التضخم يرتفع إلى 2.2 % بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية ب3.7 %، مدفوعة بصعود أسعار اللحوم

عاد شبح التضخم ليخيم مجددا على الأفق الاقتصادي الوطني، في وقت عجزت فيه الحكومة عن الوفاء بوعدها بتحقيق معدل نمو يفوق 4%، كما تعهدت به في تصريحاتها الرسمية وبرنامجها الحكومي. فبرغم ما يسجله الاقتصاد الوطني من مؤشرات انتعاش ظرفي، خاصة في بعض القطاعات الخدماتية والاستخراجية، إلا أن هذا التحسن يظل هشا ومحدود الأثر، لا يرقى إلى مستوى التطلعات المعلنة، ولا ينجح في إخفاء التباطؤ الهيكلي الذي يعانيه الاقتصاد المغربي في عمقه. فالنمو الذي تحقق عند حدود 3,6 % في الفصل الأخير من سنة 2024، ثم 4,2 % متوقعة للفصل الأول من 2025، يبقى أقل من الطموحات المعلنة، ويؤكد أن الركائز التي يقوم عليها الأداء الاقتصادي لا تزال غير صلبة، ولا قادرة على امتصاص الصدمات وخلق فرص الشغل أو توفير أرضية خصبة لتنمية شاملة ومستدامة.
وحسب المندوبية السامية للتخطيط يتوقع أن يبلغ معدل التضخم 2,2% خلال الفصل الأول من سنة 2025، بعدما كان لا يتجاوز 0,7% في الفصل الذي سبقه. ويعزى هذا الارتفاع أساسا إلى الزيادة الملحوظة في أسعار المواد الغذائية بنسبة 3,7%، مدفوعة بصعود أسعار اللحوم (مساهمة بنقطة كاملة في معدل التضخم)، والأسماك الطازجة (0,2 نقطة)، والخضر (0,1 نقطة)، ما يطرح تساؤلات حقيقية حول نجاعة السياسات المتبعة لضبط الأسواق وتأمين السيادة الغذائية. في المقابل، لم تعرف أسعار المنتجات غير الغذائية سوى زيادة معتدلة في حدود 1,1%، مدفوعة خصوصا بارتفاع أسعار الطاقة بنسبة 1%، عقب تراجعها في الفصل السابق بـ1,1 %.
هذا التدهور في القدرة الشرائية للأسر لم يمنع الطلب الداخلي من مواصلة ديناميته، حيث ساهمت التدابير الاجتماعية والضريبية – بما في ذلك مراجعة ضريبة الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور – في تحفيز الاستهلاك الأسري بنسبة 4,5%. غير أن هذا الزخم الاستهلاكي ظل غير مصحوب بتحول نوعي في بنية الاستثمار، إذ سجلت نفقات تجهيز الشركات نموًا متواضعًا، بينما أظهرت استراتيجية رفع المخزونات تفوقًا على الاستثمار المنتج، ما يكرس نمطًا اقتصاديا هشًا، يقوم على الاستهلاك أكثر من خلق القيمة.
من جهة أخرى، لا يزال الميزان التجاري يشكل نقطة ضعف بارزة في الهيكل الاقتصادي، بعدما ساهمت المبادلات الخارجية سلبًا بـ5,2- نقاط في النمو خلال الفصل الرابع من 2024، نتيجة ارتفاع الواردات بـ15,6% مقابل 9,2% فقط للصادرات. ورغم ما يُسجّل من تحسن في الطلب على الصناعات الكيماوية والإلكترونية، إلا أن هيمنة الواردات على التجارة الخارجية يُضعف الأثر الإيجابي لأي انتعاش صادراتي.
على مستوى القطاعات، يتجلى التفاوت الصارخ بين الأنشطة الإنتاجية، حيث يرتقب أن تقود النمو كل من الخدمات القابلة للمتاجرة (13,2%)، والصناعات الاستخراجية (6,7 %)، والبناء (6,4 %)، بينما ستشهد الصناعات التحويلية، الأكثر ارتباطًا بالتقلبات الدولية، تراجعًا في مساهمتها. كما يتوقع أن يرتفع النشاط الفلاحي بنسبة 3,1%، في تحسن ظرفي قد لا يصمد أمام تغيرات مناخية أو تقلبات السوق الدولية. وعلى مستوى تمويل الاقتصاد، وعلى الرغم من تسجيل تراجع في حاجة الاقتصاد إلى التمويل إلى حدود 3,2% من الناتج الداخلي، فإن ذلك يعود بالأساس إلى ارتفاع التحويلات والمداخيل الجبائية، وليس إلى تحسن جوهري في الميزان الخارجي أو المالي. وضمن نفس المنطق، تواصل البنوك المركزية سياسة التيسير النقدي، حيث خفض بنك المغرب سعر الفائدة الرئيسي إلى 2,25% في مارس 2025، بعد تخفيضين سابقين في عام 2024، في محاولة لتحفيز الاقتصاد، دون أن ينعكس ذلك بعد على ارتفاع ملموس في حجم القروض أو تحسين مؤشرات الإنتاج.
أما في سوق المال، فقد استمر المؤشر الرئيسي للبورصة في تسجيل نتائج استثنائية، محققا قفزة بنسبة 36,5%، مدفوعا بثقة المستثمرين وتوسع سيولة السوق التي زادت بنسبة 186,5 % على أساس سنوي. غير أن هذا الأداء يظل معزولا عن الاقتصاد الحقيقي، ولا يعكس تحسنا عاما في النسيج الإنتاجي، خصوصا مع تراجع مساهمة القطاعات الحيوية في النمو، وغياب إصلاحات عميقة في مناخ الأعمال.
وإذا كان الفصل الأول من عام 2025 قد حمل بعض ملامح التحسن الظرفي، فإن آفاق الفصل الثاني تبدو أكثر غموضا، في ظل تزايد مستوى اللايقين المحيط بالاقتصاد العالمي. إذ يظل الاقتصاد المغربي عرضة لتداعيات السياسة الجمركية الأمريكية، التي وإن تم تأجيل تنفيذها لمدة 90 يومًا اعتبارا من أبريل الجاري – باستثناء الصين – فإن آثارها بدأت تظهر من خلال تقلبات أسعار المواد الطاقية وتنامي الضغوط على النشاط الصناعي الأوروبي، إلى جانب الاضطرابات التي تشهدها الأسواق المالية الدولية. وتجدر الإشارة إلى أن توقعات النمو للفصل الثاني، المقدرة بـ3,8 %، لم تأخذ في الحسبان كافة التطورات الجيو-اقتصادية المرتبطة بهذه التغيرات، ما يجعل هامش الخطأ في التوقعات واردًا، ويؤكد أن النمو المرتقب ما زال هشًا وغير مؤمّن ضد الصدمات الخارجية.


الكاتب : عماد عادل 

  

بتاريخ : 18/04/2025