«الأطفال المزعجون» بين غياب دور الأسرة، وانهيار احترام الآخر، وتحديات العيش في الأحياء الشعبية

على الأمهات والآباء ألا يحمّلوا أخطاءهم للغير، أو لمنظومة التعليم، في ما يخص مراقبة أطفالهم الذين لا يغادرون الشوارع والأزقة والدروب، من أولى ساعات الشروق إلى ساعات متأخرة من الليل، ممارسين ألعاب مزعجة للجميع وضجيج وصخب لا يطاق، وألفاظ وسلوكيات لاأخلاقية، مع ما يسببه ذلك من أذى ومساس براحة الساكنة والمارة، ومن تدهور في علاقات الجيران، مقابل ضرورة استحضار مجموعة من التساؤلات من قبيل: متى ينجز هؤلاء الأطفال تمارينهم المنزلية؟ متى يراجعون دروسهم؟ متى ينامون ويأكلون؟ متى يكسبون قيم احترام الجيران وحب القراءة والكتب والفعل الجمعوي؟ متى يدركون مخاطر الانحراف والظواهر المعروفة؟.
بمناطق مختلفة، اختار بعض السكان الرحيل إلى أحياء أخرى أكثر هدوءا، أو سلكوا وسائل أخرى إذا لم يكن بعضهم يفضل الدخول في مشاجرات لعدم قدرته على ضبط النفس، فيما الطرف الآخر لم يستوعب أهمية الوعي بأن تربية الأبناء (جيل المستقبل) أمانة في أعناق أسرهم، وأن ضياع هؤلاء الأبناء لن تتحمل مسؤوليته إلا الأسر، وهناك من يعزو هذه الظاهرة إلى غياب أماكن للترفيه، أو غياب دور للشباب وملاعب وفضاءات اللعب، إلا أن «المزعجين» يفضلون الأزقة والدروب وأمام أبواب ونوافذ الغير، دونما أدنى تربية ولا احترام للآخر، وكل ذلك أمام مرأى من آبائهم وأمهاتهم، سواء إن كانوا من سكان المكان أو من القاطنين بأماكن مجاورة.
وكلما احتج البعض على «أطفال الشوارع»، يدخل في مشاجرات وتصرفات مشينة، وإذا تجاهل الوضع المزعج يتواصل الحال على ما هو عليه، وإذا لجأ للتهديد يستمر «المزعجون» في عنادهم أكثر، ولا غرابة في تحول الوضع إلى مشكلة مؤثرة على جودة الحياة، مقابل لجوء الكثيرين إلى خيار الرحيل ومغادرة الحي إلى أحياء أخرى أكثر أمانا وسكينة، في حين يفضل البعض عدم العودة لبيوتهم الا بعد شعورهم بخلو الحي من الضجيج، بينما يضطر آخرون لتجنب أي خلاف مع أسرة المزعجين، تفاديا لأي مشاكل، بالأحرى تسجيل ظاهرة أخرى صيفية تتمثل في جلوس بعض النساء كل ليلة على طول أرصفة الزقاق دونما حياء.
ومن الضروري بعث تساؤلات حائرة حول ما اذا كان أولياء الأمور غير مكترثين بمراقبة وتربية فلذات أكبادهم؟ ولا بتأثيرات الشارع عليهم ومخاطرها على الأخلاق والقيم والدراسة والمستقبل؟ فضلا عن السلوكيات المختلفة التي تشحن الطفل والطفلة بالألفاظ السيئة والعبارات المخدشة للحياء، وكذا بتفضيل الشارع على البيت، سيما من هؤلاء الأخيرين من لا يقتصر على فترة النهار فقط، بل هناك من يخرج إلى الشارع ليلا ويستمر في الإزعاج غير المحتمل حتى منتصف الليل، إما بكرات القدم أو بالدراجات الهوائية أو الصراخ والصخب والمشاجرة، ومن تعليقات أحد المدرسين إشارته لظاهرة ولوج التلاميذ لحجرات الدرس بأقمصة الفرق والمنتخبات.
إن مراقبة الآباء والأمهات لأبنائهم وبناتهم، وضبط سلوكياتهم، أضحت مطلبا مجتمعيا، بالإضافة إلى توفير أماكن ترفيهية لممارسة الأنشطة دون المساس براحة الآخرين الذين يودون الشعور بحقهم في الهدوء داخل بيوتهم، وبينهم كبار السن والعمال ومرضى الضغط والصداع، ومن خلال الظاهرة يحضر موقع «إنسايدرمانكي»، المتخصص في التصنيفات والتحليلات، الذي خرج بتصنيف المغرب في المرتبة ال 154 عالمياً في مؤشر التعليم العالمي، إلى جانب»البرنامج الدولي لتقييم المتعلمين» (PISA 2022)وتقريره الذي صنف فيه التلاميذ المغاربة من بين «الأقل كفاءة في التفكير الإبداعي ضمن 64 دولة»، و»المغرب متأخر بـ 28 نقطة عن البلد الأفضل أداءً».
وفي بعض الأحياء السكنية، استجاب أئمة بعض المساجد للساكنة بتقديمهم لخطب منبرية، أيام الجمعة، حول الموضوع بغاية تحسيس الآباء والأمهات وأولي الأمر بأضرار ومصائب الظاهرة، غير أن هذه الخطب بقيت خارج التغطية وغير مسموعة، بل أن العديد من هذه المساجد زحف عليها «الأطفال المزعجون» ممن يعمدون إلى التشويش على المصلين بأصوات وحركات مقلقة ومستفزة، ومن غير المعقول أن تعمد بعض الأسر إلى إطلاق العنان لأطفالها، حتى وإن أدى ذلك إلى مخاصمة كل الجيران، ذلك عوض تعليم هؤلاء الأطفال حدود التعامل مع الجيران والناس، أو اللعب بالفضاءات المحيطة بعيدا عن التجمع السكاني.
هذا بالنسبة للأطفال، أما بالنسبة لتلاميذ وتلميذات المؤسسات الإعدادية والثانوية، فحدث ولا حرج،مقابل عدم توفرهم على فضاءات وواقيات للاستراحة داخل المؤسسات التعليمية، بدل تركهم، بين «الساعات الفارغة»، يبحثون بين الأزقة المجاورة، وأبواب المنازل وأسفل النوافذ، على أمكنة للجلوس في انتظار وقت الدخول، مع ما يصاحب ذلك من صخب وإزعاج، أو من مشاهد وسلوكيات وألفاظ لا أخلاقية صادرة – أحيانا – عن بعضهم (وليس كلهم)، وهذا الوضع يثير أشكال مختلفة من ردود أفعال الساكنة، في غياب الأسر وأولي الأمر الذين لا يهتمون بأبنائهم إلى في أوقات الامتحانات، أو يعمدون إلى تعليق فشل هؤلاء الأبناء على مشجب أساتذتهم.


الكاتب : مراسلة خاصة

  

بتاريخ : 15/07/2024