الجنرال الجزائري خالد نزار يتحدث عن قصته مع الملك الحسن الثاني وإدريس البصري في قضية زعيم “الجيا” عبد الحق العيايدة

 

 

رافقت عودة الجنرال خالد نزار، وتبرئته من تهمة «التآمر على الدولة»، (كان مدان غيابيا بعقوبة 20 سنة سجنا)، موجة من الجدل الأوساط السياسية الجزائرية، حيث يتردد أن العسكر يراهن على عودة ما يعرف بـ «الدولة العميقة».
وقد فتح هذا الجدل الأبواب أمام تأويلات تتحدث عن «عودة الدولة العميقة»، وعن تسويات سياسية مع الوجوه القديمة المغضوب عليها.


والجنرال نزار لواء متقاعد، شغل منصب وزير دفاع خلال فترة التسعينيات، ولعب دورا كبيرا في تلك الفترة، التي تعرف في الجزائر بـ «العشرية الحمراء»، ورغم تقاعده ظل اسمه يتردد بقوة داخل أروقة الحكم.
في ما يلي نقدم لقراء “الاتحاد الاشتراكي” شهادة الجنرال الجزائري العائد خالد نزار، التي أدلى بها في الحلقة 13 من برنامج “فوروم الشروق”، والتي تحدث فيها عن قضية “عبد الحق العيادة”، ولقائه بالراحل الحسن الثاني و الملك محمد السادس، و فترة العنف بالجزائر “العشرية السوداء”، وعن مواضيع اخرى…


بدأ الجنرال حديثه بتناول قضية “عبد الحق العيايدة”، المزداد سنة 1959، والقيادي البارز في الجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا) عام 1992، والذين عملوا على تأسيس هذا التنظيم المسلح متأثرا بأفكار “علي بلحاج”.
وقال اللواء المتقاعد، جوابا عن سؤال حول قصته مع هذه الشخصية الفريدة، وهل كان المسؤول عن قدومه الى الجزائر عبر المغرب، إن “القصة طويلة لكنني سأعرج على اهم أحداثها”. مضيفا أنه التقى، في بادئ الامر بالجنرال “إسماعيل” و رئيس الاركان “العماري”، اللذين أخبراه بأنهما على علم بمكان اختباء “العيايدة”، وأنهم بصدد مراقبته عبر مجموعة أوكلوا لها هذه المهمة، بانتظار قدوم من سيتكلف بشأنه. وذكَّر بأنه لم يتدخل في عملهم.
وتابع الجنرال حديثه بتأكيده أن الجنرال اسماعيل زاره بعد ثلاثة أيام من ذلك، وأخبره بأن العيادي قد اختفى دون أثر، مصرحا بأن العيادة كان المشرف على عملية اغتيال استهدفته شخصيا، خرج منها مثل الشعرة من العجين لأنه كان ينتقل في سيارة مصفحة. بيد أن أحد معاونيه “بوعلام” أصيب ببعض الجروح، مؤكدا أن الأمر لا يتعلق البتة بمشكلة في التحرك التي كان مصابا بها، والتي سببها له ارهاق العمل المؤدي لاختناق أحد الاوردة الدموية في الدماغ، ما اضطره للترحال ما بين الجزائر و السويد من أجل العلاج على مدى 3 سنوات.
وقال المتحدث إن الجنرال اسماعيل أكد له أن مراقبة العيايدة دامت من 3 إلى 4 أيام، وأنه اختفى دون ترك أي أثر خلفه. مضيفا أن المختفي كان يتحدث مع أتباعه عن طريق الرسائل المشفرة، وأنه طلب منهم ان يحضروا له معداته لكي يغادر مخبأه، وأن السلطات الاستخبارية تمكنت من فك شفرة الرسالة، غير أنها لم تعلم كيف اختفى العيادة من مخبئه بتلك الطريقة. وذكر خالد نزار، في معرض حديثه عن العيايدة والعمل الاستخباراتي، بأن الفرنسيين إبان الثورة الجزائرية، كانوا على علم مسبق بقدوم سفينة “لاطوس” وسط وهران (ما يعرف بقضية سفينة “لاطوس” الشهيرة المحملة بالسلاح من اجل الثورة)، مؤكدا أن الفرنسيين كانوا قد استعانوا بمعارفهم في سوق السلاح الدولي، وأنهم قبلوا بالتضحية بجنودهم في نهاية المطاف، وبقتل الجنود بأسلحة فرنسية، من اجل الفوز بالغنيمة الكبرى وهي السفينة، مؤكدا بان العمل الاستخباراتي عمل خاص وصعب، ولا يجب أن يتدخل فيه كل من هب و دب.
وتابع خالد نزار، بأن الجنرال اسماعيل ومرافقه قد زاروه بعد ذلك في منزله، وذلك بعد أسبوع أو 6 أيام من حادثة اختفاء العيايدة، ليخبروه بمعرفتهم بمكان وجوده في أحد الفنادق بمدينة وجدة المغربية.
وأفاد الجنرال نزار أن عملية جلب العيايدة من مدينة وجدة لم تكن بالعملية بالصعبة للغاية، وانها لم تكن لتسبب أي أزمة دبلوماسية بين المغرب والجزائر، لو اعتمدت الاستخبارات الجزائرية على على طرقها ومواردها الخاصة، لإتمام الأمر في إطار “مهمة سرية”، غير أنهم فضلوا إعلام “الجار المغربي” بالأمر، حيث أوصل الجنرال اسماعيل، ملف “العيايدة” وحركة تنقل الاسلحة ومخازنها، بين المغرب والجزائر لإدريس البصري (وزير الداخلية المغربي آنذاك)، وذلك بعد أن تواصل خالد نزار بإدريس البصري الذي استأذن الملك الراحل الحسن الثاني في قدوم الجنرال اسماعيل إلى المغرب، غير أن البصري طلب من خالد نزار أن يرافق اسماعيل بناء على رغبة الملك الحسن الثاني في الالتقاء به، إلا أن اسماعيل كان آنذاك في طريقه لملاقاة إدريس البصري بالفعل.
بعد عودة إسماعيل من رحلته الى المغرب، وتحدثه إلى خالد نزار حول رحلته ولقائه بإدريس البصري، أخبره بأن المغاربة وفور علمهم بمكان العيايدة، طوقوا الحدود المغربية-الجزائرية، ووجهوا مجموعة لتولي أمر القبض عليه، هذا في حالة مروره عبر الطريق، غير أنهم ألقوا القبض على أحد معارفه الذي أكد أن العيايدة لن يسلك هذا الطريق، وسلموه إلى الجنرال اسماعيل الذي أخذ منه معلومات مهمة/ لكنه لم يعش بعدها طويلا، حيث قتله أحد ما من جماعته برصاصة في الرأس.
وقال الجنرال خالد نزار، إنه التقى، فيما بعد، بسلطان المغرب، مؤكدا بأنه توقع موضوع الحديث بينهما، وغالبا سيكون حول “الصحراء”.
وفور وصوله إلى المطار، يقول الجنرال الجزائري، التقى بإدريس البصري الذي كان ينتظره واقفا بالقرب من سيارة “مرسيدس حمراء”، ومنها ركبا نحو المشور السعيد، ثم إلى مكتب الراحل الحسن الثاني، وهو مكتب صغير ذو أثاث مغربي تقليدي. كان الملك برفقة البصري ومدير الديوان الملكي وولي العهد محمد السادس. ثم بعد ذلك انتقل إلى مقابلة الملك، في لقاء من ساعتين، حيث أهداه في أول اللقاء علبتين أو ثلاث من السجائر الامريكية، وفي خضم الحديث ظهر موضوع “الصحراء الغربية” الذي طال الحديث حوله دون نتيجة نهائية، قبل أن ينتفض الحسن الثاني ويوصل ضيفه إلى قاعة الغذاء.
وقال الجنرال إنه نسي هدية الملك في مكان اللقاء.
ولم يغفل الجنرال عن ذكر موقف الحسن الثاني من الوحدة المغاربية، ورغبته الكبيرة في تحقيقها في أسرع وقت ممكن.
وقد استشاط نزار غضبا عندما سأله المحاور عما إذا كان الحسن الثاني قد أغراه بامتيازات ما، في حالة وصولهم الى اتفاق يرضي الملك، مؤكدا للمحاور أن الملك لن يقوم بهذه الحركة، وأن ذمته لا تباع ولا تشترى، وأن السؤال مستفز للغاية.
وبالعودة لموضوع العيايدة، أكد خالد نزار أن كلا من ولي العهد محمد السادس، رفقة وزيري الداخلية و الخارجية، فضلا عن مدير الديوان الملكي، رافقوه إلى “فيلا” الضيافة غير البعيدة عن مكتب الملك.
وذكر المتحدث أنه طلب من الملك تسليمهم العيايدة، هذا الأخير أعطى تعليماته لإدريس البصري بالتعاون معي، غير أن البصري بدأ يتحجج كثيرا، في مائدة الغذاء، حيث تطرق إلى موضوع أسلحة “عوزي” الإسرائيلية، والتي قال بأن الشرطة المغربية تستعمله منذ فترة، كما أكد بعد ذلك أنهم سيحاولون تسليمهم العيايدة.
وقال خالد نزار إنه بعد عودته الى الجزائر تلقى خبرا من الملك من طرف “بطرس غالي”، الذي أخبره بأن “الملك يسلم عليك، ويقول لم إن الأمانة قادمة إليك”. غير أن الأمر طال لمدة 3 أشهر.
ووصف الجنرال الحسن الثاني بالملك الذكي الذي كان منفتحا في الحديث، مذكرا أن الملك قال له ضاحكا: “نحن نسلمه لكم، وأنتم لا تطلعون أحدا عن هوية مسلميه”.
وقال الجنرال إن بعدها زميله اسماعيل زاره مرة أخرى، وقال له إن الرجل ليس في السجن، وانتبهت بعدها الى أمر مريب في القضية، قبل أن يخبرني بكيفية علمه بكل هذه المعلومات المهمة، حيث أخبرني بأنه تمكن من الوصول الى الخط الهاتفي لكل من زوجة ووالدة العيايدة، وبأنه كان يتنصت على مكالمتهم من مكتبه الخاص.
وتابع المتحدث أنه تلقى اتصالا، في يوم أحد، من ادريس البصري، “فأخبرته بأن الرجل ليس في السجن، ليبدي الأخير عن تعجبه نافيا الأمر كليا، رغم أننا أخبرناه أننا نملك تسجيلا لذلك” غير أن وزير الداخلية المغربي أخبره بأن “على الجنرال اسماعيل القدوم الى المغرب، واصطحاب التسجيلات الصوتية معه”.
بعد ذلك، انتقل خالد نزار، جوابا على سؤال حول “العشرية السوداء” في الجزائر التي بلغ عدد ضحاياها ما بين 49 ألفا الى 200 ألفا من الضحايا؛ وقال إن العنف في الجزائر كان متفردا في العالم بين 1994-1995، وأن الأمر تجاوز كل ما كنا نفكر فيه من قبل، وأن ضحايانا هم “ضحايا المأساة الوطنية”، ومنهم المفقودون الذين يصعب حل مشكلتهم، فضلا عن الذين يصعب التحقق من قضاياهم، وأن العدالة هي الوسيلة الوحيدة لإرضاء الخواطر، غير أننا توجهنا الى ما يعرف بـ”قانون الرحمة” الذي بادر به محمد التواتي (المستشار السابق لخالد نزار)، وأن التغطية السياسية لم تمنح للنائبين المتضررين إلا من قبل بوتفليقة.
وفي سؤال سريع وجه له، حول ما إن كان يتم التشاور معه، خلال توليه لمنصبه العسكري، فيما يخص أمن البلاد الداخلي والخارجي، أجاب خالد نزار بأنه لم يكن على علم بأي شيء يخص الأمن الداخلي، و ألا أحد قدم للتشاور معه في ذلك، وأن الحاكم له الحرية في طلب المشورة أم لا.
وبالنسبة لموقفه من ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رئاسية أولى، أجاب بأنه لم يكن على أرض الوطن (الجزائر) بل كان في احدى الدول الاوروبية، في فترة عطلة واستراحة مرضية، حين اتصل به الجنرال توفيق، وهو اتصال أثار استغرابه، حيث سأله صحته وعن أمور الانتخابات، قبل أن يخبره بأن السيد عبد العزيز بوتفليقة، قد ترشح وأنهم سيساندونه.
وبخصوص رأيه في مرشح الجيش سنة 2003، وانقسام الجيش حول ذلك، أجاب بأن الجنرال العماري لم يكن مستقلا، وأن رئيس الأركان لم يكن عليه أن يترشح للرئاسة. وأضاف بأن الاختلاف حول ترشح العماري كان لأن هذا الأخير طلب صلاحيات أكثر، غير أن بوتفليقة لم يسمح بذلك، بيد أن الجميع اتفق على عدم وجوب دخول الجيش للسياسة، وخاصة الى ردهة الانتخابات الرئاسية.
وجوابا على سؤال “هل يمكن القول بأن جناحي المؤسسة الأمنية والعسكرية قد اختلفنا على هوية الرئيس؟”، أجاب أنه لم يكن على علم بصراحة، وبأنه لم ينتبه الى الشأن الانتخابي في أوقات عدة، خاصة لتزامنه مع رحلته العلاجية في الخارج، “غير أنني كلما علمت شيئا ما بهذا الخصوص، أرى نفسي أشارك بالتدخل في الحوار عبر الصحف المحلية، ومن خلال مقالاتي كنت أراقب الوضع على العموم، وأن الواجب يحتم علي أن أتكلم مهما كانت هوية المتلقي”.
وأضاف: “إنني مواطن كما اعتقد، ولي الحق في الحديث والتعبير عن رأيي كلما بدا لي ذلك مناسبا، ولا دخل لي بمواضيع أكبر مني”.

 

 


الكاتب : إعداد: المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 06/01/2021