بات دور الأوروبيين الذين نشطوا في التفاوض على بنود الاتفاق النووي الإيراني سنة 2015، يقتصر على كونهم مراقبين يتابعون عن بعد المباحثات الجارية حاليا بين واشنطن وطهران.
والوقت المتاح لتحقيق ذلك ينفد، إذ إن إيران” ليست بعيدة” من امتلاك القنبلة النووية، على ما حذر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي في مقابلة مع صحيفة “لوموند” الفرنسية نشرت الأربعاء.
وتشتبه دول غربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في أن إيران تسعى إلى تطوير سلاح نووي، في حين تنفي الجمهورية الإسلامية هذه الاتهامات مؤكدة حقها في استخدام الطاقة النووية لأغراض مدنية.
وتجري جولة جديدة من المحادثات الأمريكية الإيرانية السبت في روما بوساطة عمانية أيضا.
وفي ظل تزايد المخاوف من ضربة إسرائيلية على إيران، أعربت البلدان الأوروبية الثلاثة المنخرطة منذ فترة طويلة في الملف الإيراني والمعروفة باسم (إي3)، وهي فرنسا وبريطانيا وألمانيا، عن تأييدها لأي مبادرة دبلوماسية حتى لو لم تكن تشارك فيها مباشرة.
وقال علي فايز من “مجموعة الأزمات الدولية”إنه “من المؤسف أن الأوروبيين الذين أطلقوا هذا المسار الديبلوماسي قبل 22 عاما وأدوا فيه دورا بارزا لم يحسنوا لعب أوراقهم هذه المرة”.
وقبل الإعلان عن المباحثات الأمريكية الإيرانية، أجرت مجموعة (إي3) مناقشات مع طهران في جنيف في أكتوبر ونوفمبر ويناير وفبراير وصفتها طهران بـ”البناءة”.
أما الآن، “فيبدو أن الأوروبيين عالقون في فخ مزدوج، فهم من جهة مستبعدون من المفاوضات الحالية ومحصورون في دور المعلق، ومن جهة أخرى لا يستطيعون تقويض فرص أي اتفاق جديد، وإن كان أمريكيا إيرانيا”، على ما قال دافيد خلفا من مؤسسة جان-جوريس.
ولا يتوقع خلفا أن “يتغير دور الأوربيين بشكل كبير في الأيام المقبلة، إذ إن إدارة ترامب مناهضة للاتحاد الأوروبي”.
ورأى علي فايز أن “الأمر مؤسف بالفعل، لأنه خلافا للعمانيين، يتمتع الأوروبيون بالدراية التقنية والذاكرة المؤسسية لدفع المفاوضات قدما”.
أما تييري كوفيل، الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية “إيريس” في فرنسا، فهو يعتبر أن استبعاد الأوروبيين لم يحصل نتيجة قرار واشنطن فحسب.
وأشار الباحث إلى أن “الخطأ الاستراتيجي ارتكب وقت انسحاب دونالد ترامب من اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة في 2018”.
وأبرم هذا الاتفاق في 2015 بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، أي الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا، فضلا عن ألمانيا.
ولفت كوفيل إلى أن “الإيرانيين الذين أرادوا الحفاظ على الاتفاق طلبوا من الأوروبيين مساعدتهم من خلال الإبقاء على التبادلات التجارية مع إيران بالرغم من العقوبات الأمريكية”.
وصحيح أن الأوروبيين أقروا “بأهمية هذا الاتفاق”، غير أن شركاتهم “هربت كلها من السوق الإيرانية”، ما تسبب “إلى حد بعيد في تدهور الوضع الاقتصادي الإيراني، وأيضا في فقدانهم مصداقيتهم”، بحسب كوفيل.
ويؤكد الأوروبيون على قدرتهم على إعادة تشغيل الآلية التي تسمح بفرض عقوبات دولية من جديد على إيران والمعروفة بـ”سناب باك”.
فالاتفاق المبرم في 2015 ينص على تخفيف العقوبات الدولية على طهران في مقابل الإشراف على برنامجها النووي.
وفي ظل تخلي طهران عن التزامات مفروضة عليها بموجب الاتفاق ردا على انسحاب واشنطن منه، وجهت برلين ولندن وباريس في ديسمبر رسالة إلى مجلس الأمن تطرقت فيها إلى احتمال إعادة تفعيل العقوبات.
ولفت ديبلوماسيون أوروبيون إلى أن المهلة المتاحة قصيرة، ذاكرين أنها تمتد حتى نهاية يونيو أو الصيف.
وفي العام 2018، عندما سحب دونالد ترامب بلده بقرار أحادي من الاتفاق الذي كانت طهران تلتزم ببنوده بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أعاد فرض عقوبات شديدة على الجمهورية الإسلامية.
وتعتبر آلية “سناب باك”وسيلة الضغط الوحيدة في أيدي الأوروبيين، بحسب الخبراء، وقال دافيد خلفا إن “استراتيجيتهم راهنا تقضي … بجعل الأمريكيين يدركون أن من مصلحتهم إشراكهم في المفاوضات في وقت ما”.
غير أن هامش المناورة ضيق، إذ إنه في حال تشغيل آلية “سناب باك”، لن يعود في أيدي أوروبا أي وسيلة ضغط أخرى، وفق علي فايز.
كما لفت فايز إلى أن ذلك “قد يدفع إيران إلى الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ما قد يفاقم الوضع بدلا من حل المشكلة القائمة”.
وأوضح تييري كوفيل أن إيران ترى على الأرجح أنه “من الأجدى عقد اتفاق مع ترامب تكون استدامته مضمونة، نظرا لنفوذ الرئيس الأمريكي”.
الأوروبيون مستبعدون من مفاوضات الملف النووي الإيراني

بتاريخ : 18/04/2025