التفعيل الجدي للشراكة بين القطاعين العام والخاص آلية أساسية
لتجويد المنظومة وتطوير العرض الصحي
في بلادنا
عرفت بلادنا قبل مدة نقاشا واسعا، غايته التنزيل السليم والأجرأة الفعالة والناجعة لمحاور ورش الحماية الاجتماعية، وضمنه محور توسيع مجال التغطية الصحية الإجبارية بحلول سنة 2022، لتشمل 22 مليون مغربي ومغربية، الذين سيمكنهم الاستفادة من التأمين الإجباري عن المرض، الذي يغطي تكاليف العلاج والأدوية والاستشفاء، وهو ما يعتبر جوابا عن مطلب ظل ملحّا منذ سنوات، تفعيلا لحق دستوري أساسي نصّ عليه دستور 2011 والمتمثل في الحق في الصحة.
نقاش لا يقف عند حدود ما هو مادي، بل يمتد إلى الجانب التشريعي كذلك، من أجل إدخال تعديلات على الترسانة القانونية المؤطرة لمهنة الطب ومزاولتها وتطويرها لكي تتلاءم والمستجدات المرتبطة بهذا الورش، كما هو الحال بالنسبة للنقاش الذي تمحور حول فسح المجال أمام الأطباء الأجانب للمزاولة في المغرب، وما الذي حققه القانون 131.13، وما الذي لم يتحقق من الأهداف التي تم تسطيرها قبل دخوله حيّز التنفيذ.
«الاتحاد الاشتراكي»، وبعد أن انتقل المشروع من النقاش إلى الأجرأة والمصادقة ثم عرف طريقه إلى النشر بالجريدة الرسمية، طرحت بعض الأسئلة في هذا الإطار على البروفسور مصطفى فضلي، الاختصاصي في جراحة الدماغ والأعصاب، مساهمة منه في التنزيل السليم لهذا القانون.
p بعد نقاش واسع وجدل كبير، صدر بالجريدة الرسمية القانون 33.21 الذي عُرف بقانون مزاولة الأطباء الأجانب في المغرب، مغيرا ومتمما بذلك القانون 131.13المتعلق بمزاولة مهنة الطب، فما هي أبرز الملاحظات التي وقفتم عليها أثناء الإعداد له؟
n أعتقد أنه كان من المفروض على وزارة الصحة في البداية، أن تعمل على تقييم القانون 131.13 الذي دخل حيز النفاذ منذ سنة 2015، بإشراك كل الفاعلين والمعنيين به والإنصات لملاحظاتهم واقتراحاتهم للوقوف حقيقة على الإشكالات والصعوبات التي تحدّ من فعاليته، والتي جعلته غير قادر على الحد من أعطاب المنظومة الصحية، وبالتالي مراجعة وتعديل القانون المتعلق بمزاولة مهنة الطب بما يضمن مساهمة هذا القطاع الحيوي في تنزيل الأوراش التنموية والاجتماعية الكبرى التي أطلقها جلالة الملك، سواء تعلق الأمر بالنموذج التنموي الجديد أو الحماية الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية الإجبارية، وليس فقط الاكتفاء بهذه المبادرات الحكومية التجزيئية والانتقائية وتغيير وتتميم بعض مقتضيات هذا القانون.
تجب الإشارة كذلك إلى أن وزارة الصحة قد انفردت بإعداد مشروع القانون قبل المصادقة عليه وصدوره بالجريدة الرسمية متم يوليوز الفارط، وعملت على إحالته على البرلمان في ظرفية تتزامن مع انتهاء الولاية التشريعية الحالية، حيث تم تمريره بالسرعة القصوى، واليوم ها نحن على أبواب الاستحقاقات الانتخابية مما يطرح جملة من علامات الاستفهام، التي تظل بدون أجوبة.
p هذه الملاحظات تؤكد أن هذا القانون ستترتب عنه تبعات، فأين تكمن تجلياتها؟
n أولا، وبدون مزايدات، واستغلال البعض لضرورة التسريع بتنزيل المشاريع والأوراش الإصلاحية في قطاع الصحة عامة والمهن الطبية على وجه الخصوص، من أجل إقرار قوانين سيثير تطبيقها العديد من الإشكالات، لا بد من تجديد التأكيد على انخراط كل الأطباء والأطر الصحية في مختلف المجالات والتخصصات في المبادرات الملكية السامية، وقد عبرنا عن هذا الأمر في العديد من المناسبات.
بالنسبة لاعتماد هذا القانون بالصيغة التي تم تقديمه بها، فإننا نعتبر أن هذا الأخير يفتح الباب على مصراعيه للأطباء الأجانب دون قيود، وهذا ما يشكل خطرا على الصحة العامة للمواطنين، وضررا بالاقتصاد الوطني، لذا فإن الانفتاح على الأطباء الأجانب دون دراسة ملفاتهم دراسة دقيقة جدا لمعرفة مسارهم المهني ودول تكوينهم… ودون التأكد من صحة الشهادة وقيمتها العلمية والقانونية من طرف المجلس الجهوي للهيئة للمختص، ودون اشتراط خبرة مهنية لا تقل عن 10سنوات من الممارسة الفعلية لمهنة الطب بالخارج، يتعارض ويتناقض مع الغاية من هذا القانون، ومع التوجيهات الملكية السامية التي تؤكد على استقطاب الكفاءات وذوي الخبرات العالية التي يمكنها أن تكون قيمة مضافة.
وفي نفس الإطار، فعدم إخضاع الأطباء الأجانب للهيئة الوطنية للأطباء من شأنه أن يخلق فوضى في ممارسة مهنة الطب، بالإضافة إلى كون ذلك يتعارض مع المبادئ الدستورية التي تنص على المساواة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
أمر آخر لا يقل أهمية عما سبق، والذي يرتبط بتوصيات العديد من الهيئات والمؤسسات الدستورية وكذا التقارير الصادرة عن المنظمات الحكومية وغير الحكومية، والتي تعتبر أن غياب العدالة المجالية في البنيات التحتية الصحية والأطر الطبية والموارد البشرية عامة، هي أحد أسباب أعطاب المنظومة الصحية ببلادنا وأحد معيقات ولوج المواطنات والمواطنين للخدمات الصحية، وبالتالي فإن عدم التنصيص على المقاربة المجالية سيكرس إشكالية غياب العدالة والمساواة بين الجهات وبالتالي بين المواطنين، وهنا أتساءل عن القيمة المضافة لاستقطاب الأطباء من الخارج إذا كانوا سيشتغلون في المناطق التي لا تعاني من الخصاص في الأطر الطبية!!!
p ما هي المقترحات التي تقدمتم بها في هذا الصدد، والتي ترون بأنه لا يزال بالإمكان العمل بها لتفادي التنزيل غير السليم للقانون؟
n لقد اقترحنا كمهنيين للصحة مجموعة من التعديلات لتجاوز الإشكالات المطروحة، كما هو الحال بالنسبة لاقتراح اشتراط فتح العيادات والمصحات الطبية الخاصة التابعة للأطباء الأجانب بما يتناسب والخريطة الصحية الوطنية، إضافة إلى اشتراط القيد في جداول هيئة طبية أو مؤسسة أجنبية مماثلة لمدة لا تقل عن 10 سنوات، فضلا عن ضرورة إشراك المجالس الجهوية للهيئة المختصة واعتبارها الجهة المخول لها تسليم الإذن المنصوص عليه في المادة 31 أعلاه، وهذا الاقتراح يعتبر آنيا إلى اليوم ويمكنه من تفادي أية منزلقات في هذا الإطار، حفاظا على الصحة العامة للمواطنات والمواطنين.
ومن أجل تيسير عملية الانفتاح على الكفاءات الطبية اقترحنا إعفاء الأطباء المتخصصين الذين يزاولون أو سبق لهم أن زاولوا المهنة الطبية بالخارج، المقيدون في جداول هيئة أجنبية أو مؤسسة أجنبية مماثلة لمدة لا تقل عن 10 سنوات، من شرط الاعتراف بمعادلة الشهادة أو الدبلوم .
p هل يكمن حل المعضلة الصحية في استقدام أطباء أجانب للعمل في المغرب، أم أنه يجب معالجة إشكاليات أخرى بالتوازي لتجويد المنظومة الصحية؟
n مما لا شك فيه أن اللجوء إلى خيار استقدام أطباء أجانب للعمل في المغرب لن يحل إشكالية قلة الموارد البشرية الصحية عامة والأطباء على وجه الخصوص، ونتأسف للجوء وزارة الصحة للحلول والبدائل السهلة، والاستعانة بهذا الخيار في الوقت الذي كنا ننتظر إعمال مقاربة تشاركية شمولية، واتخاذ إجراءات تشريعية وتنظيمية ترمي إلى إرساء آليات تحفيزية في القطاع الصحي قصد الحد من ظاهرة هجرة الكفاءات الوطنية إلى الخارج التي اتسعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وكذا من أجل تحفيز وتشجيع الأطر الطبية على الاشتغال داخل أرض الوطن، والعمل في المناطق النائية والبعيدة عن المركز، خاصة تلك التي تعاني من الخصاص الكبير في الموارد البشرية الصحية.
وإلى جانب ما سبق، فإننا نعتقد أن مواجهة التحديات التي تعترض المنظومة الصحية في الجانب المتعلق بضعف وقلة الموارد البشرية لا يقتصر على خيار الانفتاح على الكفاءات الأجنبية فقط، بقدر ما يتطلب الأمر الرفع من المناصب المالية المخصصة للقطاع الصحي، والاستثمار في الرأس المال البشري الوطني، وتوسيع وتعميم إحداث جامعات وكليات الطب، والمستشفيات الجامعية، ومعاهد معتمدة للمهن شبه الطبية والبيوطبية، بجميع جهات المملكة، والاهتمام بالتعليم العالي في المجال الصحي، وفتح المجال أمام ولوج فئة أكبر من الطلبة المغاربة لكليات الطب بمختلف تخصصاتها، إلى جانب إجراءات عديدة أخرى لا يتسع المجال لذكرها.
p هناك مطالب بتطوير الشراكة بين القطاع العام والخاص، فإلى أي حد استطاعت الإجابة عن الاحتياجات الصحية لفئات من المواطنين، وما هي الصيغ التي يمكن اعتمادها في هذا الباب؟
n منذ سنوات ونحن نطالب بضرورة تفعيل وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، من أجل توسيع البنيات التحتية الصحية وسدّ الخصاص في المراكز والمؤسسات الاستشفائية بمختلف مناطق المملكة، إلا أن قطاع الصحة لايزال يعاني من ضعف هذه الشراكة بالرغم من إقرار القانون رقم 86.12 المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وبالرغم أيضا من التنصيص على هذا الأمر في القانون رقم 131.13، مما يحد من تطوير العرض الصحي ببلادنا بحيث لا تتم الاستفادة من الأطباء والأساتذة العاملين بالقطاع الخاص والذي تتجاوز نسبتهم 70%. وقد عبرنا في مناسبات عدة عن استعدادنا الانخراط بكل مسؤولية ووطنية من أجل الأوراش الإصلاحية الرامية لتأهيل وتطوير المنظومة الصحية ببلادنا.
p تم التأكيد على أن مهنيي الصحة ستسري عليهم مقتضيات خاصة بعيدا عن قانون الوظيفة العمومية باعتماد وظيفة صحية عمومية، ما هي أبرز ملامح هذا القانون، وهل تم اعتماد مقاربة تشاركية في إعداده، وما هي القيمة المضافة التي قد يشكلها ؟
n نحن نثمن هذه المبادرة التشريعية التي ترمي إلى إضافة مهنيي الصحة العاملين بالقطاع العام إلى الفئات التي لا تخضع لأحكام النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، وإعداد نظام أساسي خاص بهم (على غرار رجال القضاء والعسكريين وهيئة المتصرفين بوزارة الداخلية)، يحدد واجباتهم والتزاماتهم المهنية والحقوق التي سيستفيدون منها، بالنظر لخصوصية هذه الفئة التي تلعب دورا مهما وأساسيا في تنزيل ورش الحماية الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية الإجبارية، وفي تعزيز العرض الصحي وتحسينه. كما نعتبر أن مشروع هذا القانون من شأنه أن يساهم في تأهيل وتحسين ظروف مهنيي الصحة بالقطاع العام الذين انخرطوا بكل مسؤولية ووطنية، وكانوا في الصفوف الأمامية لمواجهة فيروس كورونا المستجد.