الجمعية العامة للأمم المتحدة وقضية الصحراء (1965 – 2024):(2/2) : 62 قرار نصفها حمل بصمات استراتيجيات المؤسسة العسكرية الجزائرية

مقترح الحكم الذاتي أبرز للعالم أن النزاع مفتعل لإضعاف وعزل المغرب

هي 62 قرارا أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة تتعلق بقضية الصحراء منذ القرار الأول (2072) في 16 دجنبر سنة 1965 إلى 4 دجنبر 2024 (القرار 79 / 98).
62 قرارا تعددت مضامينها ومصطلحاتها ومساطر اعتمادها وخرائط التصويت عليها…. شهدت في عقدها الأول مناورات القوة الاستعمارية اسبانيا، وبعدها وعلى مدار أكثر من نصف قرن سعي جارتنا الشرقية الجزائر في تنفيذ استراتيجيات لها تستهدف المغرب قاسمها المشترك محاولة إضعافه.. وهذه الاستراتيجيات ترتبط فيما بينها وشكلت ولازالت عقيدة المؤسسة العسكرية بهذا البلد المغاربي وهي ثلاث:
استراتيجية الهيمنة الإقليمية.
استراتيجية عزل المغرب عن محيطيه الافريقي والمغاربي.
استراتيجية اللاحل من اجل إطالة نزاع الصحراء.
ويمكن أن نقسم (وبشكل تعسفي ) مسار هذه القرارات الى ثلاث مراحل : المرحلة الاولى تميزت بالمناورات الاسبانية وامتدت من 1965 سنة صدور اول قرار للجمعية العامة، الى 1975 سنة المسيرة الخضراء التي أنهى بها المغرب الاستعمار الاسباني للصحراء.
المرحلة الثانية من قرارات الجمعية العامة يمكن اعتبارها من 1975 الى 1991 أصبحت صياغاتها ومناقشاتها والتصويت عليها مجالا لصراع شرس بين المغرب والمناوئين لوحدته الترابية. و كانت السمة الغالبة على هذه القرارات أنها مساندة لقرارات منظمة الوحدة الافريقية المنحازة للجزائر.
وقد تضمن الجزء الأول الذي نشرناه أمس المرحلة الأولى والثانية . وننشر اليوم المرحلة الثالثة .
المرحلة الثالثة وامتدت من سنة 1991 الى اليوم أصبحت قرارات الجمعية العامة تهتم بالخطط (خطة التسوية) والمخططات (بيكر) وبالحل السياسي وتميزت جلها بأنها صدرت دون تصويت وتغيرت مضامينها بالتدريج. واتخذت مسافة بينها وبين هيمنة الاطروحة الجزائرية .
منذ نهاية عقد ثمانينيات القرن الماضي. توالت الاحداث في بداية تلك المرحلة:
عادت العلاقات بين الرباط والجزائر في ماي 1988 بعد وساطات عربية مكثفة.
تم تأسيس اتحاد المغرب العربي في 17 فبراير 1989 بمراكش من عضوية موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا.
سقط في تلك السنة جدار برلين 9نونبر 1989.
وأقدم الملك الحسن الثاني على استقبال وفد من البوليساريو بمراكش في 5 فبراير 1989 باعتبارهم مواطنين مغاربة في مسعى لإقناعهم بان خيار الانفصال غير ذي جدوى ولا أفق له. واسابيع بعد ذلك اللقاء شرع قادة مؤسسون للجبهة ومئات من الصحراويين في العودة الى المغرب. استجابة لنداء «الوطن غفور رحيم « الذي أعلنه الملك في خطاب الذكرى 13 للمسيرة الخضراء (6 نونبر 1988).
وفي بداية عقد التسعينيات في 26 دجنبر 1991 انهار الاتحاد السوفياتي.
ولم تكن الجزائر المتحررة (نسبيا ) من هيمنة المؤسسة العسكرية شرسة في خطابها تجاه المغرب في مجلس الامن وهي عضو غير دائم به في سنتي 1988و1989 وكذلك في مداخلات مندوبيها بالجمعية العامة ..
لم تتخلص قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة من اعتبار ان مسألة الصحراء» مسألة إنهاء استعمار» والتنصيص على «الحوار المباشر» واشتراط تنفيذ قرار منظمة الوحدة الافريقية لسنة 1983 إلا في قرار 1991.كان ذلك القرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة دون تصويت خلال جلستها في 11 دجنبر من تلك السنة قد دشن مرحلة جديدة أصبحت مرجعيتها «خطة التسوية» .
شكلت تطورات الأوضاع السياسية والأمنية بالجزائر التي تزامنت مع بداية تنفيذ خطة التسوية فرصة كي تستفرد المؤسسة العسكرية بكل المؤسسات بعد توقيف المسلسل الانتخابي في يناير 1992 واقالة الرئيس الشادلي بنجديد واغتيال الرئيس محمد بوضياف. وانزلاق البلاد الى احتقان بلغ ذروته في ما أصبح يسمى بالعشرية السوداء التي حصد فيها العنف أرواح ما لا يقل عن 300 ألف شخص.
وبقدر ما كانت «خطة التسوية» تخطو خطواتها حسب الاجندة التي وضعها مجلس الامن كانت المؤسسة العسكرية الجزائرية تختلق شروطا جديدة في إطار استراتيجية اللاحل لقضية الصحراء واطالة النزاع وجعلت كل مطالب ومقترحات ومواقف الجبهة الانفصالية المتعلقة بالخطة تطبخ بمطابخها وتحمل توقيع دبلوماسية قصر المرادية…
لقد أثمر اعلان الرباط بقبولها مقترحات خطة التسوية سنة 1988تراجع عدد من عواصم افريقيا وامريكا اللاتينية عن مساندتها للأطروحة الجزائرية. وبدا ذلك واضحا بإصدار 16 عشر قرارا بالتوافق. كما بدا واضحا من نتيجة التصويت على قرار سنة 2004 الذي وافقت عليه 50 دولة فقط وامتنعت 100 عن التصويت. على عكس قرارات سنوات 1984و1985و1986و1987 التي اتخذت بأغلبية فاقت 90 صوتا.
وكان لحضور قضية الصحراء في جدول اعمال مجلس الامن، وللتطورات التي عرفها العالم ولخلاصات المبعوثين الشخصيين للأمين العام ولتقاريره الدورية أثر في انحسار خطاب الجزائر خاصة في نقاشات الجمعية العامة مقارنة عما كانت عليه بعد 1975. لقد تم اعتماد القرارات منذ 1989 الى سنة 2003 دون تصويت كما صاغتها لجنة المسائل السياسية الخاصة وانهاء الاستعمار.
أمام هذه التطورات أولت الجزائر أهمية رئيسية تمثلت في الرفع من وتيرة استراتيجيتها، استراتيجية اللاحل بأن تضع أكبر عدد من العراقيل امام «خطة التسوية» خاصة في مرحلة تحديد الهوية وفي تفسيرها لمعايير أهلية التصويت. وسعت الى إغراق مكاتب اللجنة المكلفة بذلك بأسماء أشخاص لا علاقة لهم تاريخيا وجغرافيا بإقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب.
كانت ومن خلال أداتها البوليساريو تعمل على نسف أي خطوة لخطة التسوية وفي نفس الوقت تعلن انها تتشبث بها وبتنظيم الاستفتاء كمناورة منهما في إطار استراتيجية اللاحل. وبدا ذلك واضحا وجليا بعد ان تخلصت قرارات الجمعية العامة من «الخطة» و»الاستفتاء» وشرعت شأنها في ذلك شأن مجلس الامن في الحديث عن الحل السياسي …
برزت في سنة 1999 خلاصة واقعية تتمثل في أن ما راكمته البوليساريو والجزائر من عراقيل امام خطة التسوية يستحيل معها تنفيذها. وأن جهود المبعوث الشخصي جيمس بيكر في نفخ روح جديدة لها لن يجدي نفعا .
أصدر مجس الامن في تلك السنة أربعة قرارات من بين من انصت عليه :
استكشاف جميع السبل والوسائل الكفيلة بإيجاد حل للنزاع سريع ودائم ومتفق عليه مع مراعاة العقبات الحالية والمحتملة.. وهذا الحل لم يكن سوى الحل السياسي الذي دخل لأول مرة في معجم قرارات مجلس الامن.
التقى جيمس بيكر بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في العاصمة الجزائر في 5 ماي 2001 وقدم له مقترحه «الاتفاق الاطاري» . وفي 22 ماي بعث بوتفليقة رسالة/ مذكرة الى بيكر يعلن فيها رفض بلاده لهذا الاتفاق لأنه «يحقق مصالح المغرب». وقد رد عليها الأمين العام أثناء تقديمه لتقريره الدوري امام مجلس الامن في 20 يونيه 2001 بأن الرد الجزائري تضمن ادعاءات مضللة وأبانت عن عدم ادراك للاتفاق.
صادق مجلس الامن في قراره 1359 (29 يونيه 2001) على اتفاق بيكر. وقبل المغرب التفاوض على أساسه وإبداء المرونة اللازمة..
رفضت الجزائر والبوليساريو الاتفاق الاطاري الذي تقدم به جيمس بيكر وتضمنه قرار مجلس الامن . ولأن محاولاتها الميدانية في عزل المغرب تم احباطها (تدخلاتها العسكرية المباشرة وغير المباشرة ، احباط المغرب لاستيلاء الانفصاليين على واد الذهب ) تقدمت بمقترح يمزج بين استراتيجيتي عزل المغرب ترابيا واللاحل واطالة امد النزاع . مقترح يقضي بتقسيم الصحراء الى شمال يحتفظ به المغرب وجنوب تقام به الجمهورية الصحراوية .. مقترح طرحه الامين العام في تقريره ب 2002 ورفضه المغرب دملة وتفصيلا.
وبمقترحها هذا أكدت الجزائر بان مطالبتها بتقرير المصير لما تسميه بالشعب الصحراوي والاستفتاء و…هي مجرد ادعاءات وشعارات جوفاء..
تميز قرار 2002 بأنه آخر قرار تمت فيه الإشارة الى منظمة الوحدة الافريقية او بمقترحاتها المشتركة مع الأمين العام للأمم المتحدة. كانت تلك السنة هي التي تأسس فيها الاتحاد الافريقي (دوربان جنوب افريقيا 9 يوليوز 2002) .
أدرجت الجمعية العامة فقرة في قرارات من 2002 الى 2006 فقرة تعتبر ان «عدم تحقيق تقدم في تسوية النزاع حول الصحراء الغربية ما فتيء يسبب معاناة لشعب الصحراء الغربية ، ولا يزا مصدرا محتملا للقلاقل في المنطقة ، ويعوق التنمية الاقتصادية لمنطقة المغرب العربي ، ومن تم فمن الضرورة القصوى البحث عن حل سياسي ….».
جاء قرار 2003 والقرارات اللاحقة دون الإشارة كما كان الشأن في القرارات السابقة الى «الاستفتاء» الذي بدا مستحيلا .
بعد استقالة جيمس بيكر في يونيو من سنة 2004، عين كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، البيروفي ألفارو دي سوتو من أجل مواصلة العمل مع الأطراف بغية التوصل إلى حل سياسي توافقي.
رفعت الجزائر من وتيرة استراتيجيتها استراتيجية اللاحل: رفضت تعيين دو سوتو. وسعت الى عرقلة مناقشات الجمعية العامة لقضية الصحراء.
في سنة 2004 أعدت اللجنة الخاصة مشروع قرار سجل بجدول اعمال اللجنة الرابعة لمناقشته في اجتماعها ل12 أكتوبر. عارضت الجزائر ان يتضمن الإشارة الى ألفارو دو سوتو الذي عينه كوفي عنان كمبعوث شخصي له وجاءت بمشروع قرار لها يوم 14 أكتوبر. واضطرت اللجنة تأجيل مناقشته لفتح المجال أمام الاطراف للتوصل الى صيغة متوافق عليها وبالتالي تفادي التصويت.
لكن الجزائر استبعدت التوافق وأصرت على التصويت على مشروعها.. والنتيجة مقارنة مع اخر عملية تصويت والتي كانت سنة 1987:
لم تصوت لصالح قرارها سوى 50 دولة على عكس ما شهدته قرارات 1985( 96 دولة) و1986 (98) و1987 (93) .
وامتنعت 100 دولة وهو أكبر رقم قياسي في عمليات تصويت الجمعية العامة على مشاريع القرارات المتعلقة بالصحراء.. (امتنعت 50 دولة سنة 1987).
امتنع ثلثا الدول الإفريقية، ومجموع أعضاء الاتحاد الأوروبي و11 من الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن امتنعوا عن دعم القرار الجزائري.
و تراجعت 14 دولة افريقية عن التصويت لصالح قرار 2004 مقارنة مع 1987.
جاءت نتائج التصويت على هذا القرار على عكس ما كانت تشتهيه دبلوماسية الجزائر والتي اعتقدت ان رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة التي قال فيها ان بلاده لا زالـت تـرى في مسألة الصحراء «مشـكلة تصـفية اسـتعمار».
وجاءت بعد اعتراف حنوب افريقيا بما يسمى ب «الجمهورية الصحراوية «.
وبعد الرسالة التي بعثها الرئيس الجزائري الى زعيم البوليساريو وجدد فيها مساندته له .
لكنها أي الجزائر لم تحصد سوى خيبة أمل.
ولأنها تتشبث باستراتيجيتها استراتيجية اللاحل لم تتزحزح الجزائر في مواقفها ومعها جبهة الانفصاليين عن التشبث بخطة التسوية التي وضعا امامها ركاما من العراقيل.. وصما اذانهما عن كل مقترحات ومقاربات الأمم المتحدة. واتضح ذلك من خلال وثيقة ابلغها الممثل الدائم لجنوب إفريقيا الى رئيس مجلس الامن في 16 أبريل 2007 عنوانها «مقتــرح جبهــة البوليــساريو المتعلــق بحــل مقبــول مــن الطــرفين يــضمن لــشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره « تمحورت حول نقطتين تجاوزتها تطورات القضية وخلاصات المبعوثين الشخصين للأمين العام ومقاربة مجلس الامن إذ لم تعد قراراته تشير اليهما، وهاته النقطتان هما:
«النـزاع في الصحراء الغربية هو مسألة إنهاء استعمار»
«إجراء استفتاء لتقرير المصير»
كانت الدبلوماسية المغربية تخطو أولى خطواتها في مرحلة جديدة مع انتهاء ألفية وبداية أخرى. وبدأت العديد من دول العالم تقتنع بأن قضية الصحراء هي نزاع إقليمي بين طرفين: المغرب الذي يسعى الى إيجاد حل سياسي ليس على حساب حقوقه التاريخية ووحدته الترابية. والجزائر التي تسكنها روح الهيمنة الإقليمية وتضع العراقيل في مسار تسوية هذا النزاع وأنها تتعمد معاكسة جهود الأمم المتحدة..
جاء التصويت كثمرة للدبلوماسية المغربية. عقب مشاركة جلالة الملك محمد السادس في الدورة 59 للجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2004. ومباحثاته مع عدد من قادة الدول .وجدد في خطابه استعداد المغرب « للتعاون بكل صدق وعزيمة مع الأمم المتحدة وجميع الأطراف المعنية لإيجاد حل سياسي تفاوضي ونهائي للخلاف المتعلق بالصحراء, سيكفل لسكان أقاليم المغرب الجنوبية التدبير الذاتي لشؤونهم الجهوية في إطار الديمقراطية والاستقرار والتنمية المندمجة و تجنيب تحول المنطقة إلى فضاء للتوتر «·
وبعد المذكرة التي وجهتها الرباط الى الأمين العام للأمم المتحدة والتي أوضحت أن تورط الجزائر في قضية الصحراء اتخذ أشكالا متعددة ومتنوعة بدءا من الالتزام العسكري إلى الإخلال بالقانون الدولي الإنساني مرورا بالدعم المالي واللوجيستيكي والتعبئة والتأطير الديبلوماسيين· وأشارت إلى أن التدخلات الرسمية للجزائر بالأمم المتحدة تكشف أن هذا البلد يقدم نفسه مرة ك «طرف معني» ومرة ك «فاعل مهم» ومرة أخرى ك «طرف أساسي» في تسوية هذا النزاع·

صدر قرار 2005 دون تصويت. ولم تجد مقترحات الجزائر ومن معها نفعا لتعديل نص المشروع.
وعشية النظر في قرار سنة 2006 قام المغرب بتحركات دبلوماسية مكثفة واستشارات وطنية في سياق اعداده لمقترحه المتعلق بالحكم الذاتي. فمن جهة زارت وفود عواصم الدول الأعضاء الدائمين وغير الدائمين بمجلس الامن. ومن جهة ثانية انعقدت ندوات ونظمت جلسات بالأقاليم الجنوبية شهدت حضورا ومساهمة مكثفة لأبناء هذه الأقاليم.. ومن جهة ثالثة قدمت الهيآت السياسية وغيرها تصوراتها بشأن هذا المقترح.
استشعرت الجزائر ان قطار الانتصارات الدبلوماسية المغربي قد انطلق بالفعل. فنزلت بثقلها بنيويورك حيث قام وزير خارجيتها آنذاك محمد بجاوي بلقاءات مع أعضاء مجلس الامن ومع الأمين العام عشية اجتماع مجلس الامن في ابريل من نفس السنة .وامتدت تحركاتها حتى أثناء انعقاد اللجنة الخاصة واللجنة الرابعة والجمعية العامة إذ جاءت بمشروع قرار لم يحصد سوى الخيبة كسابقه سنة 2004.وعلى مضض قبلت بإدراج تعديل تضمنته الفقرة الرابعة والتي تفيد إشادة الجمعية العامة «بقوة للجهود التي يبذلها الأمين العام ومبعوثه الشخصي من أجل تحقيق حل سياسي مقبول من الطرفين لنزاع حول الصحراء الغربية».
مشروع لم يصوت عليه أي بلد عربي· ولم تصوت عليه كذلك الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا والصين والهند وكندا واليابان واستراليا والبرازيل ···وهي وغيرها دول فاعلة في المشهد العالمي .مشروع لم تصوت عليه ثلثا أعضاء الأمم المتحدة.
قدم المغرب مقترحه للحكم الذاتي كحل سياسي في ابريل 2007 استجابة لطلب الأمين العام ولمجلس الامن. مقترح ينظر الى المستقبل وينسجم مع خلاصات وتطورات القضية في مسار تناولها من طرف آليات المنظمة الدولية.
وقدمت البوليساريو مقترحا تمت صياغته حسب توجيهات المؤسسة العسكرية الجزائرية يتحدث لغة اكدت قرارات مجلس الامن والجمعية العامة عقمها واللاأفق لها …
في قرار تلك السنة 2007 أدرجت الجمعية العامة فقرة في الديباجة تم الحفاظ عليها في ما لحق تفيد
أنها «تسلم بأن جميع الخيارات المتاحة لتقرير مصير الأقاليم خيارات سليمة مادامت تتفق مع مع الرغبات التي تعرب عنها الشعوب المعنية بحرية وتتسق مع المبادئ المحددة بوضوح في قراري الجمعية العامة 1514 ….».
يمكن اعتبار 2007 السنة التي تحررت فيها اللجنة الرابعة ولجنتها الخاصة من ضغوط ومناورات الجزائر بعد أكثر من ثلاثة عقود كانت خلالها أسيرة نظرة أحادية للنزاع بفعل المغالطات، والادعاءات الزائفة للدبلوماسية الجزائرية…
في اللجنة حاول ممثل الجزائر آنذاك يوسف يوسفي أن يعيد نفس الأسطوانة مدعيا ان بلاده ليست طرفا معنيا وأن المغرب قوة احتلال والقضية قضية تصفية استعمار و…
وكانت ردود المغرب عبر ممثلها مصطفى الساهل واضحة مستندة على قرارات مجلس الامن منها الذي تمت المصادقة عليه في ابريل من نفس السنة …مبرزا الخطوط العامة لمقترح بلادنا المتعلق بالحكم الذاتي ..
اعتمدت اللجنة الرابعة مشروع قرارها بالإجماع يدعو جميع الأطراف ودول المنطقة لأن تتعاون بشكل كامل مع الأمين العام ومبعوثه الشخصي ومع بعضها البعض من أجل التوصل إلى حل سياسي. ولم يشر القرار لما سمي بخطة السلام…

في سنة 2007 تم اعتماد المشروع دون تصويت. ونفس الشأن بالنسبة للقرارات ال 17 اللاحقة.
ومنذ 2007 الى اليوم حدثت تطورات عدة أبرزها الدعم الدولي المتزايد لمقترح المغرب المتمثل بالحكم الذاتي واعتراف عواصم وازنة بمغربية الصحراء من بينها واشنطن ومدريد وباريس وفتح قنصليات لدول عديدة بمدينتي العيون والداخلة وعودة المغرب الى الاتحاد الافريقي في 18 يوليوز 2016. وقناعة المجتمع الدولي بان قضية الصحراء ما هي الا نزاع إقليمي افتعلته الجزائر. ومن بين التطورات كذلك الشرخ الذي يتسع يوما بعد يوم في تنظيمات البوليساريو الذي بدأ يتآكل بفعل صراعاته الداخلية وانجلاء حقائق قيادته التي اتضح انها مجرد أداة لخدمة استراتيجيات الجزائر.
هي ثلاث مراحل لقرارات الجمعية العامة خلال الستين سنة الماضية شهدت على مناورات اسبانيا قبيل المسيرة الخضراء التي يحتفي المغرب هذه السنة 2025 بذكراها الخمسين. وشهدت على محاولات الجزائر في تنفيذ استراتيجيات مؤسستها العسكرية:
الهيمنة الإقليمية، عزل المغرب عن محيطيه المغاربي والافريقي. واللاحل لقضية الصحراء واطالة امد النزاع.
كل منها امتداد للأخريين. لكنها جميعا فشلت وهو ما يفسر هذه «المغربفوبيا» المتمثلة في هذا السعار الذي أصاب المؤسسة العسكرية في السنوات الأخيرة والتي تسعى لإيهام الشعب الجزائري بأن المغرب هو مصدر كل المشاكل والازمات التي تعيشها الجزائر من نذرة الحليب الى حرائق الغابات الى توتر العلاقات مع باريس ومدريد …

 

 

 

هي 62 قرارا أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة تتعلق بقضية الصحراء منذ القرار الأول (2072) في 16 دجنبر سنة 1965 إلى 4 دجنبر 2024 (القرار 79 / 98).
62 قرارا تعددت مضامينها ومصطلحاتها ومساطر اعتمادها وخرائط التصويت عليها…. شهدت في عقدها الأول مناورات القوة الاستعمارية اسبانيا، وبعدها وعلى مدار أكثر من نصف قرن سعي جارتنا الشرقية الجزائر في تنفيذ استراتيجيات لها تستهدف المغرب قاسمها المشترك محاولة إضعافه.. وهذه الاستراتيجيات ترتبط فيما بينها وشكلت ولازالت عقيدة المؤسسة العسكرية بهذا البلد المغاربي وهي ثلاث:
استراتيجية الهيمنة الإقليمية.
استراتيجية عزل المغرب عن محيطيه الافريقي والمغاربي.
استراتيجية اللاحل من اجل إطالة نزاع الصحراء.
ويمكن أن نقسم (وبشكل تعسفي ) مسار هذه القرارات الى ثلاث مراحل : المرحلة الاولى تميزت بالمناورات الاسبانية وامتدت من 1965 سنة صدور اول قرار للجمعية العامة، الى 1975 سنة المسيرة الخضراء التي أنهى بها المغرب الاستعمار الاسباني للصحراء.
المرحلة الثانية من قرارات الجمعية العامة يمكن اعتبارها من 1975 الى 1991 أصبحت صياغاتها ومناقشاتها والتصويت عليها مجالا لصراع شرس بين المغرب والمناوئين لوحدته الترابية. و كانت السمة الغالبة على هذه القرارات أنها مساندة لقرارات منظمة الوحدة الافريقية المنحازة للجزائر.
وقد تضمن الجزء الأول الذي نشرناه أمس المرحلة الأولى والثانية . وننشر اليوم المرحلة الثالثة .
المرحلة الثالثة وامتدت من سنة 1991 الى اليوم أصبحت قرارات الجمعية العامة تهتم بالخطط (خطة التسوية) والمخططات (بيكر) وبالحل السياسي وتميزت جلها بأنها صدرت دون تصويت وتغيرت مضامينها بالتدريج. واتخذت مسافة بينها وبين هيمنة الاطروحة الجزائرية .
منذ نهاية عقد ثمانينيات القرن الماضي. توالت الاحداث في بداية تلك المرحلة:
عادت العلاقات بين الرباط والجزائر في ماي 1988 بعد وساطات عربية مكثفة.
تم تأسيس اتحاد المغرب العربي في 17 فبراير 1989 بمراكش من عضوية موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا.
سقط في تلك السنة جدار برلين 9نونبر 1989.
وأقدم الملك الحسن الثاني على استقبال وفد من البوليساريو بمراكش في 5 فبراير 1989 باعتبارهم مواطنين مغاربة في مسعى لإقناعهم بان خيار الانفصال غير ذي جدوى ولا أفق له. واسابيع بعد ذلك اللقاء شرع قادة مؤسسون للجبهة ومئات من الصحراويين في العودة الى المغرب. استجابة لنداء «الوطن غفور رحيم « الذي أعلنه الملك في خطاب الذكرى 13 للمسيرة الخضراء (6 نونبر 1988).
وفي بداية عقد التسعينيات في 26 دجنبر 1991 انهار الاتحاد السوفياتي.
ولم تكن الجزائر المتحررة (نسبيا ) من هيمنة المؤسسة العسكرية شرسة في خطابها تجاه المغرب في مجلس الامن وهي عضو غير دائم به في سنتي 1988و1989 وكذلك في مداخلات مندوبيها بالجمعية العامة ..
لم تتخلص قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة من اعتبار ان مسألة الصحراء» مسألة إنهاء استعمار» والتنصيص على «الحوار المباشر» واشتراط تنفيذ قرار منظمة الوحدة الافريقية لسنة 1983 إلا في قرار 1991.كان ذلك القرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة دون تصويت خلال جلستها في 11 دجنبر من تلك السنة قد دشن مرحلة جديدة أصبحت مرجعيتها «خطة التسوية» .
شكلت تطورات الأوضاع السياسية والأمنية بالجزائر التي تزامنت مع بداية تنفيذ خطة التسوية فرصة كي تستفرد المؤسسة العسكرية بكل المؤسسات بعد توقيف المسلسل الانتخابي في يناير 1992 واقالة الرئيس الشادلي بنجديد واغتيال الرئيس محمد بوضياف. وانزلاق البلاد الى احتقان بلغ ذروته في ما أصبح يسمى بالعشرية السوداء التي حصد فيها العنف أرواح ما لا يقل عن 300 ألف شخص.
وبقدر ما كانت «خطة التسوية» تخطو خطواتها حسب الاجندة التي وضعها مجلس الامن كانت المؤسسة العسكرية الجزائرية تختلق شروطا جديدة في إطار استراتيجية اللاحل لقضية الصحراء واطالة النزاع وجعلت كل مطالب ومقترحات ومواقف الجبهة الانفصالية المتعلقة بالخطة تطبخ بمطابخها وتحمل توقيع دبلوماسية قصر المرادية…
لقد أثمر اعلان الرباط بقبولها مقترحات خطة التسوية سنة 1988تراجع عدد من عواصم افريقيا وامريكا اللاتينية عن مساندتها للأطروحة الجزائرية. وبدا ذلك واضحا بإصدار 16 عشر قرارا بالتوافق. كما بدا واضحا من نتيجة التصويت على قرار سنة 2004 الذي وافقت عليه 50 دولة فقط وامتنعت 100 عن التصويت. على عكس قرارات سنوات 1984و1985و1986و1987 التي اتخذت بأغلبية فاقت 90 صوتا.
وكان لحضور قضية الصحراء في جدول اعمال مجلس الامن، وللتطورات التي عرفها العالم ولخلاصات المبعوثين الشخصيين للأمين العام ولتقاريره الدورية أثر في انحسار خطاب الجزائر خاصة في نقاشات الجمعية العامة مقارنة عما كانت عليه بعد 1975. لقد تم اعتماد القرارات منذ 1989 الى سنة 2003 دون تصويت كما صاغتها لجنة المسائل السياسية الخاصة وانهاء الاستعمار.
أمام هذه التطورات أولت الجزائر أهمية رئيسية تمثلت في الرفع من وتيرة استراتيجيتها، استراتيجية اللاحل بأن تضع أكبر عدد من العراقيل امام «خطة التسوية» خاصة في مرحلة تحديد الهوية وفي تفسيرها لمعايير أهلية التصويت. وسعت الى إغراق مكاتب اللجنة المكلفة بذلك بأسماء أشخاص لا علاقة لهم تاريخيا وجغرافيا بإقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب.
كانت ومن خلال أداتها البوليساريو تعمل على نسف أي خطوة لخطة التسوية وفي نفس الوقت تعلن انها تتشبث بها وبتنظيم الاستفتاء كمناورة منهما في إطار استراتيجية اللاحل. وبدا ذلك واضحا وجليا بعد ان تخلصت قرارات الجمعية العامة من «الخطة» و»الاستفتاء» وشرعت شأنها في ذلك شأن مجلس الامن في الحديث عن الحل السياسي …
برزت في سنة 1999 خلاصة واقعية تتمثل في أن ما راكمته البوليساريو والجزائر من عراقيل امام خطة التسوية يستحيل معها تنفيذها. وأن جهود المبعوث الشخصي جيمس بيكر في نفخ روح جديدة لها لن يجدي نفعا .
أصدر مجس الامن في تلك السنة أربعة قرارات من بين من انصت عليه :
استكشاف جميع السبل والوسائل الكفيلة بإيجاد حل للنزاع سريع ودائم ومتفق عليه مع مراعاة العقبات الحالية والمحتملة.. وهذا الحل لم يكن سوى الحل السياسي الذي دخل لأول مرة في معجم قرارات مجلس الامن.
التقى جيمس بيكر بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في العاصمة الجزائر في 5 ماي 2001 وقدم له مقترحه «الاتفاق الاطاري» . وفي 22 ماي بعث بوتفليقة رسالة/ مذكرة الى بيكر يعلن فيها رفض بلاده لهذا الاتفاق لأنه «يحقق مصالح المغرب». وقد رد عليها الأمين العام أثناء تقديمه لتقريره الدوري امام مجلس الامن في 20 يونيه 2001 بأن الرد الجزائري تضمن ادعاءات مضللة وأبانت عن عدم ادراك للاتفاق.
صادق مجلس الامن في قراره 1359 (29 يونيه 2001) على اتفاق بيكر. وقبل المغرب التفاوض على أساسه وإبداء المرونة اللازمة..
رفضت الجزائر والبوليساريو الاتفاق الاطاري الذي تقدم به جيمس بيكر وتضمنه قرار مجلس الامن . ولأن محاولاتها الميدانية في عزل المغرب تم احباطها (تدخلاتها العسكرية المباشرة وغير المباشرة ، احباط المغرب لاستيلاء الانفصاليين على واد الذهب ) تقدمت بمقترح يمزج بين استراتيجيتي عزل المغرب ترابيا واللاحل واطالة امد النزاع . مقترح يقضي بتقسيم الصحراء الى شمال يحتفظ به المغرب وجنوب تقام به الجمهورية الصحراوية .. مقترح طرحه الامين العام في تقريره ب 2002 ورفضه المغرب دملة وتفصيلا.
وبمقترحها هذا أكدت الجزائر بان مطالبتها بتقرير المصير لما تسميه بالشعب الصحراوي والاستفتاء و…هي مجرد ادعاءات وشعارات جوفاء..
تميز قرار 2002 بأنه آخر قرار تمت فيه الإشارة الى منظمة الوحدة الافريقية او بمقترحاتها المشتركة مع الأمين العام للأمم المتحدة. كانت تلك السنة هي التي تأسس فيها الاتحاد الافريقي (دوربان جنوب افريقيا 9 يوليوز 2002) .
أدرجت الجمعية العامة فقرة في قرارات من 2002 الى 2006 فقرة تعتبر ان «عدم تحقيق تقدم في تسوية النزاع حول الصحراء الغربية ما فتيء يسبب معاناة لشعب الصحراء الغربية ، ولا يزا مصدرا محتملا للقلاقل في المنطقة ، ويعوق التنمية الاقتصادية لمنطقة المغرب العربي ، ومن تم فمن الضرورة القصوى البحث عن حل سياسي ….».
جاء قرار 2003 والقرارات اللاحقة دون الإشارة كما كان الشأن في القرارات السابقة الى «الاستفتاء» الذي بدا مستحيلا .
بعد استقالة جيمس بيكر في يونيو من سنة 2004، عين كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، البيروفي ألفارو دي سوتو من أجل مواصلة العمل مع الأطراف بغية التوصل إلى حل سياسي توافقي.
رفعت الجزائر من وتيرة استراتيجيتها استراتيجية اللاحل: رفضت تعيين دو سوتو. وسعت الى عرقلة مناقشات الجمعية العامة لقضية الصحراء.
في سنة 2004 أعدت اللجنة الخاصة مشروع قرار سجل بجدول اعمال اللجنة الرابعة لمناقشته في اجتماعها ل12 أكتوبر. عارضت الجزائر ان يتضمن الإشارة الى ألفارو دو سوتو الذي عينه كوفي عنان كمبعوث شخصي له وجاءت بمشروع قرار لها يوم 14 أكتوبر. واضطرت اللجنة تأجيل مناقشته لفتح المجال أمام الاطراف للتوصل الى صيغة متوافق عليها وبالتالي تفادي التصويت.
لكن الجزائر استبعدت التوافق وأصرت على التصويت على مشروعها.. والنتيجة مقارنة مع اخر عملية تصويت والتي كانت سنة 1987:
لم تصوت لصالح قرارها سوى 50 دولة على عكس ما شهدته قرارات 1985( 96 دولة) و1986 (98) و1987 (93) .
وامتنعت 100 دولة وهو أكبر رقم قياسي في عمليات تصويت الجمعية العامة على مشاريع القرارات المتعلقة بالصحراء.. (امتنعت 50 دولة سنة 1987).
امتنع ثلثا الدول الإفريقية، ومجموع أعضاء الاتحاد الأوروبي و11 من الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن امتنعوا عن دعم القرار الجزائري.
و تراجعت 14 دولة افريقية عن التصويت لصالح قرار 2004 مقارنة مع 1987.
جاءت نتائج التصويت على هذا القرار على عكس ما كانت تشتهيه دبلوماسية الجزائر والتي اعتقدت ان رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة التي قال فيها ان بلاده لا زالـت تـرى في مسألة الصحراء «مشـكلة تصـفية اسـتعمار».
وجاءت بعد اعتراف حنوب افريقيا بما يسمى ب «الجمهورية الصحراوية «.
وبعد الرسالة التي بعثها الرئيس الجزائري الى زعيم البوليساريو وجدد فيها مساندته له .
لكنها أي الجزائر لم تحصد سوى خيبة أمل.
ولأنها تتشبث باستراتيجيتها استراتيجية اللاحل لم تتزحزح الجزائر في مواقفها ومعها جبهة الانفصاليين عن التشبث بخطة التسوية التي وضعا امامها ركاما من العراقيل.. وصما اذانهما عن كل مقترحات ومقاربات الأمم المتحدة. واتضح ذلك من خلال وثيقة ابلغها الممثل الدائم لجنوب إفريقيا الى رئيس مجلس الامن في 16 أبريل 2007 عنوانها «مقتــرح جبهــة البوليــساريو المتعلــق بحــل مقبــول مــن الطــرفين يــضمن لــشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره « تمحورت حول نقطتين تجاوزتها تطورات القضية وخلاصات المبعوثين الشخصين للأمين العام ومقاربة مجلس الامن إذ لم تعد قراراته تشير اليهما، وهاته النقطتان هما:
«النـزاع في الصحراء الغربية هو مسألة إنهاء استعمار»
«إجراء استفتاء لتقرير المصير»
كانت الدبلوماسية المغربية تخطو أولى خطواتها في مرحلة جديدة مع انتهاء ألفية وبداية أخرى. وبدأت العديد من دول العالم تقتنع بأن قضية الصحراء هي نزاع إقليمي بين طرفين: المغرب الذي يسعى الى إيجاد حل سياسي ليس على حساب حقوقه التاريخية ووحدته الترابية. والجزائر التي تسكنها روح الهيمنة الإقليمية وتضع العراقيل في مسار تسوية هذا النزاع وأنها تتعمد معاكسة جهود الأمم المتحدة..
جاء التصويت كثمرة للدبلوماسية المغربية. عقب مشاركة جلالة الملك محمد السادس في الدورة 59 للجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2004. ومباحثاته مع عدد من قادة الدول .وجدد في خطابه استعداد المغرب « للتعاون بكل صدق وعزيمة مع الأمم المتحدة وجميع الأطراف المعنية لإيجاد حل سياسي تفاوضي ونهائي للخلاف المتعلق بالصحراء, سيكفل لسكان أقاليم المغرب الجنوبية التدبير الذاتي لشؤونهم الجهوية في إطار الديمقراطية والاستقرار والتنمية المندمجة و تجنيب تحول المنطقة إلى فضاء للتوتر «·
وبعد المذكرة التي وجهتها الرباط الى الأمين العام للأمم المتحدة والتي أوضحت أن تورط الجزائر في قضية الصحراء اتخذ أشكالا متعددة ومتنوعة بدءا من الالتزام العسكري إلى الإخلال بالقانون الدولي الإنساني مرورا بالدعم المالي واللوجيستيكي والتعبئة والتأطير الديبلوماسيين· وأشارت إلى أن التدخلات الرسمية للجزائر بالأمم المتحدة تكشف أن هذا البلد يقدم نفسه مرة ك «طرف معني» ومرة ك «فاعل مهم» ومرة أخرى ك «طرف أساسي» في تسوية هذا النزاع·

صدر قرار 2005 دون تصويت. ولم تجد مقترحات الجزائر ومن معها نفعا لتعديل نص المشروع.
وعشية النظر في قرار سنة 2006 قام المغرب بتحركات دبلوماسية مكثفة واستشارات وطنية في سياق اعداده لمقترحه المتعلق بالحكم الذاتي. فمن جهة زارت وفود عواصم الدول الأعضاء الدائمين وغير الدائمين بمجلس الامن. ومن جهة ثانية انعقدت ندوات ونظمت جلسات بالأقاليم الجنوبية شهدت حضورا ومساهمة مكثفة لأبناء هذه الأقاليم.. ومن جهة ثالثة قدمت الهيآت السياسية وغيرها تصوراتها بشأن هذا المقترح.
استشعرت الجزائر ان قطار الانتصارات الدبلوماسية المغربي قد انطلق بالفعل. فنزلت بثقلها بنيويورك حيث قام وزير خارجيتها آنذاك محمد بجاوي بلقاءات مع أعضاء مجلس الامن ومع الأمين العام عشية اجتماع مجلس الامن في ابريل من نفس السنة .وامتدت تحركاتها حتى أثناء انعقاد اللجنة الخاصة واللجنة الرابعة والجمعية العامة إذ جاءت بمشروع قرار لم يحصد سوى الخيبة كسابقه سنة 2004.وعلى مضض قبلت بإدراج تعديل تضمنته الفقرة الرابعة والتي تفيد إشادة الجمعية العامة «بقوة للجهود التي يبذلها الأمين العام ومبعوثه الشخصي من أجل تحقيق حل سياسي مقبول من الطرفين لنزاع حول الصحراء الغربية».
مشروع لم يصوت عليه أي بلد عربي· ولم تصوت عليه كذلك الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا والصين والهند وكندا واليابان واستراليا والبرازيل ···وهي وغيرها دول فاعلة في المشهد العالمي .مشروع لم تصوت عليه ثلثا أعضاء الأمم المتحدة.
قدم المغرب مقترحه للحكم الذاتي كحل سياسي في ابريل 2007 استجابة لطلب الأمين العام ولمجلس الامن. مقترح ينظر الى المستقبل وينسجم مع خلاصات وتطورات القضية في مسار تناولها من طرف آليات المنظمة الدولية.
وقدمت البوليساريو مقترحا تمت صياغته حسب توجيهات المؤسسة العسكرية الجزائرية يتحدث لغة اكدت قرارات مجلس الامن والجمعية العامة عقمها واللاأفق لها …
في قرار تلك السنة 2007 أدرجت الجمعية العامة فقرة في الديباجة تم الحفاظ عليها في ما لحق تفيد
أنها «تسلم بأن جميع الخيارات المتاحة لتقرير مصير الأقاليم خيارات سليمة مادامت تتفق مع مع الرغبات التي تعرب عنها الشعوب المعنية بحرية وتتسق مع المبادئ المحددة بوضوح في قراري الجمعية العامة 1514 ….».
يمكن اعتبار 2007 السنة التي تحررت فيها اللجنة الرابعة ولجنتها الخاصة من ضغوط ومناورات الجزائر بعد أكثر من ثلاثة عقود كانت خلالها أسيرة نظرة أحادية للنزاع بفعل المغالطات، والادعاءات الزائفة للدبلوماسية الجزائرية…
في اللجنة حاول ممثل الجزائر آنذاك يوسف يوسفي أن يعيد نفس الأسطوانة مدعيا ان بلاده ليست طرفا معنيا وأن المغرب قوة احتلال والقضية قضية تصفية استعمار و…
وكانت ردود المغرب عبر ممثلها مصطفى الساهل واضحة مستندة على قرارات مجلس الامن منها الذي تمت المصادقة عليه في ابريل من نفس السنة …مبرزا الخطوط العامة لمقترح بلادنا المتعلق بالحكم الذاتي ..
اعتمدت اللجنة الرابعة مشروع قرارها بالإجماع يدعو جميع الأطراف ودول المنطقة لأن تتعاون بشكل كامل مع الأمين العام ومبعوثه الشخصي ومع بعضها البعض من أجل التوصل إلى حل سياسي. ولم يشر القرار لما سمي بخطة السلام…

في سنة 2007 تم اعتماد المشروع دون تصويت. ونفس الشأن بالنسبة للقرارات ال 17 اللاحقة.
ومنذ 2007 الى اليوم حدثت تطورات عدة أبرزها الدعم الدولي المتزايد لمقترح المغرب المتمثل بالحكم الذاتي واعتراف عواصم وازنة بمغربية الصحراء من بينها واشنطن ومدريد وباريس وفتح قنصليات لدول عديدة بمدينتي العيون والداخلة وعودة المغرب الى الاتحاد الافريقي في 18 يوليوز 2016. وقناعة المجتمع الدولي بان قضية الصحراء ما هي الا نزاع إقليمي افتعلته الجزائر. ومن بين التطورات كذلك الشرخ الذي يتسع يوما بعد يوم في تنظيمات البوليساريو الذي بدأ يتآكل بفعل صراعاته الداخلية وانجلاء حقائق قيادته التي اتضح انها مجرد أداة لخدمة استراتيجيات الجزائر.
هي ثلاث مراحل لقرارات الجمعية العامة خلال الستين سنة الماضية شهدت على مناورات اسبانيا قبيل المسيرة الخضراء التي يحتفي المغرب هذه السنة 2025 بذكراها الخمسين. وشهدت على محاولات الجزائر في تنفيذ استراتيجيات مؤسستها العسكرية:
الهيمنة الإقليمية، عزل المغرب عن محيطيه المغاربي والافريقي. واللاحل لقضية الصحراء واطالة امد النزاع.
كل منها امتداد للأخريين. لكنها جميعا فشلت وهو ما يفسر هذه «المغربفوبيا» المتمثلة في هذا السعار الذي أصاب المؤسسة العسكرية في السنوات الأخيرة والتي تسعى لإيهام الشعب الجزائري بأن المغرب هو مصدر كل المشاكل والازمات التي تعيشها الجزائر من نذرة الحليب الى حرائق الغابات الى توتر العلاقات مع باريس ومدريد …


الكاتب : مصطفى العراقي

  

بتاريخ : 08/03/2025