الحبيب المالكي: ديموقراطية التَّوافُق (27)

سنوات رئاسة مجلس النواب في المغرب

بالحرصِ نَفْسِه على هذا التقليد الشخصي، أحاول أن أقف الموقفَ نَفْسَه تُجاهَ مَهَامّي على رَأْسِ مجلس النواب في المملكة المغربية خلال الولاية التَّشْريعية العاشرة (2021-2016).
وهذه المرة، حاولتُ أَنْ أُشْرِكَ معي عددًا من أطر المجلس في تجميع المعطيات وفتح ما يشبه ورشةً من الحوار الجماعي حول عملنا وأدائنا ونوعية النتائج التي حققناها. وقد وجدتُ من الأصدقاء والزملاء في مجلس النواب روحًا سمحة من الإنصات والتفاعل، إِذْ أدرك الجميع معنى هذا التقليد، وبالخصوص أدركوا أَن ذلك من أجل الإِسهام في لَمْلَمَةِ عناصر ذاكرةٍ مشتركة وترصيد التجربة التي كانت جماعيةً بامتياز من أجل المزيد من فهم واقعنا السياسي في المغرب وتأمل سيرورة نضالنا الديموقراطي في أحد أهم أمكنة الممارسة الديموقراطية.

اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي :(2)

الطريق الطويل إلى استبطان القيم الديموقراطية…

 

واعتبرنا انعقاد الدورة 14 للاتحاد ببلادنا فرصة ولحظة نحتاج فيها إلى الحوار أكثر من أي وقت مضى لأنه لا بديلَ عن البحثِ عن السلام والاستقرار والأمن، ولا بديلَ عن التعاون والتضامن والتسامح والرقي والازدهار المشترك.
ومنذ أن تمت الموافقة على أن تحتضن بلادنا الدورة 14 للاتحاد، وتولينا رئاسته الدورية وضعنا رؤية للتدبير تتوخى تحقيق الأهداف التالية :
النجاعة والفعالية في أعمال الاتحاد؛
البحث عن التوافق بين أعضائه بشأن القضايا التي يتعاطى معها؛
تكريس استقلالية الاتحاد كمنظمة برلمانية متعددة الأطراف؛
التفاعل السياسي المؤثر مع ما يُسْتَجَدُّ من أحداث في الساحتين الإسلامية والعالمية؛
تكثيف الاتصالات والحوار مع المنظمات البرلمانية متعددة الأطراف من خارج العالم الإسلامي بما ييسر الدفاع عن القضايا العادلة للشعوب الإسلامية وتصحيح الصورة الخاطئة التي تعطى عن الإسلام والمسلمين، ومحاربة الإرهاب والتطرف والتعصب.
العمل من أجل أن تكون الديموقراطية والمشاركة والتحديث أفقا وهدفا مركزيا من أهداف الاتحاد مما يمكنه أن يقوي ويعزز مصداقيته ويكرس استقلاليته كإطار متعدد الأطراف يعكس التنوع والامتداد المجالي للعالم الإسلامي، ومكانته الجيوسياسية وحجمه الديموغرافي.

توخيا لهذه الأهداف، اقترحنا إنجاز جملة من المبادرات منها:

إحداث «جائزة القدس للديمقراطية والعدالة التاريخية»
اعتبارا لمركزية القضية الفلسطينية لدى الشعوب الإسلامية ولدى اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، ولتكريس الحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني، اقترحنا إحداثَ جائزة تحت اسم «جائزة القدس للديمقراطية والعدالة التاريخية».
وتعكس التسمية المقترحة جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وشرعية الكفاح الفلسطيني وارتباط هذه القضية بمبادئ وقيم حقوق الإنسان والعدل والشرعية.
وتتوخى الجائزة تحقيق الأهداف التالية :
استعادة الزخم إلى الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية في سياق إقليمي ودولي غطَّت أحداثُه على هذه القضية وجعلت الاحتلال ينفرد بالشعب الفلسطيني، والمجموعة الدولية تغُضُّ الطرف عن ممارسات الاحتلال وعن السعي إلى تسوية عادلة وشاملة للنزاع في الشرق الأوسط على أساس العدل وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
تذكير المنتظم الدولي، وخصوصًا المجموعة البرلمانية الدولية، بمشروعية حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف : حق الدولة وحق عودة اللاجئين، والاستقلال، والتذكير بالظلم التاريخي المسلط على الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 70 عاما، وبمسؤولية الضمير العالمي ممثلا في أعضاء البرلمانات في إقرار العدالة التاريخية للشعب الفلسطيني.
التعريف بعدالة القضية الفلسطينية وبشرعية الكفاح الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، وبأن نضال الشعب الفلسطيني، نضال مشروع ومرتبط بوجود الاحتلال.
تشجيع البرلمانات الوطنية في العالم الإسلامي والبرلمانات الوطنية في البلدان غير الإسلامية، والمنظمات البرلمانية متعددة الأطراف على اتخاذ المبادرات السياسية واعتماد المواقف المساندة لمشروعية القضية الفلسطينية ودعم نضال الشعب الفلسطيني المشروع.
عقد منتدى مع سفراء البلدان الإسلامية المعتمدين لدى المملكة المغربية، يتعلق الأمر بلقاء في صيغة منتدى مع سفراء البلدان الإسلامية المعتمدين لدى المملكة المغربية والمنظمات التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، خصوصًا الكائن مقراتها المركزية أو الجهوية بالرباط (الإيسيسكو – والبنك الإسلامي للتنمية) من أجل التعريف بخطة عمل الرئاسة المغربية لاتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، ورؤية الرئاسة لواقع العالم الإسلامي والمبادرات الضرورية للدفاع عن قضايا الشعوب الإسلامية.
وقد بادرنا خلال الاجتماع الذي عقدناه مع السادة السفراء إلى التعريف بخطة عمل الرئاسة المغربية وأهدافها.
قيادة مبادرة المنظمات الإسلامية (منظمة التعاون الإسلامي والإيسيسكو وغيرها)
لدعوة الأمم المتحدة ووكالاتها المختصة (اليونسكو) لاعتماد يوم عالمي «لمناهضة الإسلاموفوبيا»، يكون مناسبة دولية للدعوة إلى التسامح والتعايش والتعريف باعتدال الدين الإسلامي ورفض الخطابات التي تُلْصِقُ الإرهاب بالإسلام والمسلمين، والتي تتخذ إيديولوجية الترهيب والتخويف من الإسلام، عقيدة لها، والتصدي للتطرف والتعصب. وفي هذا الإطار، خاطبت مباشرة صديقنا ميغيل أنخيل موراتينوس، الممثل السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات  (UNOAC)ووزير الخارجية الإسباني الأسبق على أمل أن نُفكِّر معًا سويًّا في تطوير هذه الفكرة وتفعيلِها في إطار الأمم المتحدة.
ومواصلةً لهذا المسعى استقبلنا السيد موراتينوس يوم 11 أبريل 2019 بمقر المجلس، واستعرضنا معه الفكرة. وقد لمسنا من هذه الشخصية الدولية حماسا قويا لإعمال هذا المقترح معتبرا أن المملكة «نموذجا لتحالف الحضارات» وللتسامح الديني والتعدد الثقافي ومشيدًا برؤية جلالة الملك محمد السادس للحوار الحضاري. وقد أثنى السيد موراتينوس على دور البرلمانات في ترسيخ قيم تحالف الحضارات والتسامح والتعددية وأعلن عن تنظيم ملتقى برلماني دولي لتحالف الحضارات بهدف تحسيس ممثلي الشعوب بالمبادئ والقيم المكرسة لتحالف الحضارات والتصدي لنزعات الكراهية.
ومن أجل إطلاق التعبئة الدولية لتحقيق هذا الهدف دشنا اتصالات متعددة الأطراف إذ استقبلنا سفراء الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي المعتمدين بالرباط بحضور المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) وناقشنا معهم رهانات اعتماد يوم عالمي لمحاربة الإسلاموفبيا وضرورة العمل من أجل التصدي للخلط بين الدين الإسلامي والتطرف والعنف والإرهاب.
وإذا كان وباء كوفيد 19 لم يسعف في تفعيل هذه الفكرة الطموحة فإن ما تعيشه المجموعة الدولية من نزعات انطواء شوفينية ، وخلط بين الأديان وخطابات التعصب، تفرض أكثر من وقت مضى تفعيلها.
تنشيط اللجن المتخصصة والفرعية خلال الفترة الفاصلة بين دورتي المؤتمر على أن تتوج أشغالها بمشاريع توصيات وقرارات تُعْرَض على المؤتمر العام. وكان الهدف من ذلك هو إنضاج التوافق حول التوصيات والقرارات بعد تعميق النقاش بشأنها على مستوى اللجن، والحرص على حصر المواضيع التي تشتغل عليها اللجن في مواضيع بعينها.
واقترحنا أن تنعقد اللجن حول مواضيع تحظى بالأولوية في العالم الإسلامي (كل لجنة حسب مجال اختصاصها). ويمكن أن يشارك في هذه الاجتماعات، إلى جانب البرلمانيين الأعضاء، مسؤولون حكوميون، وخبراء جامعيون متخصصون في الموضوع.
واقترحنا أن تكون الاجتماعات الأولى للجن على النحو التالي :
لجنة الشؤون السياسية والعلاقات الخارجية، وقد سبق للشعبة المصرية أن طلبت استضافة اجتماعها بالقاهرة.
لجنة الشؤون الاقتصادية وشؤون البيئة، واقترحنا أن تجتمع في بلد إفريقي في إشارة إلى التضامن مع بلدان إفريقيا المتضررة من الاختلالات المناخية وفي سعيها إلى التنمية.
لجنة حقوق الإنسان والمرأة والأسرة، اقترحنا أن تجتمع في تونس.
لجنة الشؤون الثقافية والقانونية وحوار الحضارات والأديان، واقترحنا أن يستضيف اجتماعها بلد عضو من وسط آسيا.
لجنة فلسطين، واقترحنا أن تنعقد بالرباط اعتبارا لرئاسة جلالة الملك
محمد السادس للجنة القدس، ولما تحتله قضية فلسطين في المغرب من مكانة سياسة وروحية.
كما اقترحنا أن تنكب اللجن خلال اجتماعاتها أولا على تدقيق تقاريرها وقراراتها المعتمدة خلال الدورة 14 لمؤتمر الاتحاد الذي انعقد بالرباط خلال الفترة ما بين 11 و14 مارس 2019، من أجل استنتاج خلاصات تركيبية تقدم في شَكْلِ توصياتٍ وقراراتٍ يتم إنضاج التوافق بشأنها وإغناؤها وتحيينها في أفق المؤتمر المقبل للاتحاد، والقيام بالتالي بالجهد الضروري لإعمالها وتحقيق غاياتها.
عقد مؤتمر قمة برلماني يحضره رؤساء البرلمانات الوطنية : في كل من العالم الإسلامي (البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي) والبرلمانات الوطنية في البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ورئيس البرلمان الأوروبي.
وعبرنا عن استعدادنا لاحتضان هذه القمة البرلمانية في المملكة المغربية، وأن تتناول مواضيع تكتسي راهنية بالنسبة للعالم الإسلامي وأوروبا من قبيل :
مناهضة التعصب والإرهاب.
دور البرلمانات في الحوار بين الأديان ونشر قيم التسامح والتعاون وتبديد سوء الفهم بين الثقافات والحضارات.
تسوية النزاعات والأزمات والوقاية منها.
واقترحنا أن تتوج القمة بإعلان برلماني مشترك من أجل التنمية والتعاون والسلم ونبذ الإرهاب والتعصب، ودعوة البرلمانات والحكومات إلى اعتماد السياسات العمومية والتشريعات من أجل تحقيق هذه الأهداف.

الدعوة إلى عقد مؤتمر موسع استثنائي للنساء البرلمانيات الأعضاء في البرلمانات الإسلامية :

بالنظر إلى أهمية القضية النسائية، والسعي إلى مشاركة أكثر للنساء في مراكز القرار في البلدان الإسلامية، اقترحنا عقد هذا المؤتمر كآلية من آليات السعي إلى المناصفة والمساواة. واشترطنا أن تتجاوز المشاركة فيه النساء الأعضاء النظاميات في أجهزة الاتحاد، وبَحْثِ مواضيع ذات صلة بتيسير المشاركة السياسية للنساء وتبادل الخبرات وتقديم دراسات مقارنة في شأن الأنظمة الميسرة لولوج النساء إلى المؤسسات المنتخبة.
وللتذكير فإن القاعدة 6 من اللائحة التنظيمية لأعمال مؤتمر البرلمانيات المسلمات للاتحاد تجيز لأي من أعضاء المؤتمر البرلمانيات المسلمات طلب استضافة مؤتمر استثنائي.
الحرص على توثيق أشغال أجهزة الاتحاد وقراراته ومبادراته خلال الرئاسة المغربية، وذلك بهدف إعداد حصيلة أعمال هذه الرئاسة في أفق الدورة الموالية للمؤتمر العام للاتحاد وتقديمها للمشاركين في المؤتمر على غرار ما تم القيام به خلال تولينا رئاسة الاتحاد البرلماني العربي.
مراسلة رؤساء المجالس البرلمانية الأعضاء في الاتحاد في شأن ضرورة إطلاق دينامية جديدة في أجهزة الاتحاد، وخصوصًا اللجن الدائمة والموضوعاتية، وتفاعله مع محيطه الدولي، ومع المجموعة البرلمانية الدولية.
وضع جدول زمني لاتصالات الرئاسة المغربية مع عدد من المنظمات البرلمانية متعددة الأطراف والبرلمانات الوطنية بالبلدان النافدة في القرار الدولي، وبرلمانات التكتلات الاقتصادية والسياسية القارية والإقليمية (رئاسة البرلمان الأوروبي – برلمان عموم إفريقيا..)، وذلك للتعريف بقضايا الشعوب الإسلامية ومحاولة لمحو الصورة السلبية القائمة عنها، والتي تكرسها مع كامل الأسف ممارسات متشددة متطرفة وخطابات نكوصية تدعي الانتماء للإسلام.
لقد اعتبرنا هذه المقترحات كفيلة بإطلاق دينامية جديدة في أشغال اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، على أن يتم التفصيل في كل واحد منها، ووضع جداول زمنية بالإنجاز، وإشراك الأمانة العامة للاتحاد في ذلك.
وبالفعل، استدعينا إلى اجتماع في الرباط كُلًّا من الأمين العام للمنظمة (السينغال) والأمين العام المساعد (إيران) لتبادل الرأي حول مُقترحاتي. كما دعوت إلى اجتماع طارئ للجنة التنفيذية في الرباط لمناقشة هذه المقترحات والمصادقة عليها، وذلك قبل عرضها على أنظار الاجتماع العادي للجنة نفسِها في أوغندا قصد المصادقة. وهو ما تمَّ بالفعل. ولكن، لا الحيز الزمني (مدة الرئاسة سنة واحدة) ولا التناقضات الحادة التي تخترق المجموعة البرلمانية الإسلامية، يَسَّرَت إمكانية المُضِيِّ قدمًا في تنفيذ تلك المقترحات. وقد كانت مؤتمرات الاتحاد فضاء لتفجير هذه التناقضات وتعميق حدتها عوض أن تكون مناسبة لتجاوزها، وإعادة إنتاج الخطابات ذاتها وترديد المواقف الحكومية. فعلى خلفية نزاعات طائفية أو مذهبية، أو نزاعات في الميدان تحتد الخلافات في المؤتمرات في منظمات العمل الإسلامي المشترك.
وقد وجدت تصوراتنا حول مناهج عمل الاتحاد، والسعي إلى بناء الثقة بين مكوناته تجاوبا كبيرا من طرف أغلبية البرلمانات الأعضاء، خصوصًا تلك التي نتقاسم معها العقيدة الدبلوماسية الدولية نفسها، وأطلق لدى العديد من زملائنا حماسة جماعية برؤية الاتحاد يدخل عهدًا جديدًا من أدائه يرتكز على مبادئه الـتأسيسية، ولكن الواقع والتجاذبات والأحداث، والتخندقات تخترقه إلى درجة تبقيه حبيسها ورهينة للتمذهب الذي يعمل على إسقاط تمثلات عقدية، على عمل سياسي ومؤسساتي وعلى علاقات دولية معروفه شروطها وقواعدها التي تنظمها.
وسأظل أعتقد جازمًا أنه طالما أن أعمال الاتحاد، على غرار باقي مؤسسات منظمات العمل الإسلامي، لاتزال رهينة التمذهب العقائدي وتصريف ذلك داخل هذه المؤسسات، فإن تدخلاتها وأعمالها ستظل غير ذات مفعول، إن لم أقل عقيمة. فالمفروض في الاتحاد الاستقلالية، والمفروض فيه أنه مبني على قيم التعدد والاختلاف، لا على أي فكر شمولي، كما أن مصداقيته بين المنظمات البرلمانية متعددة الأطراف الأخرى رهينة بتمثله الديموقراطية أفقًا والحق في الاختلاف منهجا.
وإن مما يبعث على الأمل هو أن الغالبية العظمى من البرلمانات الأعضاء تؤمن بهذه القيم ومقتنعة بأهمية هذا المنهج، ولكن الأمر يحتاج إلى التراكم في ممارسات على هذا النحو، وإلى الإنضاج الضروري المرتبط بتملك واستبطان قيم الديموقراطية والتعددية.


الكاتب : الحبيب المالكي

  

بتاريخ : 07/09/2021