التبرع بالأعضاء وزرعها: مبادرة من مجرد عمل تضامني
إلى مشروع مجتمعي حيوي
بعد أن كانت مجرد عمل تضامني ومظهرا من مظاهر السخاء، أضحت صفة الإيثار في التبرع بالأعضاء مشروعا مجتمعيا حيويا يدعو جميع مكونات المجتمع المغربي إلى المساهمة في تشجيع والتحسيس أكثر بأهمية هذه العملية التي تشكل بالنسبة للعديد من المرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة، الفرصة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة.
ومنذ 1989 ، تم تسجيل 1100 شخص فقط في سجلات التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، بينهم أزيد من 700 بالدار البيضاء ، وذلك بمختلف المحاكم الابتدائية للمغرب، البلد الذي تسود فيه وبشكل كبير، ثقافة التضامن والسخاء.
وبحسب إحصائيات لوزارة الصحة، أعلنت عنها سنة 2019، فإن المراكز الاستشفائية المغربية قامت بإجراء 3927 عملية زرع أعضاء فقط، منها 90 عملية زرع من متبرعين متوفين دماغيا.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قالت الدكتورة حسناء سومان ، مسؤولة وحدة التنسيق والنهوض بزرع الأنسجة البشرية بالمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش، إن «هذه الأرقام ضئيلة بالمقارنة مع الطلب المتزايد» على هذه الأعضاء، مبرزة أن «حياة آلاف المرضى معرضة للخطر وأن عددا منهم يموتون وهم في قوائم الانتظار الخاصة بزرع الأعضاء».
وأشارت إلى أن المغرب أصدر في 25 غشت 1999 القانون رقم 16-98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية وأخذها وزرعها، وذلك لتأمين جميع حالات عملية التبرع والزرع ، وأيضا إلغاء كل دواعي انعدام الثقة .
ويتحدد هذا القانون في نوعين من التبرع ،الأول يتعلق بإخراج أعضاء من شخص حي ، والثاني إخراج أعضاء من شخص متوفى .
بالنسبة للتبرع في الحالة الأولى يكون إما للأصول، أو الفروع، أو الإخوة والأخوات أو للأخوال والخالات أو للأعمام والعمات، أو الأولاد، بالإضافة إلى الأزواج بعد مرور سنة من الزواج، أما الحالة الثانية فتشمل الأشخاص الذين عبروا عن الرغبة في التبرع بأعضائهم قيد حياتهم ، أو من لم يسبق أن عبر عن رفضه لأخذ أعضائه، فيعتبر موافقا موافقة ضمنية، عندها يمكن أخذ أعضائه إذا لم يعترض الزوج أو الأصول أو الفروع.
وأبرزت الدكتورة سومان، أن عملية الزرع تتطلب، بدون شك، أعباء مالية جد مكلفة، منها على سبيل المثال أن تكلفة عملية زرع غير معقدة تكلف 250 ألف درهم ، فضلا عن علاج جزافي بقيمة 10 آلاف درهم سنويا، مضيفة أن عدد الساعات المخصصة لتصفية الدم تصل في المتوسط الى 64 ساعة كل شهر ما يؤثر على جودة الحياة سواء لدى المريض أومحيطه.
وشددت سومان على أن «هذه الوضعية الراهنة تسائلنا جميعا مما يستوجب وفي أقرب وقت ممكن، فتح حوار وطني تلتئم خلاله كل مكونات المجتمع من سياسيين وخبراء وأطباء وفقهاء في القانون، وإعلاميين، وممثلي المجتمع المدني، وذلك بهدف التفكير في استراتيجية وطنية لمواجهة هذا الخصاص المسجل في مجال التبرع بالأعضاء «، داعية إلى وضع «مخطط للزرع» على المستوى الوطني من أجل إعطاء دفعة جديدة لهذا العمل الطبي الحيوي.
وأبرزت أن تخليد اليوم العالمي للتبرع بالأعضاء وزرعها يشكل، فرصة متاحة لمزيد من التوعية بأهمية هذا العمل التضامني الذي يمكن أن يساهم في إنقاذ أرواح عديدة، وأيضا للفت الأنظار إلى التأخر الكبير الذي تشهده المملكة في هذا الميدان .
وعلى المستوى التنظيمي، ذكرت سومان بأن وزارة الصحة أطلقت عدة مبادرات منها بالخصوص، إحداث بنك للأعضاء والأنسجة البشرية بكل من مراكش والرباط ، وكذا تفعيل عدة مؤسسات ، لا سيما المجلس الاستشاري لزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية، ولجان التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية ، ووحدات التنسيق المكلفة بأخذ عينات من الأعضاء والأنسجة بمقر الشبكة الاستشفائية .
وأكدت ، في هذا السياق، أن المجلس الاستشاري لزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية يواصل العمل على تطوير القانون المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية واستئصالها وزرعها، وذلك من خلال صياغة مقترحات جديدة تروم الحد من بعض المشاكل الطبية التي تبرز في هذا المجال.
الأستاذ الباحث امحمد برادة غزيول
تحتفل بلادنا على غرار جل دول المعمور باليوم العالمي للتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية، والذي يصادف يم 17 أكتوبر، حيث صدر القانون رقم 16-98 بتاريخ 25 غشت 1999 وبذلك تكون قد مرت على صدور هذا القانون أزيد من 20 سنة.
وتعتبر عملية نقل وزرع الأعضاء والأنسجة البشرية من بين الموضوعات الساخنة، التي تفرض نفسها على الواقع الطبي، والتي أثارت ولا زالت تثير الكثير من الجدل على المستوى، الديني والأخلاقي والاجتماعي، والطبي وعلى مستوى حقوق الإنسان، مما انعكس سلبا على هذه العملية، تمثل في العزوف الكبير عن التبرع بما ذكر من طرف المواطنين إبان حياتهم، أو بعد وفاتهم ، مقارنة مع ما هو معمول به في الكثير من الدول، ولا تلبي احتياجات الكثير من المرضى، الذين يحتاجون إليها.
هناك إذن عزوف المغاربة عن التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية إبان حياتهم أو بعد وفاتهم. فما هو السبب في ذلك:
هل الأمر يتعلق بمفاهيم واعتقادات دينية أو أخلاقية؟
أم لغياب ثقافة التبرع بالأعضاء التي لا تزال محدودة في أوساط ضيقة جدا ببلادنا؟
أو نتيجة تخوف من ردود فعل العملية؟ أم للتعقيدات والإجراءات الصارمة التي ينص عليها القانون المغربي والاتفاقيات الدولية في الموضوع.؟ أم أن الموضوع يدخل ضمن الطابوهات المحرمة.؟
خصوصا وأننا نعلم إن القرنيتان فى العينين يمكن أن تعيد البصر لشخصين، والقلب ينقذ حياة إنسان، والرئتان تنقذان حياة شخصين، والكليتان تبعدان شخصين عن المعاناة الدائمة من عملية غسيل الكلي والفشل الكلوي وخطر الموت، والكبد يمكن أن يقسم إلى قسمين ينقذان حياة شخصين، والبنكرياس يمكن من خلاله علاج مرض السكري، والجلد يمكن أن يعالج به المصابون بتشوهات إثر التعرض لحريق، سيما أن معدل نجاح عمليات زرع الأعضاء يصل اليوم إلى قرابة تسعين في المائة.
وقبل الدخول في صلب الموضوع نود ان نعرق السادة القراء على بعض المصطلحات المتعلقة بعملية التبرع بالأعضاء والأنسجة وبالعضو البشري ونوع العمليات التي أجريت خلال المد التاريخي، ونوع الأعضاء والأنسجة البشرية المتبرع بها؟. ومن هم الفاعلون في هذه العملية؟ وما هو رأي الشرائع السماوية من عملية التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية؟ ما هو موقف المجتمع الدولي من هذه العملية واهتمامه بها،؟
وما موقف القانون المغربي منها؟
للجواب على ذلك نشير إلى أن:
المقصود بعملية نقل وزرع الأعضاء البشرية حسب الباحثين والمتخصصين:
هي عملية تعويض العضو المقطوع بعضو سليم، وهناك من اعتبرها إمكانية معالجة وشفاء المرضى الذين أصيبوا بمرض قاتل نتيجة تعطل العضو عن العمل باستبداله بعضو سليم.
وعرفته الجمعية العالمية لزراعة الأعضاء بان هذه العملية يتم من خلالها استبدال عضو مريض بعضو سليم مأخوذ من شخص حي أو ميت.
ومعلوم أن الشخص الذي يتم النقل منه يسمى المتبرع ، والعضو المنزوع يسمى الغربيسة .
وعن كرونولوجية عمليات زراعة الأعضاء الناجحة والجهة التي قامت بها حسب التسلسل التاريخي:
نشير إلى أن هذه العمليات بدأت سنة 1905 أول عملية زراعة قرنية ناجحة أجراها إدوارد زيرم
1954 أول عملية زراعة كلية ناجحة والتي قام بها جوزيف موراي بوسطن، الولايات المتحدة الأمريكية.
1966أول عملية زراعة بنكرياس ناجحة قام بها كل من ريتشارد ليلهاي ووليام كيلي مينيسوتا، الولايات المتحدة الأمريكية.
1967 أول عملية زراعة كبد ناجحة أجراها توماس ستارزل (دينفر، الولايات المتحدة الأمريكية)
1967أول عملية زراعة قلب ناجحة أجراها كريستيان برنارد كيب تاون، جنوب أفريقيا)
1981 أول عملية زراعة قلب/رئة ناجحة قام بها بروس ريتز ستانفورد، الولايات المتحدة الأمريكية
1983أول عملية ناجحة لزراعة أحد فصي الرئة قام بها جويل كوبر (تورنتو، كندا.
1986 أول عملية ناجحة لزراعة رئتين للمريضة (آن هاريسون) أجراها جويل كوبر تورنتو، كندا
1995أول عملية استئصال كلية ناجحة بالمنظار من أحد المتبرعين الأحياء والتي أجراها كل من لويد راتنر ولويس كافوسي (بالتيمور، الولايات المتحدة الأمريكية)
1998 أول عملية زراعة بنكرياس جزئية ناجحة من أحد المتبرعين الأحياء أجراها ديفيد ساذرلاند مينيسوتا، الولايات المتحدة الأمريكية
1998 أول عملية زراعة يد ناجحة فرنسا
1999أول عملية زراعة مثانة ذات أنسجة معدَّلة وراثيًا ناجحة أجراها أنتوني عطا الله (مستشفى الأطفال في بوسطن، الولايات المتحدة الأمريكية
2005 أول عملية زراعة وجه جزئية ناجحة فرنسا.
2006 أول عملية زراعة فك لتركيب فك المتبرع في جسد المريض باستخدام النخاع العظمي للمريض، وأجراها إريك إم. جيندين (مستشفى ماونت سيناي في نيويورك.
200أول عملية زراعة ذراعين كاملين ناجحة أجراها كل من إدجار بيمار وكريستوف هانكه ومانفريد ستانجل (الجامعة التقنية في ميونيخ، ألمانيا
2008: أول طفل يولد من مبيض مزروع
باستخدام الخلايا الجذعية للمريض أجراها باولو ماتشياريني (برشلونة، أسبانيا
2010أول عملية زراعة وجه بالكامل، أجراها دكتور جوان بيري باريت وفريقه (مستشفى جامعة فال ديبرون في يوم 26 يوليو 2010 في برشلونة، أسبانيا.
وقد منحت المنظمة الوطنية الإسبانية لزراعة الأعضاء تصريحًا لمستشفى La Fe في فالينسيا لإجراء أول عملية من نوعها في العالم لزراعة ساقين كاملين.
وعن الاطراف المعنية في عملية الزرع والاقتطاع للأعضاء والأنسجة البشرية:
فإن عملية زرع الأعضاء البشرية تتطلب مشاركة مجموعة من الأشخاص ويتعلق الأمر ب:
– الجراح او الفريق الطبي المختص وللإشارة فان كل القوانين الدولية والوطنية تشترط في هذه العملية أن يكون الفريق الطبي الذي قام باقتطاع العضو البشري لا يحق له ان يقوم هو نفسه بعملية زرع العضو المقتطع وذلك زيادة على ضمانة سلامة العملية من أي تلاعب في هذا الشأن .
_ وبالإضافة إلى الطاقم الطبي الذي يقوم باقتطاع ما ذكر ، والطاقم الطبي الثاني الذي يقوم بزرع العضو البشري هناك أيضا المتلقي LE receveur أو المستقبل أو المتبرع عليه وهو المريض
_ المانح donneur ويسمى أيضا الواهب أو المتبرع.
_وتسمى عملية الزر عgreffe .
_ وعملية النقل transplantation
وعن الأعضاء والانسجة البشرية التي يمكن التبرع بها من الأحياء أو من الاموات فهي:
القلب والكلى والكبد والرئتين والبنكرياس والأمعاء والغدة الزعترية.
وتشمل الأنسجة كلاً من العظام والأوتار (وكلاهما يُشار إليه بعمليات ترقيع العضلات والعظام) والقرنية والجلد وصمامات القلب والأوردة.
بالقلب/الرئة يتم من متبرع متوفى وبطريقة الشراكة القلبية)ومعلوم أن التبرع
الكلية من متبرع حي ومن متبرع متوفى
الكبد من متبرع حي ومن متبرع متوفى
البنكرياس من متبرع متوفى فقط
الأمعاء من متبرع حي ومن متبرع متوفى
المعدة من متبرع متوفى فقط
وفيما يخص التبرع بالأنسجة والخلايا
اليد من متبرع متوفى فقط
القرنية من متبرع متوفى فقط
نخاع العظم/الخلايا الجذعية للبالغين من متبرع حي وبأسلوب الطعم الذاتي
نقل الدم/نقل مشتقات الدم من متبرع حي وبأسلوب الطعم الذاتي
الأوعية الدموية (بأسلوب الطعم الذاتي ومن متبرع متوفى)
صمام القلب من متبرع متوفى ومن متبرع حي، وباستخدام طعم أجنبي من خنزير/من بقرة
العظام من متبرع حي ومن متبرع متوفى
وتعتبر زراعة الكلى هي أكثر عمليات زراعة الأعضاء شيوعًا على مستوى العالم، بينما تفوقها عمليات زراعة العضلات والعظام عددًا بأكثر من عشرة أضعاف.
وقد يكون المتبرعون بالأعضاء أحياء أو متوفين دماغيًا.
ويمكن الحصول على أنسجة المتبرعين المتوفين بأزمات قلبية وذلك في غضون 24 ساعة من توقف ضربات القلب. على عكس الأعضاء، يمكن حفظ معظم الأنسجة (باستثناء القرنية) وتخزينها لفترة تصل إلى 5 سنوات، وهذا يعني أنها يمكن أن تُخزن في «بنوك».
ومن أجل معرفة موقف الديانات السماوية من هذه العمليات
ووفقا للتسلسل التاريخي لها، سنتناول موقف كل من الحاخامات اليهود والبابا عن الكنيسة النصرانية، وموقف المذاهب الفقهية في الشريعة الإسلامية.
1 – فبالنسبة لموقف الخاخامات من الديانة اليهودية عن زراعة الأعضاء البشرية:
فإن رجال الدين اليهود ، ينظرون إلى مسألة التبرع بالأعضاء البشرية باعتبارها تثير إشكالية احترام الميت، و عدم التنكيل بجسد الميت أو أهانته ، كما تمنع استخدام الأعضاء للمتعة ، وتدعو لدفن الميت بعد وفاته بوقت قصير، وهو ما فسره رجال الدين اليهود بضرورة دفن الميت وكل أعضائه في نفس الوقت.
لكن معظم الحاخامات، أجازوا لاحقا نقل أعضاء من شخص ميت لأخر حي، بهدف إنقاذ حياته.
أما العضو الأكثر إشكالية فهو القلب الذي لا يمكن الاستفادة منه إلا إذا كان ينبض لذا فقد قرر رجال الدين عام 1986 جواز اعتبار الشخص متوفى إن اظهر فحص النخاع ألشوكي انه يعمل بمعنى إن الشخص حي بسبب التنفس الاصطناعي وليس بقواه الذاتية.
2 – أما موقف البابا من الكنيسة بشأن التبرع بالأعضاء البشرية
فإن تعاليم الكنيسة لا تجد أي تشويه للجسد أو خدش لكرامته، بل تعتبره عملاً إنسانيا ومسيحياً، حيث يدعو السيد المسيح إلى المحبة والتضحية وبذل الذات من أجل القريب والغريب، وعملية التبرع بالأعضاء هي تجسيد لتعاليمه.
وترى الكنيسة أن التبرع بالأعضاء من إنسان لآخر هو عمل إنساني بديع، وتعبير بليغ عن المحبة الإنجيلية التي أمر بها السيد المسيح وجعلها في الإنجيل، العلامة والدليل على إتباعه ومحبّيه والكنيسة، ومن صميم الدين والإنجيل، كما تعتبر كرامة الإنسان مقدسة وقيمتها لا تقدَّر بثمن ومحبة الحياة هي هبة من عند لله . والتبرع بالأعضاء ما بعد موت المتبرع، يجعل العطاء حباً جبّاراً يتحدى قيود الموت، ويجعل الموت مصدر حياة وسعادة وهناء.
المدير العام لمكتب الدراسات والاستشارة القانونية
«ديوان RB2» بفاس