تمخّضت الأغلبية فحرّرت بلاغا فضفاضا لتعميم تحمّل المسؤولية على مكوناتها
عرف اليوم الرابع من احتجاجات شباب «جيل زيد» منعطفا خطيرا في عدد من المناطق تصدّرتها آيت عميرة باشتوكة ايت باها وانزكان ووجدة، بالإضافة إلى تسجيل مواجهات أخرى وإن كانت «أخف ضررا» بكل من الصخيرات ودرب السلطان في الدارالبيضاء، وغيرها من المواقع التي خرج فيها الشباب خاصة والمحتجون بشكل عام، للمزيد من المطالبة بتوفير منظومة صحية عادلة مجاليا، وتعليم متميز بمناهجه ومتطور بتكوينه بما يضمن ولوج الخريجين إلى سوق الشغل، ولمحاربة كل أشكال الفساد.
الأغلبية تنوب عن الحكومة
خلافا لما كان منتظرا من حكومة مسؤولة سياسيا عن تدبير الشأن العام، خرجت الأغلبية ببيان أول أمس الثلاثاء، لتوحّد المسؤولية بين مكوناتها وذلك بتعميم المجالات التي تعرف تعثرا، وللإعلان عن فتح حوار «افتراضي» مع الشباب المحتجين في فضاءات، لا يعرف مكانها ولا طبيعة المشاركين فيها إلا من اجتمعوا في ذلك اللقاء، بما أن الفضاء التشريعي نفسه، الذي يعتبر المكان المؤسساتي للنقاش الحقيقي حول قضايا الوطن، وهموم المواطنين، والذي يمكن أن يبلور خلاصات على شكل تشريعات وسياسات عمومية لتصحيح الاختلالات، باتت المعارضة لا تجد المساحة الكافية فيه لتعرض مواقفها، بسبب تغوّل حكومي، وصل إلى أقصى مدى.
الخروج عن طريق
السلمية
شهد أول أمس الثلاثاء توسعا في رقعة الاحتجاجات التي شملت مناطق جديدة انضم شبابها ومواطنوها إلى طوابير المطالبين بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، لكن الحدث المؤسف الذي كان صادما، هو تحويل مسار الاحتجاج من الشكل السلمي إلى ممارسة العنف، الذي لا يمكن تبريره أو القبول به، وهو الموقف الذي عبّر عنه عدد من الفاعلين المدنيين والحقوقيين ومجموعة عريضة من المواطنين، الذين تفاعلوا جميعا على مواقع التواصل الاجتماعي مع مشاهد التخريب واستهداف الممتلكات العامة والخاصة والسرقة، وعبّروا عن الرفض الصارم لما وقع منددين بتلك الأحداث.
احتجاجات في مراكش وايت اعميرة بمنطقة اشتوكة ايت باها وإنزكان، والصخيرات، وفي الرباط والدارالبيضاء، وورزازات، والجديدة، إلى جانب كل من فاس ومكناس، واللائحة طويلة بعدد المواقع التي إما أنها التحقت بركب المحتجين أو أنها واصلت حضورها الاحتجاجي في الشارع العام رغم قرار منع الوقفات وكل أشكال التظاهر غير المرخصة قانونيا. وإذا شهدت الاحتجاجات في بعض المناطق مزيدا من الحضور السلمي والتظاهر الحضاري، بالرغم من الاعتقالات التي كانت عشوائية، لكون المعنيين ظلوا حريصين على توجيه نفس الرسالة الراقية التي ميّزت خروج شباب «جيل زيد» إلى الشارع العام طيلة الأيام الثلاثة الأولى، فإن محتجين آخرين، وضدا عن هذا التوجه السلمي، خرجوا للتعبير عن الغضب الساخط بالعنف، فرشقوا القوات العمومية بالحجارة وخربوا دوريات ودراجات للدرك والشرطة، بل إن منهم من استولى على دورية وقام بسياقتها، وتطاولوا على ممتلكات خاصة، كما وقع في انزكان وايت اعميرة، وأسفرت المواجهات عن خسائر مادية كبيرة وإصابات في صفوف قوات حفظ النظام العام وعدد من المواطنين، وحتى من بين المحتجين أنفسهم، كما هو الشأن بالنسبة للشخص الذي صدمته دورية للشرطة وهي تغادر مكان التجمهر والعنف في وجدة.
سوس .. عنف وتخريب
رافقت الاحتجاجات الصاخبة التي اندلعت يوم الثلاثاء موجة من العنف ورمي قوات الأمن بالحجارة في عدد من مدن سوس من قبل عدد من المحتجين، غير المعروفة هويّاتهم، خاصة بمدينة انزكان وايت عميرة وتيزنيت. وشهدت مدينة انزكان وايت عميرة ليلة قاسية تخلّلتها أعمال عنف من قبل مجموعة من المتظاهرين وصاحبتها أعمال تخريب للممتلكات العمومية والخاصة، وعمليات نهب للمتاجر، وإضرام النار في سيارات الشرطة والدرك الملكي ووكالة بنكية للبريد بانزكان، زيادة على رشق قوات الأمن بالحجارة بعدما حاولت هذه الأخيرة تطويق المظاهرات ومحاصرتها في مكان معين حتى لا تمتد إلى كل شوارع المدينة.
وانحرفت الاحتجاجات التي كانت سلمية في البداية عن أهدافها بعدما تسربت إليها عناصر دخيلة استغلت الوضع وقامت بما قامت به من أعمال تخريب ونهب وسرقة وإضرام النار في الممتلكات العمومية والخاصة، حيث لم يتم حصر حجم الأضرار المادية التي تكبدتها مدينة انزكان على الخصوص رسميا، ولا الخسائر المالية التي تكبدتها بعض المتاجر التي تعرضت للنهب والسرقة والإتلاف من قبل المتظاهرين.
مكناس .. مسيرة هادئة
من جهتها شهدت مدينة مكناس، وبالمدينة الجديدة حمرية خصوصا، أول أمس الثلاثاء، احتجاجات قادها عدد من الشبان، للمطالبة بضمان الحق في التعليم والصحة والعيش الكريم، في وقت اعتبر المحتجون أن السياسات الحكومية هي السبب المباشر في تفجر هذا الحراك. وخلال الوقفة، التي انطلقت في حدود السادسة مساء من أمام السوق المركزي، أي في ذروة خروج التلاميذ والطلبة من المؤسسات التعليمية، جابت المسيرة أزقة وشوارع حمرية، ما أرهق رجال السلطة وعناصر الأمن والقوات المساعدة، خاصة بعد تفرق المحتجين إلى مجموعات صغيرة. ورغم تسجيل بعض المناوشات المحدودة، لم تُسجل إصابات، بينما أوقفت السلطات عددا من الشباب ليُفرج عنهم لاحقا من طرف الدائرة الأمنية الثانية، كما لم تُسجل أي تجاوزات بارزة من طرف الأجهزة الأمنية، في حين أبان المحتجون عن وعي ملحوظ من خلال ترديد شعارات سلمية تفضح تفشي الفساد وتطالب بالحقوق الاجتماعية.
الدارالبيضاء والرباط واستمرار الكرّ والفرّ
وفي العاصمتين الإدارية والاقتصادية تواصلت مشاهد الكرّ والفرّ في احتجاجات الشباب، الذين أصروا على الحضور في الشارع العام لإسماع صوتهم، قبل أن يجدوا أنفسهم مضطرين بعد مطاردتهم من أجل اعتقالهم على ولوج الأزقة الداخلية، كما وقع في التقدم وعلى مستوى المدينة القديمة في الرباط، وفي ساحة السراغنة بدرب السلطان في الدارالبيضاء، هاته الأخيرة التي نقل المحتجون مطالبهم إلى داخل أزقة درب المنجرة والقريعة إلى درب الشرفاء والطلبة، ثم نحو بوشنتوف، هذا الحي الذي شهد في بعض اللحظات مواجهات بالحجارة بهدف ثني القوات العمومية عن مطاردة المحتجين، الأمر الذي خلق موجة من القلق في أوساط الساكنة، بالنظر إلى الضرر الذي قد يطال لا المحتجين ولا القوات الأمنية، وكذلك الممتلكات الخاصة للمواطنين.
مطالب بالحكمة والتبصر
ودفعت الأحداث القاتمة لأول أمس الثلاثاء العديد من الفاعلين في حقول متعددة لتوجيه رسائل إلى الحكومة وإلى المحتجين معا، مطالبين الأولى من خلال نداءات على مواقع التواصل الاجتماعي باستيعاب رسالة الشباب ومطالبهم والعمل على أجرأة تدابير عاجلة للقيام بالإصلاحات الضرورية في القطاعات المعنية بالمطالب المشروعة، وتحمّل الحكومة لمسؤوليتها السياسية في ما آل إليه الوضع، ومن جهة ثانية لحث الشباب المحتج على التعقّل ورفض كل أشكال العنف، والتوقف الآني عن الاحتجاج في انتظار تحقيق تفاعل مع مطالبهم، وذلك لكي لا يتم فسح المجال لمن يحاولون الإساءة للشباب ومطالبهم المشروعة التي دافعوا عنها منذ اليوم الأول، وأكدوا عبرها عن تشبثهم بوطنيتهم الصادقة وبثوابت البلاد، وحتى لا يجد «مندسون» فرصة للإساءة للوطن، تحت يافطة الاحتجاج.