لقد اختطفته المنون على حين غرة ولم يمهله الفيروس اللعين كورونا، ليكمل الراحل الممثل والمخرج المسرحي والسينمائي الأمازيغي أحمد بادوج مشروعه الذي يظل يحلم بتأسيسه في الأيام الأخيرة، وهو حلم ظل يراوده منذ مدة، كما دون ذلك زميلنا عبد الواحد رشيد في تدوينة له نعى فيها رحيل صديقه “المناضل والعصامي والمدرسة والقدوة”، بحيث كان هم الراحل هو أن ينشئ مدرسة فنية خاصة بتلقين النشء الصاعد أبجديات حرفة التمثيل المسرحي الأمازيغي، بعد أن راكم في ذلك عدة تجارب مختلفة منذ عشقه الأول، وشغفه الطفولي وهوسه المشاغب لفهم واقتحام أسرار المسرح والتمثيل.
لكن الموت عجل بإبادة هذا الحلم، بعد أن انتقل الفنان الأمازيغي أحمد بادوج إلى جواره بسبب مرض عضال كان يعاني منه، قبل أن يجهض كل آماله في العلاج فيروس كورونا في الآونة الأخيرة وهو الحريص دوما وفي أيامه الأخيرة على أخذ الإحتياطات الضرورية بمحمل الجد وعلى عدم الخروج من المنزل لكي لا يجازف ويخاطر بحياته على أمل أن يعود مجددا إلى نشاطه المسرحي الذي أحب عن عشق جنوني لامتناه، كرس له حياته كلها.
وصرف من ماله الخاص وبشكل سخي على بقاء العمل الجمعوي، حتى ولو تطلب منه ذلك، مجابهة صروف الحياة القاسية عليه بمختلف إكراهاتها، بل سجل رفيقه في العمل الجمعوي»رشيد عبد الواحد»أنه ناضل أيضا في سبيل إعلاء الشأن الجمعوي الجاد وتحمل على إثر ذلك التعذيب الذي طاله أثناء اعتقاله حين سدد أجر الكراء من ماله الخاص لأي شيء إلا من أجل استمرارية جمعية الشعلة الثقافية في أواخر وبداية الثمانينات التي كانت تنظر إليها السلطات بعين غير الرضى لكونها كانت في نظرها وكر للتمرد والرفض من قبل منخرطيها الذين ينتمي معظمهم إلى التيار اليساري المتشدد .
ويسجل المتحدث للراحل أنه « كان من المساهمين الأوائل في تأسيس أول جمعية بسوس تعنى بالمسرح الأمازيغي حين قرر رفقة عدد من رفقائه تأسيس واحتضان جمعية تيفاوين للمسرح الأمازيغي في منتصف الثمانينات، وفي تحقيق حلم إنجاز أول فيلم أمازيغي من إخراج الحسين بيزكارن، حيث كان الراحل من بين أهم ممثليه الذين بصموا على حضور متميز في التمثيل السينمائي، بل كان له الفضل في اكتشاف عدد من الفنانين والممثلين الأمازيغيين بسوس وصقل موهبتهم الفنية، وهم اليوم أصبحوا نجوما كبارا».
ويقول الزميل الإعلامي رشيد عبد الواحد، رفيق الراحل في المحطة الجمعوية:»أنه كان له الفضل في اكتشاف وتكوين الممثلين، مؤكدا»أن اكثرمن 70%من الممثلين الموجودين في الساحة المسرحية والسينمائية الامازيغية، اكتشفهم الراحل أحمد بادوج وساعدهم وصقل مواهبهم من أمثال عاطيف، عوينتي، باردواز، العطاش، الزاهية الزاهيري، المرحوم ازناك…. «.
وحسب تدوينة كتبها الدكتورالحسين اليعقوبي (أنير)، فقد»ولد الفنان أحمد بادوج سنة 1950، المنحدرمن قبيلة إمسكين (الجبلية)،المحاذية لقبيلة أكسيمن (السهلية)، وهما القبيلتان الأساسيتان المشكلتان لضفاف واد سوس في اتجاه مصبه “ايمي واسيف” بتراست على المحيط الأطلسي.
بقي المرحوم بادوج صلة وصل بين القبيلتين ذات التاريخ العريق المتسم بالصراع أحيانا والتحالف أحيانا أخرى حسب السياقات. ولذلك اتسمت حياة المرحوم أحمد بادوج بالتنقل المستمر بين أكادير، حيث تمتد جبال إمسكين في اتجاه البحر وإنزكان عاصمة أكسيمن».
ويضيف أن أحمد بادوج «لا يختلف عن أقرانه الذين ولدوا قبيل استقلال المغرب، فهو ينتمي إلى جيل مخضرم شهد السنوات الأخيرة للمقاومة ضد الإستعمار الفرنسي وتحديات السنوات الأولى للإستقلال، حيث كان جيلا نشيطا في مجالات عدة، يجمع بين الرياضة والفن ومجالات أخرى. وهذا ما جعل أحمد بادوج يلعب كرة القدم مع أشبال حسنية أكادير وظل وفيا لحبها إلى أن وافته المنية».
ويتذكر المتحدث قول الراحل أثناء متابعتهما لإحدى مباريات الحسنية بملعب أدرار حين همس في أذنه وقال :»إلى حدود الأمس كانت أمي تحرث هذا المكان». لكن بعد زلزال أكادير سنة 1960 كانت مدينة إنزكان خير معيل وسند للمدينة المنكوبة، وأسس ذلك لتقليد انتقال الأكاديريين لإنزكَان، المدينة التي استهوت الفقيد بادوج للاستقرار لممارسة مهنته في مجال ميكانيك السيارات وفي مجال الفن أيضا، حيث كانت المدينة آنذاك، تعرف حركة فنية مهمة على مستوى المسرح والموسيقى، ومن نتائج ذلك ظهور المجموعة الأسطورية إزنزارن وجمعية تيفاوين للمسرح وجمعيات أخرى».
ويضيف اليعقوبي أن «المرحوم وجد ضالته في المسرح، واستحق بالفعل لقب «الأب الروحي» للمسرح الأمازيغي بسوس، فعناوين مثل «100 مليون» و»تازيت ن وانغا»… لازالت ترن في أذهان مرتادي المسرح البلدي بإنزكَان».
ذلك أنه»في كل مسرحية كان للمرحوم صدى قوي لدى المتلقى ، بحيث نجح في أن يجمع حوله ثلة من الشباب الشغوفين بأب الفنون فكان بالفعل مدرسة في هذا المجال، وبقي وفيا لنهجه في تكوين الأجيال إلى آخريوم من حياته. فليس غريبا حين ظهرت تجربة الفيلم الناطق بالأمازيغية أن يكون من مؤسسي هذه التجربة بفيلم «تامغارت ن وورغ» لمخرجه الحسين بيزكارن والذي تم تصويره سنة 1989».
مضيفا أن «علاقته بالراحل توطدت خلال أواسط التسعينات من القرن الماضي، بدءا بعرض شريط «تامغارت ن وورغ»بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، وذلك بحضور المخرج وبعض الممثلين، وكان ذلك في إطار أنشطة طلبة الحركة الثقافية الأمازيغية، وازدادت معرفتي به، يقول اليعقوبي، خلال أيام السينما الأمازيغية التي كانت جمعية تاماينوت فرع إنزكان تنظمها خلال شهر رمضان بالمسرح البلدي بإنزكان.
ولقد ذكرني المرحوم يوما، يقول المتحدث،بأن من أسباب «سعيه للحصول على دبلوم في الإخراج هورد فعل أحد المتدخلين خلال هذه الأيام السينمائية حين اتهمه بالجهل في مجال الإخراج وحاجته لتكوين أكاديمي في هذا المجال. وكان هذا الإنتقاد التي قبله المرحوم بصدر رحب دفعه للبحث عن تكوين في مجال الإخراج السينمائي، وهو ما حصل».
ويضيف أنه «طوال حياته كان المرحوم أحمد بادوج مواضبا على الحضورفي الملتقيات الثقافية وتشجيع الشباب وحظي بتكريمات كثيرة خاصة من طرف المجتمع المدني وجمهوره الغفير الذي كان سنده الأساس كما ظل طوال حياته يثير الإنتباه إلى وضعية الفنان الأمازيغي ويناضل من أجل إنصافه».
وختم تدوينته بقوله :»أحتفظ له بجملة ينطقها دائما حين نلتقي فيخاطبني بابتسامته المعهودة قائلا «أركازإشاطرن»(الرجل الذكي).لكن للأسف الشديد لم تمهله الأقدار ليشرح لي المقصود بجملته ولكن أحس دائما بالكثيرمن التقدير والإحترام المتبادلين بيننا».
ومن جهة أخرى ذكر الزميل الإعلامي في قسم الرياضي بالإذاعة الوطنية بمحطة أكادير، مبارك إدمولود في مقال له بهذه المناسبة الأليمة،أن الراحل كان له شغف بكرة القدم منذ صغره،لا يضاهيه شغفه الفني كممثل ثم مخرج .
فهو»من مواليد حي تالبرجت بمدينة أكادير سنة 1950، ولج عالم الدراسة في سن مبكرة حيث درس بحي الخيام ثم أمسرنات بأكادير، وتابع دراسته الإعدادية بولي العهد بحي إحشاش، وولج عالم ممارسة كرة القدم بفريق حي بوركَان بأكادير انطلاقا من سنة 1966 ، ليلتحق بعد ذلك بتداريب فريق فئة شبان حسنية أكادير بملعب الإنبعاث الجنوبي انطلاقا من موسم 67/68 رفقة لاعبين من مختلف أحياء المدينة المنكوبة.
وبعد ذلك التحق بالجيل الأول من اللاعبين الذي أعادوا تأسيس فريق» نجاح إحشاش» الذي أصبح يحمل إسم نجاح سوس رفقة الاعب وصديقه محمد إبني،ليلعب بعد ذلك رفقته ضمن فريق عباسية تيكوين ببطولة العصبة. ومنه انتقل أحمد بادوج ليلعب مع فريق اتحاد كسيمة مسكينة ببطولة القسم الوطني الثاني بتأطير من المدرب عبد القادر بيداح،حيث جاورلاعبين متألقين في صفوف الفريق أمثال:إبراهيم السعوتي والكرداح ،حميد،أعراب…»
لكن مسيرة بادوج الرياضية،يقول إدمولود،»توقفت سنة 1979بعد الإصابة التي تعرض لها أثناء مشاركته في لقاء حبي جمع آنذاك بين فريقي حي بوركَان الذي يمارس به أثناء توقف المنافسات الرسمية وفريق اتحاد كَسيمة مسكَينة الذي يلعب به رسميا في المنافسات الوطنية اللاعب بادوج الذي كان يلعب كجناح أيمن، حيث اصطدم بحارس فريق إنزكَان «أعراب» ليصاب بكسر على مستوى الركبة مما جعله يخضع لعملية جراحية تطلبت مكوثه بمستشفى الحسن الثاني لمدة شهر كامل حيث وضعت الإصابة حدا لمساره الرياضي».