الأفارقة الجدد‮ ‬يسببون القلق‮ ‬ تحدي‮ ‬الهجرة في‮ ‬ايطاليا بين الأفكار الجاهزة والواقع‮ ‬

‬تهيمن مسألة الهجرة على حملة الانتخابات الإيطالية المقررة في‮ ‬الرابع من مارس من خلال بعض الأفكار والمفاهيم المبالغ‮ ‬بها،‮ ‬لكن الذين‮ ‬يسببون القلق فعلا هم الواصلون الافارقة الجدد‮: ‬فقد وصل اكثر من‮ ‬690‮ ‬ألف شخص معظمهم من افريقيا جنوب الصحراء منذ‮ ‬2013،‮ ‬ولا‮ ‬يزال كثيرون منهم في‮ ‬البلاد،‮ ‬سواء حصلوا أم لا على أوراق إقامة قانونية‮.‬

 
‮ ‬تهيمن مسألة الهجرة على حملة الانتخابات الإيطالية المقررة في‮ ‬الرابع من مارس من خلال بعض الأفكار والمفاهيم المبالغ‮ ‬بها‮.‬
يفيد معهد الاحصاءات الايطالي‮ (‬ايستات‮) ‬ان عدد الاجانب المقيمين بصورة قانونية‮ ‬يبلغ‮ ‬5‮ ‬ملايين في‮ ‬بين‮ ‬60،5‮ ‬مليون نسمة في‮ ‬ايطاليا،‮ ‬اي‮ ‬8،3‭%‬‮.‬
أتى منهم‮ ‬23٪‮ ‬من رومانيا،‮ ‬و9٪‮ ‬من ألبانيا،‮ ‬و8٪‮ ‬من المغرب،‮ ‬و5،5‭%‬‮ ‬من الصين،‮ ‬و4،5‭%‬‮ ‬من أوكرانيا،‮ ‬و3،3‭%‬‮ ‬من الفيليبين،‮ ‬و3٪‮ ‬من الهند،‮ ‬ويؤدون أعمالا تجارية صغيرة،‮ ‬او‮ ‬يعملون في‮ ‬المنازل او في‮ ‬الزراعة‮.‬
لكن الذين‮ ‬يسببون القلق فعلا هم الواصلون الافارقة الجدد‮: ‬فقد وصل اكثر من‮ ‬690‮ ‬ألف شخص معظمهم من افريقيا جنوب الصحراء منذ‮ ‬2013،‮ ‬ولا‮ ‬يزال كثيرون منهم في‮ ‬البلاد،‮ ‬سواء حصلوا أم لا على أوراق إقامة قانونية‮.‬
وتفيد التقديرات،‮ ‬ان عدد المهاجرين‮ ‬غير الشرعيين‮ ‬يناهز‮ ‬500‮ ‬الف ليس لهم الحق في‮ ‬طلب اللجوء او وصلوا حاملين تأشيرة دخول انتهت مدة صلاحيتها‮.‬
ويفيد تقرير لمعهد اوروسيبس ان‮ ‬30٪‮ ‬من الايطاليين‮ ‬يعرفون ان ثمة حوالى‮ ‬8٪‮ ‬من الاجانب في‮ ‬بلادهم‮. ‬وجميع الآخرين‮ ‬يقول ان العدد أكثر،‮ ‬وحتى أكثر بكثير‮.‬
ويفيد مركز إيدوس للدراسات الهجرة،‮ ‬ان المهاجرين‮ ‬يؤمنون ما بين‮ ‬2،1‮ ‬و2،8‮ ‬مليار‮ ‬يورو إضافية،‮ ‬أي‮ ‬أكثر مما‮ ‬يكلفون الخزينة العامة‮. ‬فنظرا لأن عمرهم أقل من متوسط عمر الايطاليين،‮ ‬فانهم‮ ‬يساهمون بمبلغ‮ ‬أكبر في‮ ‬صندوق الضمان الاجتماعي‮ ‬مما‮ ‬يحصلون عليه،‮ ‬في‮ ‬ما‮ ‬يتعلق بمعاشات التقاعد او التعويضات الصحية‮.‬
إلا ان الواصلين من ليبيا قد كلفوا الدولة اكثر من‮ ‬4،2‮ ‬مليارات‮ ‬يورو في‮ ‬2017،‮ ‬كما تقول الحكومة‮: ‬18٪‮ ‬لعمليات الاغاثة في‮ ‬البحر،‮ ‬و13٪‮ ‬للمساعدة الصحية،‮ ‬و65٪‮ ‬للاهتمام بطالبي‮ ‬اللجوء‮.‬
في‮ ‬2013،‮ ‬كان عدد طالبي‮ ‬اللجوء في‮ ‬مراكز الاستقبال‮ ‬22‮ ‬الف شخص‮. ‬وفي‮ ‬اواخر كانون الثاني‮/‬يناير،‮ ‬ارتفع العدد الى‮ ‬182‮ ‬الفا بفضل نشوء جمعيات ومراكز خاصة في‮ ‬40٪‮ ‬من المدن والبلدات،‮ ‬تدفع لها الدولة‮ ‬35‮ ‬يورو عن كل شخص‮ ‬يوميا‮.‬
يختلف استقبال طالبي‮ ‬اللجوء كثيرا بين هيئة وأخرى‮. ‬فالبعض منها‮ ‬يقدم دروس اللغة الايطالية والدعم النفسي‮ ‬المطلوب،‮ ‬وينظمون مباريات في‮ ‬كرة القدم،‮ ‬واعمال تطوع وتدريبات‮… ‬وتتيح هذه الانشطة ازدهار المجتمعات الريفية التي‮ ‬تستفيد منها‮.‬
لكن جمعيات أخرى تتقشف من أجل خفض التكاليف،‮ ‬وتكدس مئات الأشخاص الذين‮ ‬يموتون ضجرا في‮ ‬انتظار قرار حول وضعهم،‮ ‬وهذا ما‮ ‬يمكن ان‮ ‬يستغرق سنتين،‮ ‬فيتزايد الغضب والارتياب بين المهاجرين وكذلك بين السكان‮.‬
وقال موسى بامبا‮ (‬32‮ ‬عاما‮) ‬من ساحل العاج الذي‮ ‬أمضى بضعة أشهر في‮ ‬احد هذه المراكز‮ “‬يصبح الناس مجانين هنا‮. ‬ثمة عدد كبير من الشبان الذين لا تعود بهم طاقة للاحتمال بعد بضعة أشهر‮”.‬
أدى اسهاب وسائل الاعلام في‮ ‬الحديث عن اعمال مشينة متفرقة منسوبة الى اجانب،‮ ‬الى اعادة طرح الاسئلة حول العلاقة بين الهجرة وانعدام الامن،‮ ‬لكن وزارة الداخلية تقول ان الجرائم والجنح تراجعت في‮ ‬ايطاليا منذ‮ ‬10‮ ‬سنوات،‮ ‬فيما استمر عدد الاجانب في‮ ‬الارتفاع‮.‬
إلا ان المعتقلين الاجانب‮ ‬يشكلون في‮ ‬الوقت الراهن‮ ‬16٪‮ ‬من السجناء في‮ ‬ايطاليا،‮ ‬اي‮ ‬ضعف نسبتهم بين السكان،‮ ‬كما تقول وزارة العدل‮.‬
لكن كثيرين هم مهاجرون وصلوا خلسة‮. ‬يفيد عدد كبير من التقارير الاخيرة ان نسبة الجريمة في‮ ‬اوساط الاجانب المقيمين في‮ ‬وضع قانوني،‮ ‬شبيهة بنسبة الجريمة في‮ ‬اوساط الايطاليين،‮ ‬لكنها ترتفع كثيرا بين المقيمين‮ ‬غير الشرعيين‮.‬
يعد مرشحو اليمين واليمين المتطرف وحركة‮ ‬5‮ ‬نجوم ايضا بوقف تدفق الواصلين وباعادة مئات آلاف المهاجرين‮ ‬غير القانونيين الى بلدانهم‮.‬
لكن تدفق المهاجرين من ليبيا مرهون في‮ ‬المقام الأول باستقرار ذاك البلد واستمرار الاتفاقات المثيرة للجدل التي‮ ‬عقدتها روما مع السلطات والفصائل الليبية،‮ ‬واتاحت خفض عمليات الوصول بنسبة‮ ‬70٪‮ ‬منذ صيف‮ ‬2017‮.‬
وسيحتاج ابعاد جموع المهاجرين السريين الى جسر جوي،‮ ‬وآلاف الرحلات،‮ ‬على ان تسبقه زيادة الاتفاقات مع بلدان الأصل‮.‬
واتاح مجهود في‮ ‬هذا الاتجاه زيادة عمليات الابعاد‮ ‬12٪‮ ‬في‮ ‬2017‮. ‬واعلنت وزارة الداخلية انها ارتفعت من‮ ‬5817‮ ‬حالة في‮ ‬2016‮ ‬الى‮ ‬6514‮ ‬العام الماضي‮.‬

ماسيراتا الهادئة تكشف عن التوتر‮ ‬

‮ ‬تجد مدينة ماسيراتا الصغيرة الهادئة في‮ ‬وسط ايطاليا نفسها في‮ ‬معترك حملة الانتخابات التشريعية التي‮ ‬تنظم في‮ ‬الرابع من مارس المقبل كونها تكشف عن التوترات العميقة التي‮ ‬تثيرها قضية المهاجرين وطالبي‮ ‬اللجوء‮.‬
وخلافا لقرى منطقة فينيتيا التي‮ ‬يتحد سكانها في‮ ‬رفضهم للمهاجرين،‮ ‬والبعيدة عن مراكز الاستقبال الضخمة التي‮ ‬تقلق الجنوب،‮ ‬تشبه ماسيراتا معظم مدن ايطاليا التي‮ ‬تحملت قسطها الصغير في‮ ‬استقبال آلاف المهاجرين الذين‮ ‬يصلون إلى شواطىء إيطاليا كل اسبوع منذ‮ ‬2013‮.‬

يعيش في‮ ‬ماسيراتا‮ ‬42‮ ‬الف شخص بينهم‮ ‬9٪‮ ‬من الأجانب‮ ‬يشكل الاوروبيون معظمهم،‮ ‬ومع نسبة بطالة تصل إلى11٪،‮ ‬وهي‮ ‬بذلك تشبه سائر بلدات إيطاليا حتى لو أنها عانت من تصفية مصرف محلي‮ ‬صغير في‮ ‬2015،‮ ‬وهزات أرضية سوت قرى مجاورة بالأرض في‮ ‬2016‮.‬
لكن المدينة تصدرت الأنباء عندما عثر فيها على جثة المدمنة باميلا ماستروبيترو‮ (‬18‮ ‬عاما‮) ‬مقطعة،‮ ‬وأطلق لوكا ترايني،‮ ‬اليميني‮ ‬المتطرف،‮ ‬النار على أفارقة،‮ ‬موقعا ستة جرحى على الاقل،‮ ‬بعدما أشيع أن الشبهات تحوم حول ارتكاب نيجيريين الجريمة‮.‬
عندئذ شهدت المدينة تدفق حركات من اليمين المتطرف أتت للدفاع عن ترايني،‮ ‬ثم آلاف من المعادين للفاشية،‮ ‬فيما كان مرشحو اليمين الى الانتخابات‮ ‬يتبارون في‮ ‬التعبير عن مواقف متشددة حيال الهجرة،‮ ‬ويعتصم اليسار بحبل الصمت المزعج‮.‬
وأعادت رابطة ماتيو سالفيني‮ ‬اليمينية المتطرفة،‮ ‬من دون مفاجآت،‮ ‬طرح شعارها‮: “‬الايطاليون أولا‮”‬،‮ ‬فيما وصف حليفها اليميني،‮ ‬رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلوسكوني،‮ ‬الهجرة بأنها‮ “‬قنبلة اجتماعية‮” ‬جاهزة للانفجار‮.‬
وقالت لورا،‮ ‬وهي‮ ‬أم لتوأمين في‮ ‬السادسة من العمر،‮ ‬لدى خروجها من المدرسة،‮ “‬لقد سقط علينا الامر من دون سابق انذار‮”. ‬واضافت ان‮ “‬ماسيراتا هي‮ ‬فعلا مدينة هادئة جدا،‮ ‬نحن لسنا معتادين على ذلك‮”.‬
واكد مادو سيسي‮ ‬القادم من مالي،‮ ‬ووصل في‮ ‬2011‮ ‬وبات صانع حلوى في‮ ‬ماسيراتا‮ “‬انا مسرور هنا‮”. ‬واضاف‮ “‬ما تخيلت ابدا انه‮ ‬يمكن ان‮ ‬يحصل شيء مثل هذا هنا‮”.‬
وذكر محمد،‮ ‬الصومالي‮ ‬الذي‮ ‬وصل في‮ ‬2009‮ ‬والموظف في‮ ‬محطة محروقات‮ “‬لم أواجه اي‮ ‬مشكلة هنا‮. ‬عندما‮ ‬يراني‮ ‬الناس،‮ ‬يلقون التحية علي‮. ‬كل شيء رهن بطريقة تصرفنا‮”.‬
لكن ما أن نضع آلات التصوير ودفاتر الملاحظات جانبا،‮ ‬حتى‮ ‬يسارع عدد كبير من الناس الى التعبير عن عدائهم حيال المهاجرين،‮ ‬ولاسيما منهم الآتون من افريقيا جنوب الصحراء‮.‬
وما‮ ‬يرددونه باستمرار هو ان‮ “‬اعدادهم كبيرة جدا‮”.‬
وقال شاب‮ “‬عندما نمشي‮ ‬في‮ ‬الليل في‮ ‬بعض الأحياء ونراهم في‮ ‬مجموعات،‮ ‬لا‮ ‬يمكن الا ان نشعر بالخوف‮”.‬
وتفيد استطلاعات الرأي‮ ‬ان الهجرة باتت موضوعا رئيسيا قبل الانتخابات لدى حوالى‮ ‬30٪‮ ‬من الناخبين،‮ ‬في‮ ‬مقابل اقل من‮ ‬5٪‮ ‬في‮ ‬2013‮. ‬في‮ ‬هذه الأثناء،‮ ‬وصل الى ايطاليا اكثر من‮ ‬690‮ ‬الف مهاجر،‮ ‬بقي‮ ‬كثيرون منهم في‮ ‬البلاد،‮ ‬يحملون أوراقا ثبوتية او لا‮ ‬يحملون‮.‬
واعرب محامي‮ ‬ترايني،‮ ‬جيانكارلو جوليانيالي‮ ‬عن قلقه من تدفق رسائل التضامن مع موكله،‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يشكل عمله الجرمي،‮ ‬كما قال،‮ ‬سوى‮ “‬الجزء الظاهر‮” ‬عن الرفض العميق‮.‬
وقال لوكالة فرانس برس ان هذه الرسائل تأتي‮ ‬من‮ “‬أشخاص عاديين معظم الوقت،‮ ‬من أشخاص‮ ‬يساريين ويمينيين‮” ‬يعرضون تقديم المال‮.‬
كانت جينابا ديوب‮ (‬23‮ ‬عاما‮) ‬المولودة في‮ ‬ماسيراتا من أبوين سنغاليين،‮ ‬تعي‮ ‬هذا الامر منذ فترة بعيدة‮. ‬وقالت‮ “‬كنت في‮ ‬العاشرة من عمري‮ ‬عندما نعتني‮ ‬أحدهم لأول مرة بأنني‮ ‬عبدة‮. ‬ومنذ ذلك الحين،‮ ‬تزداد الامور سوءا‮”.‬
واضافت‮ “‬يطلب مني‮ ‬الناس ان أعود الى افريقيا‮. ‬وذات‮ ‬يوم،‮ ‬قال لي‮ ‬اعضاء حركة فورتسا نيوفا‮ (‬اليمينية المتطرفة‮) ‘‬موتي‮’. ‬أجبتهم انهم لم‮ ‬يتمكنوا من قتلي‮ ‬باطلاق النار علي،‮ ‬فماذا‮ ‬يستطيعون ان‮ ‬يفعلوا الان؟‮”‬


بتاريخ : 06/03/2018