الاستخبارات الإسبانية تبرئ المغرب من تهمة التجسس على وزرائها ببرنامج بيغاسوس

قبل سنة أو أكثر من الآن، صعد ملف التجسس على الجارتين الإقليميتين (نقصد فرنسا وإسبانيا) من قبل المغرب وبإستخدام برمجية التجسس الإسرائيلية المعروفة بإسم «بيغاسوس»، ما أدى إلى تأزم العلاقات بين المغرب وشريكيه الإقليميين بشكل أدى لقطع علاقته الدبلوماسية بهما لفترة من الزمن، وبسبب اتهامات من لدن «منظمة العفو الدولية» وجهات دولية ومحلية في تلك البلدان أيضا، ودون تقديم أي دليل حقيقي ملموس على هذه الاتهامات، وتصديق لها ولحقيقتها دون بحث واضح عن أسسها وخلق مستمر لأسباب غير حقيقية أفضت إليها. هذا قبل أن تتبدد سحابة الظلم فوق المغرب من حيث التجسس، وتظهر حقيقة هذه المزاعم الواهية حوله، وتتم تبرئة المغرب من تلك التهم مع مرور الوقت.
بدأ كل شيء في 18 يوليوز 2021، في أعقاب تحقيق كبير أجراه تكتل من100 صحفي، وما يقرب من 20 جهة إعلامية من بينها «صحيفة لوموند»، «إذاعة راديو فرنسا»، ومنظمة»فوربيدن ستوريز» غيرالحكومية، بالتعاون مع «منظمة العفوالدولية»، حيث خرج القائمون على هذا التكتل الإعلامي، بتصريح أو اتهام مباشر للمغرب بالتجسس، استنادا (بحسبهم) لتحليلهم أو تفتيشهم لمئات الهواتف المحمولة في العديد من البلدان، واضعين صوب أعينهم كهدف لهم البحث عن أي تموقع لبرمجية «Pegasus» على تلك الهواتف، بإعتبارها» جوهرة» تكنولوجيا المراقبة التي صممتها شركةNSO Group الإسرائيلية، على الهواتف الذكية للعديد من الشخصيات السياسية البارزة والنشطاء والصحفيين المعروفين.
وبخصوص البرمجية، فالغرض منها كما ذكرنا أعلاه. أن تعرض على أنظارالمنظمات الدولية وحكومات الدول ولا تقتصر فقط على الشركات الخاصة، بهدف نظري هو «التجسس على الأفراد أوالجماعات المشتبه في تورطهم في عمليات إرهابية أوإجرامية». كما تستخدم ايضا للتجسس على كل من له يد في هذه العمليات، وتستهدف قائمة طويلة من الشخصيات المعروفة انطلاقا من أصغر فرد في الدولة وصولا إلى قاداتها، وتستخدمها دول عدة من بينها :هنغاريا،توغو، الهند، المكسيك…
وهكذا، وجد المغرب نفسه متهما باستخدام برنامج»بيغاسوس» على نطاق واسع للتجسس، ليس فقط على الشخصيات البارزة في المملكة (بحسب موقع Le Point Afrique)- بمافي ذلك الملك نفسه! ،ولكن أيضا على المنشقين وكبار المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين من عدة دول، بما في ذلك فرنسا والجزائر. ولكي يزداد الطين بلة، اتهمت المملكة بالتجسس على الهاتف المحمول للرئيس الفرنسي الحالي «إيمانويل ماكرون» (أثناء فترة رئاسته) وحوالي 6 آلاف شخصية أخرى من المجتمع العسكري – الأمني الجزائري.
وبخصوص دفاعه عن نفسه، صرح المغرب على لسان مسؤوليه، بأن هذه الإدعاءات مرفوضة جملة وتفصيلا وبقوة من قبل المسؤولين والمواطنين، وكذلك من قبل بعض أعضاء المجتمع الدولي. ليقرر المغرب الانتقال بعدها وبشكل ملموس لمقاضاة التكتل الإعلامي المسؤول عن هذه الاتهامات ب»تهمة التشهير» ومعه جميع الجهات الفاعلة المشاركة في نشرها. حينها صرح ناصر بوريطة لمجلة «جون أفريك»، أنه «بعيداعن هذا الستار الدخاني – هذه مجرد خدعة –إذاجاز لي القول – ملفقة وبدون أي دليل ملموس.. إذ ومن الضروري إلقاء الضوءعلى الحقائق، بعيداعن الجدل والافتراء علينا»، ذاكرا أيضا بأن»هذه الهجمات ضد المغرب تستند فقط إلى تكهنات بحتة»وأن «من يشاركون في نشر هذه الاتهامات يخدمون أجندات لجهات معروفة جيدا بعدائها للمغرب وتتضررمن نجاحاته»، كما أعرب عن تحديه لمن وصفهم ب»باعة الاتهامات بالتجسس» ضدالمغرب، لتقديم أدلة ملموسة ومادية لدعم روايتهم المزيفة.
بعيدا عن السجل الدبلوماسي، استعان المغرب بخدمات المحامي الفرنسي «أوليفيي هباراتيلي»،الذي وصف بدوره الاتهامات والادعاءات الموجهة للمغرب بأنها «سخيفة»، كما أن مجموعة»NSO» الإسرائيلية التي طورت برنامج التجسس الشهيرPegasus، اكدت في بلاغ صحفي لها أنها : «لم يكن لديها أي علاقات تعاقدية أوتجارية مع المغرب بأي شكل كان»، وأشار المحامي الفرنسي أيضا في أحد تصريحاته، إلى أن «إيمانويل ماكرون لم يكن ولن يكون أبداهدفا للتجسس من لدن أي أحد كان من عملاءNSO الإسرائيلية».
تجدر الإشارة، إلى أن فضيحة التجسس باستعمال بيغاسوس ليست بالجديدة. ففي الواقع، فقد كشف الوزير الإسباني «فيليكس بولانوس»في مؤتمرصحفي عقد يوم الاثنين 2 ماي ،أن هاتفي رئيس الحكومة الإسبانية»بيدروسانشيز» ووزيرة دفاعه»مارغريتاروبلز» قد تم التنصت عليهما بواسطة برنامج بيغاسوس.
ووفقا ل»فيليكسبولانوس»، ف»إن هواتفهم كانت عرضة «للتنصت غير القانوني والخارجي» باستخدام هذا البرنامج»، بحسب ما جاء في تقريرين تقنيين من»المركز الوطني الإسباني للتشفير»، الذي حدد أنه تم الإبلاغ عن محاولات سابقة للتجسس على هاتف»بيدروسانشيز»في ماي 2021، في حين تم الإبلاغ عن تلك التي تستهدف»مارغريتاروبلز»بعد شهر من الأولى، مؤكدا أن كلا الشخصيتين «لم تستهدفا بعد هذه التواريخ».
المثير للاهتمام في هذه القضية، أن بعض الدوائر في إسبانيا وحتى في أماكن أخرى حول العالم،خرجت لتبدي تحليلاتها وتقدم اتهاماتها وتشرك المغرب كطرف أساسي في هذه القضية والمتسبب فيها، محاولة استخدامه كورقة للضغط على الحكومة الإسبانية للتراجع عن قرارها التاريخي الذي اتخذته في 18 مارس، والذي بموجبه تعرب مدريدعن دعمها للمخطط المغربي للحكم الذاتي، وهوما يعتبرالآن «الأساس الأكثرجدية وواقعية ومصداقية» لحل نزاع الصحراء المغربية.
من بين تلك الجهات أيضا، كان لعبة الجزائر»إبراهي م غالي»، الذي تجرأ على دس أنفه في هذه القضية، تباهيا بكونه ضحية للتجسس باستخدام برنامج بيغاسوس من قبل المغرب، مثلما وقع ل»بيدروسانشيز»ووزيري الدفاع والداخلية، ونقصد «مارغريتاروبلز» و»فرناندوغرانديمارلاسكا»،حيث قال زعيم تلك المنظمة الإرهابية ومجموعة الانفصاليين الذين يتقاضون رواتب بحجم الممنوحة لأسيادهم من جنرالات الجزائر، بأن»المغرب سيكون وراء قضية التجسس هذه» لا محالة، ولهذاالسبب واكبوا تشجيع وحث الحكومة الإسبانية على «قطع علاقاتها» مع الرباط والمغرب معا.
من جهته، تدخل «المركزالوطني الإسباني للاستخبارات» (بعد عودة المياه لمجاريها بين البلدين الشريكين والشقيقين على نفس المنوال مع فرنسا)، لضحد الأطروحة المثيرة للاشمئزاز (على حد وصفه لها) والقائلة بأن»للمغرب يدا في «اختراق وسرقة» معلومات حساسة عبر البوابة الهاتفية (الهاتف الذكي الشخصي) لرئيس الوزراء الإسباني»بيدروسانشيز». ليأتي هذا النفي اللاذع، كما نقله موقع «الكونفيدنسيال» الإخباري الإسباني، الذي أشار في مقال نشر»إلى أن الإستخبارات الإسبانية قد دحضت النظرية القائلة بأن تغيير الموقف من الصحراء يرجع إلى ابتزازإسبانيا في شخص بيدرو سانشيزمن خلال اتهامه بارتكاب «خطأ» في استقبال غالي، وبضغط دولي من لدن الولايات المتحدة». وأن نفس الجهة تستبعد ب»شكل قاطع»أن للمغرب علاقة بقضايا التجسس على إسبانيا وما واكبها من فضائح تتعلق بها».
وبالنسبة لوزير الخارجية الإسباني «خوسيه مانويل ألباريس»، فإن : «العلاقات الدولية، لاتقوم على التخمين أو التكهنات، بل تستند إلى الحقائق»، مضيفا بأن : «أول شيء يجب القيام به، هو «معرفة الحقائق وتوضيحها»، وبالتالي، «سيتم اتخاذ القرارات الصائبة»، مضيفا «لكنني لن أتكهن بأن لأي بلد يد في هذا،لأن المطلوب في مجال الدبلوماسية هوالحقائق وفقط»، و»أستطيع أن أفكر في كل ما أريد، لكن الدولة التي تحكمها سيادة القانون تتطلب الأدلة. لذلك، لايمكنني تغذية التكهنات دون دليل… لايمكنني تقديم أي نوع من التكهنات أوالاستناد إلى معلومة أن هاتفي كان مخترقا. ومن وجهة نظردولة ديمقراطية تقوم على سيادة القانون مثل دولتنا هذه، فإن المحاكم وحدها من يمكنها تحديد الجناة والمسؤوليات، وسيكون استهتارا مني أن أوجه أي اتهام لأي جهة كانت».
في الأخير، تأتي هذه المستجدات والتصريحات الأخيرة، كقفزة واضحة في طريق تبرئة المغرب من تهم التجسس التي تطاله، بالرغم من أن بعض الأحزاب ووسائل الإعلام الإسبانية لم «تبيض صفحة المغرب بشكل كامل»، حيث سربت بعض منها أن «المركزالوطني الإسباني للاستخبارات» لا يزال يشكك بعض الشيء بأنه لدى المغرب بعض النوايا في التجسس على وزراء حكومة سانشيز، و تحديدا بخصوص المرتبطين بشكل أو بآخر بولوج المبحوث عنه والمطلوب دوليا لما إرتكبه من جرائم، نقصد «إبراهيم غالي» للأراضي الإسبانية بهوية مزورة من أجل العلاج.


الكاتب : إعداد و ترجمة : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 18/06/2022