«الأونروا» على شفا كارثة هائلة لها آثار خطيرة على السلام والأمن في المنطقة على «الفيتو الأمريكي» مع تزايد عدد القتلى في غزة

قُتل نحو مئة شخص في قطاع غزة جراء القصف الإسرائيلي العنيف خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، وفق ما أعلنت الخميس وزارة الصحة التي تديرها حركة حماس، بينما أجرى مبعوث أميركي مباحثات في إسرائيل بشأن هدنة محتملة.
فبعد مرور أكثر من أربعة أشهر على بدء الحرب إثر هجوم حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر، أصبح 2,2 مليون شخص مهددين بالمجاعة في قطاع غزة وفقا للأمم المتحدة.
وبينما خلفت الحرب ما يقرب من 29500 قتيل في قطاع غزة بحسب وزارة الصحة التي تديرها حماس، يعرب المجتمع الدولي عن القلق إزاء مصير ما يقرب من مليون ونصف مليون فلسطيني يتكدسون في رفح (جنوب) قرب الحدود المغلقة مع مصر.
فقد نفذ سلاح الجو الإسرائيلي، قبل الفجر، نحو عشر غارات على المدينة، بحسب ما أفاد صحافي في وكالة فرانس برس. واستهدف القصف أيضا خان يونس على بعد بضعة كيلومترات شمالا، حيث قال الجيش إنه قتل «15 إرهابيا» خلال معارك.
ووفق وزارة الصحة في غزة، أودى القصف خلال أربع وعشرين ساعة بحياة 97 فلسطينيا في جميع أنحاء القطاع المدمر الذي تفرض عليه إسرائيل حصارا مطبقا منذ 9 أكتوبر.
وقال رامي الشاعر (21 عاما) الذي نجا من القصف في رفح «استيقظت على صوت انفجار ضخم مثل الزلزال، نار ودخان وانفجارات وغبار في كل مكان. سقط جزء من سقف منزلنا وأمي أصيبت، وأخواي محمد وعبد الله واختي مريم أصيبوا واخرجناهم من تحت الردم».
في هذه المدينة، أدى القصف أيضا إلى تدمير جامع الفاروق الذي لم تبق منه سوى المئذنة.
وروى محمد أبو خوصة النازح من خان يونس إلى رفح لوكالة فرانس برس «عند منتصف الليل فجأة وردنا اتصال بإخلاء المكان. استهدفوا الجامع بصاروخين».
وقال أحمد أبو موسى «كارثة… مربع سكني من نصف كيلومتر مربع د مر».
ويصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على شن هجوم بري على رفح، من أجل هزيمة حماس في «معقلها الأخير» وتحرير الرهائن المحتجزين في غزة منذ هجوم 7 أكتوبر.
في ذلك اليوم شنت حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل، ق تل خلاله أكثر من 1160 شخصا، معظمهم مدنيون، وفقا لحصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استنادا إلى بيانات إسرائيلية رسمية.
وتقدر إسرائيل أن 130 رهينة ما زالوا محتجزين في القطاع ي عتقد أن 30 منهم ق تلوا، من أصل نحو 250 شخصا خطفوا خلال الهجوم.
وأكد البنك الدولي أن الحرب بين إسرائيل وحماس لها عواقب «كارثية» على البنية التحتية في غزة وتسببت في انكماش اقتصاد القطاع بأكثر من 80% من حوالي 670 مليون دولار في الربع الثالث إلى 90 مليونا فقط في الربع الأخير.
إلى ذلك، تتواصل المناقشات حول خطة صاغتها قطر والولايات المتحدة ومصر، تنص المرحلة الأولى منها على هدنة لمدة ستة أسابيع مرتبطة بتبادل رهائن بأسرى فلسطينيين، وإدخال مساعدات إنسانية كبيرة إلى غزة.
وبعد زيارة إلى القاهرة، أجرى بريت ماكغورك مستشار الرئيس الأميركي جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط، الخميس محادثات في إسرائيل شملت خصوصا وزير الدفاع يوآف غالانت.
في هذا الصدد، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي إن «المؤشرات الأولية لدينا من بريت (ماكغورك) تشير إلى أن المناقشات تسير بشكل جيد»، مشيرا إلى أن المحادثات تتعلق «بتوقف طويل (في القتال) من أجل إطلاق سراح جميع الرهائن» و»إدخال المزيد من المساعدات الإنسانية» إلى قطاع غزة.

تزايد عزلة إسرائيل دوليا

من جهتها، شرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا لمدير مكتبها في لندن مارك لاندلر قال فيه؛ إنه عندما تم تحذير ديفيد بن غوريون، أحد ‏الآباء المؤسسين لإسرائيل، في عام 1955 من أن خطته للاستيلاء على قطاع غزة من مصر ستثير رد فعل عنيفا في الأمم ‏المتحدة، سخر من الأمم المتحدة، مرددا اختصارها العبري، «أوم شموم».‏
وجاءت هذه العبارة لترمز إلى استعداد إسرائيل لتحدي المنظمات الدولية، عندما تعتقد أن مصالحها الأساسية معرضة للخطر.‏
وبعد مرور ما يقرب من 70 عاما، تواجه إسرائيل موجة أخرى من الإدانة في الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، ومن ‏عشرات الدول بسبب عمليتها العسكرية في غزة، التي أسفرت عن مقتل ما يقدر بنحو 29 ألف فلسطيني، غالبيتهم من النساء ‏والأطفال وخلفت دمارا شاملا في المنطقة.‏
لقد أدى التضخم الهائل في الضغوط العالمية إلى ترك الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في عزلة شديدة، ‏وإن لم تكن قد خضعت بعد، فيرجع ذلك إلى حدّ كبير إلى أنها لا تزال تحظى بدعم أقوى حليف لها، الولايات المتحدة، بحسب المقال.
وتابع: «لكن هذه المرة، تواجه إسرائيل قطيعة نادرة مع واشنطن. تعمم إدارة بايدن مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ‏يحذر الجيش الإسرائيلي من شن هجوم بري في رفح، بالقرب من مصر، حيث يقيم أكثر من مليون لاجئ فلسطيني، كما ‏سيدعو إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في أقرب وقت ممكن».‏
وقال مارتن إنديك، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل؛ «إنها مشكلة كبيرة للحكومة الإسرائيلية لأنها كانت قادرة في ‏السابق على الاختباء خلف حماية الولايات المتحدة. لكن بايدن يشير الآن إلى أن نتنياهو لم يعد قادرا على اعتبار هذه الحماية ‏أمرا مفروغا منه».‏
وقال إنديك: «هناك سياق أوسع من الإدانة من قبل الرأي العام الدولي، وهو أمر غير مسبوق من حيث الاتساع والعمق، ‏الذي امتد إلى الولايات المتحدة. لقد أصبحت الدوائر الانتخابية التقدمية والشبابية والعرب الأمريكيين في الحزب الديمقراطي، ‏غاضبة وتنتقد بشدة بايدن لدعمه لإسرائيل».‏
حتى الآن، لم يسمح الرئيس بايدن للضغوط الدولية أو المحلية بالتأثير عليه. وفي يوم الثلاثاء، رجعت الولايات المتحدة للقيام ‏بدور مألوف، حيث استخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع صدور قرار يدعو إلى وقف ‏فوري لإطلاق النار في غزة. وهذه هي المرة الثالثة خلال حرب غزة التي تستخدم فيها الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ‏ضد قرار يضغط على إسرائيل.‏
منذ إنشاء الأمم المتحدة عام 1945، أي قبل قيام دولة إسرائيل بثلاث سنوات، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض أكثر ‏من 40 مرة لحماية إسرائيل من مجلس الأمن. وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث الأمريكيون مجرد صوت آخر، ‏أصبحت القرارات ضد إسرائيل أمرا شائعا. وفي ديسمبر الماضي، صوت المجلس بأغلبية 153 صوتا مقابل ‏‏10، مع امتناع 23 عضوا عن التصويت، على وقف فوري لإطلاق النار‎.‎‏ ‏
وقال مايكل أورين، سفير إسرائيل السابق لدى الولايات المتحدة، متحدثا عن الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية وهيئات ‏أخرى: «فيما يتعلق بالإسرائيليين، فإن هذه المنظمات تقف ضدنا. إن ما يفعلونه لا يؤثر علينا استراتيجيا أو تكتيكيا أو ‏عملياتيا».‏
لكن أورين أقر بأن أي قطيعة مع الولايات المتحدة، أكبر مورد لها للأسلحة، وحليفها السياسي القوي، والمدافع الدولي الرئيسي ‏عنها، سيكون «مسألة مختلفة تماما».‏
وبينما تتعرض إسرائيل لضغوط شديدة منذ الأيام الأولى لهجومها على غزة، فإن جوقة الأصوات من العواصم الأجنبية ‏أصبحت مدوية في الأيام الأخيرة. وفي لندن، دعا حزب العمال المعارض، الثلاثاء، إلى وقف فوري لإطلاق النار، مغيّرا ‏موقفه عن موقف حزب المحافظين الحاكم، تحت ضغط من أعضائه ومن أحزاب معارضة أخرى.‏
وحتى الأمير ويليام، وريث العرش البريطاني البالغ من العمر 41 عاما، دعا إلى «إنهاء القتال في أقرب وقت ممكن»، وهو ‏تدخل جيوسياسي نادر من قبل أحد أفراد العائلة المالكة الذين عادة ما يتجنبون مثل هذه القضايا. وقال ويليام في بيان يوم ‏الثلاثاء: «لقد قُتل عدد كبير جدا».‏
ولعل العرض الأكثر إثارة للانتباه لعزلة إسرائيل، هو ما حدث في محكمة العدل الدولية في لاهاي، حيث يصطف ممثلو 52 ‏دولة هذا الأسبوع لتقديم مرافعاتهم في قضية تنظر في شرعية «احتلال إسرائيل واستيطانها وضمها» للأراضي الفلسطينية. ‏بما في ذلك الضفة الغربية والقدس الشرقية، وكان معظمهم ينتقدون إسرائيل بشدة.‏
وفي يوم الأربعاء، هبت الولايات المتحدة مرة أخرى للدفاع عن إسرائيل، وناشدت المحكمة عدم إصدار حكم يلزم إسرائيل ‏بالانسحاب غير المشروط من هذه الأراضي. وقال محامي وزارة الخارجية، ريتشارد فيسيك؛ إن هذا من شأنه أن يجعل ‏التوصل إلى تسوية سلمية بين إسرائيل والفلسطينيين أكثر صعوبة؛ لأنه لن يأخذ أمن إسرائيل بعين الاعتبار.‏
لكن صوت أمريكا كان صوتا وحيدا، ولم تقدم سوى بريطانيا حجة مماثلة.‏
وقال فيليب ساندز، محامي حقوق الإنسان الذي تحدث نيابة عن الفلسطينيين: «الحقيقة هي العكس تماما». وفي إشارة إلى أن ‏المحكمة أكدت بالفعل حق الفلسطينيين في تقرير المصير، قال؛ «إن وظيفة هذه المحكمة – وظيفة هؤلاء القضاة، ووظيفتكم ‏‏– هي تبيين القانون: توضيح الحقوق والالتزامات القانونية التي تسمح بحل عادل في المستقبل‎.»‎
وسيكون حكم محكمة العدل الدولية استشاريا فقط، وقد رفضت إسرائيل حضور هذه الإجراءات. لكن تحدي إسرائيل للهيئات ‏الدولية لا يعني أنها تتجاهلها تماما.‏
ورفضت الحكومة الإسرائيلية في البداية ادعاءات جنوب أفريقيا بالإبادة الجماعية، ووصفتها بأنها «حقيرة ومزرية». كانت ‏هناك تقارير تفيد بأن نتنياهو أراد إرسال آلان ديرشوفيتز، المحامي الذي دافع عن دونالد ترامب، والممول ومرتكب الجرائم ‏الجنسية جيفري إبستين، لعرض قضية إسرائيل – وهو الاختيار الذي قال البعض؛ إنه كان سيحول جلسة الاستماع إلى جلسة ‏سيرك. وفي النهاية، أرسلت فريقا قانونيا رفيع المستوى، بقيادة المحامي الأسترالي الإسرائيلي، تال بيكر، الذي قال؛ ‏إن جنوب أفريقيا قدمت «وصفا مخالفا للواقع» للصراع.‏
وفي حكم مؤقت صدر في أوائل فبراير، أمرت المحكمة إسرائيل بمنع ومعاقبة التصريحات العامة التي تشكل تحريضا ‏على الإبادة الجماعية، وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. لكنها لم تستجب لطلب رئيسي من جنوب أفريقيا: وهو ‏أن تعلق إسرائيل حملتها العسكرية.‏
وحتى مع الأمم المتحدة نفسها، فإن الدافع الإسرائيلي لقول «أم شموم» لا يذهب أبعد من ذلك. وكثيرا ما تقوم إسرائيل ‏بمناورات لنسف أو تخفيف قرارات مجلس الأمن؛ لأنها تدرك أنها يمكن أن تفتح الباب أمام العقوبات.‏
في ديسمبر 2016، ضغط المسؤولون الإسرائيليون على ترامب، الذي انتخب للتو رئيسا، للضغط على ‏الرئيس الأسبق باراك أوباما لاستخدام حق النقض ضد قرار في مجلس الأمن يدين إسرائيل بسبب المستوطنات اليهودية في ‏الضفة الغربية (امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت، وتم تمرير القرار).‏
وقال دانييل ليفي، مفاوض السلام الإسرائيلي السابق، الذي يدير الآن مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط، وهي ‏مجموعة بحثية مقرها في لندن ونيويورك؛ «إنهم يدركون أنه يتعين عليك إبقاء المعارضة العالمية على مستوى الخطابة. لا ‏يمكنك السماح لها بالدخول إلى عالم التكاليف والعواقب».‏

الأونروا وصلت إلى «نقطة الانهيار»

من جانب آخر، حذ ر المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني الخميس في رسالة وجهها إلى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أن الوكالة وصلت إلى «نقطة الانهيار».
وقال في الرسالة «إنه لمن دواعي الأسف العميق أن أبلغكم اليوم أن الوكالة وصلت إلى نقطة الانهيار، مع دعوات إسرائيل المتكررة لتفكيكها وتجميد تمويل المانحين في مواجهة الاحتياجات الإنسانية غير المسبوقة في غزة».
وأضاف «إن قدرة الوكالة على الوفاء بتفويضها بموجب قرار الجمعية العامة رقم 302 أصبحت الآن مهددة بشدة».
=توظف الأونروا التي تأسست بموجب هذا القرار الذي تم تبنيه عام 1949، حوالى 30 ألف شخص في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان والأردن وسوريا.
وكانت الوكالة محور جدل منذ أن اتهمت إسرائيل 12 من موظفيها بالضلوع في هجوم 7 أكتوبر الذي نفذته حركة حماس على جنوب الدولة العبرية وأدى إلى مقتل 1160 شخصا، معظمهم من المدنيين، بحسب تعداد وكالة فرانس برس يستند إلى بيانات رسمية إسرائيلية.
أنهت الوكالة على الفور عقود الموظفين المتهمين، وبدأت تحقيقا داخليا. كما كلف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجموعة مستقلة برئاسة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا بمهمة تقييم الأونروا و»حيادها» السياسي.
لكن رغم أن «إسرائيل لم تقدم أي دليل للأونروا حتى الآن» يثبت اتهاماتها، فقد علقت 16 دولة تمويلها الذي يبلغ إجماليه 450 مليون دولار، وفق ما قال فيليب لازاريني محذ را من أن أنشطة الوكالة في جميع أنحاء المنطقة «ستكون معرضة لخطر كبير ابتداء من شهر مارس».
وأضاف المفوض العام للأونروا «أخشى أننا على شفا كارثة هائلة لها آثار خطيرة على السلام والأمن وحقوق الإنسان في المنطقة».
خلفت الحرب في غزة قرابة 29500 قتيل وفق وزارة الصحة التي تديرها حركة حماس في قطاع غزة الذي تقصفه إسرائيل بلا هوادة وتفرض عليه حصارا مطبقا.
ويكرر كبار مسؤولي الأمم المتحدة أن الأونروا لا يمكن تعويضها في غزة، حيث تشكل العمود الفقري للمساعدات الإنسانية.
وشدد لازاريني على أن الوكالة الإنسانية «ملأت على مدى عقود الفراغ الناجم عن غياب السلام أو حتى عملية سلام»، داعيا إلى منحها «الدعم السياسي» من الجمعية العامة للأمم المتحدة للسماح ببقاء الأونروا و»الانتقال نحو حل سياسي طال انتظاره»، فضلا عن إصلاح طريقة تمويلها التي تعتمد أساسا على المساهمات الطوعية.
من جانبها، قالت كولونا في مؤتمر صحافي الخميس إن الهدف من المهمة «الحساسة» التي تقوم بها المجموعة المستقلة، في هذا السياق، هو «استعادة ثقة» المانحين.
وأضافت «هدفي هو تقديم تقرير دقيق، مبني على الأدلة من شأنه أن يساعد الأونروا على الوفاء بتفويضها»، موضحة أنها تعتزم «تقديم توصيات» في التقرير النهائي المتوقع تسليمه بحلول 20 أبريل.


بتاريخ : 24/02/2024