التربية على القيم بالمخيمات: رهان أساسي وليست ترفا…

لا خيار لنا سوى العمل على ترسيخ القيم التي تصنع الأمل، وتؤسس لمجتمع منفتح على التعدد والتسامح والتعايش… مجتمع له مناعة سوسيولوجية وثقافية وتربوية وسيكولوجية ضد خطاب الكراهية الذي تتردد صيغه، من خطاب سياسي إلى ممارسات مدنية غير واعية بالأثر النفسي لنشر اليأس والتشكيك والتمييز.
هذا هو الرهان الحقيقي لمغرب الحضارات والثقافات، رهان ينشد الأمل، ليكون فعلا ملتقى جغرافي وحضري للشعوب والثقافات.
من هنا، نرى أن المخيمات الصيفية، لم تعد فضاء موسميا لحياة تخييمية عابرة في الزمان والمكان دون وعي المدبر التربوي والمنشط وكل القائمين على منظومة التخييم بوظيفة المخيم في تصريف القيم التي تؤسس لمجتمع منفتح متسامح معتدل، يؤمن بالتعددية والاختلاف وتلفظ مناعته التربوية كل عناصر التمييز على أساس اللون والعقيدة والنوع والجنس والإعاقة والجذور.
الوعي بمركزية التربية على القيم، لدى المؤسسات الوصية، والمدبرين والمدبرات لقطاع التخييم، سيشكل قفزة نوعية في التنشئة والتربية وفق رؤية ينخرط بها المغرب بسلاسة في ثقافة كونية قيمية دون الإجهاز على أصالته وخصوصيته الحضارية.
التربية على القيم، ليست ترفا، ولا مقاربة بديلة ولا إسقاطية، بل هي مشروع مجتمعي تربوي، تنهض به جميع المؤسسات المجتمعية والشبابية والطفولية، من هنا يأتي دور المخيمات كآلية لتصريف القيم والتربية على المواطنة والتعايش والتسامح والبناء السليم لشباب مسؤول متألق منفتح مبادر، ذي حس حضاري غير منغلق، محصن ضد كل خطاب متطرف، وضد كل سلوك تمييزي قهري.
المخيمات هذه السنة أمام تحدي حقيقي، لمحك منهجي وفكري للقطاع الوصي وللنسيج المدني التربوي، محك… يقيس مدى وعي جميع الأطراف برهان التربية على القيم، وتنزيل هذا الوعي عمليا في كل المناشط والورشات وتدبير حياة المخيم، وفق مدخلات واضحة ومخرجات تجعلنا أمام واقع الأمل باللعب والترفيه.
لا يمكن للجهات الوصية على المخيمات ألا تدمج التربية على القيم التكوين والتدبير، لأنها هي المدخل الأساس لمجتمع قوي متماسك، منتج مبتكر بسواعد
وعقول شباب مسؤول متألق…
التربية على المسؤولية تبدأ من المخيم، وزراعة بذرة التألق، تبدأ من تحصين الطفل والشباب عامة ضد زحف خطاب التيئيس والتشكيك وزعزعة الثقة وترسيخ مبدئي الواجب والحق.
هذا ما نأمله قريبا، دمج التربية على القيم في التكوين، وتخصيص تكوين خاص بها ضمن مسار تكويني واضح المؤشرات، وفي السياق ذاته، إلزام الفاعل المدني بتضمين مشروع العمل التخييمي على الأقل إسقاطا عموديا للقيم، وإعطاء الدليل بالوعي المعرفي والمنهجي بهذا التضمين في دينامية جماعات التخييم أو التكوين أو الجامعات الشبابية أو كل المناشط التي تؤسس للعب والترفية والمتعة بوعي قيمي بنائي تعزيزي أو تعديلي للقيم.
نؤكد التربية على القيم بالمخيمات ليس ترفا ولا هامشا تربويا، بل رهان تربوي حقيقي، لتمنيع المجتمع ضد التطرف وخطاب الكراهية، ولبناء الثقة.
رسالة للجهات الوصية على التخييم، لا نشك أن القطاع يعرف طفرة كبرى، لكن ننتظر أن تدمج مقاربة التخييم بالقيم ضمن الإستراتيجية الشاملة لقطاع الشباب، ويتم تنزيلها تكوينا وتدبيرا للمخيمات…
فلا خيار لنا… سوى أن نلعب دورنا في خلق نخب مواطنة منفتحة ممنعة ضد التطرف وخطاب الكراهية، وكل أشكال التمييز…
ومن التكوين فلنبدأ…
وعند المخيمات فلنؤسس لوعي تربوي منهجي بممارسة تتأسس على صناعة الأمل والثقة بالتربية على القيم


الكاتب : محمد قمار

  

بتاريخ : 29/05/2024