبدع.
جدير بالذكر أن المهرجان ستتخلله مسابقة للقصة القصيرة للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 30 سنة، وذلك لتشجيع الإبداع الأدبي بين الشباب، وسيترأس لجنة تحكيم القصة القصيرة باللغة العربية كل من الرئيس جلال الحكماوي، بالإضافة إلى كل من العضوتين لطيفة لبصير ومنى وفيق، أما عن لجنة تحكيم القصة القصيرة باللغة الفرنسية، فتترأسها سناء غواتي، بمشاركة كل من إدريس كسيكس ويوسف أمين العلمي.
ومن المؤكد أن هذه التظاهرة الأدبية الإبداعية جاءت نتيجة للرغبة الأكيدة في تمتيع الكتاب، نساء ورجالا، بالمكانة الاعتبارية اللائقة بهم إلى جانب باقي المبدعين الآخرين، فالأمر لا يتعلق اذن، بمعرض للكتاب، بل باحتفال أدبي القصد منه إتاحة الفرصة أمام الكتاب للالتقاء بقرائهم والاستماع إليهم، لأن هذا الأمر غالبا ما يتعذر تحقيقه في مختلف معارض الكتب التي تقام هنا أو هناك.


الكاتب : إيمان الرازي

  

بتاريخ : 19/09/2022