«الإعلام السياسي بالمغرب من إعلام السلطة إلى سلطة الإعلام » عنوان أطروحة لنيل الدكتوراه بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة

احتضنت قاعة الاجتماعات بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة يوم الإثنين 15 يوليوز 2024، مناقشة أطروحة جامعية حضرها الطالب الباحث أنور لكحل لنيل الدكتوراه في الآداب تكوين لسانيات تواصل وترجمة في موضوع «الإعلام السياسي بالمغرب من إعلام السلطة إلى سلطة الإعلام «وتكونت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة: د محمد الحيرش رئيسا الدكتور شكيب اللبيدي مشرفا د. عبد الرحيم منار السليمي عضوا د. عبد الصمد مطيع عضوا د. إسماعيل ملوكي عضوا د. الطيب بوتبقالت أستاذا زائرا. وبعد المناقشة أعلنت اللجنة حصول الطالب على الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع توصية بالطبع. أنوار لكحل هو صحافي مغربي في قناة MEDI1TV الفضائية. خريج برنامج القادة الدوليين الشباب في الولايات المتحدة الأميركية عام 2011 (صنف الإعلام الرقمي)، حائز على جائزة Youth for Change من منظمة TakingITGlobal الكندية في مكتبة الإسكندرية، وذلك على هامش انعقاد منتدى الإصلاح العربي عام 2012. حائز على الماجستير المتخصِّص في الصحافة والترجمة والتواصل من مدرسة الملك فهد العليا للترجمة في مدينة طنجة عام 2014. فيما يتابع حالياً دراسة الدكتوراه في الإعلام السياسي في جامعة عبد المالك السعدي في تطوان. أنور لكحل هو صحفي وباحث مغربي مهتم بمجال الإعلام والتواصل. يشغل منصب مدير نشر جريدة «فاس تايمز»، وهي صحيفة أسبوعية تصدر بشكل غير منتظم. إلى جانب عمله الصحفي، يساهم لكحل في الأبحاث والدراسات المتعلقة بالإعلام والكتابة في العصر الرقمي.
وقد شارك مؤخراً في تأليف كتاب بعنوان «الكتابة الإعلامية في العصر الرقمي: الثابت والمتحول»، حيث يستعرض التحديات والفرص التي تواجه الكتابة الإعلامية في ظل التحول الرقمي. كما يقوم لكحل بتأطير ورشات تكوينية للصحفيين ومهنيي الإعلام، مثل الورشة التي نظمتها النقابة الوطنية للصحافة ومهن الإعلام في تطوان، والتي ركزت على أهمية السؤال في العمل الصحفي ودوره في تحسين جودة المحتوى الإعلامي وهو إصدار جديد عن الكتابة وتحديات الرقمنة يغني المكتبة الوطنية.
وتعتبر الدراسة التي أنجزها الصحفي بقناة ميدي 1 تيفي أنور لكحل ذات مغزى ليس من حيث كونها تبحث في القضايا الأخلاقية المتعلقة بأبحاث الإعلام السياسي فحسب، وإنما في اقتراحها المعايير التي يمكن تطبيقها والمسائل التي يجب مراعاتها على الواقع من وجهة نظر أكاديمية بحتة.
ووفق ما أشار إليه الباحث في تقرير مقتضب، فإن هذه الأطروحة تشير إلى الأهمية التي تمثلها وسائل الإعلام في نشر المعرفة السياسية والمساهمة في التنشئة السياسية لأفراد المجتمع، وتلبية احتياجات الجمهور، وبالتالي تأثيرها في تكوين الاتجاهات والقيم السياسية، بالنظر إلى السمات الخاصة بالنظام السياسي في المجتمع المغربي، وطبيعة العلاقات القائمة بينه وبين أفراد المجتمع، وكذلك خصائص النظام الإعلامي في المملكة المغربية. وقد أمكن للباحث تحديد طبيعة العلاقة في ثلاث نقاط رئيسية: التعرف على طبيعة المضمون السياسي في وسائل الإعلام المغربية ومصادره- التعرف على طبيعة القضايا والأفكار السياسية لدى الجمهور ومصادره في ذلك وعلاقته بوسائل الإعلام- معرفة مدى تلبية وسائل الإعلام المغربية لاهتمامات الجمهور السياسية والعوامل المؤثرة في ذلك. وذلك عبر التحقق من فرضيتين أساسيتين هما: الأولى: (تحكم الدولة المغربية في وسائل الإعلام). أما الفرضية الثانية: (خروج وسائل الإعلام عن سيطرة الدولة).
وحتى يقرن الباحث القول بالفعل جعل خاتمة الأطروحة دراسة ميدانية تطبيقية تجسد برأيه كل الإشكالات التي تم طرحها، عبر تحليل التناول الإعلامي لحادثة الطفل ريان الذي سقط في بئر سحيق شمال المغرب، التي شكل موضوعها حدثا غير مسبوق عابرا للقارات.
وعلى صعيد المنهج، قسم الباحث الزمن الإعلامي في المغرب لما قبل حادثة الطفل ريان وما بعدها مع استشراف واع للمستقبل، وتُظهر نتائج هذه الدراسة التي انطلقت من مجموعة أسئلة، تفرعت عن سؤال إشكالي فيما يخص التصور الاجتماعي، بأن الذكاء الاصطناعي من المتوقع أن يقود السلوك السياسي المغربي في الاتجاه المطلوب، فيما يتعلق بالاستخدام غير الأخلاقي أو استخدام اللغة، وهذا يعني أيضًا أن المستخدمين سيدركون جزئيا على الأقل دور التحول الرقمي كعامل أخلاقي، في التواصل السياسي، وتأثيره على صناعة القرار السياسي بشكل عام.
ويبقى السؤال المنطلق في هذه الأطروحة والتي تفرعت منه باقي الأسئلة هو: هل تجاوزت سلطة الإعلام بالمغرب، إعلام السلطة؟ في حين تشكل الإجابة عن الأسئلة المتفرعة خلاصات حية وواقعية مقنعة في معظم الأحوال تكشف طبيعة العلاقة الإشكالية بين الإعلام السياسي وسياسة الإعلام في مرحلة حساسة من تاريخ المغرب.
والأسئلة صلب الدراسة هي: هل أصبحت المؤسسات المغربية المقننة لمهنة الصحافة والمشرفة على تنظيم القطاع متجاوزة؟ هل أصبحت الترسانة القانونية المؤطرة لميدان الإعلام والاتصال بالمغرب خارج الزمن الدولي؟ هل تسعى الدولة فعلا للتحكم في المجال السمعي البصري؟ أم أنها حقا فقدت السيطرة على الفضاء العام؟ كيف خرجت الأمور على السيطرة داخل الفضاء الرقمي المغربي؟ ماذا لو تمت صناعة رأي عام غير وطني من خارج الحدود عبر وسائل الإعلام الجديدة؟ كيف يمكن للدولة أن تبسط سيطرتها من جديد على المجال الصحفي؟
هل التقنين والتنظيم والهيكلة خارج المؤسسات الإعلامية الكلاسيكية أصبح هو الآخر متجاوزا نوعا ما؟ لماذا لم تستطع الحكومة المغربة ضبط الفوضى الحاصلة في القطاع الإعلامي؟ هل تستطيع الإصلاحات التشريعية للإعلام إخراج الوضع الحالي المتأزم من عنق الزجاجة؟ كيف لعب الإعلام السياسي بالمغرب تاريخيا دور الواقي من الصدمات؟ كيف تطور المشهد السمعي البصري المغربي عبر التاريخ؟ وما هو الدور التي لعبته الدولة في ذلك؟ لمن توجه الآلة الدعائية السياسية بالمغرب؟ وكيف ساهم الإعلام في تعميق العزوف الانتخابي؟ ماهي العوامل الكفيلة ببناء الثقة مجددا بين المواطن والأحزاب عبر الإعلام الوطني؟ هل نوظف فعلا مفهوم التسويق السياسي في الإعلام المغربي بمفهومه الغربي المتجدد؟ ماهي أنماط ومظاهر وأشكال الإعلام السياسي بالمغرب؟ ما مدى ثقة المواطن المغربي في المؤسسات الحزبية والتشريعية والحكومية من خلال الإعلام المغربي؟ ماهي الأفكار والتوجهات التي يهتم بها المواطن المغربي في الإعلام الرسمي؟ وكيف يمكن تطوير هذه الأنماط وتجويدها؟ لماذا تخلفنا إعلاميا وتقدم غيرنا من الدول؟ وهل يشبه مستوانا الإعلامي مستوانا الديموقراطي؟ كيف يهدد الذكاء الاصطناعي مستقبل الإعلام والسياسة بالمغرب؟ هل وصلنا الدرجة الصفر في الانحطاط الإعلامي، لاسيما في شقه السياسي؟ ماهي المخاطر التي تواجه العقل المغربي من خلال سيطرة التافهين على الإعلام البديل؟ كيف يؤثر المحتوى الإعلامي الحالي على المنظومة التعليمية والوعي الجماعي؟ ومن أين تستمد وسائل الإعلام شرعيتها؟ كيف ساهم المستوى الإعلامي المغربي في الفضاء الرقمي في تراجع المغرب في مؤشرات التنمية الدولية؟ ألا تميل وسائل الإعلام، إلى الاختباء وراء الخبراء واستطلاعات الرأي؟ لماذا ندافع عن السياسيين بهذه الطريقة أمام الإعلام؟ لماذا لا نتوفر على قانون الحق في الوصول إلى المعلومة؟ ولماذا لم نشرع قانون مكافحة الأخبار الزائفة؟
ويظل السؤال الإشكالية هو ما هي أخطر مشكلة تواجه المجتمع المغربي؟ الجواب هو سيطرة التافهين» لكن من أين أتى غزو التافهين للمجال العام، لقد تم طرح هذا السؤال قبل عشر سنوات من الآن؟ وتم الحصول على إجابة ذات مغزى. فالسبب برأي الباحث «هو غياب إعلام رسمي بجودة تواكب التطور التكنولوجي، وغياب ذات إعلامية مكونة ومثقفة وواعية سياسيا، وتشجيع التافهين والسطحيين من طرف دوائر القرار وتسهيل ولوجهم للإعلام العمومي، بل حصولهم على امتيازات وتكريميات وتواشيح وتقديمهم كبدائل جديدة للفاعلين السياسيين والحقوقيين، فمن يشجع هذا ويقف وراءه؟ لقد ساهم هؤلاء في تعزيز الشعور بالغربة داخل الوطن، وتكريس الانقسام كإيديولوجيا مهيمنة من خلال التداخل بدلاً من التقاطع مع هياكل الصدع الأخرى. إذن الإشكال الأول المطروح هنا هو إشكال بنيوي أخلاقي هوياتي. وعلى الرغم من تطور الديمقراطية السياسية بالمغرب، إلا أن إهمال التربية والتعليم والفشل في إصلاح هذه المنظومة، غيب إنتاج «مهارات الاتصال» الإيجابية، وحيد جماليات التلقي، وأعدم الحس الجمالي لدى الغالبية العظمى من النشأ وخلق تضارب في الشخصيات، واضطراب في السلوك، وجعل الإعلام المغربي يزيغ عن سكته في المساهمة في التربية والتكوين والتثقيف، مما أضر كثيرا بخلق الإجماع الوطني حول قضايا مصيرية، وأفرز وعيا معلبا، جعل من الإعلام الرسمي يلعب أدوار أخرى في الترفيه والتسلية غير تقديمه ك «غذاء العقل».
وعلى ضوء الأسئلة وبعد تفريغ خلاصاتها يستنتج الباحث أن المغرب يعد مثالا نموذجيا لمجتمع يتسم بالتفاوت حيث تتخلف «الديمقراطية الاجتماعية» كثيرًا عن «الديمقراطية السياسية، فالتفاوت الطبقي في نظر الباحث انعكاس للتفاوت الفكري والتعليمي والثقافي، مما يحيلنا على مسألة التكوين التاريخي للمجال العام. وهذا بدوره يقود إلى سؤال آخر « لماذا نحن مجتمع غير منظم؟ هل بسبب انفصال القاعدة السياسية والاقتصادية؟ إذا كنا نريد التواصل حقا، فعلينا الانتباه إلى قاعدتنا السياسية والاقتصادية. تجاهل تلك «البنية التحتية التعليمية والتربوية والتكوينية والبحثية، ومطالبة الأفراد والجماعات فقط بتحمل المسؤولية عن نقص التواصل، لا توجد إجابة.
ويبقى الأمر المثير للاهتمام في نظر الباحث هو الظاهرة التي يحتقر فيها الموقفان المتطرفان اللذان يمكن تسميتهما «سياسة الحقيقة» و»سياسة القوة» على التوالي. ذلك أن «التعايش العدائي يشوه لحمة المجتمع، مما يفرز رأيا عاما مشوها، وفي حالة المواجهة القاحلة، يصبح مكان الحقائق والعقلانية الناضجة ضيقًا بشكل متزايد، ونتيجة لذلك، فإن جوهر أزمة الاتصال هو أن آفاق الحوار العقلاني والوساطة تتأكل باستمرار، لأن فشل التربية والتعليم في المنظومة الإعلامية المغربية، قتل مبادئ الخطاب وممارسة الاتصال، وغيب الحقائق والعقلانية التي تجعل الاتصال ممكنا، ومعه دور الإعلام الفعال، تلك هي خلاصة الإشكالية التربوية التعليمية لضمور الفاعل الإعلامي الرسمي بالمملكة»
ويخلص الباحث أن «في دوامة الصمت، يدرك كل فرد الرأي الاجتماعي حول القضايا العامة والاختلاف في الرأي لكل فرد، ويحدد ما إذا كان رأيه أقلية أم أغلبية، وبناءً على هذا الحكم، يقوي ويضعف موقف التعبير عن الآراء المستقبلية، إنها عملية مرئية، ففي هذه العملية، يتم تطبيق إجماع الرأي العام كمفهوم لتقدير الآراء الاجتماعية».


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 06/08/2024