الأرشيف الاستعماري الفرنسي:«هل يكون الخطوة التاريخية نحو حسم قضية الصحراء لصالح المغرب؟»

خلال زيارته الرسمية للمغرب في متم شهر أكتوبر 2024، وعد «إيمانويل ماكرون» بتسليم أرشيف «الفترة الاستعمارية» الفرنسية إلى المغرب. وقبل أن نسرد عليكم ما يمكن أن يكون محتواه، والتأثير المرتقب على قضية الصحراء المغربية الذي يمكن أن تحدثه هذه الوثائق، ينبغي أن نذكر بأن مثل هذه المبادرة ليست بالجديدة بين البلدين، بل سبقتها تعاملات أخرى، غير أن ما يميزها أنها تأتي في ظرفية مميزة (أي ما بعد عودة العلاقات المغربية – الفرنسية إلى سابق عهدها من الودية والقوة).

إعادة الأرشيفات: خطوة نحو تعزيز السيادة المغربية

تأتي هذه الخطوة التاريخية، التي أعلن الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» عنها خلال زيارته الأخيرة للمغرب في نهاية أكتوبر 2023. يرافق هذا الإعلان، نية بلاده في إعادة نحو «2.5 مليون وثيقة من الأرشيفات الفرنسية إلى المملكة المغربية (وثائق تتعلق بالفترة الاستعمارية). هذه الأرشيفات قد تحمل في طياتها «دلائل تدعم المطالبات المغربية بخصوص بعض الأراضي المتنازع عليها في المنطقة، وتفتح المجال لفهم أعمق للتاريخ الاستعماري الذي شهدته المنطقة».

أرشيفات مخفية: إشارات حول نزاع الحدود!

قبل الخوض في محتويات هذه الأرشيفات وتأثيراتها المحتملة، تجدر الإشارة إلى أن نقل الأرشيفات بين المغرب وفرنسا ليس أمراً جديداً. ففي شتنبر 2022، تم بالفعل نقل أكثر من 60,000 صورة رقمية من الأرشيفات الفرنسية إلى «أرشيف المملكة» في «الرباط» – ما يمثل حوالي 10 أمتار من الوثائق – التي تركز على التفاعل بين الإدارة الاستعمارية والمجتمع المغربي (خاصة القبائل التي كانت تُشكل تحديات حقيقية على المساعي الاستعمارية الفرنسية). كانت هذه الوثائق، تتعلق بشكل رئيسي بـ:»التنوع القبلي في المغرب» و «كيفية تعامل الاستعمار مع هذه القبائل» ، وهو ما يعتبر مصدراً هاماً لفهم «طبيعة المجتمع المغربي» في تلك الفترة.

الحديث عن الحدود: إشارات
إلى نزاع طويل الأمد

إن هذه الأرشيفات – التي وعد ماكرون بإعادتها – تثير تساؤلات حول الحدود المغربية الشرقية والجنوبية. فمنذ أواخر القرن الـ19، بدأت «فرنسا» و»إسبانيا» في تغيير معالم الحدود في تلك المناطق، ما أدى إلى «تآكل السيادة المغربية على العديد من الأراضي خاصة في الشرق والجنوب»، ويعتبر المؤرخون أن: «هذا التآكل في الحدود كان نتيجة للتوسع الاستعماري الفرنسي والإسباني في المنطقة»،
لذلك نتساءل: «هل تحمل هذه الأرشيفات أدلة قد تساهم في إعادة النظر في تلك الحدود؟». من هنا، هناك من يرى أن «هذه الوثائق قد تكشف بعض «الجوانب الغامضة» في التاريخ الاستعماري للمنطقة، وتقدم رؤية أكثر دقة عن كيفية تحديد تلك الحدود وفقاً للمصالح الاستعمارية».

التدقيق في وثائق معاهدة «لالة مغنية»

من بين «الوثائق الموعودة»، توجد معاهدة «لالة مغنية» التي تم توقيعها في 18 مارس 1845، والتي تحدد بـ»شكل جزئي حدود الجزائر والمغرب».
هذه المعاهدة، هي واحدة من القضايا الأكثر إثارة للجدل بين البلدين. في تلك الفترة، كانت «فرنسا» قد دخلت في صراع مباشر مع «المغرب»، وتعتبر هذه المعاهدة «خطوة مهمة» نحو تحديد الحدود بين «المملكة المغربية» و «الجزائر» تحت النفوذ الفرنسي. تحتوي المعاهدة كذلك، على بنود لا يزال أثرها موجودا ويثير التوترات حتى اليوم، خصوصاً البندين 3 إلى 6 اللذين تطرقا إلى «مناطق كانت محط نزاع طويل الأمد». على غرار البندين السابقين، يعد المقال 4 تحديداً محل جدل واسع لأنه يتحدث عن مناطق صحراوية بين البلدين لم تُحدد بشكل دقيق.
فرنسا والمغرب: نحو مرحلة جديدة من الشفافية التاريخية؟
بينما تثير هذه الوثائق التساؤلات حول الوضع التاريخي للأراضي المتنازع عليها، حيث يُنظر إلى هذه الخطوة كـ»إشارة إيجابية نحو تعزيز العلاقات بين البلدين»، قد تؤدي إلى «فتح نقاشات جديدة حول سيادة المغرب على أراضيه المتنازع عليها مع الجزائر، وتعيد إلى الواجهة مسائل كانت قد طُويت منذ عقود».
قد تساهم الأرشيفات أيضاً في تسليط الضوء على «مراحل تفاوضية بين فرنسا والمغرب حول العديد من القضايا الحدودية خلال فترة الاستعمار، ما يساعد على فك الغموض حول بعض التصريحات والاتفاقيات التي قد تكون غُيبت عن الأجيال السابقة».
المغرب في مواجهة التحديات الجغرافية والدبلوماسية
تأتي هذه الوثائق، في وقت حساس بالنسبة للمغرب، الذي يواجه تحديات جغرافية ودبلوماسية كبيرة في المنطقة. ففي ظل الوضع الإقليمي المضطرب، يُعتبر «الملف الحدودي» كـ»إحدى القضايا الرئيسية التي لا تزال تؤرق العلاقات بين الجزائر والمغرب».
إن استعادة هذه الوثائق، قد تفتح المجال لـ»فهم أعمق للمفاوضات التي جرت بين «فرنسا» و»المغرب» في تلك الفترة، وتمنح المغرب «قاعدة قوية» في مطالبه بخصوص الأراضي المتنازع عليها في الشرق والجنوب. ومع استعادة هذه الأرشيفات، قد تتضح بعض الحقائق التاريخية التي ستُسهم في تعزيز الموقف المغربي على الساحة الدولية».

الجنوب المغربي: الحدود الصحراوية
في قلب النزاع!

من المعروف أن النزاع حول الحدود الجنوبية للمغرب، كان «محوراً رئيسيا» للصراعات الاستعمارية في تلك الحقبة. فقد شهدت منطقة «الصحراء الكبرى» صراعاً بين المستعمرين الفرنسي والإسباني، حيث كان كلا البلدين يخططان للتمدد في هذه المناطق. في هذا السياق، فإن الوثائق من الحقبة الاستعمارية الفرنسية التي سيتم تسليمها قد تسلط الضوء على: «المحادثات والاتفاقيات التي تم إبرامها بين باريس ومدريد بشأن تقسيم النفوذ في الصحراء الكبرى، والتي ومن المتوقع أن تثير جدلاً جديداً حول الشرعية التاريخية للحدود المرسومة في تلك الفترة».

 


الكاتب : ترجمة : المقدمي المهدي عن «جون أفريك» عدد12 نونبر 2024

  

بتاريخ : 16/11/2024