التربية على القاعات السينمائية ممكن؟

 

من الصعب اليوم أن نفكر في أي خطوة هادفة وراغبة في تطوير قدرات المتعلم ومحيطه التعليمي والتعلمي والتربوي والثقافي والإنساني ككل، خارج شرط دمج الفن/الجمال في منظوماتنا التربوية المغربية والعربية والإفريقية وغيرها من المنظومات التربوية التي تجتهد من أجل أن تلتحق بتلك التي حققت تقدما ملموسا، وكان لثقافة الفن ذلك الدور الحاسم في تطويرها وجعلها تتبوأ اليوم هذه الرتب المشجعة والمتقدمة.
السينما مكون خصب من الممكن الرهان عليه من أجل تحقيق العديد مما يسعى إليه كل من له صلة بسؤال التربية والتعليم محليا أو جهويا أو وطنيا أو حتى عالميا، لاسيما في الدول التي لا زالت لم تنفتح على ثقافة الصورة كوسيلة ديداكتيكية لها قيمتها ووزنها في تقوية التعلمات. كيفما كانت مهمتنا التربوية، فالكل، في اعتقادي، مطالب اليوم بتسهيل وتبسيط كل ما له صلة بالفن لكي يتشبع به المتعلم، ليس فقط كأنشطة موازية ومناسباتية، ولكن كبناء تعلمي داخل الفصل.
بناء التعلمات وكيفما كان نوعها وفي أي مستوى دراسي، من الممكن أن تلعب فيه الصورة الثابتة أو المتحركة دورا بارزا في ترسيخه وجعله بين يدي المتعلم وبشكل أجمل وأفضل، بل بشكل يساهم في تحقيق “متعة” التعلم، كمتعة علينا التفكير في كيفية تحقيقها وإكسابها للمتعلم.
هل نتعلم فقط من أجل الحصول على “قطعة” خبز؟. لو كان هذا هو المستهدف الأول والأخير، فالتجارة، مثلا، ومنذ الصغر، وعوض ولوج المدرسة كان من الممكن التوجه الجماعي إليها للبحث عن “خبزة” كاملة وليس فقط “قطعة” خبز، بل حتى الذين توجهوا إليها ومنذ الصغر دون نيل حقهم الطبيعي من الدراسة، فصحيح قد راكموا أموالا كثيرة، لكن “حرقة” الدراسة اكتوا بها ودليلي في ذلك رغبتهم في العودة إلى الدراسة عبر بوابة اجتياز امتحانات البكالوريا بشكل حر، وهي الخدمة التي توفرها لهم الأكاديميات الجهوية وعلى امتداد هذا الوطن. لنحلل صورة كبار السن وهم يجتازون هذه الامتحانات كيف يتلذذون النجاح ويعبرون عنه بنوع من “اللهف” بل فيهم من أكد أنه كان أعمى واليوم هو في تعداد من تبصر وأبصر ما حوله واكتشف قيمة ولذة التعلم وهي اللذة التي لم تولدها له أمواله في حسابه البنكي. صحيح ثنائية التعلم والشغل هي مهمة، لكن، وفي نظري من الممكن القول إننا نتعلم لكي نستمتع بالتفكير في ذواتنا والآخرين وفي هذا العالم ككل. نتعلم لكي نتمكن من معرفة الحياة و/أو العيش. نتعلم لكي نتلذذ الزمكان وقيم الإنسان. نتعلم لكي ندرك جدوانا من هذه الحياة في أفق المساهمة في بنائها وفق قيم وطنية ودينية معتدلة ووفق قيم إنسانية كونية. نتعلم أيضا لكي نتلذذ ما نتعلمه من معارف ومهارات وقيم. نتعلم لكي لا نبقى خارج دائرة ملاحظة وفهم وتحليل وتركيب وتأويل وإنتاج العديد من الدلالات من خلال ما نتعلم وللتفكير فيها وبها ولها.
مهام عديدة على المدرسة اليوم التفكير فيها، والسينما مفيدة لتحقيق كل هذا إن تمكنا من إدماجها في منظومتنا التربوية مع العلم أن العديد من الوثائق التربوية الرسمية المشكلة لمرجعية التعليم والتعلم ببلادنا تحفز على هذا. يكفي قراءة الوثيقة/ القانون الإطار 51.17 لمعرفة كيف من الممكن التفكير في صيغ عديدة تصب في نفس محتوى هذا المقال الهادف إلى ربط المتعلم بقاعات السينما. كيف؟.
المهرجانات السينمائية اليوم تمتد على طول هذا الوطن من طنجة إلى أقصى نقطة في هذا الوطن وهي مدينة لكويرة. ناهيك عن إمكانيات عديدة متوفرة لجعل الأكاديميات تفكر في محطات سينمائية قارة ولو مرة واحدة في السنة، حيث من الممكن أن تكون فرصة لتقديم خدمات عديدة للمدرس في تكوينه وتنشيطه وتقريبه من السينما وعوالمها المفيدة له في تخطيط وتدبير وتقويم تعلماته.
تربية المتعلم على القاعات السينمائية هدف وبلغة أهل السياسة، هدف استراتيجي ولابد منه. لكن للوصول إليه علينا التفكير في كيفية استنباته داخل القاعة ومن أجل توظيفه في بناء التعلمات؟. المرور عبر المدرس وكل المكونات الإدارية الأخرى طريق لابد منه. فكيف لمدرس لم يسبق له أن شاهد فيلما في قاعة سينمائية ولم يكتو بعشقها ويقتنع بقيمتها التربوية والثقافية ولم يحزم أمتعته بحثا عن متابعة أفلام مهرجان سينمائي ما في مدينة ما، الخ، أن يساهم في ترسيخ هذا العشق؟. بالطبع فمن اكتوى بها فهو اليوم ذخيرة بصرية لمدرسته أو مديريته الإقليمية أو لجهته أو لوطنه ككل.
السينما اليوم هي وسيلة قوية لتحقيق القيم المنشودة في كل الوثائق التربوية التي تؤطر عمل المدرس. إنها وسيلة فعالة في جعل المتعلم يعتز بقيمه الوطنية والدينية المعتدلة دون الانجرار وراء الأفكار الهدامة مع ربطه دوما بما هو إنساني وعالمي. الفرجة الجماعية داخل قاعة سينمائية تجعلنا نتربى على الحس الجماعي وتقاسم لحظات تفكير في المادة الفيلمية لاسيما ومخرج الفيلم حاضر بيننا للمناقشة بعد المشاهدة. مشهد لن تحققه أعقد التكنولوجيات اليوم، لاسيما والسينما فرجة جميلة في قاعة جميلة وبحضور جميل لمخرج الفيلم لنبصره ونلمسه عن قرب.
ستقدم منظومتنا التربوية بالمغرب العديد من الخدمات لإشكاليات عالقة ومنذ عدة سنين وتتعلق بالقاعات السينمائية التي هي اليوم محط اهتمام الجميع لما لها من وظائف اقتصادية وثقافية واجتماعية ونفسية ومهنية وتقنية عديدة. القاعات السينمائية اليوم عددها يتآكل سنة تلو الأخرى. حلها في التربية عليها. والتربية عليها أي على القاعات السينمائية ومن خلالها التربية على المسرح والثقافة ككل، يمر عبر بوابة القسم التي يلج منها المدرس والمتعلم، ومن يقدم لهما العديد من الخدمات (مثل المفتش والمدير، الخ).
توظيف الصورة الثابتة (فوتوغرافيا، تشكيل، رسومات يدوية، كاريكاتور، الخ)، أو متحركة (لقطات من أفلام روائية أو وثائقية، الخ)، طريق لابد منه لتحقيق العديد من انتظارات المجتمع المغربي الذي ومنذ بداية التعليم بالطريقة الحديثة بل وحتى من خلال مراحل “الجامع”، فهو محب ل “لقرايه” والدليل هو ما تقوم به الأسرة المغربية ومنذ زمان، من أجل تمدرس أبنائها.


الكاتب : د.الحبيب ناصري

  

بتاريخ : 08/04/2021