الجمعية العامة للأمم المتحدة وقضية الصحراء (1965 – 2024): 62 قرار نصفها حمل بصمات استراتيجيات المؤسسة العسكرية الجزائرية

مقترح الحكم الذاتي أبرز للعالم أن النزاع مفتعل لإضعاف وعزل المغرب

 

هي 62 قرارا أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة تتعلق بقضية الصحراء منذ القرار الأول (2072) في 16 دجنبر سنة 1965 إلى 4 دجنبر 2024 (القرار 79 / 98).
لم تصدر الجمعية قرارا لها سنة 1971.
وفي سنتي 1975 و1978 أصدرت في كل منهما وفي جلسة واحدة وبتصويتين وبأغلبيتين مختلفتين قرارين يتعلقان بالقضية.
هناك 37 قرارا صدرت دون تصويت. 15 منها منذ ان وافقت بلادنا على مقترحات الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس منظمة الوحدة الافريقية (من سنة 1989 الى 2003). ونصفها منذ أن قدم المغرب مقترح الحكم الذاتي في ابريل سنة 2007 الى اليوم.
62 قرارا تعددت مضامينها ومصطلحاتها ومساطر اعتمادها وخرائط التصويت عليها…. شهدت في عقدها الأول مناورات القوة الاستعمارية اسبانيا، وبعدها وعلى مدارأكثر من نصف قرن سعي جارتنا الشرقية الجزائر في تنفيذ استراتيجيات لها تستهدف المغرب قاسمها المشترك محاولة إضعافه.. وهذه الاستراتيجيات ترتبط فيما بينها وشكلت ولازالت عقيدة المؤسسة العسكرية بهذا البلد المغاربي وهي ثلاث:
استراتيجية الهيمنة الإقليمية.
استراتيجية عزل المغرب عن محيطيه الافريقي والمغاربي.
استراتيجية اللاحل من اجل إطالة نزاع الصحراء.
ويمكن ان نقسم (وربما تعسفا) هذه القرارات الى ثلاث مراحل :
المرحلة الاولى تميزت بالمناورات الاسبانية وامتدت من 1965 سنة صدور اول قرار للجمعية العامة، الى 1975 سنة المسيرة الخضراء التي أنهى بها المغرب الاستعمار الاسباني للصحراء.
المرحلة الثانية من قرارات الجمعية العامة يمكن اعتبارها من 1975 الى 1991 أصبحت صياغاتها ومناقشاتها والتصويت عليها مجالا لصراع شرس بين المغرب والمناوئين لوحدته الترابية. و كانت السمة الغالبة على هذه القرارات أنها مساندة لقرارات منظمة الوحدة الافريقية المنحازة للجزائر.
المرحلة الثالثة وامتدت من سنة 1991 الى اليوم أصبحت قرارات الجمعية العامة تهتم بالخطط (خطة التسوية) والمخططات (بيكر) وبالحل السياسي وتميزت جلها بأنها صدرت دون تصويت وتغيرت مضامينها بالتدريج. واتخذت مسافة بينها وبين هيمنة الاطروحة الجزائرية .
(أنظر الصفحة…)
الجمعية العامة للأمم المتحدة وقضية الصحراء (1965 – 2024) : (1/2)
62 قرار نصفها حمل بصمات استراتيجيات المؤسسة العسكرية الجزائرية
مقترح الحكم الذاتي أبرز للعالم أن النزاع مفتعل لإضعاف وعزل المغرب
هي 62 قرارا أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة تتعلق بقضية الصحراء منذ القرار الأول (2072) في 16 دجنبر سنة 1965 إلى 4 دجنبر 2024 (القرار 79 / 98).
لم تصدر الجمعية قرارا لها سنة 1971.
وفي سنتي 1975 و1978 أصدرت في كل منهما وفي جلسة واحدة وبتصويتين وبأغلبيتين مختلفتين قرارين يتعلقان بالقضية.
هناك 37 قرارا صدرت دون تصويت. 15 منها منذ ان وافقت بلادنا على مقترحات الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس منظمة الوحدة الافريقية (من سنة 1989 الى 2003). ونصفها منذ أن قدم المغرب مقترح الحكم الذاتي في ابريل سنة 2007 الى اليوم.
اختار المغرب باعتباره عضو بالأمم المتحدة أن يضع بين يدي هذه المنظمة قضية استرجاع أقاليمه المغتصبة مباشرة بعد حصوله على الاستقلال سنة 1956. أقاليم جثم الاستعمار الاسباني على صدرها عشرات العقود وناور كي لا يقطع حبل المشيمة بينه وبينها وجلها آنذاك كانت متواجدة في جنوبه:
الصحراء التي أطلقت عليها مدريد «الصحراء الاسبانية» وجعلتها احدى مقاطعاتها.
وطرفاية التي أطلقت عليها «فيلا بنس» نسبة لحاكم عسكري واسمه فرانسيسكو بنس اركندونو كلفته مدريد بإدارة الاقليم.
وسيدي إفني التي أطلق عليها الاسبان «سانتا كروز دي لمار» لكنها ظلت تحمل اسمها التاريخي نسبة لضريح شخصية ورعة من قبائل ايت باعمران واسمها سيدي على يفني.
بادر المغرب سنة 1957 الى تسجيل هذه الأقاليم بمجلس الوصاية الذي أنشأته الأمم المتحدة وأفردت له الفصل الثالث عشر من ميثاقها (المواد من 68 الى 91). وبعد ان اعتمدت الجمعية العامة  لهذه المنظمة سنة 1960 إعلانا بمثابة قرار يحمل رقم 1514 المعروف أيضا ب»الإعلان المتعلق بإنهاء الاستعمار» وأوكلت للجنة خاصة النظر في لائحة تكونت آنذاك من 71 اقليما وضع المغرب سنة 1963 ملف ما تبقى من اقاليمه المستعمرة لدى اللجنة الرابعة ولجنتها الخاصة.
في سنة 1965 شرعت الجمعية العامة في اعتماد قرارات تحت عنوان «مسألة إفني والصحراء الاسبانية». أما طرفاية فعادت الى مغربها في سنة 1958.. وبعد ان استرجع المغرب إقليم افني سنة 1969 اصبح عنوان القرارات «مسألة الصحراء الاسبانية». ومنذ سنة 1975 الى اليوم يحمل القرار «مسألة الصحراء الغربية» كعنوان ذي حمولة جغرافية ليس إلا.
62 قرارا تعددت مضامينها ومصطلحاتها ومساطر اعتمادها وخرائط التصويت عليها…. شهدت في عقدها الأول مناورات القوة الاستعمارية اسبانيا، وبعدها وعلى مدار أكثر من نصف قرن سعي جارتنا الشرقية الجزائر في تنفيذ استراتيجيات لها تستهدف المغرب قاسمها المشترك محاولة إضعافه.. وهذه الاستراتيجيات ترتبط فيما بينها وشكلت ولازالت عقيدة المؤسسة العسكرية بهذا البلد المغاربي وهي ثلاث:
استراتيجية الهيمنة الإقليمية.
استراتيجية عزل المغرب عن محيطيه الافريقي والمغاربي.
استراتيجية اللاحل من اجل إطالة نزاع الصحراء.
قرارات الجمعية العامة بشأن قضية الصحراء يمكن تحقيبها (وربما تعسفا ) لثلاث مراحل:
المرحلة الاولى تميزت بالمناورات الاسبانية وامتدت من 1965 سنة صدور اول قرار للجمعية العامة، الى 1975 سنة المسيرة الخضراء التي أنهى بها المغرب الاستعمار الاسباني للصحراء.
جاء قرار 1965 متكونا من 4 فقرات إضافة الى الديباجة «تلتمس (الجمعية العامة) بإلحاح من حكومة اسبانيا، بوصفها الدولة القائمة بالإدارة، القيام فورا باتخاذ جميع التدابير اللازمة لتحرير إقليمي افني والصحراء الاسبانية من السيطرة الاستعمارية، والدخول لهذا الغرض في مفاوضات بشأن مشاكل السيادة التي يثرها هذان الاقليمان «.
وتباينت الى حد كبير مضامين القرارات التي اعقبته والتي تميزت في ذلك العقد باستعمال مفاهيم متنوعة منها: «حق شعبي افني والصحراء الاسبانية في تقرير المصير «.. «اماني السكان الاهليين «.. وبالحديث عن استفتاء «على أساس حر وديمقراطي ومتجرد تماما، وبالسماح بعودة جميع السياسيين المنفيين الى الإقليم»…
وفي قرار سنة 1966 الذي جاء إضافة الى الديباجة في 6 فقرات تم فصل اقليم افني (فقرة واحدة) عن الصحراء الاسبانية (فقرتان مع أربعة تدابير) وفيه تطلب الى الدولة القائمة بالإدارة أن تتخذ فورا الخطوات اللازمة للتعجيل بإنهاء الاستعمار في افني …..وتدعو الدولة القائمة بالإدارة …بتقرير الإجراءات اللازمة لعقد استفتاء برعاية الأمم المتحدة في الصحراء الاسبانية..
وتم في 1967 اصدار القرار في جزئين :(ألف) يتعلق بأفني و (باء ) بالصحراء الاسبانية. ونفس الشأن بالنسبة لقرار سنة 1968. لكن وابتداء من 1969 وبعد أن استرجع المغرب إقليم افني أصبحت القرارات تعنون ب»مسألة الصحراء الاسبانية» الى سنة1975 .
في يونيه 1965 شهدت الجزائر انقلابا عسكريا أطاح بالرئيس احمد بن بلة من طرف وزير دفاعه العقيد هواري بومدين.. ومن سنتها سكنت وبشكل مبطن روح الهيمنة الإقليمية بالعقيد ومجلس ثورته ومؤسسته العسكرية التي لم تنظر الى المغرب سوى من زاوية هزيمتها في حرب الرمال مع المغرب سنة 1963 وكيفية إضعافه. ففي كل اللقاءات الثنائية مع الرباط أو الثلاثية التي حضرتها نواكشوط، تهرب بومدين من التعبير وبوضوح عن مساندته للحق المغربي في صحرائه.. وبالرغم من تصويت الجزائر الى جانب المغرب وموريتانيا لصالح قرارات الجمعية العامة الى سنة 1974 فإن خطاب مندوبها بالأمم المتحدة كان له سقف واضح: لا مساندة مطلقة لمطالب المغرب. وفي إطار العلاقات الثنائية في تلك الفترة يمكن استنتاج أن الجزائر كانت وكأنها تستدرج المغرب الى اتفاق بشأن الحدود يغلق ملف مطالبة الرباط بالصحراء الشرقية التي اقتطعها الاستعمار الفرنسي وألحقها بالتراب الجزائري .
ترسخت روح الهيمنة بشكل مكشوف بعد ان عرف المغرب انقلابين وانتفاضة مسلحة واحداثا اجتماعية في بداية السبعينات ورأى النظام الجزائري أن الوقت مناسب لوضع حصى بالحذاء المغربي ولم يجد سوى قضية الصحراء التي فتحت شهية مؤسسته العسكرية للرفع من وثيرة استراتيجيته. ووجدت في التنسيق مع اسبانيا احدى بوابات ذلك. ويمكن ان نعتبر زيارة وزير خارجية الجزائر آنذاك عبد العزيز بوتفليقة الى مدريد في يونيه 1972 بعد زيارة وزير خارجية اسبانيا غريغوريو لوبيز برافو بداية لصياغة سيناريو بين البلدين يتمثل في زرع كيان بالصحراء يلبي مصالحهما وهو سيناريو أطاحت به المسيرة الخضراء.
في سنة 1974 قامت اسبانيا بإجراء إحصاء للسكان على مقاس مناورة كانت تدبرها تتمثل في تنظيم استفتاء ظاهره» تقرير المصير» وباطنه خلق كيان بالصحراء يكون ملحقا بها يتنفس من رئة مدريد وجعلت من الجزائر شريكا لها في هذه المناورة. لكن المغرب أحبط هذا المخطط واتخذ إجراءات دبلوماسية لدى الأمم المتحدة وسياسية في حياته الداخلية. وهي الإجراءات التي توجت بتنظيم المسيرة الخضراء في 6 نونبر 1975. ومن محطات صياغة المؤامرة ضد المغرب بين نظام بومدين والجنرال فرانكو هناك:
في سنة 1974 تم تبادل صفقات تمثلت في أن تمد الجزائر الغاز المسيل الى اسبانيا لمدة 20 سنة وأن تدفع هذه الأخيرة 530 مليون دولار لتسوية متأخرات سنوات سابقة. وأن تقوم مدريد ببناء مصنع للشركة الجزائرية سونطراك بضواحي مدينة سكيكدة.
وفي فبراير 1975، سهّل الرئيس الجزائري هواري بومدين أول اتصال بين وزير الخارجية الإسباني بيدرو كورتينا ومسؤول جبهة البوليساريو مصطفى الوالي في الجزائر.
وأوفدت الجزائر لجنة رفيعة المستوى إلى مدريد في أكتوبر 1975، ضمت وزير الداخلية محمد بن أحمد عبد الغني، والأمين العام للرئاسة إسماعيل حمداني، والأمين العام لوزارة الدفاع عبد الحميد لطرش، وقاصدي مرباح، والعقيد سليمان هوفمان، بالإضافة إلى ثلاثة مديرين من وزارة الخارجية. اجتمعت هذه اللجنة مع رئيس الحكومة الإسبانية كارلوس أرياس نافارو ، وقائد الأركان فرناندو دي سانتياغو، ووزير الخارجية بيدرو كورتينا موري . ولم يكن على طاولة الاجتماعات سوى ملف الصحراء وكيفية عرقلة طلب المغرب في استكمال وحدته الترابية.
وقبل ذلك كانت الجزائر قد توصلت الى اتفاق مع ليبيا لإيواء جبهة البوليساريو التي تأسست سنة 1973 وجعلتها عمليا إحدى كتائب جيشها ووفرت لها الدعم اللوجيستيكي والدبلوماسي من أجل خدمة استراتيجية: عزل المغرب جغرافيا ودبلوماسيا عن عمقيه المغاربي والافريقي.
كانت الجزائر في سنة 1975 متواطئة مع نظام فرانكو الاسباني، متحالفة مع ليبيا القذافي، متنصلة من التزاماتها مع المغرب، مبتزة لأنظمة افريقية جاء أغلبها الى السلطة على ظهر دبابة، مدعومة من طرف الكتلة الشرقية. وهو ما مكنها داخل الجمعية العامة من حشد مساندين لأطروحتها التي تتلخص في مناهضتها لاسترجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية في إطار تصور مغاربي انخرطت فيه في البداية موريتانيا . تصور يمكن اعتباره امتداد للاتفاقيات التي ابرمتها الرباط مع الجزائر في بداية السبعينيات قصد الاستغلال المشترك لمناجم الحديد بنواحي تندوف. تصور من أجل تحقيق حلم شعوب المنطقة الذي كان مطمحا لحركاتها التحررية ضد الاستعمارين الفرنسي والاسباني..
المرحلة الثانية من قرارات الجمعية العامة يمكن اعتبارها من 1975 الى 1991 أصبحت صياغاتها ومناقشاتها والتصويت عليها مجالا لصراع شرس بين المغرب والمناوئين لوحدته الترابية. و كانت السمة الغالبة على هذه القرارات أنها مساندة لقرارات منظمة الوحدة الافريقية المنحازة للجزائر. فبعد أن كانت تشير إليها او تحاط علما بها في ديباجاتها. أصبحت جزءا من منطوقها معتبرة أن الحل يكمن في تطبيق ماتتبناه المنظمة القارية و في تنفيذ شروطها…
مرحلة كانت استراتيجية الجزائر فيها كامتداد لاستراتيجيتها الرئيسية: عزل المغرب عن محيطيه المغاربي والافريقي.
1975 شهدت صدور قرارين للجمعية العامة تمخضت عنهما جلسة واحدة بتصويتين وبأغلبيتين مختلفين. وقد شهدت المناقشات سقوط آخر أقنعة الجزائر التي لم تستسغ نجاح المسيرة الخضراء وكشف مندوبها لدى الأمم المتحدة السيد عبد اللطيف رحال عن مدى العداء الذي تكنه جارتنا الشرقية للوحدة الترابية لبلادنا..
ويبدو أن الجمعية العامة في تناولها للحالة في الصحراء (ما بعد المسيرة الخضراء) قد رسمت خريطة ل»موقفين» بتصويتها على قرارين في 10 دجنبر 1975 خلال جلستها 2435. قراران يحملان نفس الرقم (3458): الأول (آ)، والثاني (ب) لكن بمضمونين وتصويتين وأغلبيتين مختلفين..
صوتت 20 دولة أفريقية بالإضافة الى الجزائر على القرار (ا). وصوتت عليه دول الكتلة الشرقية.
و10 دول افريقية بما فيها المغرب على القرار (ب).
فيما صوتت 20 دولة أوروبية صوتت على(ا) و(ب).
يقول الحسن الثاني في كتاب «ذاكرة ملك» « العالم كان آنذاك مقسما إلى مجموعتين، فهناك الغربيون الذين كانوا ينتمون إلى ناد ، وهناك الاتحاد السوفياتي ومن يدور في فلكه الذين يكونون معسكرا . ففي النادي ليس هناك تضامن مطلق، سواء على المستوى الأفقي أو العمودي، أما في المعسكر، فإن التضامن يكون فيه مطلقا عن كل قيد . ومن هذا المنطق فليس صحيحا أن الملف المغربي حول الصحراء لم يكن مسيراً بالشكل المطلوب. كل ما هناك أن الملف الجزائري كانت تتكفل به أزيد من ستين دولة … أما بالنسبة للمغرب ، فلم يكن يعتمد إلا على بلد واحد أو بلدين من النادي الغربي وحتى هذا الاعتماد كان مرتبطا مزاجهما ، في حين أن الجزائر كانت تتلقى السند من جميع الدول التي تدور في فلك الاتحاد السوفياتي بما في ذلك سفاراته وشبكاتها الإعلامية».
عملت الجزائر على حشو ديباجة القرار (أ) ب12 فقرة أدرجت في جلها كل ما يخدم اطروحتها واستغلت رئاسة مندوبها للجنة الدائمة لدول عدم الانحياز على مستوى الممثلين الدائمين في المنتظم الدولي و»هيمنتها « السياسية على عواصم افريقية يجهل اغلب قادتها المعطيات التاريخية بالمنطقة ..وجاءت النقط العشر التي تضمنها القرار متحاملة على المغرب تدور بشكل مباشر او غير مباشر حول «تقرير المصير « الذي لا يراه مندوب جارتنا الشرقية ( وكان عضوا باسم جبهة التحرير الجزائرية في التحضير والاشراف على استفتاء تقرير المصير الذي أفضى الى استقلال الجزائر سنة 1962) لا يراه إلا بعين «استقلال «إقليم الصحراء وانفصاله عن المغرب وخلق دويلة به .
لم يشر القرار الى الاتفاق الثلاثي الذي تم ابرامه بين الدولة المستعمرة أي اسبانيا وكلا من المغرب وموريتانيا على عكس القرار (ب) الذي كان واقعيا منسجما مع تطورات ملف الصحراء ومع ما أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قراراتها قبل 1975.
رفعت الجزائر من وثيرة عدائها للمغرب بعد قراري 1975 وشرعت في مهاجمته ليس فقط بالجمعية العامة بل بالمنظمات الإقليمية مثل الوحدة الافريقية والدولية ومثل حركة عدم الانحياز.
ولترسيخ استراتيجيتها في محاولة منها عزل المغرب. عزله دبلوماسيا اولت الاهتمام لبناء جبهة بالمنظمة القارية ورسم خريطة تصويت أغلبي بالجمعية العامة التي أصبحت جل قراراتها مجرد صدى لما تستصدره الجزائر من قمم منظمة الوحدة الافريقية.
وسعت لعزله ميدانيا بتكثيف جهودها لزرع كيان بينه وبين وموريتانيا وبالتالي بناء جدار يعزل بلادنا عن العمق الافريقي.
استراتيجيتها هاته كانت من بين أهدافها اضعاف بلادنا واستنزافها اقتصاديا وعسكريا اعتقادا منها ان ذلك ما سيحقق لها الهيمنة الإقليمية.
فأسبوعا بعد قراري الجمعية العامة أقدمت الجزائر عشية عيد الأضحى وفي اطار رد فعلها على نجاح المسيرة الخضراء ، أقدمت في يوم 18 دجنبر عام 1975 على طرد عشرات الالاف من المغاربة بعد ان جردتهم من ممتلكاتهم ودفعت بهم الى ما وراء حدودها مع المغرب الواقعة شرق مدينة وجدة .اعتقادا منها ان ذلك سيخلق ازمة اجتماعية واقتصادية عميقة .
وبادرت الى استصدار قرار للجنة التحرير الافريقية بمنظمة الوحدة الافريقية في مؤتمرها بالعاصمة الموزمبيقية ماباتو في يناير 1976 يعترف بجبهة البوليساريو ك»حركة تحرير افريقية».
ودفعت جيشها للتوغل في المناطق التي استرجعتها بلادنا مستهدفة وحدات من القوات المسلحة الملكية بعد الانتصارات الميدانية التي حققتها خاصة بعد مغادرة اسبانيا الإقليم. لقد هاجم الجيش الجزائري وقواته الخاصة في أواخر يناير 1976 ومنتصف فبراير من نفس السنة منطقة امغالا الواقعة بالجنوب الشرقي لمدينة السمارة وبلدات محيطة بها لكنه فوجئ بمحاصرة القوات المغربية لألويته و»إبادة» جل القوات الخاصة التي سخرها النظام الجزائري مما اضطر الرئيس هواري بومدين لطلب تدخل ووساطة مصر وتونس والجامعة العربية من اجل فك الحصار بل من أجل إطلاق سراح أسراه الذين وقعوا بالمئات بين ايدي القوات المسلحة الملكية..
لم تنتظر الجزائر الدورة 31 للجمعية العامة للأمم المتحدة إذ بادرت الى تأسيس ما أسمته ب»الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية» في27 فبراير 1976 وحشدت لها اعترافات خاصة من افريقيا ومن بلدان تنتمي لحركة عدم الانحياز بهدف استصدار قرارات من هاتين المنظمتين تكون مرجعية لقرارات الجمعية العامة..
ناورت الجزائر في اجتماعات منظمة الوحدة الافريقية.. ودفعت الى استصدار قرار للمجلس الوزاري سنة 1976 يصنف المغرب ك «قوة احتلال « . وكثفت من حملتها الدبلوماسية في سنتي 1976و1977 بعد هزائم جيشها في مواجهته للقوات المسلحة الملكية داخل الأقاليم الجنوبية. فالقائم المؤقت لبعثتها بالأمم المتحدة آنذاك السيد عبد القادر بن سماعيل بعث بشكل رسمي الى الأمين العام للأمم المتحدة وثيقة المجلس الوزاري لمنظمة الوحدة الافريقية بالرغم من انها لم تعتمد في القمة وطلب منه ان يعممها كوثيقة رسمية. وبالموازاة مع ذلك وخلال تلك السنتين وبأساليب الابتزاز والسخاء المالي استطاعت أن تدفع حوالي 10 دول افريقية للاعتراف بالكيان الذي أنشأته تحت اسم «الجمهورية الصحراوية…». وهو ما مكنها من توجيه اشرعة النقاش بالمنظمة القارية حسب هواها.
حرصت الجزائر على تأثيث خطاب دبلوماسيتها بمصطلحات مناوئة للمغرب زرعت بعضها في قرارات منظمة الوحدة الافريقية وحركة دول عدم الانحياز كمقدمة لتسريب بعضها في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.. كان لتصنيفها للمغرب «حليفا للإمبريالية» قد وجد صداه لدى دول الكتلة الشرقية وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي وأنظمة الحزب الواحد بإفريقيا وامريكا اللاتينية والتي لم تر في مفهوم تقرير المصير سوى انفصال أو استقلال الأقاليم المدرجة بلائحة اللجنة الخاصة بتنفيذ اعلان القرار 1415 المتفرعة عن اللجنة الرابعة حتى ولو كانت هناك حقائق تاريخية تؤكد الوحدة الترابية للمغرب.
وبالرغم من انه كانت هناك قضايا لتصفية الاستعمار (حالات ناميبيا وانغولا وروديسيا وغينيا والرأس الأخضر …) ومناهضة العنصرية بجنوب افريقيا على جدول اعمال وفي مناقشات اللجنة الخاصة واللجنة الرابعة والجمعية العامة الا أن حماس الجزائر وتعبئتها كان منصبا وفقط على قضية الصحراء.
اعتمد قرارا 1976و1977 دون تصويت إذ أخذا في الاعتبار عزم منظمة الوحدة الافريقية بعقد دورة استثنائية تخصص للصحراء. وأحيطا علما بالجزء المتعلق بالصحراء من الإعلان السياسي لمؤتمر دول عدم الانحياز بالعاصمة السيريلانكية كولومبو (غشت 1976).
في سنة 1978 أصدرت الجمعية العامة من جديد قرارين في نفس الجلسة المنعقدة بتاريخ 13 دجنبر من نفس السنة.. جاءت الجزائر بممثل للبوليساريو المسمى تنقيري منصور عمر ليلقي كلمة مطولة امام اللجنة الرابعة مليئة باتهامات للمغرب ونعته بالمحتل والمجرم وانه يقوم بعمليات إبادة واستيطان وتهجير وقصف بالنابالم و… وأن جبهته هي» الممثل الشرعي والوحيد» لما اسماه بالشعب الصحراوي.
كتب القرار (آ) بمداد استراتيجية الجزائر متضمنا عبارات «انهاء الاستعمار» و»تقرير المصير والاستقلال.
أما القرار (ب) الذي حافظ على روح قراري 1976 و1977 فدعا منظمة الوحدة الافريقية الى «اتخاذ اجراء فوري لإيجاد تسوية عادلة ومنصفة لمشكل الصحراء الغربية».
ابتداء من قرار 1978 (أ) الذي يحمل رقم 33/31 (13 دجنبر) استوطنت فقرة في ديباجة قرارات الجمعية العامة» نصها: «وإذ تضع (الجمعية) في اعتبارها الاهتمام البالغ الذي تبديه الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية وبلدان عدم الانحياز بخصوص انهاء استعمار الصحراء الغربية وحق شعب هذا الإقليم في تقرير المصير».
أفشلت القوات المسلحة الملكية خلال السنوات 1975 التي تلت المسيرة الخضراء كل هجمات الجزائر والبوليساريو مما دفعهما الى تكثيف عدوانهما على موريتانيا بعد أن خبرا نقط ضعف القيادتين السياسية والعسكرية في هذا البلد مما أدى الى انهاك قواته واقتصاده وترتب على ذلك انقلاب عسكري في 10 يوليوز 1978من تلك السنة أطاح بالرئيس المختار ولد داداه وتعيين العقيد المصطفى بن محمد السالك قائد الأركان رئيسا للبلاد رئيسا للجنة العسكرية للخلاص الوطني .كانت الجزائر تضع نصب عينيها من استهداف موريتانيا هو الضغط عليها للانسحاب من إقليم وادي الذهب والتخلي عنه للبوليساريو في اطار استراتيجيتها : عزل المغرب عن محيطيه المغاربي والافريقي. وبالفعل زج ضغط الجزائر على موريتانيا في فترة لا استقرار سياسي وانقلابات متواترة نجم عنها تنصل نواكشوط من التزاماتها مع المغرب وابرم اتفاقا مع البوليساريو في الجزائر في 8 غشت 1979 ليسلمها الاقليم وهو المخطط الذي أحبطه المغرب بدخول القوات المسلحة الملكية الى المنطقة وتقديم شيوخ وأعيان وعلماء القبائل البيعة للملك الحسن الثاني في 14 غشت 1979.
تميز قرار الجمعية العامة سنة 1979 الذي حمل رقم 34/37 بتصويت موريتانيا إيجابا عليه الى جانب الجزائر
وفيه رحبت الى اتفاق الجزائر بين موريتانيا والبوليساريو واعتبرت أنه « يشكل مساهمة هامة في عملية السلم «.
وفيه تم إقحام عبارة تشير الى أن المغرب» قوة احتلال» (وردت كلمة احتلال خمس مرات في هذا القرار) وأوصى القرار بأن تشترك البوليساريو « ممثلة شعب الصحراء الغربية، اشتراكا كاملا في أي بحث عن حل سياسي…».
ولم يخرج قرار سنة 1980 عن سابقه إذ احتفظ بنفس المصطلحات والعبارات.. لكنه أضاف فقرة تستهدف المغرب وهي بمثابة شرط لأي استفتاء محتمل بالإقليم هو التنصيص على « المفاوضات المباشرة « بين الرباط والبوليساريو وهي امتداد لما استصدرته الجزائر في قرار منظمة الوحدة الافريقية.
كانت قمة 1980 لمنظمة الوحدة الافريقية التي انعقدت بفريتاون عاصمة سيراليون قد عاثت فيها الجزائر تسيبا وانتهاكا للمبادئ المؤسسة للمنظمة . إذ دفعت بالبوليساريو لتقديم والبث في طلب انضمام ما يسمى ب»الجمهورية الصحراوية…» بالرغم من ان اكثر من نصف قادة الدول الأعضاء لم يحضروا الى هذا المؤتمر .
في 26 يونيه 1981 « أعلن الملك الحسن الثاني في خطاب له أمام القمة 18 لمنظمة الوحدة الإفريقية عن قبول المغرب تنظيم الاستفتاء إذ قال :» واعتبارا لهذا كله، ومن أجل أننا نريد بكل ما لأرادتنا من قوة إنقاذ مجموعتنا الإفريقية من كل ما من شأنه أن يهددها بالانفجار والتمزق، ومن أجل أننا نريد دون كلل أو سأم أن نحافظ لفائدة منظمة الوحدة الإفريقية وهي تقابل العالم كله على صورتها كمنظمة متماسكة واعية ومسؤولة، فإننا قررنا أن نأخذ بعين الاعتبار مسطرة استفتاء مراقب تراعي شروطه التطبيقية في آن واحد أهداف التوصيات الأخيرة الصادرة عن اللجنة الخاصة: لجنة الحكماء، وما للمغرب من اقتناع بحقوقه المشروعة».
فاجئ الحسن الثاني بقراره خصوم المغرب بالمنظمة «وفي الوقت الذي كان يبدو فيه أن القضية تتجه نحو الحل وضعت الجزائر أمام المبادرة شروطها المثمتلة أساسا في :
انسحاب القوات والإدارة المغربية من الصحراء؛
مفاوضات مباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو؛
جاء قرار الجمعية العامة سنة 1981 والذي حمل رقم 46/36 متمحورا حول شروط الجزائر والتي زرعتها في قرارات منظمة الوحدة الافريقية.
ولم يخرج قرار نونبر 1982 عن سابقه في المضمون أو الشكل.. وفي مرامي الجزائر بخصوص اعتماده.
ضاعفت الجزائر جهودها لمجال بدا أن أغلبيته تصطف الى جانبها وهو منظمة الوحدة الافريقية التي بلغ عدد أعضائها الذين اعترفوا بالجمهورية الصحراوية أكثر من 25. ووظفت كل امكانياتها بكل ما اوتيت من وسائل واغراءات وانتهاكات قانونية ومسطرية كي لا يكون لموافقة المغرب على اجراء الاستفتاء أي تأثير على خريطة مسانديها. واستصدرت من هذه المنظمة قرارا في قمتها التي انعقدت في اديس ابابا في يونيه 1983 زرعت في منطوقه ما يستحيل معه إيجاد حل لقضية الصحراء لأن استراتيجيتها كانت ولا تزال، تكمن في كيفية إطالة أمد اللاحل ومن أجل استنزاف المغرب على أكثر من مستوى.. قرار حمل رقم AHG/Res.104(XIX) اختزل الحل في» المفاوضات المباشرة «وفي «الاشراف الكلي للمنظمة القارية على الاستفتاء « وفي « تنفيذ « ذلك القرار الذي تم اتخاذه بتواطؤ رؤساء وبخرق مساطر وانتهاك مبادئ مؤسسة للمنظمة. وبموازاة ذلك كانت تمهد الطريق لإقحام الكيان الذي أنشأته وهو ما أسمته ب «الجمهورية الصحراوية…» إقحامه كعضو بمنظمة الوحدة الافريقية..
وأثناء انعقاد اللجنة الرابعة والجمعية العامة في دورة 1983 كان الاتجاه أثناء المناقشات أو في القرار الذي تم اعتماده دون تصويت هو افساح المجال لتنظيم الاستفتاء بعد قبول المغرب بذلك
في قرار 1984 عادت عبارة أن مسألة الصحراء « مسألة انهاء الاستعمار « وجاء بعد أن أعلن المغرب عن قراره بالانسحاب من منظمة الوحدة الأفريقية في قمتها بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا. إذ القى مستشار الملك الحسن الثاني السيد محمد رضى اكديرة خطابا ملكيا في جلستها الافتتاحية بتاريخ 12 نونبر 1984 جاء في مستهله:» ها قد حانت ساعة الفراق، ووجد المغرب نفسه مضطرا ألا يكون شريكا في قرارات لا تعدو أن تكون حلقة في مسلسل لا رجعة فيه لتقويض أركان المشروعية، العنصر الحيوي لكل منظمة دولية تحترم نفسها…».
توجت سنة 1984 عقدا من مؤتمرات المؤامرة ضد المغرب من طرف الجزائر ومن معها وساعدها في ذلك أن جل مؤتمرات المنظمة القارية انعقد في ذلك العقد بعواصم مناوئة للمغرب مثل ليبيا ونيجيريا واثيوبيا وموزمبيق وغامبيا وكينيا وزيمبابوي…
وتوجت 1984 عقدا من الانقلابات الافريقية تغيرت معها الخرائط السياسية التي مالت الى حد كبير الى الاطروحة الجزائرية. فمن 1974 الى السنة التي تم فيها منح العضوية الكاملة لما سمي ب»الجمهورية الصحراوية» في منظمة الوحدة الافريقية (بعدما كانت عضوا مراقبا) حدث أكثر من 20 انقلابا .
في الثاني من دجنبر سنة 1985 صادقت الجمعية العامة على قرارها الجديد الذي لم يكن سوى نسخة من قرار 1984.ونفس الشأن بالنسبة لقرارات 1986 و1987 و1988 والتي استمرت في اعتبار ان مسألة الصحراء هي «مسألة إنهاء الاستعمار» وأن الحل يمر من تنفيذ قرار منظمة الوحدة الافريقية (AHG/Res.104(XIX).
حصدت قرارات الجمعية العامة بعد انسحاب بلادنا من منظمة الوحدة الافريقية (1987،1986،1985،1984) أرقاما قياسية في التصويت لصالحها وهي تتضمن معجما وفقرات تستهدف المغرب .
لكن قرار 1988 أضاف فقرة تم من خلالها الإعلان على أن هناك موافقة مبدئية للمغرب وجبهة البوليساريو على الاقتراحات المشتركة التي قدمها كل من رئيس منظمة الوحدة الافريقية أنداك الزامبي كينيث كاوندا(الذي واصل مساعيه من حيث انتهى سلفه السنغالي عبدو ضيوف) والأمين العام للأمم المتحدة البيروفي خافيير ديكويلار تتعلق بإجراء استفتاء تضطلع به وتشرف عليه المنظمة الدولية بالتعاون مع المنظمة القارية. وقد تمت الموافقة لكل طرف على حدة بجنيف.

(يتبع)


الكاتب : مصطفى العراقي

  

بتاريخ : 07/03/2025