التصوف المغربي ودوره في أسلمة دول افريقيا جنوب الصحراء -6-

باي الجزائر يسجن الشيخ وينفيه إلى تلمسان

 

لعبت اللغة العربية دورا كبيرا في أسلمة جزء كبير من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتجلى ذلك في كون هذه البقاع انتشرت بها الكثير من الطرق الصوفية المبنية على الاعتدال الذي هو عماد المذهب المالكي المنتشر على نطاق أوسع في دول المغارب، والملاحظ أن اتصال العرب بإفريقيا جنوب الصحراء حدث منذ أقدم العهود، فاليمن القديمة وصل نفوذها السياسي إلى القرن الإفريقي والحبشة، كما كانت علاقة غرب إفريقيا بشمالها قديمة، ونظرا لأن إفريقيا تأسست بها دول و ممالك ذات جذور عربية إسلامية، فقد كان لذلك دور كبير في تطور اللغات الإفريقية كلغات هجينة عربية، وقد لعب في هذا أيضا دور التصاهر بين العرب و الأفارقة، أضف إلى ذلك الدور الحاسم للعلاقات التّجارية التي كانت وسيطا بين الدول العربية ونظيرتها الوثنية.
يعتبر ميلاد الإسلام، وتطوّر الحضارة المرتبطة به نقطة تحول حاسمة أعادت إلى الحساب ماضي التّأثير العربي لغة وثقافة؛ ليصل العمق الإفريقي وأقاصي الغرب منه.وعلى هذا الأساس فاللّغة العربية لم تكن مجهولة عند الأفارقة، وإن كان معظمهم لا يتقنونها، ولكنّها كانت فقط مجرد لغة للتّفاهم مثل اللغات الأخرى. غير أن ظهور الاسلام باللسان العربي انتقل بهذه اللغة من مجرد لغة للحديث إلى لغة مقدسة. ونتيجة لذلك ، تأثرت العديد من اللغات العالمية باللغة العربية ، وكان من بينها اللغات الإفريقية بصفة عامة. ويعتبر التصوف العنصر الأساسي الذي أشاع الثقافة العربية في هذه البقاع وبخاصة التصوف التجاني السني الذي وجد إقبالا لم يعهد له نظيرا مقارنة مع الطرق الصوفية الأخرى. تحاول هذه الدراسة البحثية الاجابة عن سؤال محوري؛ كيف ساهم التصوف التجاني في أسلمة إفريقيا جنوب الصحراء؟ وكيف ساهم في نشر اللغة العربية على نطاق واسع خاصة وأنه اعتمد في متونه على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية؟

 

بعد تأسسيه للزاوية الأم بعين ماض وحسب الروايات الفرنسية فإن الشيخ زار العديد من البقاع وعلى رأسها السودان الغربي وشرع في تأسيس فروع للزاوية وتعيين مقدمين عليها غير أن حجهم في ذلك قليلة ولاتسعفنا للحسم في هذه النقطة سيما وأن الراجح كون الطريقة نُشرت ببلاد السودان الغربي على يد مريديه في الطريقة وليس هو. إننا أمام ثلاثة تيارات؛ الأول يقول بان الشيخ المؤسس أعطى أهمية كبيرة للطريقة بمسقط رأسه قبل أن ينتقل إلى فاس، وتيار آخر، وهو الغالب، والذي يذهب إلى حد القول بأن إشعاع الطريقة التجانية حدث من فاس ومنها إلى باقي الأصقاع، وحسب أحمد الأزمي، المتخصص في تاريخ الطريقة التجانية، فإن فعالية الطريقة لم تبدأ إلا بعد استقرار الشيخ بمدينة فاس وهو نفس الرأي الذي نجده عند جميل أبو النصر.
حل الشيخ أحمد التجاني بالمغرب في ظرفية صعبة، فمن جهة عرفت هذه الفترة صراع أبناء سيدي محمد بن عبد الله على الحكم بين المولى سليمان واخوته المولى مسلمة والمولى هشام والمولى اليزيد، وبالرغم من انتصار كفة المولى سليمان منذ 1792 إلى أن معارضة داخلية تزعمتها قبائل الأطلس المتوسط و بخاصة «إتحاديةأيتأُومالو» التي انتصرت على السلطان في أحد المواقع ، ومن جهة أخرى تأخرت بيعة أهل مراكش للسلطان نظرا لمواقفه من الزوايا والأضرحة، ومن جهة أخرى هناك تحركات «نابوليون بونابارت» في حوض المتوسط والتي انتهت بإحكام قبضته على مصر وما أثار ذلك من خلخلة في نفسية المغاربة وهو ما اضطرالمولى سليمانعلى القطع مع سياسة الجهاد البحري ونهج سياسة الباب المغلق، ومنع تصدير الصوف والزيوت ووسق الزرع. ضمن هذه الظروف انتقل الشيخ سيدي أحمد التجاني من الجزائر إلى المغرب وبالضبط إلى مدينة فاس التي حل بها بصفة نهائية يوم( 6ربيع الثاني عام 1213/1798) أي بعد ست سنوات من حكم المولى سليمان، والجدير بالذكر أنه كان برفقةكاتم سره علي حرازم برادة.
لاتتحدث المصادر التجانية عن أسباب رحيل الشيخ المؤسس من تلمسان إلى المغرب و بخاصة كتاب «جواهر المعاني « الذي اكتفى صاحبه بالقول :» ونحن نتردد عليه المرة بعد المرة وقدمنا لزيارته لتلك البلدة في شهر رمضان من سنة ثلاثة أعوام ومائتين وألف …ولم أزل أقيد ما سمعته منه ويمليه علينا من حفظه ولفظه، ثم انتقل من بلاد الصحراء المذكورة في السابع عشر من ربيع الأول النبوي سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف ودخل بفاس السادس من ربيع الثاني من العام المذكور ونحن معه من أبي سمغون إلى أن وصلنا إلى فاس…». وهو الرأي الذي شاطره كل من العربي السائح وأحمد سكيرج ومحمد بن عبد الواحد النظيفي، والحاج الحسين الإفراني، والحاج سعيد الدراركي، والذين أجمعوا أن رحلته كانت بأمر رباني. ويذهب خصوم الطريقة إلى أن أسباب موضوعية هي التي كانت وراء رحيله ومنهم خصمه أبو القاسم الزياني، مؤرخ الدولة العلوية على عهد المولى سليمان،والذي اعتبر التجاني «من أهل البدعة ومدلس للفضة منشغلا بالإكسير» وهو مادفع بَايْ الجزائر محمد بن عثمان إلى سجن الشيخ ونفيه من تلمسان. لايمكن الارتياحلمظان ابي القاسم الزياني إذا اخذنا بعين الاعتبار صراعه وتنافسه مع أحد أقطاب الطريقة التجانية بالجنوب المغربي ويتعلق الأمر بأبي عبد الله أكنسوس الذي اشتغل هو الآخر وزيرا، كما أن الأوصاف التي نعتت بها أبي سمغون وابنها الشيخ المؤسس لايمكن أن تصدر عن رجل دولة في حجم أبي القاسم الزياني مما يرجح رأينا في كون هذا الأخير كان يصفي حساباته مع اكنسوس على حساب شيخه وطريقته التجانية. والراجح أن تقرب المولى سليمان من الشيخ كان من وراء الانتقاد اللاذع الذي وجهه الزياني لأحمد التجاني.
أما صاحب تحفة الزائر فيقول : «أنه لما شاع أمره في وطنه وخاف من غوائل الحكومة، انتقل بأهله وأولاده إلى فاس، في أيام سلطانها مولاي سليمان»ويضيف الناصري الذي كان أكثر موضوعية في مؤلفه «الاستقصا» حيث نقل إلينا معلومة مفادها أن الشيخ بعث برسالة إلى السلطان مولاي سليمان مباشرة بعد وصوله إلى فاس فقبل منه طلبه ووهبه دار.


الكاتب : ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 18/04/2022