الأممية الاشتراكية وقادتها مع الشعب الفلسطيني.. ما قاله إدريس لشكر، بيدرو سانشيز، وبيان الرباط

 

خصصت اجتماعات الأممية الاشتراكية حيزا كبيرا للقضية الفلسطينية، سواء في اجتماعات لجنة إفريقيا للأممية الاشتراكية أو في اجتماع الأممية الاشتراكية للنساء، أو في مجلس الأممية الاشتراكية، في كلماتها أو بياناتها، واستقبل إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أحمد المجدلاني، الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بحضور السفير الفلسطيني بالرباط جمال الشوبكي، وتبادل الطرفان الحديث حول العلاقات الثنائية بين الحزبين وسبل تطوير العلاقات الحزبية في مختلف المجالات.
وكانت فلسطين في قلب حدث الأممية الاشتراكية، و في هذا الصدد قال إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في افتتاح مجلس الأممية الاشتراكية حول القضية الفلسطينية: ” إننا اليوم أمام تحديات دولية كبرى تتطلب مواقف حاسمة ورؤية عادلة، ومن أبرز هذه القضايا وأعمقها جذورا في التاريخ الحديث قضية الشعب الفلسطيني، التي تعد واحدة من أطول الصراعات السياسية والإنسانية في العصر الحديث، حيث يعاني الشعب الفلسطيني، صاحب الحضارة العريقة والإرث الثقافي الغني، من حرمانه المستمر من حقه المشروع في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية، في إطار حل الدولتين، وفي هذا السياق نطلب من المنتظم الدولي أن يدعم الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي.
إن الشعب الفلسطيني لا يطالب بأكثر من حقوقه الطبيعية التي كفلتها الشرعية الدولية ومواثيق الأمم المتحدة، وعلى رأسها الحق في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، ولكن هذه الحقوق لا تزال رهينة التجاذبات السياسية والمصالح الدولية التي تعطل تنفيذ القرارات الأممية، وتطيل أمد المعاناة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون يوميا تحت الاحتلال، من مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات إلى الحصار والتضييق على حياتهم اليومية.
ومن هنا نطالب كل الأمم بالاعتراف الفوري بالدولة الفلسطينية، والترافع من أجل حصولها على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة.
إن تحقيق السلام العادل والشامل لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إرادة سياسية حقيقية من المجتمع الدولي، تدعم حق الشعب الفلسطيني في الحرية والكرامة، وتضغط لوقف الممارسات التي تنتهك القانون الدولي. كما يتطلب الأمر من القوى المؤمنة بالعدالة في العالم، توحيد جهودها لدعم الشعب الفلسطيني، ليس فقط بالكلمات ولكن بخطوات عملية تعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة الأجندة الدولية، فلقد آن الأوان لكي يتحمل العالم مسؤوليته الأخلاقية والسياسية لإنصاف الشعب الفلسطيني بما يضمن له حياة كريمة في وطن حر ومستقل، ويحقق الأمن والسلام الدائمين في المنطقة بأسرها.
وفي هذا السياق، لا بد لنا من تثمين الجهود الشجاعة التي يبذلها رئيس الأممية الاشتراكية السيد بيدرو سانشيز وكل من يسانده من قادة العالم للخروج من حالة الجمود الدموي التي تعيشها المنطقة، فهذه الجهود تمثل خطوة هامة نحو استعادة الأمل في تحقيق السلام العادل والشامل الذي ينشده الجميع، ونؤكد أن نجاح هذه المساعي يعتمد على الالتزام بمبادئ العدالة واحترام الحقوق المشروعة لجميع الأطراف، دون ازدواجية في المعايير أو تغليب لمصالح ضيقة على حساب السلام والأمن.
إننا ندعو إلى حوار جاد وفعال يفتح أبواب الأمل أمام شعوب المنطقة، ويضع أسسا جديدة لعلاقات قائمة على التعاون والاحترام المتبادل، فهذا هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل مستقر ومزدهر وتحقيق تطلعات شعوب المنطقة في العيش بسلام وأمان.
نجتمع اليوم على أرض إفريقيا، القارة التي تجسد في حاضرها ومستقبلها لحظة تحول تاريخية على الصعيد العالمي، فإفريقيا ليست مجرد جغرافيا، بل هي مرآة تعكس التحديات الكبرى التي يواجهها العالم، وفي الوقت ذاته تحمل في طياتها إمكانات هائلة وفرصا واعدة يمكن أن تغير معالم المستقبل، فقارتنا تقدم نموذجا فريدا للتعايش بين التحدي والأمل، وهي على مفترق طرق يختزل مفارقات العصر.
إفريقيا، في ظل هذا السياق العالمي المزدوج، تقف في موقع استراتيجي يمكنها من أن تكون جزءا من الحل، لا مجرد مستقبل لتداعيات الأزمات، فيما تمتلكه من موارد طبيعية هائلة، وثروة بشرية شابة وطموحة، وفرص اقتصادية غير مستغلة، يمكن أن تصبح قاطرة للتنمية المستدامة، ونموذجا جديدا لبناء عالم أكثر توازنا وإنصافا، فمسؤوليتنا اليوم تتجاوز الاحتفاء بالفرص، إلى العمل الجاد من أجل تحويلها إلى واقع ملموس يحقق الرفاه لشعوبنا، ويضمن للأجيال القادمة مستقبلا أكثر إشراقا.
نحن في الحركة الاشتراكية الديمقراطية، نؤمن بأن القيم التي راكمناها عبر مسيرتنا النضالية الطويلة ليست مجرد شعارات، بل هي مبادئ أساسية تشكل السبيل الوحيد لمواجهة التحديات المتعددة التي تعصف بعالمنا اليوم، فقيم العدالة والمساواة والتضامن الإنساني ليست فقط غايات نطمح إلى تحقيقها، بل أدوات فعّالة لبناء مجتمع أكثر توازنا وعالم أكثر إنصافا.
نحن نسعى إلى بناء عالم يكرس السيادة الوطنية للدول ويصون سلامة أراضيها، بعيدا عن التدخلات الخارجية أو الهيمنة الاقتصادية والسياسية، عالم ينعم فيه الجميع بعدالة حقيقية في اقتسام الثروات، ويتحول فيه الاقتصاد إلى وسيلة لتحقيق التنمية الجماعية لا أداة لزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، عالم يحترم البيئة كمصدر حياة مشترك بين الأجيال، ويعترف بالكوكب كرأس مال جماعي للبشرية، ما يستدعي سياسات مستدامة تحمي مواردنا الطبيعية وتحافظ على توازنها، عالم يوفر للأجيال القادمة فرصا حقيقية لحياة كريمة وآمنة تضمن حقوق الإنسان الأساسية وتحمي الكرامة البشرية من كل أشكال التهديد والابتزاز.
إن المغرب باعتباره جزءا لا يتجزأ من إفريقيا ومن خلال تجربته الديمقراطية نجح في تطوير مؤسسات الدولة وتعزيز المسار الديمقراطي رغم التحديات الكبرى التي مر بها، وفي مقدمتها وحدته الترابية التي استطاع بشرعية موقفه وعدالة قضيته وحكمة قيادته أن يكسب هذا المشكل المفتعل ويجعل منه حافزا لبناء دولة قوية وعادلة، حيث أظهر قدرة كبيرة على التكيف مع متطلبات العصر الحديث، وقام بإصلاحات سياسية هامة أرسى من خلالها أسسا لنموذج ديمقراطي متفرد في محيطه الإقليمي والقاري، بتوافق تام بين كل مكوناته ومؤسساته وعلى رأسها المؤسسة الملكية، مما جعل منه ركيزة للاستقرار في المنطقة والقارة بأكملها، كما أطلق المغرب مشاريع تنموية كبرى تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، تركز على الإنسان كمحور أساسي، مع مراعاة التوازن بين مختلف الأقاليم من الشمال إلى الجنوب، مكنت من تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، حيث لم تعد هذه المشاريع مجرد خطط اقتصادية بل هي جزء من رؤية وطنية تعزز العدالة الاجتماعية وتساهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين.
كما يعد المغرب مثالا حيا للتعايش بين مختلف الثقافات والأديان، ففيه يلتقي التنوع مع الوحدة، ويعيش المواطنون من مختلف الخلفيات الثقافية والدينية في تناغم واحترام متبادل، وهو ما يجعل منه نموذجا فريدا للانفتاح الثقافي والتسامح، يؤهله للمساهمة في التغيير داخل قارته كدولة إفريقية صاعدة تتوق إلى سيادة الاستقرار والتنمية داخلها، والانفتاح على العالم.
وفي كلمة لشكر في اجتماع الأممية الاشتراكية للنساء  قال : ” في معارك تحرر الشعوب واستقلالها، قدمت المرأة نماذج رائعة فاقت في بعض الأحيان ما يقدمه الرجال، ولنا في المرأة الفلسطينية نموذجا بارزا من الصمود والمقاومة.. عندما ننظر إلى حجم الضحايا في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان، نجد أن النساء والأطفال دفعوا الثمن الأكبر مقارنة بالرجال. هذا يدل على صلابة المرأة الفلسطينية التي لم تفرّ بأبنائها، بل ظلت متشبثة بأرضها ومدافعة عنها.. هذه الهجمة الشرسة تطرح علينا اليوم، كاشتراكيين، تساؤلًا جوهريًا: ما العمل؟ ألا تحتاج الاشتراكية اليوم إلى زخم جديد وإلى تطور فكري يواكب تعقيدات المجتمعات المعاصرة ويقترح حلولًا تجذب قواعد شعبية جديدة وتؤثر في الرأي العام؟”.
كما تطرق بيدرو سانشيز، الأمين العام للحزب الاشتراكي العمالي الإسباني ورئيس الأممية الاشتراكية، في كلمته خلال أشغال افتتاح المجلس الدولي للأممية الاشتراكية بمدينة الرباط، إلى فلسطين حيث قال: ” إن صوتنا ليس ضروريا فقط، بل هو أساسي ويجب أن يكون هذا الصوت حازما وواضحا في الدفاع عن دولة “فلسطينية مستقلة” تعيش في سلام مع “إسرائيل” في ظل حل الدولتين، كما يجب أن يكون حازماً في التأكيد على الحاجة الملحة لإطلاق سراح الرهائن الذين أسرتهم حماس، وفي دعم الجولاني والسوريين في إعادة بناء بلدانهم، وفي الدفاع عن أوكرانيا الحرة التي يمكنها استعادة السلام بعد هذا الدمار، وفي الدعوة إلى السلام من أجل ذلك.
إن جذور الحساسية السياسية والإقليمية، يجب أن تكمن دائما في التماسك، ولهذا السبب، إذا كان العالم مليئا بالنفاق والكيل بمكيالين، فيجب علينا نحن، الاشتراكيين، أن نرفع صوتنا بأمانة وشجاعة، صوتا يطالب بالسلام الآن، وفي كل مكان، صوتا يدعو إلى تعددية متجددة ونظام دولي قائم على القواعد!
إن التطلع إلى المستقبل من خلال عدسة الماضي يعادل فقدان الحاضر، وهو الخطر الذي تواجهه البشرية مع صعود اليمين المتطرف. في اجتماعنا الأخير في “أنقرة”، سلطنا الضوء على أهمية ربط القضايا العالمية بالسياسات الوطنية والإقليمية لمواجهة هذه القوى اليمينية المتطرفة. وسنستمر في هذه المحادثات من خلال مجموعة العمل الخاصة بنا حول الاستراتيجية السياسية وشبكتنا من ممثلي السلطات المحلية والإقليمية.
إن اليمين التقليدي والأكثر اعتدالا قد استسلم أخيرا لخطاب الكراهية والتطلع إلى الماضي، ولسوء الحظ انتهى بهم الأمر إلى تطبيع ما كان غير مقبول حتى وقت ليس ببعيد. الآن لا يقتصر الأمر على قبول فرضية ومبادئ اليمين المتطرف فقط، بل هم يمارسون فعلا أسوأ من ذلك. إنهم يتبنون وينسخون مثل هذه الخطابات بتغييرات طفيفة لجعلها أكثر قبولا لدى الجمهور. أعتقد أن هذا أكثر ضررا نظرا لثرائها واختراقها الأكبر لعامة الناس، حيث يدفعهم الخوف، بدعوى أنهم يبتغون حماية قاعدة ناخبيهم بأي شكل من الأشكال، حتى على حساب التخلي عن مبادئهم، إلى التصرف بهذه الطريقة أيضا، تثبيتا منهم للمصلحة الذاتية. إنهم يعتقدون أنهم يستطيعون الاعتدال وممارسة الترويض للشعبوية الأكثر رجعية، كما لو أنهم لم يتعلموا من التاريخ أن بعض الخطابات: “لا يمكن ترويضها، والشيء الوحيد الذي يجب فعله هو رفضها ودفنها في الماضي الذي لا ينبغي أن يعودوا منه أبدا”، على سبيل المثال في بلدي.
يجب على الأممية الاشتراكية أن تقف بحزم في هذا الموقف، فهذا ليس وقت التراجع أو الضعف. لقد حان دورنا للوقوف وتقديم الأمل وبدائل الفكر التقدمي. حان دورنا للدفاع عن قيمة العلم والعقل في مواجهة التغير المناخي. حان دورنا للدفاع عن قيم الأفكار في عالم ترفض فيه النخب الديمقراطية اقتراح تنمية مناهضة السياسة. وبالمناسبة، لماذا تختار مناهضة السياسة؟ لأنها طريق مختصر في الأجندة الرجعية لإضعاف العدالة الاجتماعية، وتفكيك دولة الرفاهية، إنها أجندة لتشتيت انتباه الناس والتوقف عن الحديث عن العدالة المالية وإنهاء الضرائب.
إن الأفق الجديد يكمن في تعزيز النمو على حساب كوكبنا والأجيال القادمة، ينبغي أن نسعى إلى تجاوز الخطابات التقليدية، وخلق فرص العمل مع حماية حقوق العمال، وتعزيز نمو الحماية الاجتماعية مع تقليل الانبعاثات والدفاع عن المساواة. أنا على علم مباشر بذلك، كون هذا النموذج هو ما عملنا عليه وقمنا بتنفيذه في إسبانيا على مدى السنوات السبع الماضية وهو يعطي نتائج جيدة، وسينمو الاقتصاد الإسباني بأكبر قدر هذا العام بأربعة أضعاف متوسط منطقة اليورو.
من جهته، أكد صالح غيبزابو، رئيس لجنة إفريقيا بالأممية الاشتراكية على الوضع في منطقة الشرق الأوسط، وأن إفريقيا لا يمكن لها أن تبقى في وضع المتفرج على إسرائيل وهي تدمر الشعب الفلسطيني كل يوم، بمشاركة من الكبار والقوى العظمى، مضيفا في ذات السياق أنه ” ليس لإفريقيا الحق في السكوت والتزام الصمت أمام هذا الوضع.”، وخصص الاجتماع حيزًا كبيرًا للقضية الفلسطينية، حيث دعا رئيس لجنة إفريقيا للأممية الاشتراكية، صالح غيبزابو، إلى محاسبة إسرائيل على الانتهاكات المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، مشددًا على أن ما يحدث هو “إبادة جماعية” تستوجب تدخلاً دوليًا فوريًا.
وفي بيان الرباط لمجلس الأممية الاشتراكية: حلول تقدمية لعالم متغير، ناقش الاجتماع النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، داعيا إلى احترام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ووقف إطلاق النار فورا والاعتراف بدولة فلسطين.


الكاتب : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 25/12/2024