الألتراس المغربية الحركة الرياضية ذات الوجوه المتعددة 7: الألتراس المغربية ظاهرها رياضة وباطنها أشياء أخرى

الألتراس المغربية من هي، وإلى أي وسط ينتمي أفرادها، وما الهدف من تكوين هؤلاء الشباب لهاته المجموعات؟ هي مجموعات مكونة من شباب مغاربة من فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، معظمهم ينحدر من أوساط شعبية، اجتمعوا على حب وتشجيع فريق واحد، لا تتحدد أعمارهم في عمر معين، وتختلف أجناسهم وأعراقهم وأصولهم، وعلاوة على شغف اللعبة الذي يتملكهم، فاختلافاتهم تتوحد وتتقوى لتكون روابط متماسكة ومشتركة، تؤطرهم مقومات عدة؛ كالوفاء والولاء وحس الانتماء …

 

قد لا يكون التسويق هدفا للألتراس المغربي، لكنه قد يكون نتيجة بعينها. إن هدفهم الأسمى هو تشجيع الفريق ومناصرته، لكن عروضهم تأخذ بعدا تسويقيا مكّن أنديتهم من اعتلاء مراتب متقدمة في تصنيف المواقع العالمية.
لا يمكن الحديث عن فصائل الألتراس المغربي دون الوقوف عند قوتهم التسويقية التي تتسيد المشهد الكروي، مساهِمةً في إنعاش الجسم الرياضي المحلي والنهوض به. فالأساليب الإبداعية التي غدت تكسو مدرجات الملاعب تلعب دورا كبيرا في تسويق صورة الأندية ومعها الكرة المغربية بالأساس.
فلم تكن أنظار دربي البيضاء بين الرجاء العالمي ووداد الأمة مثلا موجهة نحو اللقاء ونتائجه بقدر ما كانت مصوبة نحو الجماهير وإبداعاتهم، حيث تألقت جماهير كلا الفريقين ليصل صداهم إلى باقي دول العالم. وقد تميز اللقاء عموما، بجودة الشعارات أو التيفوهات التي رفعها الفريقان في المقابلتين معا في معقل مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، فضلا عن الأغاني والهتافات والأهازيج ٠
وتتمثل الصيغ الأخرى في الشعارات أو كما تسمى بلغة الألتراس «التيفوهات»، تلك الرسوم الأخاذة أو اللوحات الإبداعية التي تطفو على مدرجات الملاعب وتزين جنباته، والتي غالبا ما تحمل بعدا إيحائيا تعبيريا يتماشى وطبيعة المباراة والخصم فضلا عن نوعية المسابقة (محلية، قارية..). أما خارج المدرجات، فنجد الرسوم الجدارية (الطاغات) التي تتخذ أشكالا تعبيرية فنية، قد تحيل إلى الهوية التاريخية والبصرية للنادي من جهة، كما قد تحمل رسائل مشفرة أو خطابات احتجاجية مضمرة تستهدف جهات معينة، من جهة أخرى.
قد يرى البعض أنها أساليب لا تعدو كونها تعبيرا عن مشاعر ما، لكنها في حقيقة الأمر تساهم في تطوير الأندية المحلية وزيادة شعبيتها بل وزيادة الإقبال عليها من طرف الممولين والمستثمرين وشركات الرعاية. وتجدر الإشارة إلى أن الإبداع المحلي لهذه الفصائل قد يساهم بطريقة أو بأخرى في استمالة الجماهير الأجنبية واستقطابها، ومن ثم توسيع القاعدة الجماهيرية وتضخيمها. في هذا الصدد يقول عمر عبد الله، شاب مصري ومشجع وفيّ لنادي الأهلي، إنه من بين الأسباب التي جعلته يعشق نادي الرجاء الرياضي هي «الشعارات والأغاني التي يصدح بها الجمهور في المباريات وكذا التيفوهات اللافتة التي يرفعونها، بالإضافة إلى المستوى الذي أبان عنه الفريق في كأس العالم للأندية 2013، فضلا عن التعاون الذي يجمع بين إدارتي النادي الأخضر ونادي الأهلي».
وفي سياق آخر، انتشر سنة 2019 مقطع فيديو مباشر لفتاة أمريكية مشجعة وعاشقة لنادي الرجاء المغربي، تظهر فيه وهي تذرف دموعا وتبكي بحرقة لعدم قدرتها على الحصول على تذكرة لحضور مباراة النادي الأخضر ضد فريق الترجي التونسي، نظرا لنفادها. كما ناشدت كل من يستطيع مساعدتها من أجل حضور اللقاء ومتابعته من داخل مدرجات ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء، وهو ما يبرز أن خلايا الألتراس المغربي تشكل عنصر قوة في الترويج لصورة الأندية وإذاعة صيتها.
الألتراس المغربي يشكل إذا قضية بعينها، باطنها وظاهرها رياضة لكن أبعادها اجتماعية سياسية وتسويقية. فرياضيا، تؤطرها روابط قوية ومتماسكة ذات نفوذ وتأثير، تعشق فريقها وألوانه حتى النخاع، تدعمه وتناصره في كل زمان ومكان بل وتضحي من أجله. اجتماعيا، تحتضن فاعلين مهوسين بخدمة المجتمع، لا يفارقهم الحس الإنساني، تشغلهم المشاكل والتحديات الاجتماعية، حريصون على تقديم الدعم وإسماع صوت الشباب. سياسيا، تتبنى شبابا مناضلين وإن عجزوا عن تغيير الواقع، إلا أنهم واعون بالتحولات والمستجدات السياسية، يضبطون احتجاجهم على إيقاع المدرجات ويتطلعون لمغرب أفضل. تسويقيا، توحد حشودا جماهيرية تدون وتصدح، تتفنن وتبدع ليصل صداها إلى العالم. صحيح أن الألتراس ظاهرة رياضية لا تخلو من السلبيات، إلا أن طيفها الإيجابي لم يحظ بالقدر الكافي من المعالجة والبحث والتحليل، رغم التأثير الذي يوثقه.


بتاريخ : 19/03/2024