التواصل الصحي والمؤسساتي بين الطموح والكبوات وتنوع المتدخلين وتعدد المجالات

يتسم بنقص في المبادرة والتفاعل في عدد من الحالات

يعتبر الحصول على المعلومة حقا دستوريا، نصّ عليه المشرّع مع بعض الضوابط واحترام المساطر والاستثناءات، سواء بالنسبة لعموم المواطنين أو لنساء ورجال الإعلام، من أجل معالجة موضوع من المواضيع وقضية من القضايا التي تهمّ الرأي العام، لكن في كثير من الأحيان يؤدي إلى نتائج عكسية، إما بسبب فهم وتأويل خاطئين، أو لضعف وعدم استيعاب الجهة المتواصلة لما هو مطلوب منها، مقتصرة على تواصل أحادي، يروم توجيه رسائل خاصة دون الخوض في أية تفاصيل أخرى، أو بسبب عوامل متعددة، مما يعمّق الشرخ ويوسّع الهوة بين المصدر والمتلقي، أو يصطدم بإصرار على الصمت، وهو ما يتسبب في تناسل الإشاعة وغيرها من التداعيات المختلفة الأخرى.
لقد شكّلت الجائحة الوبائية لفيروس كورونا المستجد ورشا ولحظة للوقوف على طبيعة التواصل الرسمي الذي تم اعتماده، خاصة في ظل تباين الأحكام والتقديرات وتقييم حصيلته، سواء على مستوى وزارة الصحة أو الحكومة ككل، مركزيا أو جهويا وإقليميا، بالنظر إلى أن تقييم المواطن يختلف عن تقدير الصحافي، وقد يبتعد كل البعد عن رؤية المعني بالقطاع.
لتسليط الضوء على التواصل في قطاع الصحة، والتواصل المؤسساتي بشكل عام، والوقوف على الإكراهات والانتظارات، وما يعترض تحقيقه بالكيفية المأمولة من إكراهات، التقت «الاتحاد الاشتراكي» الدكتور اطرابلسي محمد الحسن، المختص في الصحة العامة والتدبير الصحي، وأجرت معه الحوار التالي، في موضوع بالغ الأهمية، أسال الكثير من المداد وشكّل موضوع سجال ونقاش بين المهنيين والمواطنين في أكثر من مناسبة.

n ما هو دور التواصل في مجال الصحة، وأين تكمن أهميته، وما هي طرقه؟
pp إن التواصل في المجال الصحي هو بسط للمفاهيم المتعلقة بصحة الإنسان وإيصالها بأمانة وبأسلوب يفهمه الجميع، فهو ينهج الدراسات والاستطلاعات العلمية والطرق الصحيحة والناجعة للنشر وللإعلام بالإجراءات وبالقرارات الناتجة عن ذلك، والتي من شأنها أن تفيد في حفظ وتحسين صحة الأفراد والمجتمع والوقاية مما يمكن أن يلحق الضرر بها أو التأثير في نوعيتها٠
إن علم الاتصال الصحي هو بنية من عدة تخصصات أخرى، تسلك وتوظف وسائل الاتصال المتنوعة، وعلوم الصحافة وتكنولوجيا المعلومات والتواصل السمعي البصري، معتمدة على المهن الطبية والتمريضية والتدبيرية والتثقيف الصحي واستنباط العلوم السلوكية، يتوخى استراتيجيات تصبو في مجملها لتعليم الناس طُرق تحسين صحتهم وتجنب المخاطر بالتأثير إيجابا على سلوكياتهم بعد توضيح ممارساتهم المجانبة للصواب، وتبيان فوائد تغييرها على صحتهم، بل وغالبا حتى على الصِحة العامة. كما يتوخى التحسيس لتغليب الرأي وتبني المواقف لتحسين السياسة الصحية نحو الأفضل في ما يخص الخدمات ذات الصلة٠
والتواصل الصحي متعدد المجالات، متنوع المتدخلين من أشخاص وجماعات رسميين أو متطوعين مهنيين أو مدنيين. تدخل يكتسي صبغة فردية بالتفاعل المباشر والمواجهة اللصيقة والملحة، أو جماعية عن طريق المناظرات والتجمعات المباشرة والحملات التوعوية والتي تقرن الرسائل التحسيسية بالتدخلات العلاجية، وخلال انتظار الاستشارات الطبية في المستوصفات والمراكز الصحية، حتى أن الوزارة الوصية عمدت منذ عشرات السنين إلى وضع وتطوير برنامج أفقي يعرف ويبسط محتوى كل البرامج الصحية الوقائية التي نجح المغرب في إرسائها، ألا وهو برنامج «الإعلام والتربية والتواصل»، إذ يقوم الممرض المكلف أو أحيانا الطبيب بالتطرق وشرح فوائد التلقيح أو التخطيط العائلي أو تتبع الحمل أو تغذية الرضع والأطفال أو كيفية الوقاية من الأمراض التعفنية أو التناسلية٠٠٠ وقد أصبحت اليوم الحاجة ملحة لإغنائه وتدعيمه، هذا مع العلم أن بعض المراكز توظف الوسائط المسموعة والمرئية، وقد وجب أن يراعي محتوى الرسائل المستوى المعرفي للمتلقي ملتزما بالحمولة الثقافية والاجتماعية واللغوية والقيمية وموظفا للعوامل الأخرى التي يمكن أن تجعل التواصل فعالا، دون السقوط في مطبات التواصل الإعلامي «الشعبوي» الذي يخترق بالرسائل الخاطئة والمضللة والتي تنتشر بسرعة عبر بعض وسائل الإعلام كالنار في الهشيم، في استغفال للمختصين الصحيين والإعلاميين المهنيين، فتثير هذه الرسائل الشك بل وحتى الذعر. وكمثال على ذلك الرسائل التي تبعث على التشكيك وتهدف إلى هزّ الثقة في البرامج الصحية التي تبناها المغرب وتوفق فيها، بمحاولات الربط بشكل خاطئ بين لقاحات وبعض الأمراض التي قد تظهر في ما بعد أو وسائل منع الحمل والعقم أو أمراضا أخرى…
على أنه، يمكن أن يؤثر الشق التواصلي بين الطبيب والمريض على تشخيص الداء أو تأخير تشخيصه أو في بروتكول علاجه، إذ يمكن للعلاقات الواضحة والإيجابية مع الأطباء أن تحسّن بشكل مستمر من حالة مريض معين، كما هو الشأن بالنسبة للقدرة التواصلية للفريق التمريضي مع المريض في الوقوف على المضاعفات المحتملة للعلاج أو للمرض نفسه٠

n كيف نعرّف التواصل المؤسساتي القطاعي، وكيف يجب أن يكون، وما هي علاقته بالمسؤولية؟
pp التواصل المؤسساتي له مميزاته، دواعيه وتحفظاته، فهو يأخذ في مجال الصحة عدة مناحي، إذ قد يكون خطابا رسميا كبرنامج عمل وكاستراتيجية قطاعية أو مناظرة وطنية، أو مرسوما أو دورية أو نشرة أو بمثابة بلاغ صحفي…، وقد يشمل هذا التواصل إما مجال التعريف بالخطة التي سينهجها المسؤولون الجدد للنهوض بالقطاع أو تحديد طبيعة برنامج معين، إما جديد أو قديم وجب تحسينه أو تحيينه كالتلقيح أو التخطيط العائلي أو كصحة الأم والطفل أو محاربة داء السرطان أو الأمراض السارية أو الصحة النفسية …، وقد يشمل التواصل المؤسساتي الإعلان عن تبني توصيات لمنظمات أممية ولمؤسسات دولية ذات الصلة أو الاهتمام بالقطاع، كما قد يتمثل في شكل إعلان عن الانخراط في خطة بديلة لتصحيح وضعية ما أو اكتشاف دواء جديد أو الشروع في تصنيعه، أو القضاء على داء معين ضمن البرامج الوقائية المتبعة في إطار خطة التمنيع كمثال، كما يمكن أن يشمل الإعلان عن اكتشاف حالات مرضية مرتبطة بداء قديم كالكوليرا، الملاريا أو الليشمانيا…أو المرتبطة بوباء جديد كالكوفيد 19 أوغيرها٠
ويكون هذا التواصل إما في المؤسسات الدستورية ضمن إعلان البرنامج الحكومي أو مناقشة الميزانية القطاعية أو في القنوات السمعية والبصرية الرسمية أو قنوات التواصل الاجتماعي أو الحامل الورقي من صحف ومجلات علمية متخصصة وذات مصداقية وأمانة فكرية وحس أخلاقي. وقد تسند مهمة التواصل حسب أهمية الموضوع ونوعية التدخل بالمسؤولين الرسميين للقطاع على اختلاف رتبهم، كما يمكن أن تسند هذه المهمة للهيئات المهنية الرسمية أو اللجن العلمية المنتخبة أو المكلفة والتي قد تمثل القطاع إداريا أو مهنيا. ويمكن كذلك أن تسند هذه المهمة في شقها التقني للمهنيين الذين يتقنون مهمة التواصل حسب المواضيع، وكما يحبذ في قطاعات أخرى ذات الحساسية يمكن أن تسند إلى متحدث رسمي مفوض ومتمرس وذي خبرة راكمها خلال مشواره المهني ملمّ بحيثيات القطاع وبأهمية كل كلمة يتفوه بها، أو لمسؤول رسمي يشغل مسؤولية التواصل في منصب ضمن هيكلة قانونية للقطاع، وذلك اعتبارا للوضع المؤسساتي الذي سيتكلم باسمه وتقديرا للمخاطَبين والمتلقين٠
ويجب التأكيد على أنه ليس من الضروري أن يتقن كل مسؤول مجال التواصل، وبالتالي فإن تفويض هذه المهمة لمن سيوصلها على أحسن وجه ووفق الأهداف المتوخاة لا ينقص البتة من كفاءة المفوِض، كفاءة اختير لأجلها للمنصب الذي يشغله، والذي يكون أحيانا ملزما بالتحفظ في بعض المواقف أو أن يروم تفادي ما من شأنه أن يحتسب ضد مكسبه التدبيري أو مكاسب هيئته السياسية. هذا ويجب أن يعكس المكلف بالتواصل الصورة الحقيقية للقطاع الذي يمثله وأفكار المسؤول الذي فوّضه بكل أمانة، لأن توفّق المتواصل يحسب للقطاع ككل واندحاره يعزى للقطاع كذلك، فإتقان التواصل يجب ألا يرخي بظلّه على المضمون ويقلل من جهود من يتحمل المسؤولية الفكرية والشجاعة التفويضية لكي لا نخلق جوا من التوجس والتخوف من الشخص المتواصل، فلكل دوره حسب أهميته ومهمته٠
إن المهمة المنوطة بالتواصل المؤسساتي يجب ألا تتعدى ما هو مشروط فيها، ألا وهو تنوير الرأي العام من إخبار أو تحسيس بأحسن وأنجع طريقة دون لبس أو خطأ، وذلك ضمن ما هو مشروط في تقنيات التواصل، من الالتزام بانتقاء الكلمات الناظمة والمعبرة بكل أمانة والناقلة بكل صدق للصورة المراد إيصالها دون تهويل أو تعتيم، وكذا باستعمال الحركات والإيماءات والنظرات العاكسة للموقف بكل صدق ونطق بنبرة معبرة في تناغم تام مع ما هو منطوق به دون تناقض صارخ، وذلك بتفادي نبرة الهزل أو رسم الابتسامة العريضة عند الإخبار بكارثة وبائية. فكم من مسؤول وقع في هذا الانحراف غير المقصود كما وقع مؤخرا عند استجواب وزيرة أوربية وهي تجيب عن سؤال متعلق بعدد الموتى المرتفع في دور المسنين بسبب كوفيد راسمة ابتسامة مستفزة، حتى أن المستجوب اضطر أكثر من مرة لأن يصرخ في وجهها (لماذا تضحكين؟)  لكن عدم التمرس أو المواقف المحرجة تؤدي إلى ارتكاب أخطاء لا يمكن أن تخطر بالبال٠
كما وجب الحرص، أثناء التواصل، على تلفظ الكلمات بوضوح وبتأن، حتى لا تفهم في غير محلها وأن تكون العبارات المنتقاة بعيدة عن كل لبس أو تعتيم، إلى جانب التأكد من الأرقام المتفوه بها والتأكيد عليها أكثر من مرة رفعا لكل خلط وتجنبا لكل سهو قد يؤدي إلى الهلع والتهويل أو على العكس التبخيس والتنقيص٠

n نؤاخذ على التواصل المؤسساتي القطاعي أحيانا التقصير أو التحفظ، فما هو سبب الابتعاد عنه وما هي مبررات هذا الموقف؟
pp رغم أن «الحق في الحصول على المعلومة» مضمون في الدستور المغربي منذ دخول القانون رقم 31.13 المتعلق به حيز التنفيذ يوم 12 مارس 2019، والذي يرمي إلى ضمان حق الولوج إلى المعلومات، تطبيقا لأحكام الفصل 27 من الدستور الذي ينص على حق المواطنات والمواطنين في الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، إلا أن التواصل المؤسساتي، مع بعض الاستثناءات، يتسم بنقص في المبادرة والتفاعل، لكن يجب الإقرار على أن ذلك مردّه أسباب متعددة، من بينها أن التجارب التواصلية لبعض المؤسسات الإدارية والتدبيرية لا تكون موفقة، إما لكون الشخص المكلف لم يفلح في إيصال المعلومة بالشكل الصحيح، أو أن الوسيط الإعلامي أو الشبه الإعلامي لم يفهم المضمون، أو أنه صاغه صياغة تجانب الاحترافية بقصد أو بدونه أو هما معا، وقد يحدث كذلك أن يخصص لخبر ما خانة معينة بهدف التحسيس بموضوع هام ما وتجد بجانبه بالحامل الورقي أو الإلكتروني خبر مناقض يضرب في الصميم كل المجهود المبذول والهدف المتوخى من الخبر٠
إلى جانب ما سبق قد ينشر كذلك استجواب لمسؤول ما، حول موضوع ذي أهمية قصوى، وتجد بمحاذاته كلاما لشخص يفتقد للمصداقية يفند كل ما جاء في هذا الاستجواب بعيدا عن كل احترافية وعن مبدأ المقارعة. أو أن يختار لهذا الموضوع عنوانا عريضا ومثيرا (أنظر تقرير المجلس الوطني للصحافة)، يهز من مصداقية المسؤول أو الإدارة التي خولته الحديث باسمها وتاركا انطباعا خاطئا أو ضعيفا بالنسبة للمتصفح المتسرع وما أكثرهم، وكذلك الشأن عندما تفوض الإدارة شخصا بعيدا كل البعد عن الموضوع الذي يراد التواصل من أجله وذلك لتمرير الحد الأدنى من المعلومة فيحدث ذلك ردا معاكسا٠
وعلى مستوى البرامج الحوارية نلاحظ أيضا، أن بعض المنشطين يطنبون أكثر من الضيوف مستعرضين كل ما تصفحوه بالشبكة العنكبوتية حول الموضوع، فتتداخل أطروحتهم بأجوبة المدعوين حتى أن المتلقي لا يستوعب إلا القليل، أو في بعض الأحيان يخرج برسائل غير محبذة وباستنتاجات مجانبة للحقيقة، فضلا عن إشراك ضيوف يفهمون في كل المواضيع ويتفننون في احتكار اللغو ونشر معطيات متأثرة بالوسائط غير المجدية البعيدة حتى عن أي منهج تحليلي نابع مما يستوجبه النقاش من مكتسبات تجريبية أو تكوين أكاديمي أساس، وأحيانا لا يعلنون عن المصلحة المستترة لدفوعاتهم ضد التيار٠ كل هذه الأحداث العكسية تدفع المؤسسة التي لم توفق في خرجاتها الإعلامية إلى لزوم الصمت والابتعاد عن التواصل قدر الإمكان بدل استعمال حقها في اللجوء للمطالبة بجبر الضرر وواجبها في تحسين وتطوير دور الإعلام والمساهمة في جعله أكثر احترافية٠

 n ما هو تقييمكم لمنهجية التواصل المرتبطة بجائحة كوفيد19 وعلى المستوى المؤسساتي؟
pp يجب الإقرار أن الجائحة التي نعيشها هي عبارة عن حدث فريد من نوعه، فالبلاد والمنظومة لم يشهدا مثله من قبل أن تصير لنا منظومة بعشرات السنين، فآخر وباء من هذا الحجم يعود الى قرن من الزمن ونيف. أما على مستوى التفاعل والتواصل المؤسساتي فيمكن القول إن المغرب كان في المستوى اللائق، ليس فقط من جانب المنظومة الصحية بل على مستوى الدولة ككل بنظامها ورموزها، ويكفينا فخرا أن عاهل البلاد كان السباق لا على المستوى الوطني بل على المستوى الدولي لبعث الرسائل الحازمة والصارمة واتخاذ القرارات السديدة والشجاعة والتي جعلتنا اليوم نتجنب الكارثة والطامة الكبرى٠
وعلى المستوى الحكومي فجدّية ونوعية التفاعل والتواصل كانت تُستلهم من القرارات الصائبة لجلالة الملك والامتثال للأوامر الداعية للشفافية في التتبع والرصد وكذا في فرض الحواجز والتباعد الاجتماعي والحرص على احترامها٠ أما على المستوى القطاعي، فقد تميز بنهج تواصل مستمر منذ البداية، ليس على المستوى المركزي فحسب بل جهويا كذلك. لقد كانت هناك فعلا مؤاخذات من عدة منابر على نوعية التواصل جهويا وعلى ندرتها إقليميا، ويعزى ذلك لكون المسؤولين الأوائل هم من يتكلفون بالتواصل رغم نقص خبرة بعضهم في المجال عوض تفويض الأمر لمختصين أو لأطر تتميز بمقدرات مُرضية، كما يرجع أيضا الابتعاد عن الرد للتوجس الحاصل بين المسؤولين المحليين والمراسلين لبعض المنصات الإعلامية، من كيفية التعامل مع الموضوع على حساسيته والتي تجانب الاحترافية٠
وبخصوص الشقّ التقني والعلمي، فقد كان هناك، بصريح العبارة، شيء من الارتباك والتسرع وربما تغليط غير مقصود، ولا عجب في الأمر لأن ذلك كان انعكاسا للحالة المعرفية بخصوص الداء على المستوى الدولي والتي مازالت تتغير باستمرار حتى اليوم، ففي غياب الإلمام بخصائص هذا الوباء والفيروس المسبب، كان هناك نوع من الارتجال والتسرع في التواصل بشأن طرق الوقاية والحماية اللازمة، ولم يعد المتلقي يعرف أهو محصن أم لا بارتدائه القفازات والكمامات الواقية أم باكتفائه باستعماله المعقمات الكحولية والحرص على النظافة باستمرار مع التباعد الجسمي، فضلا عن الاختلاف حول خصائص الفيروس وطرق انتقاله عبر الهواء وعن مدة مقاومته وعن احتمال التصاقه بالمساحات والأدوات والسلع، وعن فرضية الإصابة به عن طريق لمس هذه المساحات والأدوات، إلى جانب النقطة المتعلقة بالعلاج الذي يمكن أن يخفف من وقع المرض والوقاية من مضاعفاته في انتظار اكتشاف لقاح ناجع. فحتى البروتكول العلاجي الذي لجأنا إليه مازالت الخرجات التواصلية تثير النقاش والتساؤلات حول جدواه وخلوه من المضاعفات رغم النتائج الإيجابية التي نشهدها، وقد عمقت وسائل التواصل الاجتماعي من استفحال الشائعات والأغلاط الإعلامية٠
كل هذا مرده التردد الذي طبع التعامل مع الآفة على المستوى العالمي، هذا التذبذب في الفهم أرخى بثقله على نوعية التواصل حتى أصبح الأمر مبعث قلق وارتياب على جميع المستويات وبوقع نفساني غائر! تردد وصل إلى حد صدور نتائج بحث بمقال علمي في مجلة كانت تحسب على المجلات المميزة ذات الصيت الذائع أدى إلى إصدار توصية بإيقاف جميع التجارب حول بروتكول العلاج المتبع بعدة دول وذلك من قبل منظمة أممية، قبل أن تتراجع عن ذلك عندما صدر عن نفس المجلة تشكيك في المنهجية المتبعة في البحث الذي أدى لاتخاذ هذا القرار. وسيحسب بالمناسبة لبلادنا عدم تسرعها وانسياقها وراء هذه التوصية، إذ تابعت بروتكول العلاج الذي أقرته بكل ثقة عملا برأي مؤسساتها العلمية والتدبيرية وكذلك لنتائجه الناجعة والمجدية، بل لأن باحثيها كانوا سباقين للطعن فيما صدر عن المجلة السابقة الذكر حتى قبل صدور التوصية الأممية٠
يكفينا هذا لكي نقول إن القطاع خرج مرفوع الرأس في تدبير هذه الجائحة بفضل تطبيق التوجيهات السامية وبتضحية رجاله ونسائه إلى جانب باقي فعاليات القطاعات المعنية، ويجب أن يغطي هذا التوهج الذي استرجعه القطاع على كل الصور النمطية التي تسوق لتشويه صورته٠
في الختام وجب التأكيد على أهمية التواصل في المجال الصحي، وعلى صعوبته، بل وعلى حساسيته، ولنا الثقة في أن مهنية المحترفين ستفلح في رفع التحدّي كما هو الأمر في بعض المجالات المشابهة والتي تتوخى دائما المصلحة العامة، والتي تبقى فوق كل اعتبار.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 20/06/2020