يعد يوسف حداد أحد الفنانين المغاربة المنتمين إلى الحساسية الجديدة في التشكيل المغربي؛ فما راكمه هذا المبدع من منجز فني لا يدين فيه إلا لأصالته الخاصة، وتمسكه بفضيلة الاختلاف، ما مكن له مكانة مريحة وسط التشكيلين المغاربة، فبعد مسار أكاديمي حافل وسلسلة من المعارض الفنية التي لاقت استحسان عدد من النقاد، لايزال هذا الفنان يغير أساليبه كل مرة، ويعدل من أبجدياته اللونية في صمت بليغ.
في هذا الحوار، نقترب أكثر من عوالم هذا الفنان، ونحاور قضايا تظل لازمة في مشروعه.
– متى كانت بداياتك الأولى مع التشكيل؟ كيف يمكن أن تتحدث لنا عن علاقتك بهذا الفن؟
– كانت بدايتي وعلاقتي بالتشكيل منذ الطفولة، كنت أرسم وأستخدم الألوان التي كان لقائي الأول بها حارا ومفاجئا، ومثل كل الأطفال يتعاملون بشغف مع الألوان، ويبدؤون بالخربشات، وأنا طفل كنت أرسم أبواب منزلنا الصغير وكل شيء، السيارات، المنازل الأشخاص بطريقة طفولية طبعا، وكنت أحاول أن أقلد بعض الأحيان طريقة رسم أخي الكبير الذي يرسم كثيرا و بمهارة، في (المسيد ) كنّا أطفال الحي نكتب الآيات القرآنية على الألواح الخشبية بالصمغ ، و أحيانا بدون قصد كنت أرسم شخصيات الأشرطة المرسومة بالصمغ على اللوحة الخشبية، و مرارا عوقبت من طرف المعلم (الفقيه)…
– تشتغل كثيرا عن علاقة التشكيل بالموسيقى، والبحث عن قوالب فنية تختلط فيها الألوان والأشكال بالأصوات والنغم والمقامات، كيف يمكن أن تحدثنا عن هذه العلاقة المبتكرة التي تعمل عليها؟
– علاقتي بالموسيقى منذ الصغر بدأت بالعزف على القيثار في سن المراهقة والشباب، واستعطت أن أعزف عدة قطع موسيقية غربية و شرقية ومغربية، وأسست عدة فرق موسيقية أهمها كانت فرقة صوريف Sorif ، والبوم أوارن Awaren بالأمازيغية، و كذلك الفرقة العالمية ريف كناوة Rif gnawa التي تدمج التراث المغربي في قالب عالمي ومدمج بموسيقى البلوز والجاز، الموسيقى كانت عالمي وكذلك التشكيل، لهذا عملت على دمجهم لإخراج موسيقالية اللون، وبعث روح الألحان في اللوحة، لهذا أوظف خطوطا سائبة وأخرى مرتجة، لأعطي ذلك الإحساس بالبهجة والروح الفنية العالية، إن الموسيقى التي نجدها في الشعر هي نفسها التي يمكن أن نقبض عليها في اللوحة، هذا ما يشغلني ويجعلني أتردد كثيرا أمام أية ضربة فرشاة جديدة، لأنه يكون علي أن أحافظ على هارمونية اللون ووحدة اللحن. بالطبع سيكون التأثير الموسيقي على الأعمال التشكيلية واردا ، من خلال الألوان والأشكال والخطوط وكيفية الاشتغال فوق السند، فبدأت برسم الآلات الموسيقية هذه كانت بدايتي، وعرضت مجموعة من هذه الأعمال في معارض فردية وجماعية، لكن بعد التفكير والتجربة وجدت أن للموسيقى روحا ولغة أخرى، وأن رسم الآلات الموسيقية مجرد مواضيع عادية.
وبالتالي فكرت في دمج روح الموسيقى وعلاقتها بالتشكيل، حيث إن للوحة عناصرها المشتركة مع القطعة الموسيقية، وهي الإيقاع ،الصمت ،التناسق، فبدأت العمل على التعبير والتكلم بلغة الموسيقى و التشكيل محاولة الاستماع للنغمات الموسيقية من خلال التأمل في اللوحة،
– يوسف الحداد فنان صامت يتكلم قليلا، ولا يتحدث كثيرا عن أعماله لكنه يضج بالكلام داخل لوحاته ،سؤالي هنا يرى مجموعة من النقاد أن عيب الفنان المغربي أنه لا يجيد التحدث عن أعماله، هل ترى أن الرسم كافٍ وحده للتعبير عن ذات الفنان؟
– بالنسبة إلى تحدث الفنان عن أعماله ، في رأيي أن الفنان ليس له بالضرورة أن يتحدث عن أعماله؛ فلغته هي الألوان والأشكال باختصار لغته هي التشكيل؛ فعندما يستعمل اللغة الكلامية والأدبية لا ينجح في التعبير عن روح و قوة العمل الفني ، فهذا من اختصاص النقد الفني.
– تعمل على تطوير فن البورتريه القديم وتشتغل على بورتريهك الخاص الذي يسائل شكل الإنسان. الديمومة. لغة الجسد، الوجه الإنساني تحديدا، ماذا تقول لنا عن هذه التجربة؟
– انتقالي للاشتغال على فن البورتريه و البحث في التعابير الجديدة ،والغوص داخل الأحاسيس الإنسانية هو نتيجة حياتي اليومية واحتكاكي بهذا الإنسان الجميل تارة و الماكر تارة أخرى، و الضعيف والقوي، إنها الحياة وصيرورتها.
– كيف ترى واقع الساحة التشكيلية المغربية اليوم؟
– التشكيل المغربي في نظري يعيش حالة ازدهار من الناحية الكمية، ولكن من الناحية الكيفية؛ أي الجودة والمهارة والإبداع مازال يتعثر ولكني متفائل كثيرا، عندما أنظر للشباب وانشغاله بهذا التعبير ، للأسف من ناحية التسويق الفني هناك أزمة كبيرة وغموض ، وسيطرة الثقافة الفرنسية على هذا الميدان، فما هو قريب من الناحية التقنية أو الإنجاز لهذه الثقافة يتم احتضانه ، هناك فنانون يعتقدون من خلال التشبه بالفن الفرنسي (المعاصر) سيركبون قطار الشهرة مع العلم أن الفن لغة عالمية، فلينظروا إلى التشكيل الإسباني والأمريكي على سبيل المثال، الفن لغة عالمية والتقليد هو نفي له.
– ماذا عن دور النقد؟ هل تجد أنه يلعب دورا إيجابيا في تحريك الساحة الفنية؟
– ليس هناك نقد فني بالمغرب، هناك كتابات انطباعية وصحفية ،إلا بعض المحاولات القليلة، وأتمنى أن يزدهر النقد الفني؛ لأنه هو الذي يعرفنا بالأعمال الفنية ويعطيها إشعاعا وطنيا ودوليا ، وبدونه لا يمكن للفن أن يتطور في بلادنا.