الإعلام المغربي في قلب العاصفة . .خمس أزمات خانقة، تراجع تاريخي في المبيعات والإشهار، وتحولات رقمية تفرض المواكبة

 

كشفت الندوة التي نظمتها الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين بالدار البيضاء عن تشخيص دقيق لأزمة الإعلام المغربي التي لم تعد ظرفية، بل تحولت إلى أزمة بنيوية عميقة تهدد وجود المقاولات الصحفية وقدرتها على الاستمرار.
ففي مداخلة مثيرة، كشف محمد الهيثمي، المدير العام لمجموعة لوماتان، عن أرقام صادمة تخص سوق الإشهار في المغرب. إذ بلغ حجمه إلى غاية غشت 2025 حوالي 5 مليارات درهم، استحوذت التلفزة على 36 في المائة منها (1,8 مليار درهم)، والإشهار الخارجي على 34 في المائة (1,7 مليار درهم)، والإذاعة على 24 في المائة (1,2 مليار درهم)، بينما لم تحصل الصحافة سوى على 6 في المائة (0.3 مليار درهم)، في حين لم يتجاوز نصيب السينما (0.01 مليار درهم).
وأشار المتدخل إلى أن الإشهار الرقمي يناهز 2,5 مليار درهم، منها 600 مليون درهم فقط توجه إلى المنظومة الوطنية، موزعة بين المواقع والوكالات وعمولات المؤثرين.
وأضاف الهيثمي أن سنة 2024 سجلت حجم سوق إشهار أكبر، بلغ 7,2 مليارات درهم، حيث حصلت التلفزة على 34 في المائة (2,5 مليار درهم)، والإشهار الخارجي على 32 في المائة (2,3 مليار درهم)، والإذاعة على 26 في المائة (1,9 مليار درهم)، بينما لم تتجاوز حصة الصحافة 7 في المائة (0.5 مليار درهم)، أما السينما فاكتفت بـ (0.03 مليار درهم(.
وبخصوص المبيعات، استند الهيثمي إلى معطيات شركة سابريس التي تؤكد أن معدل توزيع اليوميات انخفض من 4300 نسخة سنة 2019 إلى 1850 نسخة سنة 2024، مع توقعات بالوصول إلى 1665 نسخة فقط سنة 2025، فيما تراجعت المنشورات من 7300 نسخة سنة 2019 إلى 3900 نسخة سنة 2024، مع توقعات بانخفاضها إلى 3510 نسخ سنة 2025. وخلص الهيثمي إلى أن القطاع غير مربح ولا أحد ينوي الاستثمار فيه، معتبرا أن الدعم العمومي المخصص منذ 2005 لم يحقق أهدافه.
من جانبه، رسم خالد الحريري، المدير العام لمجموعة تيلكيل ميديا، صورة أكثر قتامة حين أكد أن الصحافة المغربية تواجه خمس أزمات متزامنة، أزمة اقتصادية مرتبطة بتراجع المبيعات والإشهار، أزمة محتوى تجلت في انحسار التحقيقات والربورتاجات والتحليلات العميقة، أزمة توزيع تشمل الورقي والرقمي بسبب تحكم المنصات الكبرى في مسار وصول المقالات، أزمة تكنولوجية عمقت الفجوة مع التطور الرقمي، وأزمة موارد بشرية جعلت المقاولات عاجزة عن استقطاب الكفاءات. وأضاف الحريري أن هذه الوضعية أدت إلى هشاشة المقاولات، انخفاض المقروئية، وتزايد الضغوط من المعلنين للتأثير على الخط التحريري.
خالد الحريري توقف أيضا عند ضعف قدرة المؤسسات الإعلامية على مواجهة الحملات الإخبارية الزائفة التي تستهدف المغرب، مؤكدا أن المؤسسات لم تعد تملك القوة الكافية للقيام بدورها.
وفي معرض حديثه عن الحلول، شدد على ضرورة إطلاق مشروع طموح يركز على تقوية المؤسسات الصحفية لتكون قادرة على الاستثمار في الموارد البشرية والتكنولوجيا وجلب الكفاءات، مع ضمان التعددية في الخطوط التحريرية.
وأكد أنه ليست هناك إمكانية لحرية الصحافة بدون مقاولات قوية، ولا لتعددية حقيقية بدون مؤسسات متينة، ولا استقلالية إذا لم تكن هناك مقومات اقتصادية قوية، مضيفا أن تحسين الوضعية المادية والمعنوية للصحفيين مرتبط مباشرة بقوة المقاولة الإعلامية.
أما عبد المنعم ديلمي، الرئيس الشرفي للجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، فقد اختار العودة إلى مسار الصحافة المغربية منذ بداياتها مع الصحافة الحزبية وصولا إلى العصر الرقمي.
وأوضح ديلمي أن الصحافة الورقية كانت تعيش على مبيعات محدودة وإعلانات ضئيلة، معظمها موجه للصحافة الناطقة بالفرنسية، فيما لم تستفد الصحافة العربية إلا بنسب صغيرة. غير أن مرحلة التسعينيات شكلت منعطفا حاسما مع الانفتاح الاقتصادي، إذ برزت صحافة مستقلة استطاعت الاستفادة من توسع سوق الإشهار، إلى درجة أن بعض الصحف تجاوزت مداخيلها الإشهارية مليون درهم في العدد الواحد.
وأشار ديلمي إلى أن تلك المرحلة منحت الصحافة المغربية قوة تأثير معتبرة، بل جعلتها طرفا يستشار أحيانا في صياغة القرار العمومي، لكن التحولات الرقمية قلبت المشهد بشكل جذري، حيث انتقل الإشهار من الورقي إلى الإلكتروني ثم إلى المنصات الرقمية الكبرى التي توجهه مباشرة إلى المستهلك، ما جعل الصحافة الورقية مهددة بالزوال لولا تدخل الدولة عبر آلية الدعم العمومي.
واعتبر ديلمي أن المرحلة الحالية تتميز بعولمة مفرطة، والمطلوب ليس مقاومة التكنولوجيا بل التكيف معها وتحويلها إلى فرصة، مبرزا أن المجلس الوطني للصحافة في صيغته المقبلة ينبغي أن يواكب هذه التحولات باعتبار الإعلام مؤسسة مجتمعية أساسية لضمان التعددية والتماسك داخل المجتمع.
المداخلات رسمت مشهد قاتما، عنوانه الأبرز، قطاع يعيش على وقع انهيار اقتصادي، محتوى مهدد، مقاولات هشة، وضغط رقمي لا يرحم، أزمة متعددة الأبعاد تجعل السؤال المطروح بإلحاح، هل يملك الإعلام المغربي اليوم القدرة على النهوض من جديد، أم أن العاصفة الرقمية ستبتلعه نهائيا؟.


الكاتب :   الاتحاد الاشتراكي

  

بتاريخ : 23/09/2025