طبيب المركز الصحي بوابة لجميع المواطنين وأسرهم للاستفادة من الرعاية المطلوبة
تعرف المنظومة الصحية مجموعة من التحولات التي تهدف إلى منحها الجاذبية التي ظلت مفتقدة لسنوات، وإلى تجويدها بما يتيح للمواطنين والمواطنات الاستفادة من حق دستوري أساسي، كما نصّ على ذلك الفصل 31 من دستور 2011، وتفادي العراقيل، المادية منها والمعنوية، التي حالت في كثير من الحالات دون الولوج السلس للمرضى إلى الخدمات الصحية وحدّت بينهم وبين الاستفادة من الإمكانيات المتوفرة للعلاج.
منظومة اعترتها مجموعة من الأعطاب التي أكدتها جملة من التقارير المنجزة في هذا الإطار، ووقف عليها التشخيص الذي قامت به لجنة إعداد تقرير النموذج التنموي الجديد، ولامسه عن قرب كذلك تقرير اللجنة الموضوعاتية الخاصة بالمنظومة الصحية التي شكّلها مجلس النواب.
أعطاب يؤكد الكثير من المختصين في الشأن الصحي أن هناك مجموعة من المداخل الممكنة لإصلاحها، خاصة مع الورش الملكي الذي أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس القاضي بتعميم الحماية الاجتماعية، وضمنه توفير التغطية الصحية لحوالي 22 مليون مغربي ومغربية، مع ما يرافق هذه الخطة من إصلاحات تشريعية ومالية من أجل أجرأة وتنزيل هذا الورش وتطبيقه على أرض الواقع. ويشدد عدد من المهتمين على دور الرعاية الصحية الأولية، التي من شأن إيلائها الأهمية التي تستحقها وتوفير الإمكانيات المادية والبشرية والتقنية لها، أن تشكل قيمة مضافة للمنظومة الصحية وأن تخفف عنها عبئا كبيرا.
«الاتحاد الاشتراكي» ومن أجل تسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع، وبغية النبش في كل التفاصيل المرتبطة بطب القرب أو ما يعرف بطب الأسرة، الذي تم إحداث أنوية له وفتح باب التكوين فيه في إطار شراكات، يجب تقييمها والإعلان عن نتائجها، التقت الدكتور محمد الحسن اطرابلسي، وهو طبيب مختص في الصحة العامة والجماعاتية والتدبير الصحي، وأجرت معه الحوار التالي:
n ماذا عن نماذج ممارسة طب القرب التي يمكن أن تساعد في دعم وإعادة بناء نموذج مغربي ذي بعد إنساني؟
pp النماذج تختلف حسب مستوى كل بلد وإمكانيته. ففي كندا، أحد البلدان التي بدأت ممارسة طب القرب أو طب الأسرة، فقد انتقلت من برنامج الطب العام إلى برنامج طب الأسرة الانتقالي قبل أن تبدأ في البحث عن طرق لتنفيذ تكوين خاص بطب الأسرة. حيث بدأ هذا النظام سنة 1985، 40 سنة تقريبا عن إنشاء قسم للطب العام داخل «جمعية أونتاريو الطبية» والتي تمخضت عنها، خمس سنوات بعد ذلك، هيئة للطب العام في كندا. هيئة أكاديمية مسؤولة عن تعزيز التدريب والتكوين في الطب العام للطلاب لنيل الدكتوراه أو للتكوين ما بعد الدكتوراه، بما في ذلك التكوين المستمر، فكان على الهيئة، دعم البحث وتشجيع النشر أيضا.
سنة بعد الشروع في العمل بطب الأسرة ثم تمديد فترة التكوين والتدريب إلى سنتين بدل أربع أو ستّ أشهر، وتحديد هذا التخصص وفقا للمبادئ التي تتصدرها العلاقة الرابطة بين طبيب الأسرة والمريض والعائلة والتي كان يجب أن تشكل جوهر دور هذا التخصص، بالإضافة إلى المهارات السريرية التي تجعله طبيبا ذا تخصص جماعاتي موجه إلى مجموعة محددة من المرضى.
وكانت السنوات التي تلت ذلك مخصصة للوفاء بالوعد الذي قطعه الكنديون المتمثل في توفير رعاية مكتملة شاملة ومستمرة، مع العلم أنه لم يكن جميع الأطباء قادرين على تلبية هذه الانتظارات التي هي في تغير مستمر، وكان على الهيئة التأكد من أن هذا العرض سيكون متاحا من خلال ما يوفره مركز طب الأسرة، وفقا لنموذج الممارسة الذي يلبي احتياجات الأطباء الجدد واحتياجات المجتمع المعاصر.
وإلى جانب ذلك، هناك نموذج سويسري لطبيب الأسرة والطفولة، الذي اكتسب شهرة واسعة وأصبح جد جذاب ويحظى بتقدير كبير للساكنة، يرتكز على مجموعة من المبادئ التي تتمثل في رؤية شاملة ومتنوعة، رعاية عالية الجودة متعددة التخصصات، فعالة، تفي بالمتطلبات العلمية، الممارسة من طرف خبراء مدربين ومكونين باستمرار وفقا لإجراءات عالية المستوى، إلى جانب الموثوقية والديمومة عبر علاقة ثقة طويلة الأمد في جميع المواقف، سواء كانت وقائية أو حادة أو مزمنة أو علاجات ملطفة، فضلا عن التكفل البينمهني والمسؤول من جميع المتدخلين في نفس الوقت وبشفافية، وتجنب اللجوء لأي إجراء مفرط غير مبرر أو غير كاف أو خاطئ، وكذا التمكين والاستقلالية في تنظيم وقت الممارسة، ودعم واعتراف من المنظومة مما يسهل وصول السكان إلى هذا العلاج من خلال ضمان التعويض المناسب للأطباء، وأخيرا تنظيم طب الأسرة في شبكة ملتزمة، تتبنى نهجا وقائيا وفعالا، وتتحمل مسؤولياتها تجاه المجتمع، مدافعة عن المصالح السياسية للمهنة التي تقدر الجيل القادم وتضمن علاقة جيدة مع المحاورين المتميزين داخل الجهات المعنية بالصحة.
أستحضر في هذا الباب كذلك، أننا خلال زيارة رسمية لتركيا، أخذنا علما بمبادئ هذه الممارسة في نظامها الصحي أيضا، واستغرق الأمر أكثر من عشرين عاما بعد 1980، سنة اتخاذ القرار لبدء التغييرات وإنشاء التأمين الصحي الشامل من خلال تجميع مؤسسات التأمين تحت مظلة موحدة، وتطوير خدمات العلاجات الأولية في إطار طب الأسرة وتحويل المستشفيات إلى مرافق صحية مستقلة. كل هذا قبل الشروع في إصلاح يستهدف إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية على نطاق واسع يعزز خدمات الصحة الأولية وطب الأسرة، ومسلك الإحالة العلاجية الفعالة والمزيد من المؤسسات الصحية المستقلة إداريا وماليا مع تحفيز المهنيين الذين يستوجب فيهم الكفاءة، إضافة إلى إحداث وتطوير مؤسسات الدعم وإيلاء أهمية كبيرة لشهادات اعتماد الخدمات الصحية من أجل تحسين الجودة، فضلا عن الهيكلة المؤسسية للتدبير المعقلن للأدوية والمنتجات الصيدلية والوصول الفعال إلى المعلومات في عملية صنع القرار. وهكذا، أصبحت خدمات الرعاية الصحية الأولية متاحة للجميع ومقبولة وفعالة ومستمرة مع إقبال الناس، حيث كان مركزها المريض والمرتفق بصفة عامة، همها حماية صحة الفرد وصحة المجتمع.
لقد قدمت خدمات الصحة الجماعاتية الدعم اللوجستيكي لأنشطة الخدمات ذات الأولوية لأطباء الأسرة كما هو الحال بالنسبة لحملات التلقيح، خدمات صحة الأم والطفل وتنظيم الأسرة وفق البرنامج السنوي لوزارة الصحة، مع الإشراف والتنسيق لطب الأسرة. كما قدمت خدمات صحية أخرى، مثل الصحة البيئية والطب الشرعي وطب الشغل، وغيرها من الخدمات ذات المصلحة العامة أكثر من مصلحة الأفراد، لكن سرعان ما تم توحيد الخدمتين الصحيتين المجتمعية والأسرية. فمركز صحة الأسرة الذي يقدم خدمات العلاجات الأولية الوقائية والعلاجية الفردية، يتكون من وحدة واحدة على الأقل لطب الأسرة، فريقها يضم طبيب الأسرة ومسؤول أو عامل صحة الأسرة، «ممرضة، قابلة، مسؤول صحي»، ويناهز عدد الأشخاص المسجلين حوالي 3500. وفي حالة عدم وجود مركز، نجد وحدة صحية مندمجة، على غرار وحدة طب الأسرة، تقدم خدمات الرعاية الصحية الأولية بالتعاون مع المستشفيات التي تضم أقل من 25 سريرا.
وجدير بالذكر أنه يمكن لطبيب الأسرة أن يكون طبيبا عاما أو طبيب أسرة أو أخصائيا آخر، وقد يتم الترخيص لجميع الأطباء الذين يتلقون تكوينا قصير الأجل على التكيف «التعريفات والوظائف والممارسات» لممارسة طب الأسرة، تليها مرحلة ثانية من التدريب. لقد تم تعميم هذا التخصص في الطب في نهاية سنة 2010 بعد فترة تجريبية في مقاطعة واحدة، ويمكن للعائلات اختيار الطبيب الخاص بهم كما يمكنهم تغييره في حالة عدم الرضا عند نهاية السنة.
عند زيارتنا سنة 2015، كان هناك ما يقرب من 7000 مركز و21000 وحدة لساكنة تناهز77 مليون نسمة، وكل طبيب أسرة مسؤول عن المرضى المسجلين معه لوقايتهم وعلاجهم عند المرض، كما أنه مسؤول عنهم في كل ما يخصهم من تطعيم وخدمات الرعاية الوقائية الأخرى، تتبع الحمل ومراقبة صحة الأطفال، تنسيق الرعاية مع المراكز الاستشفائية الإقليمية أو من المستوى الثالث، والاحتفاظ بملفاتهم الصحية الإلكترونية وتحيينها.
ويتم تنظيم كل مؤسسة لطب الأسرة، لتوفير قاعدة بيانات مركزية معلوماتية بها بيانات وإحصاءات ديموغرافية ومعطيات وبائية، لإصدار تقارير وبيانات للجهات المسؤولة، لتقديم خدمات الرعاية الصحية المتنقلة والزيارات المنزلية (أهم خدمات طب الأسرة لصالح المحرومين والمهمشين)، والفحوصات الدورية مثل فحص سرطان الثدي والقولون والرحم، والتوعية وكذا لتوفير بعض الأنشطة المخبرية. كما تقوم وحدتها الإدارية بتحديد ساعات العمل للمكاتب أو الخدمات المتنقلة، تكون مرنة وتراعي احتياجات السكان المحليين وظروف العمل بكل منطقة، محددة من قبل الطبيب ومعتمدة من الإدارة الصحية المحلية. فيتم عرض هذه الأوقات والبرمجة في مكان مرئي من طرف الجميع.
إن مقارنة النماذج تفرض علينا التوقف كذلك عند النموذج التونسي، الذي يفرض التوفر على شهادة الإذن بممارسة طب الأسرة من قبل الهيئة الوطنية لطب الأسرة للمرشحين الذين استوفوا التكوين النظري والتدريب العملي في هذا المجال. كما تمنحه نفس الهيئة للأطباء المسجلين في مجلس الهيئة الوطنية للأطباء العامين الذين يشهدون بأنهم مارسوا الطب العام لمدة عامين على الأقل.
يعتمد التونسيون نموذجا شاملا يدمج الخصائص المحددة للملاذ الأول والرعاية الشاملة ثم الاستمرارية وتنسيق الرعاية ودور الصحة العامة. صحيح أنه توجد حاليا بعض الصعوبات الإدارية للإقرار والحسم كيف ستحصل على هذا التخصص وعن شرعية من سيكون له صفة طبيب أسرة من بين المهنيين أنفسهم، فهذا التجاذب يقوض لا محالة جوهر وفائدة سلوك هذا الاختيار للتكفل بالساكنة، خاصة عندما تقرر قانونيا أن يصبح هذا المسلك تخصصا كاملا، منذعامين مع متطلبات تكوينية وتدريب تحت إشراف ممارسين عامين معتمدين في مراكز الرعاية الأساسية … وبرأي التونسيين عندما يستطلعون حول تصورهم لهذين المسلكين، فلا يوجد أي تباين، بما أن ممارس الطب العام معروف بأنه بطبيعته يمارس طب الأسرة، ولديه القدرة، على اعتبار الإنسان كيانا بيولوجيا ونفسيا واجتماعيا لا يتجزأ، يعيش ويتفاعل مع بيئته، فأصغر وحدة بيئية تبقى هي الأسرة. وبالمناسبة، فالممارس العام هو أخصائي مدرب للعمل في الخطوط الأمامية لنظام الرعاية الصحية واتخاذ التدابير الأولية استجابة لأي مشاكل صحية قد يعاني منها المرضى في بيئتهم، وينظم الموارد المتاحة للمنظومة الصحية لتحقيق أفضل إفادة للمريض.
وفي حالة القطاع الخاص، يلتزم المؤمن له باللجوء إلى طبيب الأسرة الذي يختاره، والذي يشكل له ولذويه المرجعية في التوجه إلى التخصصات المطلوبة حسب الحالة مع احترام مبدأ الاختيار الحر بين الأطباء المختصين أو المؤسسات الاستشفائية بدون أدنى تأثير. وتبقى إمكانية تغيير طبيب الأسرة مضمونة بشرط إخطار الصندوق مسبقا قبل نهاية العام. ومع ذلك، فإن هناك تخصصات لا تخضع لضرورة المرور الإجباري بطبيب الأسرة كأمراض النساء والتوليد، طب العيون، طب الأطفال وطب الأسنان، فصندوق التأمين يتكفل بالدفع لطبيب الأسرة جل النفقات ويتكفل المريض بأداء النسبة المئوية المكملة كرسوم الخدمة.
n ما هو النموذج الذي يحبذ اعتماده وماذا يمكن أن نتوقع من هذا النوع من طب القرب؟ وما هي الآليات القانونية والبشرية والمادية الكفيلة بتنزيل سليم له بما يسمح بالتكفل بصحة كافة أفراد الأسرة الواحدة، وماهي ضمانات التنسيق بين كافة مستويات العلاج للتكفل السريع بالمرضى؟
pp حقيقة، يجب أن نعد نموذجا خاصا بنا، فلا بأس من أن نتبنى كل ما بدا مناسبا في ما سلف، لأنه عندما نراجع كل هذه النماذج نجد نقطة مشتركة تشكل جوهر مبدأ طب القرب، أيا كان اسمه ومهما كان قطاعه عاما أو خاصا. فهذا الجوهر يهدف إلى ضمان رعاية المواطن الصحيحة والإنسانية والمضطردة والمنطقية وذات النوعية الجيدة، رعاية تعطي مكانا مميزا للإنصات والتي يمكن أن تضمن العلاج المناسب أو التوجيه الصحيح نحو الوجهة المناسبة في إطار مسلك علاجي جد منظم ومعقلن وموفر للوقت.
إن الانتظارات من طب القرب، كان طبا عاما أو طبا للأسرة، ستكون ذات أهمية قصوى خاصة حين سنبدأ بتطبيق التغطية الصحية الشاملة تبعا للتوجيهات السامية، حيث سنحتاج إلى «ضمانات موثوقة» لترشيد الإنفاق، للتمكين من رعاية موضوعية ذات جودة لكن دون إفراط غير مبرر أو مبالغة. وينبغي ألا ننسى كذلك أننا في خضم إصلاحات جوهرية، ستفتح المنظومة على رأس المال الأجنبي والموارد البشرية غير الوطنية، ويجب أن يكون طبيب الرعاية الأولية هو المستوى الأكثر منطقية للولوج إلى المنظومة، فهو يعمل مع الأفراد في مجالات الوقاية والتشخيص والعلاج والرعاية واستمرارية العلاجات… إلخ، وهو الذي يوجه عند الحاجة إلى المستوى الأنسب والمطلوب دون عناء. وفي كل مرة فالأمر كله متروك للطبيب لتحويل لقائه مع المريض إلى فعل مجتمعي متكامل، باستخدام مناهج العلوم الدقيقة والاجتماعية والإنسانية والعلوم الأخرى المذكورة سابقا.
يجب توفر قاعدة بيانات مرقمنة للملفات العائلية بتاريخ المشاكل الصحية وجميع العلاجات المقدمة ونتائج الفحوصات السريرية، المخبرية والتصويرية مع كل التقييمات المتخصصة التي يتم إجراؤها على هذا المستوى، وكذا نظام تنبيه آلي يمكن من التذكير بالمواعيد وإعادة إخطار الساكنة ذات الأمراض المزمنة أو التي يجب تتبعها في إطار مختلف البرامج الصحية، عبر الرسائل النصية.
إن خيار التطبيب عن بعد مع تواجد المعدات المناسبة لتقديم المشورة والإسعافات الأولية أو معلومات الإحالة أو المتابعة للمرضى المصابين بأمراض مزمنة، يجب أن يكون متاحا. كما يجب أن تكون هذه المؤسسات للخطوط الأمامية مشبكة إلكترونيا مع المؤسسات الصحية الأخرى من مراكز استشارية متخصصة ومستشفيات محلية وإقليمية ومراكز جامعية، ونترك أمر تحديد موعد الاستشارة ومستواها لطبيب القرب أو فريقه حيث يتم التوجيه إلى مكان الرعاية المنتظرة، كما أن عودة المريض إلى مركز الإرسال ينبغي أن تكون إلزامية قانونيا لضمان الاستمرارية، ووجب ربط ايصال الشبكة مع الصيدليات الخاصة أو صيدليات المستشفيات لنقل الوصفات الطبية رقميا والتي سيتم صرفها للمرضى مباشرة دون دفع أو تسديد نسبة ضئيلة، فضلا عن التنسيق الفوري مع الوحدات المتنقلة التي سيتعين عليها التنقل لتقديم الرعاية عن بعد من المرافق الصحية.
للنجاح في كل هذه الأنشطة، حبذا لو كان لدى الطبيب ومعاونيه الحافز لتجسيد دور «حراس المعبد» بأجر أعلى مما هو عليه في القطاع العام حاليا، وإعادة تقييم التسعيرة بالنسبة للأطباء العامين بالقطاع الخاص من أجل تجنب أي إغراء أو تواطؤ أو انحراف. وسيكون من الضروري أيضا منح صفة طبيب أخصائي في طب الأسرة منذ البداية لأي ممارس في الطب العام بعد ثلاثة سنوات بعد أن يمثل أمام لجنة من الأنداد الذين سيراقبون سلوكه في مكان العمل وقراراته ويعودون لملفات المرضى الذين عالجهم سابقا.
سوف تدرك صناديق التأمين، التي يجب أن تتحد في كيان واحد، الدور الأساسي لخط الاتصال الأول بالعلاجات هذا بفائق العناية وستتصرف وفقا لذلك. وأعتقد أنه سيتعين على الأطباء في القطاع الخاص الامتثال للبروتوكولات العلاجية تحت طائلة رفض أي تعويض إذا تبين أنه كان هناك إساءة أو مبالغة في التكلفة أو استخدام علاجات غير مبررة. أضف إلى ذلك وجوب إعادة النظر في الدور الذي ستلعبه هيئات التفتيش الإقليمية والهيئات التنظيمية المهنية ووكالة التأمين الصحي الوطنية أو ما يقوم مقامها مستقبلا.
من هذا المنطلق، يجب أن يكون طبيب المركز الصحي بوابة لجميع المواطنين وأسرهم للاستفادة من الرعاية المطلوبة والمستوجبة لحالتهم، كما يمكن للآخرين اختيار عيادة الطبيب الخاص الذي يناسبهم. كل ذلك وجب تأطيره قانونيا بترسانة تحمي المهنيين، الذين سيعملون على الاستجابة لمرضاهم في أية حالة داخل وخارج المؤسسة وتنظم العلاقة بين الطرفين (سيكون بمثابة عقد التزام بمجرد التأشير عليه من طرف الجهات المخولة: وزارة، هيئة مهنية، تأمين…).
إذا أخذنا بعين الاعتبار9000 طبيب قرب بالقطاعين وتم تأهيلهم لكي يقدموا خدمات طب الأسرة المحددة فسيتعين على كل منهم رعاية ما يناهز 4000 شخص سنويا، أو ما يفوق 800 أسرة، بمعدل نصف ساعة لكل شخص سنويا في حدود زيارتين أو ثلاث، مما يتوافق مع الدراسات التي أجريت على المستوى الدولي في ما يخص الوقت الذي وجب تخصيصه لكل زيارة طب القرب. وستمكن بطاقة التأمين أي مواطن الاستفادة من الرعاية المطلوبة، سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص، دون تسديد مقابل أو دفع نسبي ضئيل غير مثبط ورادع، مع إمكانية الانتقال بين القطاعين لكون المعلومات الصحية التي ستتضمنها هاته البطاقة، والتي تفتح بواسطة قن سري شخصي، ستمكنه من الحفاظ على مبدأ الاستمرارية العلاجية أينما حلّ، وهذا كله ليس ببعيد المنال.