الخلفي: قمنا بمراجعات ونقد ذاتي، ونحن اجتهاد داخل الإسلام
غول: الأحزاب الإسلامية في تركيا لا تستند إلى مرجعية إسلامية
استكملت ندوة «الحركات الإسلامية والحقل الديني» مناقشاتها في إطار الدورة 45 لموسم أصيلة الثقافي، يوم الثلاثاء 22 أكتوبر الجاري، بالتطرق الى الأبعاد الثقافية والاجتماعية للراديكالية الدينية من خلال استشراف مستقبلها، معتبرة أن من الخطأ اختزالها في كونها «ظاهرة دينية» فقط.
حذر علاء عبد الهادي الصحفي بجريدة «اخبار الأدب» المصرية من مغبة عودة تيارات الإسلام السياسي الى الانتعاش، معتبرا «خطر عودتها قائما وأنه من الخطأ الاعتقاد بانحسارها» بعد فشل عدد من التجارب في العالم العربي، فشل سحبه أيضا على كل التجارب السابقة الاشتراكية القومة أو الليبرالية بسبب فشلها جميعها في الإجابة عن سؤال الحداثة ، وعدم قدرتها – رغم بناء الدولة الوطنية – على الوصول بشعوبها الى مرحلة الاستقرار السياسي الذي يضمن سيرورة انتقال السلطة بسلاسة وبآليات ديمقراطية راسخة تقطع الطريق أمام هذه الجماعات التي تقوت خاصة بعد هزيمة 1967 ، قوة تأت من قدرتها العالية على التنظيم ما مكنها من القفز على مكتسبات الثورة المصرية بعد الربيع العربي.
القدرة على التنظيم والتماسك ورمزية المرجعية ، تقوت أيضا بفعل إغراء النموذج التركي ، خاصة تركيا أردوغان. نموذج أكد بصدده رئيس مركز شرقيات للبحوث بإسطنبول، الباحث التركي محمد زاهد غول، أن الاحزاب الإسلامية في تاريخ تركيا لم تستند الى مرجعية إسلامية ، وتشتغل كلها في إطار دستور ينص على العلمانية «المرسخة دستوريا وغير القابلة للتعديل» رغم أن هذه الأحزاب تلجأ الى توظيف الإسلام في خطاباتها، مشيرا الى أن جميع الحكومات التركية كانت يمينية محافظة باستثناء حكومة بولند أجاويد اليسارية.
توظيف الخطاب الديني، كما أشار غول، هو ما مكن العدالة والتنمية التركي من الوصول الى الحكم في 2002، رغم أن هذه الحمولة الدينية في الخطاب ستخفت بعد 2010 ليتحول الخطاب الى ليبرالي علماني يؤكد على مبادئ الليبرالية والديمقراطية، ومن ثم حدثت الطفرة والثورة الحقيقية في تركيا التي أفرزت النموذج التركي الذي ينظر إليه العالم العربي والإسلامي «نظرة حالمة»، وهو النموذج الذي جاء بعد مراجعات أيضا خاصة على مستوى السياسة الخارجية التي شهدت انحرافا بعد الربيع العربي بفعل التدخل في سوريا والعراق وليبيا قبل أن تعود السياسة الخارجية الى رشدها.
النموذج المغربي في تدبير الاختلاف مع هذه الجماعات دافع عنه بشدة مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي ووزير الاتصال في حكومة بنكيران، معتبرا أن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية لها «الحق في الوجود والمشاركة في الحياة العامة بمقتضى الديمقراطية»، مشاركة لا ينبغي النظر إليها كمشكلة بل كحل إذا تم التعامل مع الإسلاميين ليس كخلل يجب محاصرته واستئصاله بل كحل «يجب استيعابه وتأطيره واستثمار قوته» كما حصل في التجربة المغربية نتيجة «عملية مزدوجة بين النخبة والمجتمع والدولة وهذه الحركة»..
واستعرض الخلفي تجربة حزبه في دفة التسيير خاصة في المجال الاجتماعي، معتبر ا أن حصيلة حزبه «توفر شروط عودته مستقبلا» رغم نتائج الحزب في انتخابات 2021 التي وضعته في المركز الثامن ب13 مقعدا بعد تصدره لانتخابات 2016 ب125 مقعدا، وهي النتائج التي أكد بخصوصها أنها نتائج طبيعية «في مسار دوري فيه مد وجزر وحالات صعود وأفول».
ولفت الخلفي الى أن حركة الإصلاح والتوحيد، الذراع الدعوي للعدالة والتنمية، قامت بعد انفصالها عن الشبيبة الاسلامية بمراجعات للوقوف على أسباب الفشل قبل أن تقرر الاشتغال داخل نسق سياسي قائم على امارة المؤمنين وبدستور مصدّر بان الإسلام دين الدولة، معتبرا أن هذه المراجعات والنقد الذاتي أفضت الى اعتبار تنظيمهم «اجتهادا في إطار الإسلام. اجتهاد بشري نسبي قد يصيب وقد يخطئ» ، وأن مقولة «الإسلام هو الحل» لا تخلق إلا التشويش وتعمق الأزمة ما دفعهم الى تبني خيار «الإصلاح في ظل الاستقرار»، وإلى «التمييز بين الدعوي والسياسي» لأن لكل منهما فضاؤه الخاص والانخراط في العملية السياسية كفاعل سياسي ضمن ثلاثية «الديمقراطية والهوية والتنمية»، مضيفا أن هذه المراجعات أعادت تصحيح النظرة الى المجتمع والدولة وتبني خيار معتدل غير صدامي، عكس الخيار المتطرف الذي يبقى حالة معزولة تغذيها إيديولوجيات ومرجعيات مشرقية بعيدة عن بيئة الإسلام المغربي.
بدوره اختار «نصر عارف» أستاذ العلوم السياسية بالإمارات المتحدة الحديث عن جماعات التوظيف السياسي للإسلام التي أجملها في كون هذه الجماعات تمارس السياسة ضد المجتمع، منطلقا في تشخيصه للظاهرة من ثلاث مقدمات أولها : أن النموذج الإسلامي تاريخيا قام على أولوية المجتمع على الدولة، وثانيها ضرورة التمييز بين المؤسسات الطبيعية التي تؤسس تلقائيا تلبية لاحتياجات المجتمع وتلك المصطنعة لأغراض خاصة، بالإضافة الى التمييز بين المؤسسات الأفقية التي يتم التعامل معها كقطاعات وظيفية وبين والمؤسسات العمودية ذات الهيكيلية والبناء الهرمي التي تنافس الدولة وهي الأخطر، لافتا في هذا الصدد الى التمييز بدقة بين الجماعة والجمعية، ومن هذه الزوايا الثلاث يمكن النظر الى وضع هذه الجماعات التي» تضع التنظيم فوق الدولة والجماعة فوق الأمة». وعاد عارف الى الجذور التاريخية والثقافية لظهور هذه الجماعات التي عاشت 3 أزمات مر بها الاجتماع الإسلامي متمثلة في أزمة الهوية تجاه الآخر الغربي، ثم أزمة الانتماء وانتهاء بأزمة النسيج الوطني» .هذه الأزمات هي ما أفرز ظهور أول جمعية سلفية والتي ستنبثق عنها جماعات أخرى (أنصار الإسلام، الاخوان المسلمون…)، وهو انبثاق تقوى بعد الممانعة التي قوبل بها تأسيسها، مشيرا الى أن كل هجوم أو نقد للإسلام يغذي ويدفع الى تناسل التيارات المتطرفة لأنه يفجر نوعا من المقاومة، وهو المفعول نفسه الذي كان للهزائم العربية أمام إسرائيل والتي تعيد في كل مرة إنتاج خطاب هذه الحركات.
وبالرجوع الى النسق المعرفي لهذه الجماعات، توقف عارف عند مفهوم السياسة عند هذه الأخيرة ليؤكد أنها تؤمن بمفهوم أحادي لا يغترف من الأدبيات السياسية الإسلامية، معتبرا أن هذه الجماعات هي «جماعات حداثية غربية في سياق إسلامي» وأنها لم تكن يوما جزءا من النسيج الثقافي أو التاريخي الاسلامي. وخلص عارف الى أن الدول العربية مطالبة اليوم «بتجريم وتحريم تأسيس الجماعات العمودية على أسس إسلامية لقطع الطريق أمام محاولات تفتيت وتمزيق المجتمع وتأجيج الصراعات داخله».