“الاتحاد الاشتراكي” تحاور الدكتور مصطفى الشيباني الاختصاصي في أمراض القلب والشرايين

 

 

 

المسنون والأطفال الأكثر عرضة لتداعيات ارتفاع درجات الحرارة

والتوقف المفاجئ للقلب والموت أخطر تبعاتها

 

تعرف فترة الصيف ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة، مما يدفع الكثير من الأشخاص إلى التوجه صوب الشواطئ والمسابح، والبحث عن فضاءات للاستجمام والترويح عن النفس والانتعاش، وخلال ذلك يعرضون أجسامهم لأشعة الشمس من أجل الاستفادة منها، وإكساب أجسادهم لونا آخر.

أشعة شمس، لا تُسلّط على أجسام المصطافين فقط وإنما تقع على رؤوس الجميع في الشارع العام أثناء تنقلاتهم، وهو ما يجعل الكلّ عرضة لمضاعفات صحية، تزداد تعقيدا وترتفع حدتها، خاصة في ظل الوضعية الوبائية التي تمر منها بلادنا والمتمثلة في الجائحة الوبائية، حيث يقع خلط كبير، ما بين ارتفاع لدرجات حرارة الجسم، وآلام الرأس والحمى، بسبب ضربات الشمس، وبين الانتكاسة التي يكون سببها الفيروس.

خطورة ضربات الشمس، كيفية التعامل مع ارتفاع درجات الحرارة، سبل الوقاية، وغيرها من التفاصيل المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة، محاور نقلتها “الاتحاد الاشتراكي” إلى الدكتور مصطفى الشيباني الاختصاصي في أمراض القلب والشرايين، وأجرت معه الحوار التالي الغني بالنصائح والتوجيهات الطبية لتقديمها لقرائها.

 

تصدر بين الفينة والأخرى نشرات إنذارية بخصوص ارتفاع درجات الحرارة وتتم مطالبة المواطنين باتخاذ الحيطة والحذر حيالها. أين تكمن خطورتها، وكيف يواجهها الجسم؟

يعتبر ارتفاع درجات الحرارة المناخية؛ الناتجة بالتأكيد عن تصرفات الأشخاص؛ من أبرز المشاكل التي يواجهها الإنسان خلال هذا القرن، وهو ما يتطلب منا جميعا أن نكون على وعي تام، بأن هذا المدّ الحراري المرتفع له تأثيرات سلبية على صحة الإنسان والبيئة وعلى مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها.

إن ارتفاع درجات الحرارة الجوية يعرض الإنسان إلى مشاكل صحية مباشرة، لها علاقة مع تراكم الحرارة في الجسم، مما يؤدي إلى حالة من الغثيان أو الدوران أو الغيبوبة أو في بعض الحالات إلى الموت. وكما يعلم الجميع فإن الحرارة العادية لجسم الإنسان هي 37 درجة مئوية، وكل ما يزيد عن هذا الرقم من الحرارة لا بد أن يتخلص منه الجسم حفاظا على مصلحة الدماغ وعلى عمل باقي الأعضاء، لذا يجب الانتباه إلى أن درجة حرارة الجسم ترتفع في الجو الحار فوق هذا المعدل، مما يجعل القلب يقوم بمجهود أكبر لضخ كميات كبيرة من الدم نحو الجلد حتى يتم تبريد الجسم. هذه العملية تؤدي إلى زيادة معدل ضربات القلب بنسبة 10 ضربات في الدقيقة الواحدة، لكي يزيد من تدفق الدم بالشرايين ويستجيب إلى ضرورة الرفع من سرعة الدورة الدموية بالجسم، مما يتسبب في التعرق وفي تبخر ذلك العرق وإخراج الحرارة من الجسم إلى محيطه، فتبدأ درجة حرارة الجسم في الرجوع إلى نسبتها الطبيعية.

لكن إذا ما تعرض الجسم للحرارة لمدة أطول، هل لذلك أية انعكاسات صحية على الشخص؟

بالفعل، إذا استمر تعرض الجسم إلى الحرارة المرتفعة ولمدة طويلة فإن التعرق يصبح غزيرا، وهذا يؤدي إلى نقصان الماء والأملاح في الجسم، الأمر الذي ينتج عنه انخفاض في معدل الضغط الدموي والشعور بالإجهاد والتعب، وإذا لم يقم الشخص بتعويض الماء والأملاح، فإن هذا الوضع يؤدي إلى تقليل كمية الدم في الجسم، خاصة في الأعضاء الحيوية كالقلب والرئتين والكبد والكليتين والعضلات والدماغ، التي تتعرض للتوقف عن العمل، مما يتسبب في ظهور أعراض خطيرة، أما إذا ارتفعت درجة الحرارة عن 41 درجة مئوية فإن ذلك ينتج عنه تأثير سلبي على العمليات الكيميائية في الجسم، وتبدأ الخلايا داخل الجسم في التدهور، حيث يصاب الجسم بالفشل الحراري، الذي في غياب علاج سريع وفعال، يمكن أن يؤدي إلى الوفاة في ظرف وجيز.

ما هي أبرز تبعات ارتفاع درجات الحرارة على الإنسان، سواء المباشرة أو غير المباشرة؟

إن لارتفاع درجات الحرارة، وكما أشرنا إلى ذلك، تبعات صحية متعددة، منها ما هو مباشر، حيث يحس الشخص بالإعياء، الدوران، الغثيان، التشنج العضلي، والإحساس بضربة الشمس، ثم هناك تداعيات غير مباشرة تتمثل في سوء التغذية، الزيادة في الأمراض المعدية وفي الوفيات، التلوث الهوائي، ارتفاع أمراض الحساسية وتدني صحة العاملين نظرا لارتفاع الحرارة والتلوث الجوي، فضلا عن تزايد الأمراض النفسية.

من هم الأشخاص الأكثر عرضة لهذه الموجات وتداعياتها؟

يعتبر الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 75 سنة الأكثر عرضة للتداعيات المباشرة لارتفاع درجات الحرارة، شأنهم في ذلك شأن الأطفال الصغار، علما بأن النساء أكثر تأثرا من الرجال.

ماهي العوامل التي تساعد على خطورة تأثير ارتفاع درجات الحرارة؟

هناك العديد من العوامل التي تؤدي إلى مخلّفات وخيمة بسبب ارتفاع درجات حرارة الشمس، والتي تتعاظم في حال التعرض المفرط لها، وكذا بسبب سوء التهوية في المنازل، وارتفاع الرطوبة، ثم العمل في الأجواء الحارة والمغلقة. ويجب الانتباه كذلك إلى عملية خاطئة يقدم عليها الكثير من الأشخاص والمتمثلة في ممارسة الرياضة ساعات طويلة تحت أشعة الشمس، فضلا عن عدم شرب الماء خلال الاشتغال أو مزاولة الرياضة في جو حار، وكذا إقدام البعض على وضع الزيوت والمواد المحافظة على الجلد أثناء التعرض للطقس الحار، بالإضافة إلى عوامل أخرى صحية من قبيل البدانة والإصابة بأمراض القلب، ارتفاع ضغط الدم، أمراض الجلد، والكلي، والكبد، وكذا استعمال بعض الأدوية كمدرات البول.

خلال هذه الأوضاع تقع ضربات الشمس، ويصبح الجسم غير قادر على تبريد نفسه في الجو الحار، حيث ترتفع درجة حرارة الجسم بسرعة لأكثر من 41 درجة مئوية خلال 4 أو 5 ساعات، كما يعاني الجسم من الاجتفاف، ويصبح غير قادر على التعرف، ويكون خلال ذلك الجلد حارا وجافا عند لمسه ومائلا للاحمرار.

ما هي أبرز علامات ضربات الشمس؟

هناك العديد من العلامات ومنها، الإحساس بصداع في الرأس وبالدوران والغثيان والرغبة في القيء، الزيادة في سرعة التنفس، تسارع نبضات القلب، ارتفاع ضغط الدم في المرحلة الأولى ثم انخفاضه في المراحل المتقدمة، إلى جانب صعوبة الكلام أو فهم الآخرين، الإعياء الشديد والهلوسة، الإغماء، فضلا عن السقوط المفاجئ، تشنج العضلات، وفقدان الوعي المفاجئ.

كيف يمكن الوقاية من هذا الأمر؟

ينصح الأطباء بصفة عامة بعدم التعرض المباشر وخلال زمن طويل لأشعة الشمس، والإكثار من شرب الماء للتخفيف من أثر الحرّ على الجسم، خصوصا المشروبات ذات البرودة العادية غير المثلجة أو شديدة البرودة، وشرب السوائل الدافئة وهذا معروف لدى سكان المناطق الصحراوية كشرب الشاي الساخن حتى خلال الجو الحار الذي له دور في الوقاية من التأثيرات الحرارية.

إضافة إلى ذلك يوصى بتناول الوجبات الخفيفة، خاصة السلطات، والإكثار من الخضراوات والفواكه للحفاظ على الأملاح المعدنية في الجسم، والعمل على أخذ فترات استراحة أثناء العمل، وعدم التعرض للإجهاد العصبي، مع الحرص على الاستجمام أو العمل في الظل.

وتجب الإشارة إلى أن التأثيرات الحرارية على جسم الإنسان يمكن أن تكون أقل حدّة من ضربة الشمس، فالإجهاد الحراري الذي يؤدي إلى الاجتفاف من الماء هو أقل من ضربة الشمس الناتجة عن التعرض للحرارة عدة أيام بغياب الشرب الكافي للماء، والتجفف من الماء يحتاج إلى تشخيص وإلى علاج مبكر.

هذا عن الوقاية فماذا عن العلاج في حال التعرض لضربات الشمس وعدم القدرة على تفاديها؟

تتوقف خطورة الإصابة ومضاعفاتها على سرعة إسعاف وعلاج المصاب، وتتمثل خطوات الإسعاف الأولى في إبعاد المصاب عن أشعة الشمس والجو الحار، ووضعه في مكان به ظل أو مكيف، والحرص على إبقائه مستلقيا على ظهره مع رفع الرأس والكتفين قليلا، بينما يقوم شخص آخر بطلب سيارة الإسعاف لنقله إلى المستشفى.

ويعتبر تبريد جسم الإنسان المصاب خلال إزالة الملابس غير الضرورية أمرا مهما، ويتم استخدام قطعة إسفنج أو كمادة ماء لتبريد الرأس والأطراف وتحت الإبطين وبين الفخذين، مع مسح الجسم بقطعة قماش مبللة بالماء البارد، أو صب الماء على الجسم، كما يمكن تغطيس المصاب إذا كان طفلا في حوض ماء بارد بدرجة حرارة 15 مئوية، مع تجنب استخدام الثلج خشية أن يؤدي تقلص الأوعية الدموية إلى تدهور الحالة، فضلا عن تعريض الجسم لمصدر هوائي أو مروحة حتى يتبخر الماء بسرعة مما يخفض من حرارة الجسم.

إلى جانب ما سبق، يجب كذلك قياس درجة حرارة الجسم بشكل متكرر أثناء الإسعاف والاستمرار بتبريد جسم المصاب أثناء نقله إلى المستشفى، وهناك يتم منحه السوائل عن طريق الوريد، وقد يصف الطبيب الأدوية التي تقلل من الارتعاش، إذ أن عملية التبريد تسبب هذا الأخير الذي يزيد حرارة الجسم ويجعل العلاجات المستخدمة أقل فاعلية.

كيف يمكن بشكل عام الوقاية من تأثير ارتفاع درجات الحرارة الشديدة على الجسم؟

للوقاية بشكل عام من تأثير الحرّ الشديد على الجسم، ينصح بتجنب التعرض، خاصة من قبل الأطفال، لأشعة الشمس لفترات طويلة ومتواصلة والبقاء قدر الإمكان في أماكن جيدة التهوية، والحرص على شرب السوائل بمختلف أنواعها، ويفضل الماء والعصائر الطازجة، وكذا تناول الفواكه والخضراوات والمثلجات بأنواعها لتبريد الجسم.

ومن بين الخطوات التي يوصى بها كذلك، تخفيف ملابس الأطفال عند الخروج إلى الأماكن غير المكيفة، وتغطية الجسم في الأماكن الباردة حتى لا يتعرضوا لانخفاض مفاجئ بحرارة الجسم، مع ضرورة الحرص على عدم ترك الطفل داخل السيارة لوحده حتى لا يتعرض للضرر الذي قد يؤدي إلى الوفاة نتيجة احتباس الهواء الساخن.

ومن بين النصائح التي يجب التأكيد عليها أيضا، تجنب ممارسة الأنشطة الرياضية في الطقس الحار، وتعويضها بتمارين الصباح الباكر أو المساء، مع الحفاظ على شرب كمية كافية من السوائل، سواء تعلق الأمر بالماء أو بأي مشروب آخر غيره، قبل التمرين بساعتين، وكذا قبل التمارين مباشرة، وإبانها يجب شرب كميات من المياه كل 20 دقيقة، حتى إذا لم يشعر الشخص بالعطش.

ويوصي الأطباء بارتداء ملابس فضفاضة فاتحة اللون تعكس أشعة الشمس، ووضع قبعات عريضة الحواف التي تقلل من تأثير أشعة الشمس على الرأس، إلى جانب استخدام واقي الشمس. لكن في حالة إحساس الشخص بأعراض تشير إلى احتمال الإصابة بضربة شمس، يجب اتخاذ تدابير فورية، كالذهاب إلى مكان مكيف أو مظلل، ورش الجسم بماء بارد وشرب السوائل غير السكرية وغير الكحولية والتي تتوفر على الكافيين، مع الانتباه لتجنب السوائل شديدة البرودة وبهذا يمكن منع تطور الحالة.

هل هناك من أمر آخر يجب الانتباه إليه ارتباطا بارتياد الشواطئ والمسابح؟

إن من بين المضاعفات الخطيرة الناتجة كذلك عن تصرف الإنسان خلال ارتفاع درجات الحرارة، تعرضه إلى الصدمة الحرارية، وهي غالبا ما تنتج جراء ارتفاع في درجة حرارة الجسم، كما هو الحال عند مزاولة الرياضة في جو حار، أو الدخول إلى الماء في البحر أو المسبح بطريقة مفاجئة بدون تبريد الجسم، فيقع تغيير مفاجئ في حرارة الجسم، مما يؤدي إلى فقدان الوعي أو وقوف مفاجئ للقلب داخل الماء، فيتسبب ذلك في الموت. لهذا فنحن ننصح دائما بالدخول في الماء البارد بشكل تدريجي مع تبريد الأطراف والوجه والصدر خارج المسبح أو البحر لتجنب الصدمة الحرارية.

 


الكاتب : حاوره: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 28/08/2021