الثقافة: ضرورة تثمين العناصر الناعمة والمحتوى والجودة

وقفت اللجنة الخاصة للنموذج التنموي في تقريرها، خاصة في الشق المتعلق بالثقافة، عند دور المكون الثقافي، وضرورة تعزيزه باعتباره شرطا ضروريا لبناء مجتمع ديمقراطي وعيش مشترك، متناغم يتناسب مع ثراء المغرب وتنوعه الثقافي. فرغم ما سجله التقرير على مستوى التطور الحاصل على مستوى البنيات والمؤسسات والتظاهرات الثقافية ببلادنا، فإنه وقف على حقيقة أن الولوج إلى وسائل التنشئة الاجتماعية وازدهار الشخصية عبر الثقافة والرياضة لايزال صعبا. إذ أن العناية التي أوليت لهذا القطاع لم تتم بلورتها كسياسات عمومية، ومن ذلك ضعف الموارد المالية والبشرية المخصصة لها، بالإضافة إلى أن تطوير البنيات التحتية المخصصة لاحتضان الأنشطة الثقافية، لم يواكبه تطور على مستوى محتوى عرضها وتنشيطها اللذين ظلا محدودين، أو دون انتظارات الشباب على الخصوص، وهو ما ساهم في الحد من جاذبيتها.
وفي إطار آلية الإنصات والتشاور مع مختلف القوى الحية ببلادنا التي اعتمدتها اللجنة، طالب الشباب، بشكل خاص، بتثمين ومضاعفة الفضاءات المخصصة للتعبير الثقافي والفني والبنيات التحتية والأنشطة الرياضية، فيما أكد الفاعلون الثقافيون والمشتغلون في قطاع الصناعات الثقافية، الذين تم الإنصات إليهم، على أن الثقافة يمكن أن تصبح قطاعا مهما لخلق فرص الشغل والثروة.
وقد حرصت اللجنة وهي تضع اختياراتها الاستراتيجية ضمن تصورها التنموي الجديد على إيلاء الثقافة حيزا هاما من نقاشاتها لإيمانها بأن الثقافة مدعوة إلى “أن تغدو رهانا عالميا بالغ الأهمية في مجال الصعود الاقتصادي والسيادة، وذلك بحكم الحاجة المتجددة والكونية إلى المعنى وإلى التماسك الاجتماعي، وبحكم التحديات العالمية التي تجعل من الضروري تثمين العناصر الناعمة والمحتوى والجودة”.
ولهذا وضعت اللجنة ضمن محاورها الأربعة لإحداث التحول المنشود (الاقتصاد، الرأسمال البشري، الإدماج)، اختيارا استراتيجيا رابعا وهو النهوض بالتنوع الثقافي كرافعة للانفتاح، متعددة الأبعاد للرخاء الاقتصادي وللرابط الاجتماعي المتماسك
وللقوة الناعمة في المجال الجيوسياسي، معتبرة أن الرهان على الثقافة ” رهان للوحدة الوطنية في علاقة مع الطلب على المعنى، وعلى المعالم التاريخية والهوياتية”.
وقد دعت اللجنة، من أجل بلوغ هذا الهدف، إلى هيكلة الحقل الثقافي حول مقترح مركزي قوي يجعل من الثقافة “مرفقا عاما مهما، بنفس أهمية الصحة والتعليم”، مشيرة إلى دور الاعلام في تنشيط النقاش العمومي، بما يخدم تعزيز الرابط الاجتماعي والنهوض بالتاريخ والثقافة الوطنيين. من أجل ذلك، تقترح اللجنة الإجراءات التالية:
• إدماج قوي للثقافة في المنظومة التربوية عبر إدراج النقاشات والمناظرات الموضوعاتية التي تمكن من صقل ملكة النقد والجدل والحوار، والانفتاح على الآخر ( طرق تدريس التاريخ والفلسفة وتعلم اللغات، الفنون، تطوير شعب فنية منذ السلك الثانوي التأهيلي).
•دعم دور الإعلام باعتباره أداة للإخبار والنقاش العام، ومواكبة مسار تحوله الرقمي في خضم التحولات الرقمية العالمية، وكذا في مواجهة منافسة المنصات الدولية التي تستحوذ على الجزء الأكبر من المداخيل الإشهارية الكلاسيكية الموجهة لوسائل الإعلام. مؤكدة على الدولة مطالبة بمواكبة هذه الدينامية في التغيير من خلال تعزيز التحول الرقمي لوسائل الإعلام، ودعمها في البحث عن نموذج اقتصادي مطبوع بالابتكار والديمومة.
•تشجيع تطوير مبادرات ثقافية مبدعة )إبداع مادة ثقافية وإعلامية، تنشيط الفضاءات، الصناعات الثقافية، إلخ ( من خلال احترافية المسالك الثقافية، وولوج أمثل إلى التمويلات العمومية والطلبيات العمومية والتمويلات الخارجية.
•دعم وتنشيط إنتاج ثقافي وإعلامي مبتكر يتسم بالجودة، ويساهم في إغناء الحوار والتحسيس والإشعاع الدولي للمغرب مع التزام الفاعلين بميثاق موحد للقيم والأهداف. وفي هذا الصدد تقترح اللجنة إحداث منصة إعلامية للإخبار والتحليل والنقاش العمومي؛ يتكلف بها تجمع لوسائل الإعلام الخاصة لا يستهدف الربح، وتكون مكملة للقطب الإعلامي العمومي، وكذا عبر إنشاء منصة رقمية للصناعة الثقافية الموجهة، على الخصوص، إلى إنتاج محتوى سمعي- بصري مبتكِر يتسم بالجودة، وبتوجه أفريقي-متوسطي.
•إنشاء وتنشيط فضاءات ثقافية في مختلف المناطق من طرف المجتمع المدني المحلي وفق أهداف تتمثل في تثمين التراث الثقافي المحلي عبر عقد شراكات مع الفاعلين
المؤسساتيين كقطاع التربية الوطنية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أو المعاهد الثقافية الأجنبية.
•ضمان المحافظة على الموروث الوطني والذاكرة الجماعية لتجاوز طابع التشتت الكبير للتراث اللامادي المحلي. وفي هذا الاطار اقترحت اللجنة بعض الاجراءات على المستوى الجهوي والمحلي، من قبيل إنشاء متاحف مخصصة للتراث اللامادي ورقمنة كل المحتويات الثقافية اللامادية وتنظيم فعاليات منتظمة حول مواد ثقافية (المهرجانات) وتقوية التعاون بين الحرفيين والفنانين والباحثين ودعم المرشدين الثقافيين الجهويين المصنفين والمكوَّنين.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 28/05/2021