شهدت أسعار المواد الاستهلاكية في المغرب خلال الأشهر الأخيرة موجة غلاء حادة تزامنت مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف وزيادة الطلب نتيجة تدفق السياح ومغاربة العالم. وقد تسببت هذه العوامل في زيادة ملحوظة في أسعار العديد من المواد الأساسية التي تمس جيوب المواطنين بشكل مباشر، لتفاقم من معاناتهم اليومية في ظل ارتفاع كلفة المعيشة.
بحسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط لشهر يوليوز 2025، ارتفعت الأسعار بنسبة 0.9% على مدار عام، مما يعكس استمرار الضغوط التضخمية رغم التراجع الطفيف في الأسعار على المستوى الشهري. ووفقًا للبيانات نفسها، فقد شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعًا بنسبة 1.9% خلال الشهور السبعة الأولى من العام الجاري، في حين كانت الزيادة في أسعار المواد غير الغذائية أقل بكثير بنسبة 0.7%. لكن هذا التفاوت بين الأقسام يخفي تغييرات جوهرية في بعض القطاعات التي شهدت زيادات كبيرة.
فقد ارتفعت أسعار السكن والماء والكهرباء والغاز بمعدل 2.5%، وزادت أسعار المشروبات الكحولية والتبغ بنسبة 3.2%، بينما سجلت خدمات المطاعم والفنادق ارتفاعا قويا وصل إلى 3.8%. في المقابل، شهدت أسعار النقل انخفاضا طفيفا بنسبة 3.1%، وهو ما ساهم في خفض المعدل العام للتضخم، رغم أن هذا التراجع لا يحمل أي تأثير حقيقي على ميزانية الأسر، ما يوضح أن تداعيات التضخم لم تنحسر بالشكل الذي يُطمئن المواطن المغربي.
أما التضخم الأساسي، الذي يستثني المواد ذات الأسعار المتقلبة والمواد المحددة الأسعار، فقد سجل ارتفاعا بنسبة 0.9% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. هذا الارتفاع يسلط الضوء على استمرار الضغوط على المواد والخدمات الأساسية مثل الإيجارات، والنقل الحضري، والتعليم، والرعاية الصحية، وهي كلها عوامل تؤثر بشكل مباشر على قدرة الأسر على التكيف مع متطلبات الحياة اليومية.
على المستوى الجغرافي، تم تسجيل تباين ملحوظ في معدلات التضخم بين المدن. ففي كلميم، على سبيل المثال، سجلت الأسعار ارتفاعًا بنسبة 2.2%، بينما كانت الزيادة في فاس 2.1%، وفي القنيطرة 1.9%. وهذا التباين يكشف عن تمركز الضغوط التضخمية بشكل متفاوت بين المناطق، مما يطرح تساؤلات حول العدالة المجالية في توزيع التدخلات العمومية التي من المفترض أن تخفف من وطأة هذه الزيادات.
وفيما يتعلق بأسعار المواد الغذائية الأساسية، التي تمثل النسبة الأكبر من نفقات الأسر ذات الدخل المحدود، فقد شهدت هي الأخرى ارتفاعات متواصلة. فقد ارتفعت أسعار الخبز والحبوب، ومشتقات الحليب، واللحوم، والزيوت بنسب متفاوتة على مدار السنة، مما جعل الغذاء يشكل عبئًا إضافيًا على ميزانية الأسر الفقيرة والمتوسطة.
أحد الأمثلة البارزة على هذه الزيادات كان ارتفاع أسعار الدجاج الحي، الذي وصل إلى 24 درهما للكيلو، مما أثار استياء العديد من المواطنين. كما شهد سعر البيض ارتفاعا ملحوظا، حيث انتقل ثمن البيضة الواحدة في سوق الجملة من 0.80 درهم إلى 1.15 درهم، ما جعل سعر البيض بالتقسيط يتراوح بين 1.30 و1.60 درهم حسب المنطقة. وفي قطاع السمك، شهدت الأسعار ارتفاعا شديدا، حيث تراوحت أسعار أنواع مثل “الميرلان” بين 90 و92 درهما للكيلو، بينما وصل سعر “الباجو” إلى 60-70 درهما، وبلغ سعر “الصول البوكلي” 120 درهما للكيلو.
أما الأجور، فلا تزال ثابتة دون أي تعديلات تواكب الارتفاع المتواصل في الأسعار. هذا الواقع يفاقم من تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة مع تعثر الحوار الاجتماعي وتزايد الفجوة بين الأجور وأسعار السلع والخدمات. في ظل هذه المعطيات، يزداد الشعور العام بعدم كفاية السياسات الحكومية في مواجهة هذه التحديات الاقتصادية، خصوصًا في غياب أي بدائل ملموسة أو إصلاحات فعالة. الطبقة الوسطى أصبحت عاجزة عن مواجهة هذه الضغوط المالية، بينما تستمر الفئات الهشة في الغرق في ديون متراكمة، ما يزيد من تراجع الثقة في قدرة الحكومة على توفير حماية اجتماعية حقيقية.