منذ أزيد من عشر سنوات، ظلت جماعة مولاي عبد لله تتحمّل عبء تنظيم موسم الولي الصالح محمد أبو عبد الله أمغار، المعروف وطنياً بمولاي عبد لله أمغار، قبل أن تتسلمه إحدى الشركات بعد أن أصبح تنظيمه أكبر من طاقة الجماعة والعمالة، وصار ينعقد تحت الرعاية السامية للملك.
ولغرض توضيح الرؤى، عقدت اللجنة المنظمة لموسم الولي الصالح ندوة صحافية قدّمت خلالها العديد من المعطيات المتعلقة بموسم 2024، حيث أكدت أن فضاء الموسم تمت تغطيته بالكامل بالإنارة العمومية، مع تقوية الشبكة الكهربائية، وربط الموسم بالماء الصالح للشرب، إضافة إلى تهيئة وصيانة مسجد وضريح الولي الصالح.
وقد وقفت جريدة الاتحاد الاشتراكي، خلال زيارتها لفضاء الموسم، على توفر الإنارة العمومية في جميع أرجائه، وتجهيزه بكاميرات المراقبة للحد من السرقات ومتابعة كل صغيرة وكبيرة أثناء انعقاده.
مولاي المهدي الفاطمي، رئيس جماعة مولاي عبد لله أمغار ورئيس اللجنة التنظيمية للموسم، أفاد في تصريح لجريدة الاتحاد الاشتراكي بأن الموسم انطلق فعليًا قبل أكثر من شهرين، مباشرة بعد تلقي تطمينات بشأن دعمه ليصل إلى العالمية. وأضاف أن التحضيرات بلغت اليوم مراحلها الأخيرة، حيث تم استقبال الخيول وإحصاؤها، ثم تقسيمها على المحركين إلى «سربات» وفق ضوابط محددة.
وأوضح أن طاقمًا مكوّنًا من الشركة المنظمة، إلى جانب أطر وعمال الجماعة والشركات الداعمة، يسهر على ضمان مرور التظاهرة في ظروف جيدة. كما تم، إلى حدود الآن، توفير العلف من الشعير للخيول، مع تغطية صحية بيطرية شاملة من طرف فريق بيطري يشتغل على مدار الساعة.
وأكد الفاطمي أن جميع الاحتياطات قد اتُّخذت، سواء ما يتعلق بأمن وسلامة المرتفقين، أو الجوانب المرتبطة بصحة الزوار، خاصة في ما يخص مراقبة المأكولات المعروضة داخل فضاء الموسم.
وأفاد بلاغ للشركة أن عملية إحصاء سربات الخيل المشاركة بموسم مولاي عبد لله أمغار لسنة 2025، أسفرت عن مشاركة 122 سربة، منها ثلاث سربات إناث، بنحو 2065 فارسا وفارسة، يمثلون مختلف جهات المملكة المغربية، الذين حطوا الرحال بعاصمة دكالة من أجل التباري في فن التبوريدة بأكبر موسم على الصعيد الوطني، المنظم تحت الرعاية السامية لجلالة الملك، من 8 إلى 16 غشت الجاري.
وأقدمت الجهة المنظمة على إحداث تحسينات جديدة بـ»المحرك الثاني» الذي بات يشكل متنفسا أكبر لرواد التبوريدة، وإضافة نوعية للحد من الاكتظاظ الذي يعرفه «المحرك الأول»، وذلك من أجل تقديم عروض التبوريدة في أحسن الظروف.
غيث: المحرك الثاني منح الموسم نكهة خاصة
وأضاف البلاغ أنه جرت عملية إحصاء السربات المشاركة، التي احتضنها المحرك الرئيسي للموسم، في جو من المسؤولية والانضباط، وأشرف عليها الاتحاد الإقليمي لفن التبوريدة بالجديدة مع كافة شركائه، حيث سبقها اجتماع مع كافة ممثلي السرب بحضور رئيس الجماعة لمناقشة كل الأمور التنظيمية، والاستعدادات القبلية.
وأوضح بلاغ الشركة أن سعيد غيت رئيس الاتحاد الإقليمي لفن التبوريدة، أكد أن موسم مولاي عبد الله أمغار يشكل مناسبة مهمة لكل المشاركين من مختلف جهات المغرب، والتقاء قبائل دكالة عبدة والشاوية لصلة الرحم، والحفاظ على الطابع التراثي لمولاي عبد الله الذي يتميز بتنوعه وانفتاحه على الجميع.
وأضاف غيث أنه تم التركيز على أن يكون «المحرك الثاني» في أبهى حلة لهذه السنة، وذلك للحد من الاكتظاظ الذي يشهده «المحرك الأول»، حيث ستتخلل عروض «التبوريدة» تكريمات في حق عدد من «المقدمين».
واعتبر سعيد غيث أن الاتحاد الإقليمي لفن التبوريدة، هو بمثابة صلة وصل بين الجماعة وبين السلطة المحلية لتوفير جميع احتياجات السادة «المقدمين» بما في ذلك التزود بالماء والكهرباء والبارود. وأضاف البلاغ
أن الفروسية اليوم تجسد لوحات فنية مبهرة تمزج بين المهارة في التحكم بالفرس ودقة الانسجام بين أفراد السربة الواحدة، وسط أهازيج جماهيرية غفيرة تتابع بشغف كبير عروض «التبوريدة»، حيث تتعالى طلقات البارود متناسقة في لحظة واحدة، ويجسد الفرسان والخيالة براعتهم في الانسجام والمهارة.
وتعكس هذه الأرقام الزخم الذي بات يميز موسم مولاي عبد لله أمغار، باعتباره أحد أكبر المواعيد الوطنية المخصصة للفروسية التقليدية، وفضاء سنويا يجمع بين البعد الديني والاحتفالي والتراثي، ويشكل منصة للتعريف بفن «التبوريدة» كرمز من رموز الهوية المغربية.
وأوضح سعيد غيث، أن هذه الأرقام تعكس حجم الإقبال الكبير على المشاركة، مشيرا إلى أن عملية الإحصاء شملت جميع السربات المسجلة رسميا، وتم الحرص على توثيق كل المعطيات بدقة، سواء على مستوى عدد الفرسان أو الخيول، بما يضمن تنظيما محكما للعروض وتوزيعا عادلا لمواقيت المشاركة. مضيفا أنه من أجل ضمان سلامة الخيول وصون صحتها خلال أيام الموسم، تم تنظيم مداومة يومية للأطباء البيطريين في فضاء الفروسية، مع توفير الأدوية والمستلزمات البيطرية الضرورية للتدخل الفوري عند الحاجة، وذلك في إطار حرص المنظمين على احترام معايير الرفق بالحيوان وضمان أداء العروض في أفضل الظروف.
ويحافظ موسم مولاي عبد لله أمغار على مكانته كموعد سنوي بارز، يستقطب عشاق الفروسية التقليدية من داخل المغرب وخارجه، ويجعل من «التبوريدة» علامة مميزة تعكس أصالة الهوية المغربية وعمق ارتباطها بالفرس كرمز للشجاعة والنخوة.
مهدي الفاطمي يطمح لتسجيل الموسم لدى اليونسكو كتراث عالمي لا مادي
يتعلق الأمر بتظاهرة ثقافية وروحية كبيرة تنظم تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، والتي تشكل مناسبة لبعث دينامية كبيرة على مستوى الاقتصاد المحلي والسياحة، كما تم التأكيد على ذلك خلال لقاء صحافي بالجديدة خصص لتقديم فقرات هذا الموعد المهم.
وحسب المنظمين، فإن المؤشرات التوقعية تشير إلى أن حوالي 4 ملايين زائر سيحجون إلى فضاءات موسم مولاي عبد الله أمغار في نسخته 2025، إضافة إلى 2000 فارس وحوالي 22.000 خيمة.
في هذا السياق أبرز مهدي الفاطمي رئيس جماعة مولاي عبد الله أن ” اللجنة المنظمة بمعية شركائها، عملوا على الرفع من مستوى الخدمات المختلفة المتعلقة بالموسم”، مضيفا أنه بعد اعتراف الإسيسكو بهذا الموسم كتراث وطني لا مادي،” طلبنا من اليونسكو تسجيله كتراث عالمي لا مادي”.
وقال إن لجنة رفيعة المستوى ستزور الموسم قريبا لإعداد تقرير تقييمي حول هذا الموضوع، مع العمل على رفعه إلى هيئات اليونسكو ذات الصلة.
وأضاف الفاطمي أن هذا الحدث الثقافي المتجذر بعمق في التاريخ، بتراثه المتنوع اللا مادي والذي يمثل جزءا مضيئا من الذاكرة الوطنية المشتركة، يشكل محركا لدينامية اقتصادية وسياحية في المنطقة.
من جانبها أكدت اللجنة المنظمة أن ” كل شيء جاهز ” من الناحيتين التنظيمية والأمنية من أجل ضمان تنظيم تظاهرة ناجحة.
وبشأن البعد الثقافي لهذا الحدث الكبير، أشار رئيس المجلس الإقليمي للجديدة محمد الزاهيدي إلى أن “هذا الموسم هو رافعة للتنمية الاقتصادية المحلية”، لأنه يولد ” تأثيرا لا يمكن إنكاره” على مستوى النشاط التجاري في المنطقة.
مولاي عبد الله امغار تاريخانية المكان والزمان
تقع تيط على الساحل الأطلسي بمنطقة دكالة بعيدا عن مدينة الجديدة بحوالي أحد عشر كلم على الطريق الساحلية المؤدية للوليدية، وتعرف اليوم تيط بمركز مولاي عبد الله، وتعتبر هذه الحاضرة من المراكز العمرانية القديمة بالمغرب.
لقد دلت الآثار المكتشفة في المنطقة على أن هذه البلدة عمرت في عهود مبكرة كما افترضت الأبحاث المستندة إلى علم الطوبونيميا بأن الميناء المسمى في الأدبيات القديمة باسم رتوبيس كان يوجد على الأرجح في المكان الذي شغلته تيط، وهذا يعني أن تيط من المدن القديمة في المغرب.
بعد الفتح الإسلامي صارت الأسر المالكة التي تعاقبت على عرش البلاد والأمم التي تعاقبت على السكنى في رتوبيس تبني عمارتها بجانبها أو ربما على أنقاضها، وقد صارت هذه العمارة الجديدة تحمل اسما جديدا في المصادر العربية الإسلامية هو «تيطنفطر» ويقال اختصارا «تيط».
الاتحاد الاشتراكي حملت العديد من الأسئلة إلى الدكتور أحمد الوارث المتخصص في تاريخ المغرب وأحد أبرز الأسماء المتخصصة في تمحيص الأولياء وتاريخها لبسط الجانب التاريخي لعين الفطر وتيط ودفينها الملقب بمولاي عبد لله امغار.
حيث أفاد أن رباط آل أمغار يعرف باسم رباط تيطُّ-نْ-فْطّرْ، أي: عين الفطر؛ وهو معدود من الرباطات القديمة في دكالة؛ وضع لبناته الأولى الشيخ الزاهد أبو الفداء إسماعيل، جد أبي عبد لله أمغار، المتوفى في بداية القرن الخامس الهجري/11م، بالتقريب، فقام أبو جعفر إسحاق أمغار، المشهور بين أقرانه بالورع والزهد، مقام والده، ثم ارتحل إلى أيير بساحل دكالة، في حدود 419هـ/1028م، في خضم توسع الإمارة البورغواطية في دكالة. وفي أيير رزق أبو جعفر إسحاق بن إسماعيل أمغار بولدين، سمى أحدهما محمدا هو المشهور بـ (مولاي عبد لله) أمغار.
وأضاف أن أبو عبد لله تربى في أيير، وتيط بعد عودة والده إليها، حوالي سنة 447 هـ/1055م، إبان ظهور المرابطين بدكالة، ثم تولى المشيخة بعد وفاة والده. في هذا الشأن تسجل المصادر أن أبا عبد لله أمغار تعلم وتصوف على يد شيوخ مشاهير، في مقدمتهم والده أبو جعفر إسحاق، والشيخ عبد الله الفيزاري الملقب بأستاذ الأمغاريين، والفقيه حجاج بن حجاج، وهو من بيت العلم بإشبيلية، وكان أبو عبد لله أمغار يحضر دروسه بقرية كيمْوَان الواقعة بساحل صنهاجة، فضلا عن اتصاله بالشيخ أبي بكر بن العربي المعافري، زد على ذلك، علاقته المبكرة والطويلة بأبي شعيب أيوب السارية المشهور بالرداد. سجل المهتمون هذا الأمر، وسجلوا معه نبوغه المبكر في العلوم الشرعية، وفي علوم الآخرة أيضا، وبلوغه في مقامات الولاية مبلغا لا يبلغه إلا الأفراد العارفون.
إلى ذلك، وافق تصدر (مولاي عبد الله أمغار) المشيخة اهتمام المرابطين بآل أمغار ورباطهم. تجلى ذلك في دعم التيار السني المالكي في دكالة خصوصا والمغرب عموما، وفي مباركة الأمغاريين السياسة المرابطية في الجهاد. كما تعكس ذلك كله الامتيازات المادية وكذا المعنوية التي خص بها المرابطـون أهل رباط تيط، من قبيل اختيار الأمير علي بن يوسف بن تاشفين المرابطي استشارة الشيخ أبي عبد لله أمغار لما عزم على بناء سور مراكش سنة522 هـ/1128م، بل الظاهر أن مكانة هذا الشيخ في العهد المرابطي بلغت مستوى جعلته يتخذ اختيارات معارضة لسياسة أولي الأمر أنفسهم، ومن ذلك على سبيل المثال تبنيه لأفكار الإمام أبي حامد الغزالي، وإقراء كتبه في رباطه. ثم تخلفه عن حضور جمع الفقهاء في مراكش، بدعوة من الأمير علي بن يوسف نفسه. وقد فطن المرابطون إلى تزايد أهمية آل أمغار في دكالة، زمن (مولاي عبد لله) فحرصوا على التماس الدعم منهم، خصوصا بعد أن بدأ الخطر الموحدي يلوح في الأفق.
وأكد أحمد الوارث أن ذلك لم يثن خلفاء الدولة الموحدية من البداية عن ربط الاتصال بـ(مولاي عبد الله أمغار). على غرار لجوء المهدي بن تومرت، زعيم الحركة الموحدية، إلى رباط تيط، فارا بنفسه من ملاحقة قوات الدولة المرابطية. في المقابل، أتى المؤرخون على ذكر تيط وأهلها، في سياق الحديث عن «الاعتراف « الذي فرضه الخليفة عبد المومن علي أهل دكالة سنة 543هـ/1149 م، عقابا لهم على تمردهم ضد الحكم الموحدي، عقب وفاة ابن تومرت، تشبثا منهم بالمذهب المالكي ورفضهم المذهب التومرتي، لكن المصادر لم تسجل على الموحدين أنهم أساؤوا، إبان تلك الحملات، إلى الشيخ أو غيره من الأمغاريين في تيط ن فطر.
أما على مستوى البناء والتشييد، فقد شهدت تيط في العهد الموحدي حركة عمرانية هامة، لعل من أبرز معالمها بناء سور ضخم حواليها، حتى غدت أشبه بقلعة محصنة. يفترض بعض الباحثين، في هذا الشأن، أن الشيخ أبا عبد الله محمد أمغار هو الذي شرع في بناء السور في فترة سابقة أو موازية لزمن تسوير مراكش. لكن ألغي مشروعه أو توقف إنجازه، ولم يتم تحقيقه إلا بعد أن أخمد عبد المومن، خليفة ابن تومرت، الفتنة في البلاد حوالي 543هـ/1148م. يؤكد الوارث.
وأضاف «كان هذا التحصين من أسباب شهرة (مولاي عبد الله) أمغار، الذي نسب إليه الرباط دون سائر أهله، فسمي: رباط (مولاي عبد الله أمغار)، ولم يكن الرباط قلعة فقط وإنما حاضرة دينية وثقافية كذلك. شاهد ذلك وجود جامعين في الرباط، منذئذ، الأول هو الجامع القديم الذي شيده أبو جعفر إسحاق متصلا بداره، والثاني هو جامع (مولاي عبد الله). كما يؤثر عن هذا الأخير أنه حفر، في الجانب الشرقي من الجامع، بئرا جديدة، أضافها إلى البئر التي حفرها والده أبو جعفر إسحاق، لسد حاجة العدد المتزايد من السكان، مما رفع رباط آل أمغار إلى مستوى المدينة، ولو أنها ظلت تابعة إداريا وقضائيا لأزمور حاضرة دكالة. وثمة إشارات عدة عن الجباة الذين كانوا يفدون بكثرة على تيط لاستخلاص مستحقات الدولة، وأن أحد رؤساء صنهاجة طلب من الخليفة الموحدي الزيادة في قيمة المغارم على سكان تيط، لكن الخليفة رفض ذلك لكون المدينة تعتبر «موضع الشرفاء الصالحين قديما وحديثا»، مما يفيد حصول انتعاش في سبل العيش.
إلى جانب هذا وذاك، رباط تيط مدرسة عليا يتعلم فيها الطالب القرآن العظيم، ومسائل العقيدة والفقه، والمعارف المتعلقة بأمور المعاملات، واشتهرت على الخصوص بتدريس الموطأ والمدونة، حتى إن الرواية الشعبية ما زالت تردد أن رباط تيط كان يضم مائة مامّاس وماماس (مائة امرأة وامرأة) كلها تحفظ المدونة. أما الدليل على المستوى الصوفي الراقي زمن أبي عبد الله أمغار فهو تكوين ما يعرف في تاريخ التصوف المغربي بـ: الطائفة الصوفية الأمغارية، نسبة إلى الشيخ أبي عبد لله أمغار نفسه. وقد ظلت هذه الطائفة نشيطة طيلة العهد الموحدي، وباتت تيط بفضلها مركزا صوفيا كبيرا، وصار لهذه الطائفة شعائرها وتقاليدها، يعرف بها أتباعها أينما حلوا وارتحلوا، منها ألوان مميزة لأعلامها. دون أن ننسى جلوس (مولاي عبد الله) في مكان خاص كان بمثابة محكمة للفصل في الخصومات والنظر في النزاعات.
توفي مولاي عبد لله أمغار حوالي الثلث الأخير من القرن السادس الهجري/12م، وقبره شهير جدا بتيط. لكن لا تعرف بالضبط بداية تنظيم الزيارة الجماعية المسماة: موسم مولاي عبد لله أمغار. إنما الأكيد أنها امتداد للزيارات التي كان يقوم بها مريدو الشيخ نفسه إبان حياته، إلى جانب الزوار من المحبين، والراغبين في التبرك بلقائه.
وعن تنظيم موسم مولاي عبد لله امغار أكد الأستاذ الوارث أن الموسم، في شكله الحالي، يقام دوما في فصل الصيف، في شهر غشت غالبا، ولا يقدم عنه أو يؤخر إلا إذا صادف شهر رمضان، ويدوم أسبوعا كاملا. ولعل أهم ما تميز به الموسم، بعد زيارة مقامات آل أمغار، هو ما يسمى: التبوريدة. وأهم ما يمكن أن نستحضره بالمناسبة هو: كتاب دلائل الخيرات وشوراق الأنوار في الصلاة على النبي المختار، الذي جمع فيه صاحبه الشيخ امحمد بن سليمان الجزولي المروي من ألفاظ الصلاة والسلام على النبي صلى لله عليه وسلم، وعن غيره من فضلاء أمته، والاقتداء بهم…». نستحضره هنا لأن صاحبه، هو خريج رباط تيط، حيث مكث في صحبة شيخه أبي عبد لله أمغار الصغير، مدة بلغت أربع عشرة سنة، يتلو خلالها من بين ما يتلوه كتابه دلائل الخيرات، حتى كمل حاله.
وقد وافق رحيله عن الرباط اشتداد الغزو الإيبيري لسواحل المغرب، فانخرط وأتباعه في الأعمال الجهادية لتحرير الثغور المحتلة. و»كانوا مواظبين على (دلائل الخيرات…)، مستصحبين له تبركا به في حروبهم. ثم صار الكتاب حاضرا محتفى به في الأوساط الشعبية بالمغرب من خلال ما يعرف بالتبوريدة. إذ المعلوم أن الخيّالة بعد ارتدائهم للملابس الخاصة بالمناسبة يعلقون في أعناقهم محافظ تحوي من بين ما تحويه: كتاب دلائل الخيرات للشيخ الجزولي، تبركا وتيمنا وطلبا للحفظ والأمان من جهة، وتقليدا للمجاهدين في حربهم على البرتغاليين والإسبان، من جهة أخرى، وكأن في الأمر إعادةُ تمثيلٍ لتلك الملاحم الجهادية.
في المقابل يؤكد احمد الوارث «لا نملك نصا يصف أنشطة الموسم، إلى حدود مرحلة الحماية الفرنسية على المغرب، من ذلك مراسلات تنقل أخبار هذا الموسم السنوي، في جريدة السعادة (Saada) الصادرة، زمنئذ، في الرباط. أولها مراسلة عنوانها: موسم الولي الصالح الشيخ مولاي عبد الله أمغار بقلم مكاتب الجريدة، في العدد2150، ليوم الجمعة 26-10-1920م /16 صفر1339ه، ص4، العمود الثاني والثالث. نصها: «لمولاي عبد لله أمغار مناقب كثيرة وكرامات شهيرة. وقد جرت عادة القبائل الدكالية الاحتفال بموسمه كل سنة. وفي الأسبوع الماضي وقع الاحتفال بهذا الموسم فاجتمع فيه عدد كثير من الناس وضربوا خيامهم على شاطئ البحر وجاء إليه قواد دكالة الشمالية والبعض من قواد دكالة الجنوبية بخيل جياد وسروج مزركشة وأقاموا به ستة أيام وهم ينزلون للميدان كل يوم ويظهرون من المهارة في اللعب على متون الخيل ما يعجب الحاضرين ويتحدث به الركبان. وفي أثنائه حضر هناك السادات الحكام بالناحية، وقد ختم والحمد لله بكل أمان ولم تقع فيه سرقة ولا مشاجرة ولا ما يكدر الصفاء، وما ذلك إلا من حسن الإدارة وتشمير القواد عن ساعد الجد في تنفيذ الأوامر المخزنية. نطلب من الله تعالى أن يعيد هذا الموسم وأمثاله بكل خير ورخاء وهناء تحت ظل مولانا السلطان أيد الله ملكه. آمين».
أخيرا، رغم تعدد المشايخ في رباط تيط، لايزال (مولاي عبد الله) يعد واسطة عقدهم، و» شيخ المشايخ من الإسكندرية إلى سوس الأقصى… «، كما يعقد موسم كبير يسمى باسمه في رباط لا يزال يحمل اسمه أيضا.
موسم الحصاد الذي تحول من تجمع فلاحي إلى موسم بارود وطني
من يسمع عن موسم مولاي عبد لله أمغار، يخال إليه أن الأمر لا يعدو موسما تقليديا كما يتصوره عامة الناس… إلا أن الموسم السنوي الذي يجدب أكثر من مليوني زائر على مدى ثمانية أيام، على اعتبار أنه أكبر موسم في المغرب، أصبح في تطور مستمر من أجل بناء موسم يجمع بين ما هو ديني تقليدي ومراسم الفرجة والاحتفالات العصرية من خلال تنظيم محكم، فقد عرف انعقاده هذه السنة نصب أكثر من 30000 خيمة ويشارك فيه 2000 فارس وفرس منتظمين في أزيد من 200 سربة سيحضرها بناء على تكهنات المنظمين إلى 100000 متفرج يوميا فيما سيزوره أكثر من 4 ملايين زائر حسب نفس الخلية .
ويعتبر موسم مولاي عبد لله أمغار من أهم التظاهرات الدينية والثقافية على الصعيد الوطني، إذ شكل على مدى عشرات السنين لقاء سنويا لقبائل دكالة احتفاء بالولي الصالح مولاي عبد لله أمغار.
فإضافة إلى الطقس الديني المتبع منذ سنوات طويلة، والذي ينطلق بتلقي الهبة الملكية ويمر عبر تقديم الذبيحة وصولا إلى توزيع الجوائز، أضيفت مرافق جديدة للترفيه يحرص المنظمون للموسم السادس على أن تناسب هذه المرافق جميع الفئات العمرية.
وتقوم طبقا لمعايير الشكل الجديد المستحدث في تنظيم المهرجانات، حيث تقوم وكالة للاتصال بمهمة تنظيم الموسم بطقوسه وتقاليده وندواته الدينية وسهراته الفنية وتظاهراته بتنسيق مع السلطات الإقليمية وجماعة مولاي عبد لله أمغار، ويروم المنظمون أن تكون الدورة الحالية التي انطلقت قبل أيام، أنجح دورات الموسم، وذلك عن طريق جذب أكبر عدد ممكن من الزوار، كما يسعون إلى جعل منصات الحفلات موازية لمنصات كبريات المهرجانات التي تنظم في المغرب اليوم، حيث من المتوقع أن يرتفع عدد الزائرين هذه السنة، وهو ما جعل موسم مولاي عبد لله أمغار يمر إلى مرحلة أخرى دفعت العديد من العلامات التجارية إلى الارتباط بهذا الحدث الكبير، وتهدف الاستراتيجية العامة للتنمية الثقافية بالجديدة، إلى إعادة الموسم إلى طبيعته الأصلية، على اعتبار أنه موسم ديني، وكذلك اعتبارا على أن قلعة مولاي عبد لله كانت ومازالت محجا للعلماء والمريدين الذين كانوا يتوافدون عليه. وتم إغناء البرامج الدينية والعلمية كما تم استحداث مسابقات واستشارات دينية لفائدة الزوار، الهدف منها خلق فضاء للحوار مع اعتماد أسلوب جديد في اختيار المواضيع وطرق معالجتها.
وتسعى الجهة المنظمة، خلال هذا الموسم، إلى العمل على تكريس أسلوب الاحترافية الذي انتهجته منذ سنوات، والذي سهرت على تطويره بما يتناسب مع هذه التظاهرة التي تعتبر الأكبر من نوعها على الصعيد الوطني. ولهذه الغاية تم وضع كناش تحملات خاص باللجان.