‹›قيمة بلادنا سكانها»، هو شعار عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى التي جرت بالمغرب هذه السنة. ولأنه لا يمكن لأي بلد أن ينفي قيمة سكانه، فإن في حالتنا نحن يتساءل الناس دوما حول مدى قيمتهم في بلدهم. ويعد شعار عملية الإحصاء تساؤلا «هل قيمة بلادنا سكانها فعلا؟»، وعيا منا بأهمية التساؤل من أجل استيعاب الواقع وفهمه. إن عملية الاحصاء الوطني للسكنى، مرت في ظروف استثنائية، خلفت نقاشا وطنيا، لدى العديد من المواطنين/ات والفاعلين/ات، بين من رحب بعملية الإحصاء، ومن رفضها، لأسبابه الخاصة، خاصة وأنها تزامنت مع الدخول المدرسي.
جريدة الاتحاد الاشتراكي رصدت جزءا من تفاصيل هذه العملية،
عبر التواصل مع باحثين ومشاركين ومراقبين في عملية الإحصاء، باعتبارهم الفئة الأكثر احتكاكا مع المواطنين، في كل من المجالين القروي والحضري.
(س.ا) طالبة موجزة في شعبة القانون، شاركت في عملية الإحصاء كباحثة في المجال القروي، بجهة مراكش أسفي. لم تواجه الباحثة عوائق كثيرة أثناء إحصائها للساكنة، لكن استوقفتها طبيعة بعض التساؤلات المطروحة من طرف المواطنين، تقول الباحثة في تصريح للاتحاد الاشتراكي ‘’ تساءل أغلب المواطنين فيما إذا كانت عملية الإحصاء مرتبطة بمسألة الدعم الاجتماعي، وحينما تتعلق أسئلة الإحصاء بالنشاط الاقتصادي، فإن معظمهم لا يفضلون التصريح بمعلوماتهم››.
بين التجاوب والرفض
يتوفر الباحثون والباحثات في عملية الإحصاء، على صنفين من الاستمارات على لوحاتهم الالكترونية، الأولى قصيرة والثانية طويلة، بعد مرور خمس استمارات قصيرة أو أكثر، تتغير تلقائيا على اللوحة الالكترونية إلى استمارة طويلة، وهذه الأخيرة تضم معلومات أكثر تفصيلا، مثل النشاط الاقتصادي، الهجرة الداخلية، التعليم، نوعية البناء المعتمدة وغيرها من المعلومات. وأضافت الباحثة بجهة مراكش أسفي في تصريحها: ‘’من بين 239 استمارة وجدتُ 20 استمارة طويلة فقط، وكان الاشكال الذي يطرح نفسه في الاستمارة الطويلة هو مسألة النشاط الاقتصادي، لأنه حسب تعريف الاحصاء، يعتبر من اشتغل ساعة أو أكثر من الأسبوع الذي سبق المرجع الزمني للإحصاء، أي شهر شتنبر، يعتبر نشيطا مشتغلا، وهذا الأمر رفضه المواطنون.››
ومن نفس الجهة (مراكش آسفي)، تحدثنا مع (م.م)، طالب موجز، باحث في عملية الإحصاء بالمجال الحضري، والذي يرى بأن العملية مرت بشكل ناجح الى حد ما، وذلك بسبب الطريقة التي نهجتها المندوبية السامية للتخطيط، سواء فيما يتعلق بالوسائل التقنية، أو اختيار باحثين من نفس المنطقة لتسهيل التواصل. يقول (م.م) ‘’أحصيت جزءا من المواطنين من مجموع خمسة أحياء، مرت الامور بشكل ناجح، لكن كانت هناك حالتي رفض››.
ولأن هذا الرفض غالبا ما يعود الى الوضع الاجتماعي والنفسي والاقتصادي للمواطنين، فإننا تساءلنا مع (م.م) عن مبررات هذا الرفض، ليحدثنا عن إحدى الحالات؛ وهو رب أسرة يعمل اليوم بكامله، يؤكد الباحث: «التقيته في المساء، خرج من منزله يستعمل إضاءة هاتفه، وكان هذا الرجل المسكين في وضعية مزرية، قال لي أنه بلا كهرباء، وأنه رافض رفضا تاما أن يتم إحصاءه في ظل الواقع الذي يعيشه، ولم أستطع مناقشته››.
«وجدت مجموعة من الصعوبات هنا. العديد من الأسر ترفض الإدلاء بمعلومات أفرادها وحياتها، منهم من يرفض ذلك بشكل مباشر، ومن يؤكد لنا أنه تم إحصاؤه في مكان آخر بهدف تجنبنا، وبين من يبدأ معنا في ملئ الاستمارة، لكنه يتوقف ويلغي العملية’’؛ هكذا كان تصرح الباحثة في المجال الحضري (خ.ل)، بجهة الداخلة وادي الذهب لجريدة الاتحاد الاشتراكي. والتي اضطرت في كثير من الحالات ترك المسؤولية للسلطات المعنية، من أجل التواصل مع الأفراد الرافضين لملئ استمارة الإحصاء.
وإذا كانت عملية الإحصاء في المجال القروي، تشهد تحفظا عن بعض المعلومات والأسئلة، فإن المجال الحضري كان أكثر حدة، ويصل الأمر حد الرفض لفكرة الإحصاء، كما حدث مع الباحثة (خ.ل) بمدينة الداخلة. هذه الأخيرة لم تسلم هي الأخرى من تساؤلات المواطنين، حول الغاية من إحصائهم، إذ تضيف قائلة: ‘’هناك تساؤلات بالجملة طُرحت عليَّ، من قبيل؛ هل هناك دعم أو استفادة؟ هل هناك بقع أرضية وراء هذه العملية؟››.
الحوز .. التلقائية والترحيب وسط الألم
مؤكد أن عملية الاحصاء الوطني للسكنى شملت جميع ربوع المملكة، ولأن في المغرب أقاليم تعيش أوضاعا نفسية صعبة، كتلك التي تضررت من زلزال الحوز؛ فإننا قمنا بالتواصل مع أحد الباحثين المشاركين في العملية بواحد من هذه المناطق، التي كانت «الاتحاد الاشتراكي» قد خصصت لها استطلاعا في الخامس من يونيو بجريدة الاتحاد الاشتراكي، حول وضع المتضررين من زلزال الحوز.
تعرف هذه المناطق تضاريس جبلية وعرة، وطريق تربط بين مجموعة دواوير بأعالي الجبال. وفرت المندوبية السامية للتخطيط وسائل نقل للباحثين. تنقل اسماعيل، باحث بالمجال القروي في عملية الاحصاء الوطني، نحو تلك الدواوير. وتحدث إلى جريدة الاتحاد الاشتراكي، قائلا؛ «لم نواجه أي صعوبات أثناء عملية الإحصاء، وسائل النقل متوفرة، الساكنة تجاوبت بشكل ايجابي مع العملية، ولم نتلقى أي حالة رفض».
«أثارت انتباهي هذه المسألة، كيف أن أسرا لم تستفد من الدعم المقدم للأسر المتضررة من الزلزال، ومازالت تعيش في الخيام وترحب بالمشاركين في عملية الاحصاء دون أن ترفض الأمر». هذا ما أضافه الباحث اسماعيل، تساؤل واستغراب من تفاعل الناس مع العملية رغم وضعهم الاجتماعي الحاصل».
فئات خاصة
وشملت عملية الإحصاء كذلك؛ المواطنين الذين يعانون من اضطرابات عصبية أو إدراكية. لم يتم استهدافهم باستمارة نوعية بشكل مباشر، ولكن تم إحصاءهم أينما وجدوا، سواء ضمن السكان البلديين أو المحسوبين على حدة. وجدير بالذكر أن السكان البلديين يشملون مجموع الأشخاص المقيمين الاعتيادين والمنتمين للأسر العادية والرحالة والأشخاص بدون مأوى. وفيما يخص المحسوبين على حدة؛ فهم فئة من المواطنين والمواطنات الذين تضطرهم ظروفهم المهنية أو الصحية، أو لأسباب أخرى للعيش جماعيا كنزلاء السجون مثلا، والزوايا، ومراكز حماية الطفولة، ودور التربية المحروسة، والداخليات…الخ.
فئة الأشخاص بدون مأوى، تضم أكبر عدد من الأفراد الذين يعانون من اضطرابات عصبية أو إدراكية، كما أكد لنا محمد عبو مراقب في المجال الحضري بجهة درعة تافيلالت، تحديدا بمدينة تازناخت، والذي تحدث عن هذه التجربة لجريدة الاتحاد الاشتراكي قائلا: « مرت عملية إحصاء الأشخاص بدون مأوى بشكل سلس، وكان الجزء الكبير منهم يدخل ضمن خانة أفراد يعانون اضطرابات عصبية وإدراكية، تكلف الباحثون بتعبئة الاستمارات المخصصة لهذه الفئة». استُهدفت هذه الفئة بالإحصاء يوم 25 شتنبر، على مستوى المراكز والجماعات الحضرية، وتم تدقيق نوعية صعوباتهم، وطريقة تفاعلهم وغيرها من التفاصيل المتضمنة في محاور الاستمارة المعدة لهذا الغرض من قِبَل المندوبية السامية للتخطيط. وأضاف محمد؛ « لم تكن هناك سوى حالتي رفض فقط من هذه الفئة، في المنطقة التي اشتغلت بها، إحدى هاتين الحالتين وصل بها الأمر إلى حمل السلاح الأبيض، لكن عموما مرت هذه العملية بشكل ناجح بسبب تعاونهم معنا».
وقد استعانت المندوبية السامية للتخطيط من أجل إحصاء الأشخاص بدون مأوى، بالباحثين وأعوان السلطة، يرافقهم عناصر من الدرك الملكي أو الأمن الوطني حسب المنطقة، تجنبا لتعريضهم للخطر. كما تم التنسيق مع السلطات الادارية لمساعدة الباحث في الوصول الى المعلومات التي لم يتم بلوغها، في حدود ما تتوفر عليه السلطات، وذلك نتيجة غياب القدرة النفسية والذهنية لدى البعض، الشيء الذي يحول دون نجاح عملية استجوابهم واستقاء معطياتهم الديمغرافية والسوسيواقتصادية.
إحصاء للمستقبل
لم تكن هذه العملية بالمسألة السهلة، واستلزمت تكتيف الجهود، واستهداف وعي الناس، وتوفير الشروط المطلوبة في حدود الممكن، قصد مسح معلوماتي واسع، يشمل جميع المواطنين والمواطنات. تتبعنا في جريدة الاتحاد الاشتراكي عملية الإحصاء الوطني للسكان السكنى، وكنتم مع جزء من التفاصيل التي رصدناها على لسان مشاركين في العملية من مختلف مناطق البلاد.