الحرب هناك والتَّرقب سيّد الموقف هنا

 

تاريخ الإنسانية مليء بالحروب والأسباب تختلف. ولقد حملت لنا كتب التاريخ أخبار الحروب وتفاصيلها. فثمَّة حروب شرارتها الأولى تؤكد على غباء مُنفِّذيها، « حرب البسوس» ،» حرب أذن جنكيز « ، « حرب دلو الماء» وغيرها.. حيث شُحِن الإنسان ضد أخيه الإنسان، في سعي للسيطرة والسيادة بشتى الطرق، حتى لتُصبح معها دماء البشر الأرخص في سبيل مجد زائل. وما أوهى أسباب الحروب وإن ضجّت صخباً.
الحرب هذه اللعنة التي تُلاحق البشرية منذ وجودها، تفتك ولاتُهادن، ضحاياها الناجون بأثر نفسي يلازمهم، ومن المُحتمل أن يفشلوا في التخلص منه. إذ تشتدُّ الأمراض النفسية والعضوية ويسود الخراب. كما وحدث مع الجنود الأمريكيين _ على سبيل التمثيل _العائدين إلى بلدهم بعد مشاركتهم في حرب الخليج، والذين غادروا الحرب ولكنها لم تغادرهم. حيث عانوا من اضطرابات نفسية وجسدية أدت بالكثير منهم إلى الانتحار.
آثار الحروب إذن تظل عالقة في النفس بتراكمات تُسجل تاريخاً من المُعاناة. حيث الإنسان يتعرض لِهول الحرب وهو غير مسؤول عنها، ولا يريدها بل يرفضها.
وقد يؤدي الأمر لظهور حركات ثورية متمردة على الأوضاع العامة. ففي منتصف الستينات من القرن الماضي؛ في الولايات المتحدة الأمريكية ظهرت حركة « الهيبيز hippies «، المناهضين لحرب الفيتنام والداعمين السِّلم المُنفتحين على الحياة .
الحرب تلك العربة التي تفقد رُبانها فتدهس من يقف بقربها وتأتي ريحها القوية على الآمنين، ويُخيِّم الرُّعب على إثرها بتفاصيل قاسية تمتد في الزمان والمكان.
وتشتعل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لكن صدى فوضاها عايشناه هنا. والتهديد يطالنا جميعا خاصة في عالم منفتح/ فالأذية مشتركة، ونحن كبشر متصلون ببعض. ليتأثر الإنسان البسيط المغلوب على أمره. فلا صوت يعلو ـ ونحن في شهر رمضان ـ على وقع الزيادات المهولة، هذا السُّعار الذي لاحق البسطاء في لقمة عيشهم، حتى فارت الدمعة من المُقل واستصعبت الحياة على الحياة.
نعم، لا نعيش حربا على أرض الواقع بمفهومها المُقزِّز، المدمِّر للأخضر واليابس. ولكننا نعيش التهديد النفسي الذي يُثقل كاهل كل فرد في المجتمع. ونحن مقبلون على موسم الأعياد والعطل ومتطلباتهما. يجد الانسان نفسه مُكبلا بآثار حرب تقع في القارة الأخرى . لتُبصح الحياة اليومية حربا طاحنة وعلى أكثر من مستوى.
إنها الحرب التي تُجيِّش المشاعر، وترفع من صبيب الحزن وتُورث الخوف وتُتلف الأعصاب. عناوينها الكبرى تُحيل على احتمالات كثيرة غير محسوبة العواقب.. ولْتُحرَق الأرض ولتُرمَّل النساء وليُيبّس ضرع الأمل. أمام جبروت السلاح وطغيان الأغبياء وخُفوت صوت الحق والعقل.
الحرب هناك والتَّرقب سيّد الموقف هنا، وتكاد تخلو الروح من الأمل؛ في زحمة الأخبار القادمة حيث يرتفع صوت طبول الحرب وتتجافى الجنوب عن المضاجع. وتتلهف أصوات الأبرياء بحثاً عن مخرج .
لم أعايش الحرب حقيقة، ولم أكتوِ بنارها المباشرة. ولكنني رأيت كيف تُساهم في انطفاء الفرحة في نظرة شبابنا المُغترب هناك، وتابعت كيف تعالت نجداتهم، وكيف حملت توسُّلاتهم آثار الصراع، ورُعب اللحظة وقسوة التّغيير.
صرخات الطلاب المغاربة العالقين هناك، دعواتهم، توسلاتهم، أحلامهم التي غُرِست على بُعد خُطوة من النهاية. لتندحر فوق أرض صلبة تهاوت حتى لَتصبح سرابا.. المنفذ غير واضح والقلوب تستحث الحل . وقبل أن يأتي الحل. احتبست تحت جفون الأم ـ كل أم ـ دموع الخلاص. لتنتشل الأمنية المنسكبة على أرض الخراب.
لم أعايش الحرب واقعا، لكنني أدركت من خلال انطفاء الشُعلة في قلب الأم، وشحوب نظرتها، وغياب تركيزها، تلكم الروح الحائرة تبحث عن بصيص خلاص دون جدوى، فالحرب قد انطلقت وعدواها مؤلمة قاسية أليست «الفتنة أشدُّ من القتل». ودورة الحياة لا تكتمل بفرحة ولا تنتهي بحزن. تلك المسافة الفاصلة بين الحلم والحقيقة. مُلئت بالدموع والترقب وبدعوات القريب والبعيد. وحُفَّت بأخبار من هنا وهناك.
عاد الطلاب وغاب الجندي، وكم من أم مكلومة ماتت حسرة على من ضاعوا في الحرب. وتلاشت سيرهم. والتاريخ يُكرر نفسه بِصور أخرى، تجتر فيها الانسانية مآسي جنون القادة ونزواتهم العابرة.


الكاتب : نادية الأزمي

  

بتاريخ : 23/07/2022