« تصفية استعمار العقليات بعد تصفية استعمار التراب»..
اختارت قيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهي ترحب وتخاطب ضيوفها من الاشتراكيين الأفارقة، التحدث من داخل منطق الدولة المغربية. الدولة الكيان بشعبه ونظامه الملكي عبر القرون وتاريخه وثقافته وروحانياته.
فجاءت كلمة الكاتب الأول للاتحاد، لتعبر عن هذا الاختيار بصدق وروية ووضوح، من خلال استحضار البعد التاريخي، الحضاري في قوة صياغة علاقة المغرب مع عائلته الإفريقية، و«التفويض» الجغرافي الذي منحه دور ربط العلاقة بين الشمال والجنوب في القارة، علاوة على الأدوار المتقدمة في ربط العلاقة بين القارة وجيرانها الشماليين والأطلسيين.
كما أبرزت الكلمة الطبيعة المتميزة لهذه العلاقة حاضرا، من خلال التوجه الإفريقي المدروس والعقلاني والبعيد عن التوزيع الإديولوجي للعمل القاري، والذي شاب علاقات الشعوب والأنظمة وورَّثتْها الكثير من الجراح وضاعفت من تأخرها التاريخي، في تنمية المؤسسات والثروة الوطنية وفي التأثير على القرار الدولي. وفي نفس السياق، يجب أن نضع افتخار الاتحاد” بتوقيع المغرب لأكثر من 1.000 اتفاقية تعاون وشراكة مع غالبية الدول الإفريقية”.
وفي السياق ذاته تفهم القيادة الاتحادية عودة المغرب إلى أسرته المؤسساتية، الاتحاد الإفريقي عام 2017، كنقطة تحول استراتيجية، لأجل تعزيز ” التزامنا ببناء شراكات جنوب – جنوب”.
وفي هذا السياق كذلك تعي القيادة الحزبية “سعي المغرب إلى تحقيق منطق رابح – رابح،” من خلال المشاريع الكبرى “من قبيل أنبوب الغاز الذي سيربط نيجيريا بالمغرب مرورا ب13 دولة إفريقية”.
ومن هذه الزاوية يتضح وعي الاتحاد بأهمية المبادرة الأطلسية التي تضم 23 دولة إفريقية مطلة على المحيط الأطلسي كخطوة استراتيجية.. يزيدها قوة «انفتاح من نوع خاص على دول الساحل»، وغير ذلك من عناصر المعادلة التي يطورها المغرب من خلال رؤيته الديبلوماسية وتعامله مع قضايا القارة الإفريقية وكل إشكالاتها الصعبة.
لم يكن موقف الاتحاد ليبتعد عن المواقع التي تحتلها بلادنا، بل لعل القوة الاقتراحية والرؤية الاتحادية تنطلق من نفس التصور التحرري التقدمي، الذي يطبع علاقة المغرب بالقارة، حيث لا ننسى أن بلادنا كانت قِبلة القوى التحررية في القارة، كما أنها اليوم حاملة المشعل في تحرير القرار الإفريقي وربطه بمصالح إفريقيا.
كما أن الاتحاد يعتنق نفس الجوهر من حيث طموحه بأن تكون القارة قادرة على التقرير، باستقلالية منتجة، في مصيرها ومصير أجيالها القادمة.
ولهذا يحدد الاتحاد مهامه التاريخية قاريا، حيث «برز الدور الريادي الذي لعبه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كأحد القوى التقدمية التي أسهمت بفعالية في صياغة رؤية مشتركة لمستقبل القارة الإفريقية. فمنذ عقود، انخرط الحزب بوعي سياسي ونضالي عميق في حوار استراتيجي مع كبرى الحركات الاشتراكية والتحررية الإفريقية، مما ساهم في إرساء قواعد تعاون فكري وسياسي بين مختلف القوى الطامحة إلى بناء إفريقيا متحررة ومتقدمة».
إن الاتحاد الذي يفتخر بأنه في طليعة العمل في إطار الديبلوماسية الشعبية والحزبية والبرلمانية في بلادنا، يجعل رصيد ما يحققه لفائدة الوطن، وهو في هذا المهمة النضالية لا ينتظر «مردودا على استثمار» سياسي، بقدر ما يجسد انتماءه إلى الأفق الوطني، والدفاع عن الوطن في حضرة الأمم، وفي ربط جدلي بين الوطني والأممي، كما فعل طوال تاريخه.
وعليه فإن هذا التكامل بين العمل الديبلوماسي الرسمي والمؤسساتي، والعمل الشعبي المدني المؤسساتي بدوره، هو جوهر الفهم الاتحادي، وكذلك جوهر ما يميز العلاقة بين الزاويتين، الرسمية والشعبية، باعتبارهما انصهارا في الوحدة والتعاقد حول القضايا المصيرية، قضايا الدفاع عن وحدة التراب، وتصفية استعمار…العقليات وليس تصفية استعمار التراب فقط!
لقد أجمعت القيادات الاشتراكية الإفريقية، في افتتاح أشغال الأممية في مقر حزب الاتحاد الاشتراكي، أول أمس بالرباط، على أن هذه اللحظة الأممية نادرة الحدوث، وغير مسبوقة، بالقدر الذي جمعت أذرع المنظمة الثلاثة: لجنة إفريقيا والاشتراكية للنساء والمجلس الدولي.
وستتواصل أشغال الاجتماعات الثلاثية للأممية الاشتراكية، بنفس النفَس والانشغال والجدية، في مناقشات قضايا التمكين للمرأة أو في ما يتعلق بالقضايا الدولية وتقديم عرض الاشتراكيين في العالم حول سبل إنقاذ العالم حاضرا ومستقبلا. ونحن نعتبر أن الأهم قد تحقق، فوق أرض المغرب الإفريقية. والرسالة وصلت لمن يهمهم الأمر، أولا بنتيجة الاجتهاد الوطني الاتحادي في صياغة أجمل دروس الفعل الديبلوماسي الشعبي والبرلماني والحزبي، وأكثرها نجاعة، وثانيا بتحقيق هذا الانصهار الثلاثي الأبعاد، الوطني والقاري والأممي، وثالثا، بتلاقي المجهود الرسمي الوطني مع المجهود الشعبي من أجل الرفع من مكانة المغرب وإشعاعه في كل محافل الفعل الدولي.