في انتظار يوم 15 شتنبر الجاري، تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها في تونس، انطلقت الحملة الانتخابية يوم فاتح شتنبر في الخارج، وفي الثاني من الشهر نفسه بداخل البلاد، في ظل أجواء متوترة، وتبادل اتهامات حادة بين المرشحين المتنافسين.
كما أن الحملة الانتخابية انطلقت في ظل أجواء من القلق والمخاوف حول مجريات الاقتراع، واحترام قواعد اللعبة الديمقراطية، وشفافية الاقتراع، وتكافؤ الفرص بين المرشحين، وحياد الإدارة، واحترام مؤسسات الدولة، وكذا الخوف من استخدام وسائل الإعلام قبل الأوان من خلال دعم بعض المرشحين دون ضوابط.
سعيد العايدي: “المهندس السياسي المتجول”.. وحلم الارتحال إلى قصر قرطاج
دخل سعيد العايدي المشهد السياسي التونسي من باب حكومة محمد الغنوشي التي شكلها بعيد ثورة جانفي2011. أتى من وراء البحر ضمن الكفاءات المهاجرة التي ارتأى الوزير الأول آنذاك أنهم بإمكانهم ضخ دم جديد في مفاصل الدولة التي بدأ يتهددها شبح التفكك والانقسام.
شغل العايدي من جانفي 2011 إلى نهاية ديسمبر من العام نفسه خطة وزير للتكوين المهني والتشغيل، وواصل في تلك الخطة ضمن الفريق الحكومي الذي ترأسه الراحل الباجي قايد السبسي.
لم تكن للرجل سابقة سياسة عرف بها لدى الرأي العام التونسي قبل عودته. فالعايدي الذي غادر البلاد فور إنهاء تعليمه الثانوي، هو سليل معهد “هوش” بفرساي بمدرسة البوليتكنيك بباريس، حيث أكمل دراساته التحضيرية، قبل أن يستهل حياته المهنية سنة 1985 بمركز الأبحاث والتطوير التابع للشركة العامة للإعلامية بباريس ثم بمرسيليا.
ولا تكشف السيرة الذاتية للعايدي قبل 2011 عن أي ارتباط لهذا المترشح بالعمل السياسي. فقد “تجول” هذا المهندس بين عدة شركات عالمية، إذ عمل سنة 1993 بالشركة العالمية متعددة الجنسيات العاملة في مجال تصنيع وتطوير الحواسيب والبرمجيات “إي بي آم”، وشغل سنة 2002 منصب مدير للتصرف في رأس المال البشري لدى “إي بي آم” بالبلدان الفرنكوفونية الإفريقية.
وبعث في سنة 2004 مؤسسة “أطلاسيس”، وهي مؤسسة متخصصة في الاستشارة وهندسة الحلول الإعلامية في مجال الموارد البشرية.
وعين العايدي سنة 2006 مديرا عاما لشركة “هيومن ريسورسز اكسس” للشرق الأوسط وإفريقيا متعددة الجنسيات، المختصة في نشر البرمجيات، والإسناد الخارجي للموارد البشرية، ثم عضوا في اللجنة التنفيذية للشركة في العالم.
ويبدو أن صفة “المهندس الرحالة” قد كان لها بعض أو كثير من الأثر في الشخصية السياسية التي اكتسبها العايدي فور عودته إلى تونس، ناهيك أنه انضم خلال سنة 2012 إلى الحزب الجمهوري ليتركه في أكتوبر 2013 من أجل الانضمام إلى حزب نداء تونس. وقد فاز في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 بمقعد في عضوية مجلس نواب الشعب عن دائرة تونس 2، من ديسمبر 2014 إلى فيفري 2015 قبل أن يشغل في نفس السنة منصب وزير الصحة في حكومة الحبيب الصيد.
وفي يناير 2016، أعلن القيادي بحركة نداء تونس ووزير الصحة آنذاك، سعيد العايدي، عن تجميد عضويته بنداء تونس، وبالمكتب السياسي للحركة، ليتولى بحلول نوفمبر 2017، الإعلان عن انطلاق نشاط حزب جديد يحمل اسم “بني وطني”.
يقول رئيس حزب “بني وطني”، إنه ترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، “من أجل ضمان علوية القانون وإرساء المساواة بين المواطنين”، وإنه “سيعمل، إذا ما تم انتخابه رئيسا للجمهورية، على بناء دولة القانون، ومكافحة كل ماهو مواز، سواء كان اقتصاديا أو أمنيا أو اجتماعيا”.
ويخوض العايدي المنافسة في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعدما نال تزكيات شعبية، قدرت بـ 18.600 تزكية، وسط تأكيدات لمنظمة “أنا يقظ” بتلقيها العشرات من الاتصالات والبلاغات المتعلقة بتزكيات وهمية يفترض ارتكابها من قبل 12 متقدما للترشح للانتخابات الرئاسية، من بينهم المرشح سعيد العايدي.
سلمى اللومي الرقيق.. من الأعمال إلى السياسة… امرأة تحلم بــ”العودة” إلى قصر قرطاج
سلمى اللومي الرقيق، هي ثانية اثنتين من المرشحين الـ 26 المتنافسين في سباق الانتخابات الرئاسية، وهي امرأة أعمال خاضت غمار السياسة مثل العديد من رجال ونساء المال والأعمال الوافدين على هذا المجال بعد ثورة 14 جانفي.
وبمنأى عن حسابات السياسة في منزعها البراغماتي، وبعيدا عن جدل الأرقام ومؤشرات الوزن الانتخابي، ينطوي حضور امرأتين تونسيتين (سلمى اللومي وعبير موسي) في السباق الرئاسي، على رمزية عالية، بالمنطق السياسي وبالمنطق الفكري المجتمعي، لأنه يدشن، بشكل ما، مرحلة نضج أدركتها مسيرة تحرر المرأة التونسية، منذ بدايات الفكر الإصلاحي، وأساسا بفضل تشريعات دولة الاستقلال. ترشح يكسر حلقة الغياب، ويدشن بوادر تغيير حقيقي، قد لا ينتصر بحساب النتائج الانتخابية، ولكنه ينتصر للمستقبل…
أتى التحاق سلمى اللومي الرقيق، المولودة في 6 جوان 1956، بمعترك العمل السياسي من بوابة حركة نداء تونس التي انخرطت فيها عند تأسيسها سنة 2012، ليتم انتخابها أمين مال الحزب، واختيارها ضمن الفريق الحكومي للحبيب الصيد لتولي حقيبة السياحة والصناعات التقليدية منذ فبراير 2015 .
وفي نونبر2018 قرر رئيس الجمهورية الراحل، الباجي قايد السبسي، تعيين سلمى اللومي وزيرة مديرة للديوان الرئاسي، وهو المنصب الذي استقالت منه أواسط شهر ماي الماضي، قبل أن تغادر أيضا حركة نداء تونس بصفة نهائية.
وتداولت مصادر مقربة من اللومي، أنها أعلمت قايد السبسي، بكونها تريد أن تلعب دورا سياسيا هاما في المرحلة القادمة في شق نداء تونس المنبثق عن اجتماع الحمامات، مما تسبب في توتر العلاقة بينهما، بسبب انحيازها للشق الندائي المنافس لمجموعة حافظ قائد السبسي، في شرعية الحزب.
وبررت الوزيرة المستقيلة ذلك بأن “الوضع الاجتماعي والاقتصادي وخاصة السیاسي الیوم يدفعها للتفرغ لھدف مصیري لتونس، وھو المساھمة في تجمیع العائلة الوسطیة التقدمیة وتوحیدھا ووضع حد لتشتتھا وانقسامھا قبل فوات الأوان”، وفق ما أوردته على صفحتها على الفايسبوك.
لم تكن سلمى اللومي من بين الشخصيات البارزة في دائرة الخلافات والأزمات المتتالية في حركة نداء تونس، غير أنه، وبعد الأزمة الأخيرة للحزب، والتي انتهت بتقسيمه بعد عقد مؤتمره، إلى شقي الحمامات والمنستير، خيرت اللومي الإنسحاب نهائيا واختيار وجهة جديدة.
وفي تبريرها لهذا القرار قالت وزيرة السياحة السابقة، في حوار مع جريدة “الشروق”، إن “الوضع يتطلب من الفاعلين السياسيين التحلي بالتواضع ونبذ الذات والتخلي عن غرور الزعامة من أجل بناء جبهة وسطية تعيد الأمل للتونسيين”، والحال أنها أصبحت خلال فترة قصيرة من استقالتها من النداء رئيسة لحزب “أمل تونس” (الحركة الديمقراطية للإصلاح والبناء سابقا)، ومرشحته للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها.
سلمى اللومي الرقيق هي عضو في اللجنة التوجيهية المالية الأوروبية، وعضو المعهد العربي لمديري الأعمال، كما شغلت منصب رئيس مجلس الأعمال التونسي المصري، وعملت كرئيس تنفيذي لمجموعة من الشركات متعددة الجنسيات المتخصصة في إنتاج الضفائر الكهربائية للسيارات.
صنفتها مجلة “فوربس الشرق الأوسط” ضمن أقوى 9 سيدات في القطاع الحكومي لعام 2017، كما نالت لقب “المرأة الأكثر تأثيرا في تونس”سنة 2014 من الغرفة الجهوية للنساء صاحبات الأعمال في تونس.
سلمى اللومي الرقيق متزوجة وأم لثلاثة أبناء، وهي شقيقة القيادي السابق في نداء تونس، فوزي اللومي، الذي التحق بحزب البديل التونسي مؤخرا.
حمة الهمامي .. أحلام داعية «البروليتاريا».. وكوابح «ماكينة» رأس المال المعولم
ـ طهرانية الثورة، وهواجس التغيير الجذري، وذهنية صراع لا يكل ضد قوى الرأسمال المتحكم، كلها عناوين رافقت منذ سبعينيات القرن الماضي، مسيرة ومسار مرشح إئتلاف الجبهة الشعبية لرئاسية 2019، حمة الهمامي.
فهذا الرجل، الذي يراه مريدوه وأنصاره “الأكثر التزاما” بالخط الجذري لليسار في العشريات الأخيرة، يخوض هذا العام، المعركة الرئاسية للمرة الثانية في عمر، قال عنه في أحد تصريحاته، إنه عمر “الحكمة”.
وبين حكمة الحالم بنضالية غارقة في سرديات العقيدة اليسارية، وأحلام “البروليتاريا” المؤجلة، ورهانات الفكر السياسي بمنطقه العقلاني والواقعي، يخوض حمة، باختصار الحروف الملخصة لاسمه حاضرا وماضيا، استحقاق الرئاسة لهذه السنة.
بداية الخمسينات كانت شاهدة على ميلاد حمة الهمامي، وتدقيقا العام 1950، قبل أن يتحول ابن معتمدية العروسة من ولاية سليانة في بداية سنة 1972 إلى سجين سياسي مع ثلة من مناضلي “بارسباكتيف” أو “آفاق” اليسار التونسي، الذي تفرع عنه فصيلا “الشعلة” و”العامل التونسي” في مرحلة لاحقة.
سنة 1986، أسس الهمامي وجمع من رفاقه “حزب العمال الشيوعي التونسي” تزامنا مع أواخر عهود “السوفياتات”، ليجد نفسه مع بداية التسعينات في علاقة صراع مفتوحة مع نظام الرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي، توزعت مسارحها بين الجامعة والنقابات، قبل أن يهتدي إلى ائتلاف 18 أكتوبر 2005 ضمن تمازج سياسي جمع الأقصى بالأقصى، من حركة النهضة إلى اليسار الراديكالي. حاول حمة الهمامي اختراق الأسوار العالية والستارات العازلة، التي تعطل وتؤجل، في رأيه، إدراك حلم السعادة الشيوعية بالمفهوم الماركسي، لا سيما وأن مشهد الراهن، وطنيا ودوليا، مزدحم بشواهد العولمة الزاحفة ورأس المال المفترس المتمكن، المسنود بـ”ماكينة” السلطة و”ماكينة” الدعاية والاتصال، بوجهها الأكثر حداثة وإبداعا، وبوجهها الأكثر سطحية وابتذالا.
ولأجل كسر بعض من متاريس تلك الأسوار، وفي خطوة اشتغلت على رمزية الخطاب وذاكرة الكلمة المشحونة بشوائب صنعها “الأعداء” وصنعتها أيضا سيرورة تجربة (تجارب)، قليلا ما زارها شبح “النقد الذاتي”، لم يتردد مؤتمر حزب العمال الشيوعي التونسي في مؤتمره سنة 2012 من حذف كلمة “شيوعي” من اسم الحزب، ليصبح “حزب العمال” فقط.
بشوارب بيضاء و”لكنة” مغرقة في تفاصيل الربوع الخضراء بين قرية العروسة وأرياف الدواخل، يحافظ حمة الهمامي، إلى اليوم، على ذلك الاستحضار المسترسل لثنائية الإنسان والأرض، هكذا يراه محبوه، ولكن معارضيه يصنفونه ضمن “الأصنام” المحنطة لأفكار غير قابلة للتطوير والبناء، قدرها، بفعل كوابح الذات، وبفعل أنثروبولوجيا الجاه السياسي والنفوذ الاقتصادي الاجتماعي، أن تظل حبيسة “الاحتجاج”، ومقصية موضوعيا من تقلد “صولجان” السلطة .. “مطرقة” التغيير و”منجل” الخصب والوفرة، في مصادرة أزلية لأحلام كثرة “مفقرة”.
ومن رحم “وعي”بضرورات إحداث تغيير ما على المشهد “الجبهوي” في تفاصيله التنظيمية وإرهاصاته السياسية التي كساها البعص “لبوس” الإيديولوجيا، تفجر جدل “الجدلية” بين “الجبهة” وحزب العمال أساسا، وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد أساسا .. جدل وصراع فيهما قطعا بعض من غشاوات السياسة والإيديولوجيا، لكن حضرت فيهما أيضا النفس الأمارة بـ”الأنا” الملتحفة بخطاب مؤدلج يتوسل التعميم سبيلا للتعويم.
لا ينطلق حمة هذه المرة برافعة جمهور الجبهة الشعبية لوحده وباسمه ومن أجل طموحه، مثلما كان الحال سنة 2014، ولكنه يقتحم سباق 2019 وهو يتقاسم مع “الوطد”، رغم انفراط العقد شكلا وشخوصا، ساحة افتراضية أخرى، اسمها قواعد اليسار .. فلمن سينتصر التاريخ ؟
سليم الرياحي.. المناورة بـ»الغموض» سبيل لدعم «الحظوظ»
رجل أعمال شاب تعلقت به الكثير من التساؤلات والاستفهامات منذ دخوله «القوي المفاجئ» عالم السياسة في تونس بعد الثورة .. سليم الرياحي، مؤسس حزب الاتحاد الوطني الحر سنة 2011، الذي تحول من شخصية مغمورة إلى وجه سياسي مشهور، رافقت نشاطه عديد «الاهتزازات» و «المنعرجات» الكبرى التي جعلت اسمه، الذي طغى على اسم حزبه، على سطح الأحداث، وأحيانا في قمتها.
سليم الرياحي المولود في 13 يوليوز 1972، هو اليوم من المرشحين للانتخابات الرئاسية الذين يثيرون الجدل، يخاطب التونسيين عبر «السكايب» من وراء البحار، ويحضر بينهم أحيانا عبر تقنية «الهولوغرام»، باعتبار وجوده خارج البلاد بسبب ملاحقته في عدد من القضايا.. يقدم ترشحه لرئاسة الجمهورية، ويصر على طموحاته السياسية في تولي الحكم والسلطة، يفقد نواب حزبه في البرلمان وسنده السياسي، ويؤسس حزبا جديدا تحت مسمى «حركة الوطن الجديد»، أياما قبل انطلاق الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها.
وجد سليم الرياحي لنفسه مكانا في المشهد السياسي بعد الثورة، وأصبح رقما في المعادلة السياسية، من خلال التسويق لصورته كرجل أعمال ثري قادم من ليبيا (كان يقيم فيها) مستعد للاستثمار في بلده والمساهمة في تنمية اقتصاده، وحاول دعم حظوظه من خلال ترؤسه للنادي الإفريقي لخلق قاعدة شعبية تكون له رصيدا انتخابيا، غير أن هذه الشخصية لفها منذ البداية كثير من الغموض، لا سيما في ما يتعلق بمصادر أمواله الطائلة.
ترشح في الانتخابات الرئاسية سنة 2014، وحل خامسا في الدورة الأولى منها، بعد أن تحصل على أكثر من 181 ألف صوت (5.75 بالمائة)، وتمكن من المشاركة في السلطة عبر البرلمان بعد نجاح حزبه في الحصول على عدد من المقاعد في مجلس نواب الشعب (16 مقعدا) وتكوين كتلة برلمانية سرعان ما تراجع عدد أعضائها وتآكلت بسبب «السياحة الحزبية».
لم يرض الرياحي بدور ثانوي في المشهد السياسي، وحاول القفز إلى الصفوف الأمامية من خلال الارتباط بالحزبين الأكبر في البلاد، نداء تونس والنهضة، حيث برز الرياحي كمهندس للقاء التاريخي الذي جمع «الشيخين» راشد الغنوشي والباجي قايد السبسي في باريس في غشت 2013 لتهدئة الأوضاع وحل الخلافات بين الطرفين، وهي مهمة حاول القيام بها لاحقا في أواخر سبتمبر 2018 عند تأزم العلاقة بين الرئيس الراحل وحركة النهضة، وتواتر بوادر التخلي عن سياسة التوافق بين الحزبين.
خلال تسع سنوات كان الرياحي رئيسا وأمينا عاما للاتحاد الوطني الحر، وعضوا مصادقا على «وثيقة قرطاج»، التي «مزقها» وغادرها قبل أن يعود إليها مجددا، ثم استقال من الوطني الحر، وقرر سنة 2017 تعليق نشاطه السياسي، ثم قرر إدماج حزبه مع حركة نداء تونس في أكتوبر 2018 ليصبح الأمين العام للنداء، والخصم «الشرس» لرئيس الحكومة، يوسف الشاهد، حيث بلغ به الأمر إلى حد التقدم ضده بشكاية بتهمة «التخطيط والشروع في تنفيذ انقلاب على رئيس الجمهورية».
وفي خطوة فجئية من رجل الأعمال الشاب، يعلن الرياحي في فبراير الماضي استقالته من حركة نداء تونس، وهو خارج أرض الوطن، وملاحق قضائيا ومحل بطاقة إيداع بالسجن، وهو قرار برره بعدم القدرة على تحقيق الإضافة داخل الحركة.
وعلى غرار مسيرته السياسية، التي اتسمت بالكثير من «الحركة»داخل الحزب وفي المشهد السياسي إلى حد «الجلبة»، فإن الرياحي كان ضيفا مترددا على أروقة المحاكم في مناسبات عديدة وبتهم مختلفة، وما فتئ يظهر إعلاميا ليؤكد أن القضاء أنصفه في عدد منها وسينصفه لاحقا في ما علق منها، متهما أطرافا في الحكم وبشكل أخص رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، بالوقوف وراءها لتصفية حسابات سياسية.
عبد الفتاح مورو .. الوجه «المعتدل» لحركة النهضة .. أو «جدلية» العمامة والبدلة
– بجبته وعمامته اللتين لا تفارقانه منذ شبابه، وأسلوبه الطريف في المحاججة والنقاش، خلق المرشح الرئاسي، القاضي السابق والمحامي منذ سنة 1977 عبد الفتاح مورو، لنفسه صورة خاصة متفردة في الساحة السياسية، وحتى صلب حركة النهضة، التي كان من بين مؤسسيها في مطلع الثمانينات.
صورة الشيخ عبد الفتاح مورو في جبته الشهيرة وهو يمشي وراء جنازة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في حر ذلك اليوم القائظ، تنفيذا لوصية صديقه (كما روى ذلك)، ستبقى في ذاكرة التونسيين من بين صور عديدة لجنازة الراحل، وهي صورة ربطها البعض لاحقا برغبته في خلافة قايد السبسي، ومنهم من تندر بهذه الحادثة قائلا إن “مورو كان يعد الخطوات التي تفصله عن حلمه ليكون رئيسا للجمهورية”.
ولد مورو في 1 يناير 1948 بالعاصمة تونس، وتلقى تعليمه بالمدرسة الصادقية، ثم بكلية الحقوق وكلية الشريعة بالجامعة التونسية، ليتخرج سنة 1970، ويشتغل قاضيا حتى سنة 1977، حيث قدم استقالته واشتغل بالمحاماة التي ما زال يمارسها. ومورو أب لأربعة أبناء وبنت.
كانت لمورو مسيرة طويلة مع رفيق دربه في الحركة الإسلامية التونسية (الإتجاه الإسلامي ثم النهضة)، راشد الغنوشي، شهدت الكثير من الخلافات وتباين وجهات النظر والجفاء في مراحل مختلفة من تاريخ الحركة، من ذلك خياره تعليق عضويته من الحركة بداية التسعينات بسبب تضييقات نظام الرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي، على قيادات وأنصار الحركة، وتفضيله الجلوس على الربوة، وإيقاف كل أنشطته السياسية في تونس وخارجها.
عودة عبد الفتاح مورو إلى أحضان الحركة بعد الثورة لم تكن بالأمر الهين، حيث لم يتم قبوله في مرحلة أولى، وخاض الانتخابات سنة 2011 في قائمة مستقلة، ولم يفلح في الفوز بمقعد في المجلس الوطني التأسيسي. وخلال المؤتمر التاسع لحركة النهضة (يوليوز2012)، عاد مورو إلى قواعده، عضوا في مجلس شورى الحركة ونائبا لرئيسها، لكن دون صلاحيات تذكر. تغير الأوضاع محليا وإقليميا، واغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي سنة 2013، وتقديم الحركة بوجه حزب مدني معتدل، واعتماد سياسة التوافق بين رئيس الحركة، راشد الغنوشي، ورئيس حركة نداء تونس حينها، الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، جميعها عوامل ساهمت في إعادة الشيخ عبد الفتاح مورو، إلى الصفوف الأمامية، كواجهة جديدة لحزب “إسلامي يفصل بين عمله الدعوي والسياسي”، حيث نجح في الانتخابات التشريعية سنة 2014 وتم انتخابه نائبا أول لرئيس مجلس نواب الشعب.
وخلال الأزمات المتتالية داخل الحركة، والتي برزت جلية خلال مؤتمرها العاشر (ماي 2016)، فضل مورو الوقوف على الحياد، إلى أن اختار في نهاية المطاف تبني الموقف الداعي لدمقرطة الحركة والمطالبة بأن يكون المكتب التنفيذي وباقي المؤسسات منتخبة وغير معينة من قبل رئيس الحركة، والدفع نحو التفكير في الحركة في مرحلة ما بعد الغنوشي، في خطوة جريئة هي الأولى لمورو، يقف فيها في وجه رفيق دربه.
هذا الوجه الذي يثير انطباعا عاما بأنه “معتدل”، والذي يقدم به مورو نفسه، لا يمكن أن يمحو مخلفات حواره الشهير مع الداعية المصري المتشدد، وجدي غنيم، سنة 2012، حين كانت النهضة في الحكم، وقال فيه بالخصوص إن الحركة لا تستهدف الأجيال التي تربت على ثقافة بورقيبة وبن علي بل تستهدف أبناءها وبناتها. وبالرغم من أن هذا اللقاء كان ضمن ظروف مختلفة، وأن مورو قد غير موقفه من هذا الداعية واعتبره لاحقا من “القاذورات”، وأن “السلام عليه يفرض إعادة الوضوء”، فإن قدرة مرشح النهضة للرئاسية على التأقلم مع السياقات المختلفة، لا يمكن، في نظر معارضيه ومناوئيه من التيارات المناهضة للنهضة، أن تمنحه “صك براءة”،… لكن، ومع ذلك، هل يمكن للرجل أن ينجح في تغيير صورته، في تضاريسها الفكرية السياسية المتعددة، لمجرد تخليه عن الجبة والعمامة، لفائدة البدلة وربطة العنق ؟
عبيد البريكي: مسيرة رجل يساري الهوى اقتحم السياسة من بوابة العمل النقابي
لا يعد النقابي المخضرم عبيد البريكي “غريبا” البتة عن عالم السياسة، فهو زعيم تيار الديمقراطيين الموحد في تونس، وأحد أهم مؤسسيه، إذ لعب دورا أساسيا في توحيد هذه العائلة السياسية التي انقسمت لسنوات بين تيارات عدة، من خلال ترؤسه المؤتمر التأسيسي لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد سنة 2012.
انخرط البريكي منذ الجامعة في النشاط السياسي، فهو أحد مؤسسي تيار الوطنيين الديمقراطيين في تونس في الجامعة وأحد رموزه بمعية الشهيد الراحل شكري بلعيد، وخريج كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس 9 أبريل. عمل أستاذا للغة العربية بدءا من سنة 1980 بالمعاهد الثانوية قبل أن يكرس جهوده للعمل النقابي.
وتقلد أستاذ اللغة العربية، البالغ من العمر 62 عاما، عدة مناصب نقابية، وكان أحد أهم الكتاب العامين لنقابة التعليم الثانوي، قبل أن ينضم للمكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل، ثم أصبح أمينا عاما مساعدا صلبه، والناطق الرسمي باسمه بعيد الثورة. واستفاد البريكي من توهجه النقابي الوطني، ليعمل مسؤولا عن برنامج ومستشارا لدى منظمة العمل العربية طيلة أربع سنوات.
وفي غشت 2016 انضم المسؤول النقابي للفريق الحكومي، وتسلم حقيبة وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة، في حكومة يوسف الشاهد. لم تستمر تجربته الحكومية سوى سبعة أشهر، إذ تمت إقالته في 25فبراير 2017.
وقد علق البريكي على قرار إقالته بأن اعتبره “غريبا”. لكن الغريب في ذاك المشهد هو كون البريكي من لوح أولا بالاستقالة، ليستبق رئيس الحكومة هذا التهديد بإعلان قرار إقالته. وكشف فور إقالته أنه “تم تجريده من كل مهامه تقريبا بالوزارة، عبر سحب عديد الملفات الكبرى ذات البعد الإصلاحي والبعد الهيكلي وإحالتها إلى مصالح رئاسة الحكومة”، مشيرا إلى أن ذلك يعد من أهم الأسباب المباشرة التي جعلته يلوح بالاستقالة.
من ناحيته، برر رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، إقالة البريكي، بأن المعني “خرج عن نواميس العمل الحكومي”.
ويدخل البريكي سباق رئاسيات 2019 “مدججا” بـ”تونس إلى الأمام”، الحزب الذي أنشأه هذا العام في سياق طموح معلن لتجميع أوسع قوى اليسار، ومسنودا بحراك مرامه تأسيس ائتلاف “الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي”، الذي يضم، بالإضافة إلى حزبه، كلا من الحزب الجمهوري، وائتلاف “قادرون”، وحركة الديمقراطيين الاجتماعيين، والمسار الديمقراطي الاجتماعي.
ويراهن أمين عام “تونس إلى الأمام” في خوضه الاستحقاق الرئاسي، على كسب أصوات الناخبين، بالارتكان إلى تعهدات، تتمثل بالخصوص في إرساء منوال تنموي جديد، واستعادة هيبة الدولة.وفي مقترح رمزي يلتقي مع نبض طيف واسع من الشارع (الحقيقي والافتراضي)، رغم طابعه “الشعبوي”، وعد البريكي فور ترشحه للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها لسنة 2019، بالتخفيض في أجر الرئيس، في حال فوزه، والتقليص بنسبة 30 بالمئة من ميزانية مؤسسة الرئاسة وبتعيين إمرأة على رأس الدبلوماسية التونسية.
ويرى عبيد البريكي أن سياسة تونس الخارجية لا يجب أن تبنى على “الحياد”، مبررا رؤيته بالقول “إن الحياد المطلق يتعارض مع المبادئ العامة التي يجب أن ترتكز عليها السيادة الوطنية في مجال الشؤون الخارجية، ومنها مؤازرة القضايا العادلة في الوطن العربي”.
إلياس الفخفاخ .. “تغيير العقليات ” وتكريس “الحوكمة”.. أولويات مترشح يعتبر “إنقاذ الاقتصاد” بوابة “إنقاذ تونس”
-“بدل اللوجيسيال” (البرمجية) .. عبارة/شعار، طبعت ولا تزال خطاب المرشح لرئاسية 2019 عن حزب “التكتل”، إلياس الفخفاخ، عبارة أراد بها ومن خلالها السياسي الوافد على الفعل العام من مواقع المسؤولية الحزبية والحكومية بعد 2011، توجيه رسالة عامة مؤداها، كما تشي بذلك تفاصيل خطابه، الضرورة القصوى لـ”تغيير العقليات”، والحاجة الملحة لـ”تفعيل مبدأ الحوكمة” بمطلق مكوناتها، عبر “القطع مع المحسوبية والمحاباة، والإنخراط في الثورة الرقمية والثورة الإيكولوجية البيئية، وتحقيق الانتقال الطاقي “.
إلياس الفخفاخ، الذي شغل منصب رئيس المجلس الوطني لحزب “التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات”، بعد مؤتمره الثالث في 2017، وفد إلى السياسة بعد ثورة 2011 من خلال انضمامه إلى حزب التكتل ذي التوج هات الإشتراكية.
ويملك هذا المترشح، البالغ من العمر 47 سنة، تكوينا مزدوجا في الهندسة وإدارة الأعمال، كما أنه متحصل على درجة الماجستير في الدراسات الهندسية المعمقة من المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بليون (فرنسا) وعلى درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة “أسون” بباريس. وقد كان لهذا التكوين الأكاديمي أثر جلي في صياغة مفردات خطابه وترتيب أولوياته السياسية، إذ يعتبر أن إنقاذ تونس، بالنظر لطبيعة المرحلة وتحدياتها، تأتي من باب “إنقاذ الاقتصاد”. ولأجل ذلك يرى الرجل أن المرحلة تقتضي أن يكون رئيس الدولة “رجل اقتصاد”، وأن تمثل الدبلوماسية الإقتصادية أولوية الرئيس المقبل في مخاطبة دول العالم.
فتح له انضمامه إلى حزب التكتل الباب واسعا أمام العمل السياسي، حيث كانت له تجربة في الحكم من خلال انتخابه لعضوية المجلس الوطني التأسيسي، ثم مسكه لحقيبتين وزاريتين، ه ما وزارة السياحة ووزارة المالية في عهد الترويكا (2012 /2013).
ولئن انتقد هذا المترشح للرئاسة، المتميز بخلفيته الإقتصادية، تكوينا وممارسة، باعتباره كان مديرا عاما لشركات فرنسية بتونس، طريقة التفاوض مع صندوق النقد الدولي ، واعتبر أن التفاوض يجب أن يكون وفق خارطة طريق واضحة، وعدم الإكتفاء بالتداين دون أي تصور للإصلاحات الكبرى، فإن حصيلته على رأس وزارة المالية سنتي 2012 و2013 قد عر ضته لانتقادات حادة، بسبب ما وصفه المعارضون بـ”الإنصياع” لأوامر صندوق النقد الدولي، والقبول بشروط مجحفة في حق البلاد، من أجل الحصول على قروض.
وفي تقييمه لمسارات حزبه على مدى السنوات التسع الماضية، وتخصيصا إبان صعوده كأحد الأضلاع الثلاثة للحكم في أعقاب انتخابات 2011 (إلى جانب حزبي النهضة والمؤتمر)، تحت زعامة الرمز التاريخي لحزب “التكتل”، مصطفى بن جعفر، لا يراوغ في تقييمه، ويعترف بأن تجربة الحكم مع حركة النهضة، “أضرت” بحزب التكتل، حيث قال إنها تجربة لم “تخل من أخطاء”، واعتبر أن الناخب “عاقب” الحزب في الانتخابات السابقة.
بالمقابل، ومع هذا الاعتراف، المضمخ بمرارة الغياب السياسي لحزب كان له سبق في النضال من أجل الحريات، ما فتئ الفخفاخ يدافع في كل المنابر الإعلامية عن حصيلة مشاركته كوزير للمالية في حكومة “الترويكا”، بالتأكيد على أنه ترك “أرقاما إيجابية” في علاقة بنسبة المديونية وقيمة الدينار، على خلاف الوضعية الحالية، معتبرا أنه بدأ مسار الإصلاحات في وزارة المالية في عديد المجالات، ومنها المجال الجبائي.
وإلياس الفخفاخ، النائب المؤسس، الذي يقدم نفسه على أنه من الجيل الشاب الذي يمتلك رؤية جديدة للبلاد، لم يتردد في التأكيد على أنه لن يغير الدستور ولا نظام الحكم، وعلى أنه يساند “كل ما جاء به الدستور في علاقة بمسألة المساواة بين المرأة والرجل، ليس في الميراث فحسب، بل في الأجر وفي فرص الشغل وفي مراكز القرار”.
الصافي سعيد… الكاتب الصحفي “صديق الرؤساء” الذي يريد أن يصبح رئيسا
بمقدرة فائقة في “فن”الكلام، وبلكنة تمتزج فيها نبرة البداوة التونسية بألفاظ مشرقية المنبت، رسم الكاتب الصحفي أحمد الصافي سعيد صورته كأحد “المشاهير” في تونس ما بعد الثورة، الذين تتهافت عليهم الفضاءات الإعلامية من أجل اقتناص “عروض إثارة”، ربما تلقى صداها في المشهد الوطني العام.
وقد انتبه الصافي، الذي برع حتى في اختراع مفردات تخصه دون سواه، على غرار “الكيتش” (الخرقة البالية)، إلى حسنات تلك “الملكة” التي يتقنها، واستشعر حيازته مع توالي السنين وتعاقب الحضور، للقب “شخصية عامة”، فاستثمر هذا الرصيد، ليخوض غمار الانتخابات الرئاسية في تجربة ثانية له في سباق رئاسيات 2019، بعد محاولة أولى له سنة 2014.
لا ينتمي “صديق الرؤساء”، مثلما تلقبه الصحافة، إلى أي حزب. وهو يعتبر نفسه من أول الداعين إلى انتخاب رئيس مستقل وفوق الانتماءات الحزبية. وقد تعهد بالحفاظ على الاستقلالية في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية القادمة.
قال عندما قدم ملف ترشحه كمستقل لرئاسية 15 سبتمبر”يتعين خوض غمار الانتخابات من منطلق الشعور بالمسؤولية، وباعتبارها معركة انتخابية يشارك فيها المرشحون والناخبون”.
ويعتبر الصافي سعيد أن الوضع العام في تونس يتسم بحالة “عطالة” تعاني منها “الآلة الديمقراطية”، وأن الديمقراطية بقيت “لعبة نظرية”، ولم تتجل في ممارسات واقعية فاعلة ووازنة يكون لها الانعكاس الإيجابي على منظومة الاقتصاد.
وقد لخص رؤيته لدستور 2014 بكونه “نتاج عمل عدد من الهواة انغمسوا في الأفكار النظرية الخارجة عن سياق الوطن والتاريخ الخاص لتونس”، مشيرا إلى أن “اللعبة الجهوية في السياسة كانت دائما حاضرة في النظام السابق بشقيه النوفمبري والبورقيبي، ولكنها أضحت تستيقظ أكثر عند الأزمات”.
يبلغ الصافي سعيد من العمر 66 سنة، وهو أصيل منطقة القطار من ولاية قفصة. وقد عرف بكتاباته وتحاليله السياسية التي تتناول القضايا الوطنية والعربية من منظور تحرري مناهض للاستعمار والهيمنة، ونشر بعد الثورة ما لا يقل عن 4 روايات وعددا مهما من الكتب السياسية والإستراتيجية والتاريخية، من أهمها “بورقيبة: سيرة شبه محرمة”.
ويشار إلى أن حركة الشعب أعلنت دعمها لترشح الصافي سعيد للانتخابات الرئاسية المقبلة، لما اعتبره القيادي بالحركة خالد الكريشي “دفاعه المستمر عن السيادة الوطنية، وقربه من مشاكل الوطن دون ارتباط بالقوى الإقليمية، وخاصة الخليجية في المنطقة”.
في المقابل أفادت منظمة “أنا يقظ” أن اسم المرشح الصافي سعيد، الذي كان أكد أنه جمع حوالي 20 ألف تزكية شعبية، ورد إلى جانب 11 مرشحا آخرين في قائمة المشتكى بهم من طرف مواطنين ممن اتهموا عددا من المترشحين للانتخابات الرئاسية باستغلال أسمائهم في تزكيات وهمية.
عبير موسي، مسار امرأة عنيدة بين “الوفاء” لموروث التجمع والحركة الدستورية وترذيل منظومة ما بعد الثورة والمطالبة بجمهورية ثالثة
لا يمكن لأي سياسي أو مواطن عادي أن يبقى على الحياد إزاء المترشحة العنيدة والثابتة على انتمائها السياسي، عبير موسي، حيث ينقسم متابعوها بين التطرف في مساندتها، أو التطرف في كرهها ومناكفتها.
ورغم شهرتها السياسية المتواضعة قبل 2011، فإن حضورها منذ حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي ملأ الآفاق. فبالعودة إلى ماضيها قبل الثورة، لا نجد لها في مواقع القرار صلب التجمع سوى خطة مساعد رئيس بلدية أريانة، وعضوية المنتدى الوطني للمحامين التجمعيين، وعدد من المساهمات في عدة ملتقيات تجمعية، ختمتها بخطة أمينة عامة مساعدة مكلفة بالمرأة بالحزب في يناير 2010.
وهي واحدة من المحامين التجمعيين ممن أغدق عليهم النظام السابق، حسب روايات زملائها من المناوئين لها، نيابة المؤسسات العمومية، ما جعلها تستميت في الدفاع عن “التجمع” إلى حين حله في مارس 2011، الأمر الذي جلب لها سخط زملائها من المحامين، وصل إلى حد الاعتداء عليها في قاعة المحكمة، وانتهى بتجميد مباشرتها للعمل مدة سنة، بسبب اعتدائها على زميلها في أروقة المحكمة.
بعد ذلك توارت موسي عن الأنظار، لتعود تحت مظلة واحد من الأحزاب الوريثة للتجمع المنحل، لتخوض الانتخابات التشريعية لسنة 2014 على رأس قائمة دائرة باجة ،عن حزب الحركة الدستورية، الذي أسسها حامد القروي في سبتمبر 2013.
وفشلت موسي في الدخول إلى البرلمان، غير أنها عملت في السنوات اللاحقة على إزالة رموز الحركة لتتولى رئاستها في أول مؤتمر لها، وتغير اسمها إلى “الحزب الدستوري الحر”، وطرحت نفسها بديلا عن القائمين بالفعل السياسي، حتى أنها صاغت دستورا جديدا في مارس 2018 مطالبة بالمرور إلى جمهورية ثالثة.
وجاهرت موسي في أكثر من مناسبة بعدائها للثورة والأحزاب التي أفرزتها ولهيئة الحقيقة والكرامة معلنة الحرب عليها جميعا، وهو خطاب وجد آذانا صاغية في بعض الأوساط ولدى عديد المواطنين ممن لهم سابقة انتماء للتجمع أو العائلة الدستورية، أو من المكتوين بتقلبات فترة الانتقال الديمقراطي في وجهها الاقتصادي المعيشي، ومكنها من الفوز ببعض المقاعد في الانتخابات البلدية السنة الماضية.يرى مناصروها، أن الفضيلة الأساسية لعبير موسي، في ظل ظاهرة السياحة الحزبية الموسومة بالانتهازية والمصلحية الفردية الضيقة بعيدا عن أولويات الوطن ومصالحه، تتمثل في ثباتها على الوفاء لانتمائها لحزب “التجمع” وتبنيها لإرثه بما فيه من “مكاسب” و”سلبيات”، واستحضارها لموروث العائلة السياسية الدستورية كي تنزل حزبها وطروحاته ضمن سياق التيار الإصلاحي الوطني.
وفي سياق ما تسميه التيار الوطني التحديثي الذي يستند إلى إصلاحات الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، وضمن منطق محاججة لا يستنكف منطق الصدام، جعلت موسي من معاداة حركة النهضة، التي تعتبرها امتدادا لتنظيم الإخوان المسلمين، وحركة تحمل مشروعا يهدد النمط المجتمعي التونسي، ثابتا أساسيا في خطابها، مستثمرة في سياق هذا الخطاب، ما تعتبره “فشل منظومة الترويكا”، وتراجع الاقتصاد وتصاعد الإرهاب بعد الثورة، كي تقدم نفسها وحزبها بديلا عن إخفاقات منظومة 14 يناير.
وفي المحصلة يبقى فشل منظومة ما بعد الثورة في إيجاد حلول للأزمات الراهنة أكبر محفز للمحامية العنيدة في الحلم بالظفر برئاسة الجمهورية والسيطرة على مفاصل البرلمان والاحتفال السنة القادمة 2020 بمائوية الحزب الدستوري الحر، وهو في سدة الحكم، وفق ما أعلنته سابقا.
محمد الصغير النوري .. “تكنوقراط” يقتحم عوالم السياسة المحفوفة بــ”الألغام”
يقدم نفسه على أنه “مترشح مستقل” للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها .. إنه محمد الصغير النوري (69 عاما) من أصيلي ولاية سيدي بوزيد، مهندس في التقنيات الحديثة ودكتور في الاقتصاد ومختص كذلك في اقتصاد التنمية وتنظيم استغلال الموارد لخلق الثروة والتشغيل واستغلال التقنيات الحديثة في خدمة التنمية وبناء مجتمع المعرفة.
ليست هذه المرة الأولى التي يقدم فيها محمد الصغير نوري ترشحه للرئاسية، إذ سبق وأن تقدم لهذا الاستحقاق سنة 2014، غير أن ملفه رفض بسبب عدم استجابته للشروط القانونية.
واليوم يقتحم الدكتور محمد الصغير النوري، الذي لم يعرف عنه نشاط سياسي بارز، سوى عضويته بأحد المجالس البلدية الصغيرة، أو في المجتمع المدني، عالم السياسة المتشعب، و”يستهدف” أسمى الوظائف في الدولة، المتمثل في منصب رئيس الجمهورية، من باب الاختصاص الأكاديمي والتجربة المهنية في عدد من الشركات الكبرى.
النوري هو من فئة “المغمورين” سياسيا الذين “تجرأوا على السياسة”، مستندين في ذلك إلى تجربة في عالم الإقتصاد والأعمال .. كيف لا، وهو الذي لفت انتباه المتابعين للشأن السياسي، عندما قدم ترشحه للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها مدعوما بتزكية 15 ألف مواطن، وهو ما كان بعيد المنال بالنسبة لسياسيين “بارزين”.
اعتقاده الراسخ في تحقيق النجاح الاقتصادي والتنمية من باب السياسة، جعله يرفع شعار “السياسة الناجعة هي التي تخدم الاقتصاد” .. يوم قدم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية، قال محمد الصغير النوري “إن المرحلة لا تحتاج رجل سياسة، بل رجل اقتصاد لإخراج البلاد من أزمتها الخانقة”.
المترشح محمد الصغير النوري يدافع بقوة عن اعتماد طريقة تسيير جديدة تقوم على ثلاثة مبادئ، هي “الأخلاق والعلم والقانون”، ويعد بـ”وضع خبرته التي تمتد على30 سنة، وشبكة علاقاته الدولية، لخدمة تونس وإخراجها من أزمتها الحالية”.
مدفوعا “ببراءة ذمته السياسية” و”نقاوة تجربة” لم تبدأ فعليا في مستوى “الكبار”، يقول محمد الصغير النوري، في محاولة لاستمالة الغاضبين على وضع صعب لبلاد على بعد أيام من استحقاق انتخابي مفصلي، “تونس تحتاج اليوم رئيسا من خارج منظومة حكم حكمت لمدة تسع سنوات وفشلت”.
ذكر أيضا في أكثر من تصريح إعلامي أنه سيعمل على “ألا يتقاضى أي مسؤول في الدولة، بدءا بالوزراء وكتاب الدولة والولاة والمعتمدين والعمد، أجورهم كاملة، إلا متى حققوا نصف البرنامج المتفق عليه على الأقل”.
محمد الصغير النوري، هو عضو المجلس البلدي بلسودة التابعة لمعتمدية سيدي بوزيد الشرقية بعد نجاحه في دخول المجلس البلدي على رأس القائمة المستقلة “نجمة الوسط” التي تحصلت على المرتبة الأولى، وهو في نفس الوقت عضو وأحد مؤسسي “الاتحاد الوطني للمستقلين”، الذي تم الإعلان عن تكوينه في أبريل الماضي من قبل مجموعة من الناشطين والمستقلين، ويشارك بقائمات في الانتخابات التشريعية 2019.
يوسف الشاهد .. طموح معلن لفتح طريق الحكم والقيادة أمام جيل جديد من السياسيين
من خبير دولي في المجال الزراعي، وأستاذ في جامعات دولية، إلى عالم السياسة .. انتقل خلال فترة قصيرة إلى الصفوف الأمامية للمشهد السياسي والسلطة .. أثار المترشح للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، يوسف الشاهد، خلال مسيرته القصيرة الثرية، ما بعد الثورة، جدلا واسعا، والكثير من نقاط الاستفهام حول صعوده السريع.
منذ اقتراح اسمه كمرشح لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية، من قبل الرئيس الراحل، الباجي قايد السبسي، وطيلة فترة توليه لهذا المنصب، شهدت مسيرة الشاهد الكثير من المد والجزر .. فترات اعتبر فيها “بطلا” يقاوم الفساد الذي ينخر الاقتصاد الوطني، وأخرى اتهم فيها “باللعب” على حبال التحالفات السياسية غير المعلنة والمختلفة لخدمة مطامحه السياسية.
يوسف الشاهد، من مواليد شتنبر 1975 بتونس، وهو أصغر رئيس حكومة في تاريخ تونس. حصل سنة 2003 على درجة الدكتوراه في العلوم الزراعية من جامعة فرنسية، وقدم أطروحة تحت عنوان “تقييم آثار تحرير الأسواق الفلاحية على المبادلات ومستويات العيش”، وزاول مهنة التدريس في جامعات بفرنسا واليابان والبرازيل، وعمل خبيرا في مجال تخصصه مع عدة دول ومنظمات دولية.
وسبق للشاهد أن عمل خبيرا زراعيا في السفارة الأمريكية بتونس، حسب مراسلة صادرة عن السفارة بتاريخ 13 جانفي 2010، سربها موقع “ويكيليكس” الشهير.
مسيرة الشاهد السياسية انطلقت عقب الثورة، إذ تنقل خلال سنوات ما بعد 2011 بين عضوية عدد من الأحزاب الصغيرة، من بينها حزب طريق الوسط، قبل أن ينتقل إلى القطب الديمقراطي الحداثي، ومنه إلى الحزب الجمهوري، وذلك إلى أن التحق سنة 2013 بحركة نداء تونس، التي فتحت أمامه أبواب السلطة.
وخلال فترة توليه رئاسة الحكومة ولعوامل متعددة، اندلعت أزمة حادة داخل حركة نداء تونس بين يوسف الشاهد وحافظ قايد السبسي، نجل الرئيس الراحل، سببها الظاهر، وفق ما أكده ملاحظون، خلافات حول التسيير، وباطنها حرص الشاهد على توسيع دائرة تحالفاته والحزام السياسي الداعم لحكومته، وعلاقته الموسومة بالتقارب مع حركة النهضة، ومحاولة الاستقلال بقراراته الحكومية عن الحزب، لتصل هذه الأزمة إلى تجميد عضوية الشاهد وقيادات حزبية أخرى في حركة نداء تونس.
طموحه السياسي دفعه لتكوين حزب سياسي جديد (تحيا تونس) جمع الغاضبين والمتخلين عن حركة نداء تونس والأحزاب المنبثقة عنها، فضلا عن عدد من الشخصيات السياسية وأعضاء من حكومته.
ومع تأكد طموحه في خوض غمار الانتخابات الرئاسية، وجهت أصابع الاتهام لرئيس الحكومة باستغلال موارد الدولة لخدمة مصالحه الانتخابية، مما دفعه لاتخاذ قرار تفويض صلاحياته لوزير الوظيفة العمومية، كمال مرجان، وزميله في حزب تحيا تونس، مؤقتا إلى نهاية الحملة الانتخابية، “لمحاولة غلق باب التأويلات والاتهامات”.
سهام الاتهامات بضرب خصومه السياسيين باستعمال وسائل الدولة وجهت بقوة للشاهد، في أعقاب إيقاف المترشح للرئاسية ورئيس حزب “قلب تونس”، نبيل القروي، غير أن الشاهد، رفض تلك الاتهامات، ودافع بقوة عن استقلالية السلطة القضائية.
تتراوح التقييمات لمسيرة الشاهد في الحكم وفي السياسة عموما في مجملها بين الوردي والأسود، أي من النقيض إلى النقيض، زوايا التقييم ومقاييسه تحكمها عديد الاعتبارات، منها ما هو موضوعي، ومنها ما هو ذاتي ومصلحي. لكن أيا كانت تلك التقييمات، فإن الرجل ينطلق في سباق الرئاسة، مثقلا، من ناحية، بانتقادات البعض لحصيلته في إدارة الحكومة، ومسلحا، من ناحية أخرى، بطموح صريح لفتح طريق الحكم والقيادة أمام جيل جديد من السياسيين.
عمر منصور.. مرشح يتقن «الاتصال» صنع لنفسه صورة رجل «تطبيق القانون»
من التصريحات الإعلامية التي بقيت عالقة في أذهان التونسيين للمرشح للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، عمر منصور، “الفساد أقوى من الدولة في تونس، باعتبار اللوبيات والمافيات الموجودة”.
ويستطرد عمر منصور في نفس التصريح قائلا: “المافيا تسيطر على الدولة وتتحكم في قوت المواطنين وفي المواد الحيوية، مثل الحليب والدواء وغيرهما، وتعين المسؤولين والوزراء والمديرين، وقد نرى في المستقبل أنها تسيطر على الأمن”.
بمثل هذه التصريحات الصادمة نحت هذا المرشح للانتخابات الرئاسية صورته في مخيال التونسيين، وبحركته الدائبة على الميدان عندما كان واليا على تونس وأريانة، رسخ في أذهان الكثيرين أنه رجل قول وفعل في آن واحد.
كان محل حديث وسائل الإعلام والرأي العام خلال توليه منصب والي تونس من سبتمبر 2016 إلى أكتوبر 2017، ووالي أريانة من غشت 2015 إلى يناير2016، لكثرة تحركاته الميدانية، وخاصة مقاومته للانتصاب الفوضوي في شوارع العاصمة. ويؤكد منصور أنه “عمل على احترام تطبيق القانون عندما كان واليا”.
يعتبر منصور(من مواليد 27 يناير 1958 بتونس العاصمة)، الذي شغل منصب وزير العدل في حكومة الحبيب الصيد، أنه “لا يزال هناك الكثير من العمل في ما يخص محاربة الفساد في تونس”. وقد قال إنه “لما عمل صلب الدولة كان يبحث عن لوبيات الفساد لمقارعتها، وحصل هذا في ولاية تونس وبدرجة أقل في أريانة”.
لكن.. صورة الرجل، الذي علا صوته خلال السنوات الأخيرة في مقاومة الفساد واحترام القانون، بمواقفه المعلنة وتحركاته الميدانية كمسؤول جهوي في العاصمة، لا تكتمل دون استحضار صفحة أخرى سابقة، كونها عنه المحامون على وجه الخصوص، عندما كان عميدا لقضاة التحقيق في العهد السابق.
في هذا السياق، تؤكد المحامية سنية الدهماني في تصريح إعلامي لها، أن عمر منصور، الذي نجح بعد الثورة في “تلميع” صورته بفضل كفاءاته الاتصالية،كان في عهد بن علي عميدا لقضاة التحقيق “وهو منصب ليس من السهل الحصول عليه في تلك الفترة”، مذكرة بعدة قضايا “قبرت”، حسب قولها، مثل قضية “اليخت” التي يقف وراءها عماد الطرابلسي، صهر الرئيس الأسبق.
قد يقول الكثيرون، وقد يقول الرجل أن ذاك زمن، فيه ما فيه، واليوم زمن آخر، صنعته أحداث عصفت بالبلد ومؤسساته، وبعثرت حقائق الواقع، وبدلت طبيعة الإكراهات وسلم الأولويات.
من رحم هذا الواقع الذي ينشد الكثيرون تغييره، نقرأ في إحدى تدوينات عمر منصور على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”: “بلادنا في حاجة إلى ثورة وطنية حقيقية صادقة تنطلق من عمق إيماننا بسيادة وطننا ومستقبل أجيالنا وسلامة ترابنا وعبادنا، ثورة دون أنانية أو حقد أو تصفية حسابات، دون عنف أو إرهاب أو سفك لدمائنا، دون مذهبية ولا عروشية ولا فئوية ولا قبلية، ويكون فيها التونسيون الوطنيون كرجل واحد، نبني دولة القانون من جديد ونقيم مؤسساتها، وندعم عدالتنا ونشد أزر أمننا وجيشنا وكل قواتنا..”.
ومن معين هذه الرؤية بما ضمته من قيم ومبادئ وأمنيات، يدعو المرشح عمر منصور إلى “تعديل الدستور، باعتبار أن رئيس الدولة جرد من مهامه، وصلاحياته محدودة وغير قادر على الفعل، كما أن النظام البرلماني لم يقدم ما يفيد تونس في ظل التداخل في المهام وعدم وضوح الأدوار والصلاحيات بالشكل المطلوب””. كما يرفع شعار “إعادة بناء الدولة ومؤسساتها، والانضباط وعلوية القانون، والعودة إلى ثقافة العمل”.
أعلن عمر منصور في أبريل الماضي، رفقة مجموعة من المواطنين والمواطنات عن تكوين تحرك مواطني مستقل تحت شعار “تحرك”في توجه “لإرساء علوية القانون والعدالة الاجتماعية وإنعاش الاقتصاد الوطني في ظل الوضع الحساس والدقيق الذي تعيشه بلادنا”.
وكان منصور أعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها يوم 30 يوليوز الماضي كمرشح مستقل، وهو قاض متحصل على الإجازة في الحقوق.
محمد عبو السياسي الحقوقي.. مسيرة عناد “لإكراهات السياسة”
لم تتغير شخصية المحامي والسياسي محمد عبو كثيرا منذ أن كان معارضا لنظام بن علي عندما برز اسمه في 2005 كسجين سياسي خاط فاه احتجاجا على سياسة تكميم الأفواه آنذاك، فلم تخفت جرأته ولا دفاعه الشرس عن قناعاته طيلة السنوات التي تلت، وإن تغير تموقعه .. فقط هي تغييرات طفيفة، وربما تكتيكية، يتطلبها وضعه اليوم بصفته مترشحا للانتخابات الرئاسية لسنة 2019.
محمد عبو، المولود في ماي 1966، هو من مؤسسي حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي تزعمه “حليف” الأمس، “غريم” اليوم، المنصف المرزوقي، الذي كان من أبرز الأحزاب المكونة لجبهة “18 أكتوبر” المعارضة لبن علي ونظامه ..
تقلد عبو في 2012 منصب وزير الإصلاح الإداري في حكومة حمادي الجبالي لأشهر قليلة، قبل أن يستقيل احتجاجا على محدودية صلاحياته، وعلى عدم تلبية طلبه بتكوين لجنة تراقب الفساد الإداري، وفق ما رواه آنذاك .. وأسس بعد ذلك حزب التيار الديمقراطي، بعد أن خرج وعددا من القيادات من حزب “المؤتمر”.
حزب عبو الجديد دخل الانتخابات البلدية في ماي 2018 بـ69 قائمة فقط من بين 350 دائرة في كامل البلاد، وحصل على 4 فاصل 19 بالمائة من الأصوات، واحتل المرتبة الثالثة بـ 75619 صوتا.
عرف محمد عبو بأنه من السياسيين الذين لا يغيرون مواقفهم بسهولة، بقطع النظر عن مدى رجاحتها، بل يدافع عنها، حتى وإن كلفته سياسيا الكثير .. دافع عن “الشرعية”، شرعية حكم ائتلاف “الترويكا” الذي تقوده حركة النهضة، لآخر رمق قبل سقوط حكومتها تحت وقع معارضة كبيرة من معظم مكونات المشهد السياسي والمنظمات الوطنية ..
إلى حد اليوم لم يغير عبو موقفه من الملف السوري، ومن مسألة عودة العلاقات مع سوريا، رغم تغير الأوضاع هناك .. دافع أيضا بقوة عن مشروع قانون المساواة في الميراث، الذي دفع به “خصمه” السياسي الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي وأثار جدلا واسعا ومعارضة كبيرة، رغم ما يمكن أن يدفعه من ثمن لذلك، وهو على أبواب استحقاق انتخابي ..
تغيرت تحالفات محمد عبو وتغيرت مواقعه، تغير أصدقاؤه وتغير أعداؤه أيضا طيلة سنوات العمل السياسي، ووحدها زوجته النائبة، سامية عبو، شريكته في النضال، ظلت ترافقه أينما كان.. حضورها الطاغي في مسيرته السياسية والحقوقية كان مؤثرا، فهي التي دولت قضيته لما سجن في عهد بن علي، وهي مازالت آنذاك مرسمة بكلية الحقوق بتونس، ثم رافقته في تجربة حزب المؤتمر المنحل وفي تأسيس التيار الديمقراطي أيضا .. ظلت نصيرته الأولى وأبرز عناوين إشعاعه، وارتبط اسماهما ببعضهما البعض حد التماهي ..
مسيرته الحقوقية الطويلة، سواء كعضو بالهيئة المديرة لجمعية المحامين الشبان وبالمكتب التنفيذي لمركز تونس لاستقلال القضاء والمحاماة، والجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين، طبعت مسيرته السياسية ووجهت اهتمامه إلى مواضيع الحريات والحقوق ودولة القانون، ليمتزج الحقوقي بالسياسي، مثلما هي حال عديد الوجوه التي برزت بعد ثورة 14 يناير 2011.
منجي الرحوي ..خروج من «عباءة» اليسار الكلاسيكي، بحثا عن تجربة حكم
“الجبهة الشعبية لن يكون لها نفس شأن سنة 2014، إذا ما بقيت على حالها ولم تغير قيادتها وتقدم وجوها جديدة وخطابا جديدا” .. ذاك ما صرح به القيادي بحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (أحد مكونات الجبهة الشعبية)، المنجي الرحوي، في سبتمبر 2016.
ذاك التصريح/الموقف، ولئن بدا في حينه انبثاقا عما تعيشه الجبهة من حراك داخلي، تبين لاحقا، بفعل سيرورة ذلك الحراك/الصراع، أنه ينطوي على “رؤية جديدة” ولدت داخل الجبهة، كانت من تجلياتها بعد أكثر من عامين، ترشح الرحوي لخوض الانتخابات الرئاسية لسنة 2019.
“الجبهة الشعبية”، التي جمعت خصوصا أكبر الأحزاب اليسارية، بخطابها وتمظهراتها السابقة، لم تكن لتسع طموحات المنجي الرحوي، الذي بدا مختلفا عن نواب الجبهة بالبرلمان، بخطابه الذي يتجنب بقدر ما “عنتريات” الإيديولوجيا الفجة، كما بتصريحاته “المنفلتة” عن الانضباط الصارم لأحزاب اليسار، و”سكتارية” خطاب قياداته، وإن اختلف الأسلوب.
بدايات الرحوي، المولود سنة 1963 بغار الدماء من ولاية جندوبة، في مسار بالسياسة والإيديولوجيا، لم تختلف عن بقية رفاقه، إذ انخرط في العمل السياسي السري أيام كان تلميذا، وحكم عليه بالسجن مرتين وتم رفضه من جميع معاهد البلاد، ولكن بخلاف أغلب رفاقه الذين انغمسوا كليا في العمل السياسي والنقابي، فإن انخراطه السياسي في حلقة “الوطج”، التي أسسها الشهيد شكري بلعيد، لم يثنه عن نيل شهائد عليا في المالية وعلوم الصيرفة في تونس وباريس، وجعلت منه إطارا بنكيا “ناجحا” يحمل “أفكارا ثورية” ..
مسيرة دراسية ومهنية، وبالخصوص سياسية، خولت له أن يكون رئيس لجنة المالية بمجلس نواب الشعب (تمنح رئاستها للمعارضة) خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث ترأس أعمال اللجنة التي صادقت، بمنطق الأغلبية داخلها، على قوانين المالية، التي قوبلت برفض واسع وبتحركات شعبية محتجة عليها.
موقعه على رأس لجنة المالية البرلمانية قرب الرحوي من صناع القرار، ومكنه من لقاء الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي مرات على انفراد، كما حملت رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، وفق روايات لم تقابل بالنفي، على محاولة استمالته بأن اقترح عليه موقعا وزاريا، لكنه رفض المقترح، كما يؤكد هو ذلك..
وجوده على رأس هذه اللجنة جعله أيضا يجتمع في قبة البرلمان ويتوافق مع نواب حركة النهضة، رغم عدائه الشديد لها ولأطروحاتها، كما جعله يلتقي وفود صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتفاوض، وتمر أمامه أغلب قروض تونس خلال السنوات الأخيرة، وهي التي لا تزال تثير جدلا واسعا..
الرحوي خاض، لما كان عضوا بالمجلس الوطني التأسيسي (2011-2013)، معارك الدستور التونسي بفصوله المفصلية الأول والثامن، وتلك المتعلقة بالحريات الفردية والجماعية، لتتوج بدستور يناير 2014، وبذلك العناق الشهير المؤثر الذي جمع الرحوي بحبيب اللوز، الذي يعرف بأنه أحد “صقور” حركة النهضة.
كل ذلك جعل جزءا من اليساريين يرون أن الرحوي حاد عن مبادئ اليسار وثوريته، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون ممثلا لليسار التقليدي .. يسار الاعتصامات والحركة الطلابية والحركة النقابية القصووية والمعارضة السياسية التي لا تنضب ولا تكل ولا تمل، في حين يرى الكثيرون، ومنهم المصنفون من “اليمين”، أنه “يبقى يساريا” يعبر عن طروحات أكل عليها الدهر وشرب و”رومنسية حالمة” لا يمكن أن تبني دولا وتحقق ازدهارها .. غير أن هذه النظرة أو تلك لم تمنع حزب حركة الوطنيين الديمقراطيين الموحد إضافة إلى “التروتسكيين” من تزكيته وترشيحه للانتخابات الرئاسية 2019 .
الصورة التي يرسمها له خصومه من يساريين وغيرهم، كما أنصاره، كانت عاملا قويا في انقسام الجبهة الشعبية التي بقيت “ائتلافا حزبيا متراصا” الى حين اعلان الرحوي نواياه الترشح للانتخابات الرئاسية .. موقف أعاد إلى السطح الصراع القديم المتواصل بين “الوطد” وحزب العمال على تزعم يسار تونس .. تمظهر في صراع داخل الصراع بين حمة الهمامي ومنجي الرحوي، حول من سيكون أفضل من يمثل اليسار والأجدر لخوض سباق رئاسية 2019 .
يدخل منجي الرحوي رئاسية 2019، متطبعا بمسيرة وطموح زعماء شبان يساريين مجددين حكموا في بعض دول “أطراف” أوروبا، وهيمنوا في عدد من بلدان أمريكا اللاتينية، وبخطاب يحاول الاقتراب من الواقع، ويرى أن البلاد تحتاج حلولا واقعية ونظرة جديدة، وهو ما جعله اليوم يمثل تيار “الإصلاحيين المتحمسين” في الحركة اليسارية في تونس، مقابل من يسميهم بعض الملاحظين بـ”حراس المعبد”.
ناجي جلول .. من مدارج الجامعة إلى مسارح السياسة، ثنائيات ومفارقات
يختزن ناجي جلول، المرشح “المستقل” لرئاسية 2019، في تجربته الفكرية والمهنية، سنوات طويلة من التدريس الجامعي، جاب خلالها مع طلبته ثنايا التاريخ القديم والوسيط والحديث، ومثلت بالنسبة إليه، البوابة والمدخل لاقتحام عوالم الجدل السياسي، بداية، تحت يافطة الحزب الديمقراطي التقدمي، المصنف في خانة اليسار، ووصولا إلى “نداء تونس” المحسوب، سياسة وفكرا ومرجعية، على وسط اليمين.
يساري المنشأ، غير أنه لا يتردد في ارتداء قفازات الليبرالية. إنه واحد ممن انتهت بهم رحلة “التقدمية” الفكرية، إلى ملاذات “التقدمية” المجتمعية، وإن ارتدى الأمر في بعض الأحيان لبوس المراجعات الفكرية، وتدثر في أكثر الأحيان برداء واقعية الصراع السياسي/المجتمعي، الذي يدفع نحو “اليمين”.
كثيرا ما يقال بأن علاقة تضاد ترتسم في سماء العلاقة بين الباحث والأكاديمي، من ناحية، ورجل الممارسة العملية للسياسة، من ناحية أخرى، بحسب ما ذهب إليه عالم الاقتصاد والسياسة الألماني، ماكس فيبر. وفي نظر بعض أنصاره، حاول ناجي جلول، ولا يزال، ضمن محطاته السياسية والفكرية، تحويل غبار التاريخ إلى سماد ناجع، وتغيير النظري الجاف إلى صناعة تخوض امتحان مختبرات الحياة.
ولد جلول سنة 1957 في معتمدية البقالطة من ولاية المنستير، ليدرس التاريخ ضمن مبحث واسع اسمه العلوم الإنسانية، الذي شغل جيل السبعينيات والثمانينيات، ووجد نفسه في بحثه عن مسرب للنشاط المدني المجتمعي، ضمن متنفس وطني اسمه اتحاد الشغل، وتدقيقا، نقابة التعليم العالي، التي امتزج فيها السياسي بالنقابي، تعويضا عن حالة الانغلاق التي خنقت البلاد لعقود طويلة.
بعدها ارتمى ناجي جلول في حاضنة الديمقراطي التقدمي، مع أحمد نجيب الشابي ومنجي اللوز ومية الجريبي، قبل أن ينخرط سنة 2012، في سياق وضعية الاستقطاب التي شهدتها البلاد بعد انتخابات التأسيسي وبروز النهضة كفصيل أغلبي في البرلمان، في مشروع بناء حزب نداء تونس، ويتبنى نداء المرحوم الباجي قائد السبسي في ذات بيان بتاريخ 26 جانفي 2012.
انخراط أحدث “تغييرا” في مسيرته جلول الشخصية، ليتحول في ظرف أشهر غير كثيرة من معارض إلى وزير للتربية. لكن وزارة بتلك الرمزية وذاك الثقل، كانت عليه امتحانا عسيرا .. جعله يجلس على “برميل بارود” بين سندان النقابات ومطرقة المعارضين من أطياف المجتمع السياسي والحزبي، لينتهي به الأمر خارج أسوار بناية باب بنات.
هل كان إخفاقا منه في وزارة “ثقيلة”، أم هي إكرهات توازنات السلطة والنفوذ في الدولة ؟ المحصلة البسيطة والأكثر عمومية، تشي بأن ناجي جلول لم ينجح وقتها في إيجاد صيغة توافق عليا مع نقابات التعليم الثانوي، فكانت إقالته يوم الأحد غرة ماي 2017.
انسحب (أو سحب) من هناك، ليقفز في مكان آخر، بإرادة الرئيس الراحل قايد السبسي، الذي عينه رئيسا للمركز التونسي للدراسات الاستراتيجية… قلعة يتمثلها الأكثرية على أنها فضاء لإنتاج المعرفة وتنوير أصحاب القرار .. لكن جلول، وبفعل شخصيته التي يستهويها الجدل الفكري والسياسي، لم يتردد في أكثر من فرصة في ارتداء جبة المحاججة السياسية، سواء باسم الإنتماء الحزبي، أو باسم حماسة الأكاديمي للانخراط في المعارك الفكرية والمجتمعية.
يذهب الكثيرون، عن حق أحيانا، وعن مبالغة أحيانا أخرى، إلى القول بأن بذور الحلم بالرئاسة، انبثقت لدى ناجي جلول، من معين تشتت عائلته الحزبية، لا سيما مع أفق انزياح المؤسس قايد السبسي عن الساحة، وأيضا من غمار تجربة المركز، ضمن صميم مهماته، في اشتغاله على برنامج حكومي ينقذ البلاد في ظرف ستة أشهر.
وتبعث التفاصيل والأرقام التي أضحت تؤثث، منذ أشهر، خطاب جلول في المنابر الإعلامية، والتي كثيرا ما تستحضر مخرجات تلك الدراسة، على ترجيح الفرضية الثانية، رغم أن “عدوى” السياسة ومغناطيسها الجاذب يظلان من العوامل الحاسمة في اتخاذ قرار الترشح..
عبد الكريم الزبيدي.. أو المرشح “التكنوقراط”
و”المستقل” في معترك “أشواك” السياسة
سوق له مريدوه أنه رجل “أفعال لا أقوال”، وصرح هو بأنه “لا يمكن أن يكون سياسيا”، لأنه لا قدرة له على “الكذب”. عبد الكريم الزبيدي، وزير الدفاع المستقيل من حكومة الشاهد يترشح للانتخابات الرئاسية 2019 من منطلق “رغبة وطنية” حسب توصيفه، وليس استجابة لطموح سياسي.
يبدو أن الرجل تطبع خلال إشرافه على وزارة الدفاع بنواميس المؤسسة العسكرية المجبولة على “الصمت”. وفي أول إطلالة إعلامية فور تقديم ترشحه ظهر أثر هذا الصمت على شخصية الرجل من خلال تصريح مرتبك ومليء بالفراغات، ما أثار انتقادات المناوئين للرجل.
كان الزبيدي آخر من قابل الرئيس الراحل، الباجي قايد السبسي، في “لقاء عمل”. وتكفلت وزارته بعد ذلك بتنظيم جنازة الرئيس الفقيد، ونجحت فيها نجاحا ملفتا. انطلقت بعد ذلك حملة تناصر ترشح الزبيدي لسباق رئاسيات 2019 السابقة لأوانها، و”استجاب” الرجل لهذه المناصرة، وسرعان ما تدفقت بيانات من أحزاب تدعم ترشح هذه “الشخصية المستقلة”.
أصر الزبيدي على أنه مرشح مستقل، وإن كان يرحب بكل من يؤازره من أحزاب ومنظمات وشخصيات سياسية ورجال أعمال. لم تأت الثورة بهذه الشخصية “المحايدة والمستقلة”، فعبد الكريم الزبيدي، شغل في عهد الرئيس الأسبق، بن علي، وزارة الصحة العمومية آنذاك، وكذلك وزارة البحث العلمي والتكنولوجيا.وقد ساهم توليه حقيبة وزارة الدفاع في أكثر من حكومة بعد الثورة، في اكتساب توافق حول شخصيته المعتدلة والمحايدة التي ارتبطت بما حققت المؤسسة العسكرية من نجاحات، لاسيما على مستوى الأمن والسلم الاجتماعية، لكنه لم ينج من اتهامات بأنه مدعوم من لوبيات اقتصادية.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يطرح فيها اسم الزبيدي لتولي منصب متقدم في قيادة البلاد، إذ طرح اسمه بقوة في إطار الحوار الوطني سنة 2013 لتولى رئاسة الحكومة، غير أنه رفض تولي المنصب. وفضلا عن هذا الرفض، فإن الرئيس المؤقت، محمد المنصف المرزوقي، قد تحفظ على تعيينه في ذاك المنصب.
فقد كان هذا الطبيب السبعيني والأستاذ الجامعي، على خلاف مع الرئيس المرزوقي الذي اتهمه بموافقته على إنزال جيوش المارينز الامريكية إبان حادثة السفارة الأمريكية، وهو ما نفاه الزبيدي في أكثر من مناسبة، وأكد رفضه بشدة لهذا الأمر، وهو ما كان وراء استقالته من حكومة علي العريض سنة 2013
ومن أبرز مكونات البرنامج الذي يقترحه المترشح الزبيدي، في حال فوزه، العمل على إرجاع هيبة الدولة، التي اهترأت بفعل الانفلات العام خلال السنوات التسع الماضية، وتعديل منظومة الحكم التي أتى بها دستور 2014، لأنها لا تستجيب، في نظره، لاحتياجات تونس.
عبيد البريكي: مسيرة رجل يساري الهوى اقتحم السياسة من بوابة العمل النقابي
لا يعد النقابي المخضرم عبيد البريكي “غريبا” البتة عن عالم السياسة، فهو زعيم تيار الديمقراطيين الموحد في تونس، وأحد أهم مؤسسيه، إذ لعب دورا أساسيا في توحيد هذه العائلة السياسية التي انقسمت لسنوات بين تيارات عدة، من خلال ترؤسه المؤتمر التأسيسي لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد سنة 2012.
انخرط البريكي منذ الجامعة في النشاط السياسي، فهو أحد مؤسسي تيار الوطنيين الديمقراطيين في تونس في الجامعة وأحد رموزه بمعية الشهيد الراحل شكري بلعيد، وخريج كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس 9 أبريل. عمل أستاذا للغة العربية بدءا من سنة 1980 بالمعاهد الثانوية قبل أن يكرس جهوده للعمل النقابي.
وتقلد أستاذ اللغة العربية، البالغ من العمر 62 عاما، عدة مناصب نقابية، وكان أحد أهم الكتاب العامين لنقابة التعليم الثانوي، قبل أن ينضم للمكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل، ثم أصبح أمينا عاما مساعدا صلبه، والناطق الرسمي باسمه بعيد الثورة. واستفاد البريكي من توهجه النقابي الوطني، ليعمل مسؤولا عن برنامج ومستشارا لدى منظمة العمل العربية طيلة أربع سنوات.
وفي غشت 2016 انضم المسؤول النقابي للفريق الحكومي، وتسلم حقيبة وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة، في حكومة يوسف الشاهد. لم تستمر تجربته الحكومية سوى سبعة أشهر، إذ تمت إقالته في 25فبراير 2017.
وقد علق البريكي على قرار إقالته بأن اعتبره “غريبا”. لكن الغريب في ذاك المشهد هو كون البريكي من لوح أولا بالاستقالة، ليستبق رئيس الحكومة هذا التهديد بإعلان قرار إقالته. وكشف فور إقالته أنه “تم تجريده من كل مهامه تقريبا بالوزارة، عبر سحب عديد الملفات الكبرى ذات البعد الإصلاحي والبعد الهيكلي وإحالتها إلى مصالح رئاسة الحكومة”، مشيرا إلى أن ذلك يعد من أهم الأسباب المباشرة التي جعلته يلوح بالاستقالة.
من ناحيته، برر رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، إقالة البريكي، بأن المعني “خرج عن نواميس العمل الحكومي”.
ويدخل البريكي سباق رئاسيات 2019 “مدججا” بـ”تونس إلى الأمام”، الحزب الذي أنشأه هذا العام في سياق طموح معلن لتجميع أوسع قوى اليسار، ومسنودا بحراك مرامه تأسيس ائتلاف “الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي”، الذي يضم، بالإضافة إلى حزبه، كلا من الحزب الجمهوري، وائتلاف “قادرون”، وحركة الديمقراطيين الاجتماعيين، والمسار الديمقراطي الاجتماعي.
ويراهن أمين عام “تونس إلى الأمام” في خوضه الاستحقاق الرئاسي، على كسب أصوات الناخبين، بالارتكان إلى تعهدات، تتمثل بالخصوص في إرساء منوال تنموي جديد، واستعادة هيبة الدولة.وفي مقترح رمزي يلتقي مع نبض طيف واسع من الشارع (الحقيقي والافتراضي)، رغم طابعه “الشعبوي”، وعد البريكي فور ترشحه للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها لسنة 2019، بالتخفيض في أجر الرئيس، في حال فوزه، والتقليص بنسبة 30 بالمئة من ميزانية مؤسسة الرئاسة وبتعيين إمرأة على رأس الدبلوماسية التونسية.
ويرى عبيد البريكي أن سياسة تونس الخارجية لا يجب أن تبنى على “الحياد”، مبررا رؤيته بالقول “إن الحياد المطلق يتعارض مع المبادئ العامة التي يجب أن ترتكز عليها السيادة الوطنية في مجال الشؤون الخارجية، ومنها مؤازرة القضايا العادلة في الوطن العربي”.
محسن مرزوق: رحلة بحث عن ” مجد سياسي” أسقطت الإيديولوجيا وأوغلت في البراغماتية
من شاب ماركسي معارض عاقبه النظام عندما “جند قسريا” في منتصف ثمانينات القرن الماضي في منطقة رجيم معتوق بالجنوب التونسي بسبب مواقفه وحماسته، إلى مرشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2019 .. يدخل محسن مرزوق، رئيس حركة مشروع تونس، هذا الاستحقاق، بعد مروره بعديد المحطات، وبعد طريق طويلة من المراجعات، يعتبر أنه تحرر خلالها من سجن الإيديولوجيا، وانخرط في الحياة السياسية في شكلها العصري.
ولد محسن مرزوق في 10 يوليوز 1965 بالمحرس من ولاية صفاقس، وتخصص في علوم الاجتماع السياسي والعلاقات الدولية بالجامعة التونسية، ليكون بعد 14 يناير 2011، أحد الوجوه السياسية البارزة التي أسست حركة نداء تونس سنة 2012، وشغلت منصب أمينها العام بعد انتخابات 2014، قبل أن يغادرها مع عدد من نواب ومنتسبي الحزب لتأسيس حركة مشروع سنة 2016 (يرأسها حاليا) وتشكيل كتلة نيابية جديدة سميت “كتلة الحرة لمشروع تونس”.
عرف مرزوق كـ”متكلم لبق واسع الثقافة السياسية”، اختاره الرئيس الراحل، الباجي قايد السبسي، مديرا لحملته الانتخابية في سباق رئاسية 2014، التي فاز فيها، وهو من أبرزالوجوه التي ساهمت في إعادة التوازن للمشهد السياسي في البلاد بعد هيمنة حركة النهضة إبان حكم “الترويكا” (2011-2013). كما شغل منصب وزير مستشار مكلفا بالشؤون السياسية لدى الرئيس الراحل.
مسيرة مرزوق في “الصعود” كانت محفوفة بـ”الألغام” وبــ”الهزات”، فلطالما اتهم من قبل “خصومه”، وحتى من مقربين منه، بأنه ممن يستعجلون “الارتقاء السياسي”. وفي هذا السياق، مثل مشهد توقيعه يوم 20 ماي 2015، في واشنطن على مذكرة تفاهم مع وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، تحت أنظار الرئيس قايد السبسي، “منعرجا” في مسيرته، حيث أثير جدل واسع حول طموحاته و”نهمه” السياسيين، وهو ما ساهم في تقويض نفوذه في نداء تونس وفي صناعة القرار بالبلاد، وسرع بخروجه من قصر قرطاج، وفي انشقاقه على نداء تونس .
عمل مرزوق على إعادة بناء “النداء التاريخي”، ودافع عما يسميه “المشروع العصري” وبناء حزب جديد، قال عنه “إنه سيحافظ على توازن القوى في البلاد”، إلا أن حزب “مشروع تونس”، وبعد ثلاث سنوات من تأسيسه، لم يحقق الإشعاع المنشود، وكانت نتائجه دون المأمول في الانتخابات البلدية الماضية (2018)، ووصفت ب”المخيبة للآمال” قبلها في الانتخابات الجزئية بدائرة ألمانيا. وبالنتيجة لم يتحول إلى “ماكينة” مؤثرة في المشهد، رغم المشاركة في حكومة يوسف الشاهد .
محسن مرزوق، الذي لا ينكر أن السياسة هي المجال الأرحب للبراغماتية، لا يخفي معاداته للإسلام السياسي ولحركة النهضة، شريكته اليوم في الائتلاف الحاكم، غير أن محاولاته لخلق التوازن في المشهد السياسي، لم تكن موفقة، حيث فشل تقارب حزبه (مشروع تونس) مع حزب الاتحاد الوطني الحر، وتوقفت مشاوراته مع شقوق من نداء تونس لإحياء النداء التاريخي، ثم أخيرا انتهى الحوار حول الانصهار مع حركة تحيا تونس، التي أسسها يوسف الشاهد، حليفه في الحكومة ومنافسه في الانتخابات الرئاسية .
تقلد مرزوق عددا من المناصب في منظمات إقليمية ودولية، ومنها بالخصوص مدير برامج إقليمية في منظمة “ألتايير” الدولية من 1995 إلى 2002، ومدير برامج إقليمية لمنظمة العمل الدولية من سنة 2002 إلى سنة 2003، ومدير البرامج العربية للمؤسسة الدولية “فريدوم هاوس” من سنة 2003 إلى سنة 2007، كما تولى منصب أمين عام المؤسسة العربية للديمقراطية من سنة 2008 الى سنة 2012، وهو مؤسس ورئيس مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية.