التصوف المغربي ودوره في أسلمة دول افريقيا جنوب الصحراء (8)

وصول الطريقة التيجانية إلى ضفاف نهر السينغال

 

لعبت اللغة العربية دورا كبيرا في أسلمة جزء كبير من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتجلى ذلك في كون هذه البقاع انتشرت بها الكثير من الطرق الصوفية المبنية على الاعتدال الذي هو عماد المذهب المالكي المنتشر على نطاق أوسع في دول المغارب، والملاحظ أن اتصال العرب بإفريقيا جنوب الصحراء حدث منذ أقدم العهود، فاليمن القديمة وصل نفوذها السياسي إلى القرن الإفريقي والحبشة، كما كانت علاقة غرب إفريقيا بشمالها قديمة، ونظرا لأن إفريقيا تأسست بها دول و ممالك ذات جذور عربية إسلامية، فقد كان لذلك دور كبير في تطور اللغات الإفريقية كلغات هجينة عربية، وقد لعب في هذا أيضا دور التصاهر بين العرب و الأفارقة، أضف إلى ذلك الدور الحاسم للعلاقات التّجارية التي كانت وسيطا بين الدول العربية ونظيرتها الوثنية.
يعتبر ميلاد الإسلام، وتطوّر الحضارة المرتبطة به نقطة تحول حاسمة أعادت إلى الحساب ماضي التّأثير العربي لغة وثقافة؛ ليصل العمق الإفريقي وأقاصي الغرب منه.وعلى هذا الأساس فاللّغة العربية لم تكن مجهولة عند الأفارقة، وإن كان معظمهم لا يتقنونها، ولكنّها كانت فقط مجرد لغة للتّفاهم مثل اللغات الأخرى. غير أن ظهور الاسلام باللسان العربي انتقل بهذه اللغة من مجرد لغة للحديث إلى لغة مقدسة. ونتيجة لذلك ، تأثرت العديد من اللغات العالمية باللغة العربية ، وكان من بينها اللغات الإفريقية بصفة عامة. ويعتبر التصوف العنصر الأساسي الذي أشاع الثقافة العربية في هذه البقاع وبخاصة التصوف التجاني السني الذي وجد إقبالا لم يعهد له نظيرا مقارنة مع الطرق الصوفية الأخرى. تحاول هذه الدراسة البحثية الاجابة عن سؤال محوري؛ كيف ساهم التصوف التجاني في أسلمة إفريقيا جنوب الصحراء؟ وكيف ساهم في نشر اللغة العربية على نطاق واسع خاصة وأنه اعتمد في متونه على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية؟

 

لقد نال العلمي شهرة عريضة عند بعض المؤرخين والباحثين وخصوصا ممن تناول الجانب الصوفي والاجتماعي في شعر الزَّجل الشعبي المغربي الملحون، ومن أولئك الذين اهتموا بحياة الشيخ عبد القادر العلمي المؤرخ العربي المشرفي في كتاب : «الحسام» لنستمع منه إلى إحدى الروايات، تثبت مَّا قد تمت الإشارة إليه سابقا من إشارات تتضمن بعض الرموز الباطنية عند الشيخ عبد القادر العلمي – رحمه الله -.
فكثيرا ما كان يسأل العلمي في مجلسه عن قصيدة مَّا من روائع قصائده فينفي ذلك عنه نفيا تاما، حسب ما هو ملقى في روع المخاطب الذي يتوجه بالسؤال ؛ ومن ذلك ما رواه المشرفي نفسه ، الذي أشار إلى أسماء بعض قصائده في «التوسل، ومدح السادة الأولياء، ووقف عند قصيدته التي يقول فيها متوسلا :
مَا انْتَ شِي عَاجَزْ نَرْجَاكْ يَالْجليلْ ** مَا انْتَ شِي غَايَبْ تُعْـــذارْ يَالْمُولَى …
فذكر أنه يريد شرحهاوصول الطريقة التجانية إلى بلاد السودان الغربي :
لعبت قبيلة إِدَاوْعْلِي دورا مهما في اشعاع الطريقة التجانية بالسودان الغربي، فأصول هذه القبيلة مرتبط بالولاية والصلاح، وحسب بعض المصادر فكل الذين تأثروا بهذه الطريقة وساهموا في نشرها ينحدرون جِينْيالوجِيًّا من هذه القبيلة وقد كان «محمد الحافظ» أحد أعمدة هؤلاء ففي اثناء زيارته للديار المقدسة التقى هناك بعلي حرازم برادة الذي أدله على مدينة فاس التي تأوي شيخ الطريقة التجانية، وبعد لقائه بالشيخ أذن له في الطريقة وعينه مقدما لها وعن طريق هذه الحلقة ومنذ سنة 1830 ،وهي السنة التي تؤرخ لوفاة الحافظ الشنقيطي، سيتولى «مولود فال» مهمة نشر الطريقة ومنهم كذلك ألفا «مايورو ويلي» و»عبد الكريم الناقل» عالم فُوتاغَالون وخلال هذه المرحلة ستصل الطريقة التجانيةإلى ضفاف نهر السينغال بل أن العديد من القرى حملت اسم فاس تيمنا بأحمد التيجاني، وخلال موسم الحج يحج التجانيونالأفارقة قبر «الحاج عمر توري» ومنه إلى مدينة فاس للتضرع بسيد احمد التجاني قبل أن ينتهي بهم المطاف إلى مكة والمدينة، والملاحظ أن العائلات العالمة بالسودان الغربي لعبت دورا كبيرا في إشعاع هذه الطريقة بالإضافة إلى التجار والاعيان مما ساهم في التأليف المحلي حول التجانية ككتاب «الرماح» للحاج عمر توري، كما أن الفضل يعود في نشر الطريقة إلى تعدد فروع الزوايا ويمكن الحديث عن ثلاث ة فروع هي :
الفرع العُمَري نسبة للشيخ الحاج عمر تال.
الفرع المالكي نسبة إلى الحاج مالك سي.
الفرع النِّيَّاسي نسبة إلى بيت الحاج إبراهيم نياس.
كان لمحمد الحافظ العلوي دورا كبيرا في إرساء دعائم الطريقة التجانية والثقافة العربية بدول افريقيا جنوب الصحراء وبخاصة دولة السينغال، فقد اخذ ورد هذه الطريقة من مؤسسها سيدي احمد التجاني الذي اذن له بها وسمح له بتلقين أوردها بمنطقة شنقيط وقبل وفاته سنة 1830 تخرج على يده مجموعة من المريدين كان أبرزهم مولود فال الذي كشف للحاج عمر الفوتي اسرار هذه الطريقة هذا الأخير ارتبط اسمه بشكل كبير بالطريقة التجانية وفي عهده سميت دولة السينغال بالامبراطوريةالتجانية التي قادت الجهاد ضد الفرنسيين خلال فترة الاستعمار، والملاحظ ان التجانيين كانوا يطلقون على قراهم اسم مدينة فاس تيمنا بالشيخ احمد التجاني.


الكاتب : ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 20/04/2022