التلقي من القراءة إلى التأويل

 

أمسية سينيفيلية بامتياز شهدها المركز الثقافي بايت ملول في إطار مهرجان سوس للفيلم القصير. ساهم في نجاحها التنظيم المؤطر ثقافيا من طرف طاقم ديناميكي بإشراف المخرج نورالدين العلوي والباحث المجتهد دوخان عبد السلام وساهم في نجاحها تألق الأستاذة أمينة الصيباري – النجمة القادمة من الشمال- والتي انتقلت باللقاء من مجرد موعد لتقديم كتاب الى لحظة ثقافية سينمائية تحيي التقاليد المجيدة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية التي انعقد البرنامج تحت اشرافها.
وتجلى ذلك في منظومة النقاش التي وضعت السينما في مركز الأسئلة بل هي الغاية من تقديم الكتاب. وكان ذلك عن وعي وسبق إصرار يتجلى في السيناريو الأصلي والمتمحور حول هذه الخطاطة:
– لماذا افتتاح تقديم الكتاب بعرض فيلم قصير
– ماذا يقول الفيلم على نفسه وعن تصور الفيلم القصير وكيف يمكن الانتقال من تلقي الفيلم الى طرح أسئلة حول القراءة والتأويل مع نموذج لقطة من الفيلم…
سأحاول هنا تلخيص بعض الأفكار التي تم تداولها في هذا الصدد (مع التنويه بالنقاش الهام الذي فتح فيما بعد مع جمهور الحاضرين) …
1 – لماذا عرض فيلم في لقاء حول كتاب؟ بالنسبة لي هناك مبدأ أساسي : كل لقاء حول السينما يجب ان يتم حول السينما وانطلاقا من السينما. لا اتخيل لقاء دراسي دون استحضار فيلم او أفلام، رب لقطة خير من ألف كلمة. ثم هناك سبب منهجي يتعلق بنقطة صعف أي خطاب حول السينما وتتجلى في غياب لغة واصفة: النقد ينتج خطابا حول السينما «بلغة» ليست «لغة السينما». الوضع النقدي المثالي هو أن تنجز فيلما حول الفيلم الذي تريد نقده…كما هو الحال في التجربة الرائدة «الغرفة 237» للمخرج الأمريكي «رودني آشر» وهو فيلم وثائقي (2012) خصص بالكامل لتفكيك تحفة ستانلي كوبريك «شاينين» (1980)
2 – واختيار الفيلم القصير «لماذا تركت الحصان وحيدا» لفوزي بنسعيدي يذهب في هذا الاتجاه لكونه يضع السينما في صلب كتابته. حافل بإيحاءات وتلميحات بصرية ولغوية تحفز على التلقي الذكي. ثم أنه يرد الاعتبار للفيلم القصير كشكل جمالي يمكن ان يعود اليه مخرج متمكن وليس اعتباره محطة كرونولوجية على درب الفيلم الطويل. وكان تقديم الفيلم بمثابة ماستر كلاس «بصري» حول بنية الفيلم القصير: فكرة+ تطويرها + نهاية على شكل» كلايماكس»
3 – تحليل صورة/ لقطة مقتبسة من الفيلم وهي التي تشكل بالنسبة لي صلب البناء الجمالي والدرامي للفيلم. وفد تمت مقاربتها على مستويين: دال مكون من مجموعة من العلامات التي تحيل الى مدلول (أولي): حصان يواجه مصير نهاية درامية (شاحنة+ مجزرة) وشخص ما يعترض على ذلك (وقد التقط الصديق المخرج حميد فريدي، صديق الخيل والتبوريدة، قساوة هذا المشهد) …
ولكن هذا المدلول (لنسميه الدرجة الإخبارية في القراءة) يتحول الى دال ينتج مدلولا جديدا (مستوى التأويل) ألخصه بالقول باننا امام بيان سينمائي تنويه بالانتفاضة (أطفال الحجارة) والمقاومة الفلسطينية. نعم كل تأويل لا يخلو من تعسف وهذيان المتلقي. ولكن في الحالة هذه التأويل يكتسب مشروعيته من عنوان الفيلم الذي يحيلنا الى قصيدة شهيرة لمحمود درويش. لنصل الى الخطاطة التالية: «الحصان وحيدا» = محمود درويش = فلسطين + اليد التي تحمل الحجارة وهي الصورة التي خلدت انتفاضة الحجارة + المجزرة التي تحيل استعارة للمجازر المادية والمعنوية التي تتغذى بها وبشكل سادي نشرات الأخبار


الكاتب : محمد باكريم

  

بتاريخ : 10/05/2025