الحكومة تأتي بمقترحات جديدة/قديمة لإصلاح أنظمة التقاعد من جيوب الأجراء والموظفين

تقليص نسب الاستبدال وتجميد الحقوق المكتسبة وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى 10 سنوات القادمة

رفع سن التقاعد إلى 65 سنة وزيادة هامة في نسب الاقتطاع

 

 

بعد كل الجدل الذي أحاط بإصلاح أنظمة التقاعد في المغرب، والصراعات السياسية والنقابية التي اندلعت بسببها طوال ربع قرن (إنشاء أول لجنة للدراسات الاكتوارية كان سنة 1997)، مازالت تخيم على مشهد نظام المعاشات في البلاد صورة قاتمة أكدها بالأرقام العرض الأخير الذي قدمته الحكومة خلال الاجتماع الأول للجنة إصلاح أنظمة التقاعد .
ولعل أول مظاهر الاختلال في هذا المشهد يتجلى في كون 6.2 مليون من العمال والعاملات المغاربة محرومون أصلا من حق المعاش و من أي حماية ضد أخطار الشيخوخة، كما أن الذين يحصلون على راتب المعاش في المغرب ليسوا كلهم في منآى عن أخطار الشيخوخة، وذلك بسبب عدم تجانس أنظمة التقاعد الحالية ن سواء على مستوى متوسط المعاشات الممنوحة (2022 درهما بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و 5678 درهما بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد و 7873 درهما بالنسبة لنظام المعاشات المدنية) أو على مستوى قواعد إعادة تقييم المعاشات ( بالنسبة لنظام المعاشات المدنية، إعادة التقييم ليست تلقائية وتعود آخر إعادة تقييم إلى سنة1997 ، في حين تتطلب إعادة التقييم إصدار مرسوم بالنسبة لأجراء القطاع الخاص حيث تعود آخر عملية لإعادة التقييم إلى 2006 إن استثنينا الزيادة التي تم إقرارها شهر شتنبر 2022، وإعادة تقييم سنوية بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد.)
يضاف إلى كل هذا أن النظام المعتمد في القطاع الخاص من لدن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي غير منصف حيث يشترط على المؤمن له أن يتوفر، للاستفادة من معاش التقاعد، على 3240 يوما كحد أدنى من التصريح، أي ما يعادل في المتوسط 15 عاما من العمل، وهو ما يجعل شريحة كبيرة من أجراء القطاع الخاص، التي لا تستوفي هذا الشرط تكتفي بالحصول على اشتراكاتها الأجرية. علما أنه تم الاتفاق مؤخرا في إطار الحوار الاجتماعي على تخفيض هذا الشرط إلى 1320 يومًا مع الحق أيضًا في استرداد اشتراكات المشغل بالنسبة للأشخاص الذين لم يستوفوا هذا الشرط.
أما على مستوى الوضعية المالية للأنظمة الرئيسية للتقاعد، ومدى ديمومتها، فإن المشهد لا يقل قتامة، حيث تعاني 3 صناديق من أصل 4 من عجز كبير يهدد مستقبل ملايين المنخرطين وذوي حقوقهم، وإن بشكل متفاوت الخطورة، ولعل أسوأ وضعية مالية، هي تلك التي يعاني منها الصندوق المغربي للتقاعد الذي يعاني حاليا من عجز مقداره 7.8 مليار درهم وقد بدأت هذه الوضعية تتدهور منذ ظهور أول عجز للصندوق في 2014ن وبالتالي فإن احتياطاته لم تعد تتعدى 68 مليار درهم، ما يعني أنها ستنفد نهائيا سنة 2028.
في المقابل وصل العجز المالي للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد إلى 3.3 مليار درهم غير أنه بفضل المستوى المهم لاحتياطيات هذا الصندوق (135 مليار درهم) فإنه من المرتقب أن تمكن العوائد المالية للنظام من تغطية هذا العجز التقني وتمنحه ديمومة تصل إلى حدود سنة 2052.
وإذا كان عجز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أقل حجما من عجز صندوقي الدولة، (375 مليون درهم) فإن خطورة إفلاسه تظل قائمة نظرا للالتزامات المهمة للنظام من جهة ولضعف الاحتياطات التي يتوفر عليها من جهة أخرى (أقل من 41 مليار درهم) ما يهدد باستنفاد هذا المبلغ سنة 2038.
ولتجاوز هذا الوضع الذي يهدد بكارثة اجتماعية خلال السنوات المقبلة، تقترح الحكومة اعتماد سقف موحد للنظام الأساسي يساوي مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطب العمومي والقطب الخاص وذلك لتسهيل المرور مستقبلا نحو نظام أساسي موحد، كما تعتزم الحكومة من جهة أخرى تقليص نسب الاستبدال لأصحاب الأجور المرتفعة في القطاع العمومي وكذا تجميد الحقوق المكتسبة في الأنظمة الحالية وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى 10 سنوات القادمة ، هذا بالإضافة طبعا لرفع سن التقاعد إلى 65 سنة ورفع نسب الاشتراكات بما في ذلك القطاع الخاص، وهو ما يشكل حتى الآن نقطة خلافية تزيد من تعقيد عذا الملف، حيث يرى العديد من المراقبين أن هذا السيناريو سيجعل الأجراء والموظفين وحدهم من يدفع ثمن الإصلاح، والحال أن الدولة (التي تعتبر مسؤولة عما آلت إليه هذه الصناديق) مطالبة بوضع يدها في جيبها لإخراج جزء من كلفة الإصلاح، على الأقل لتسوية وضعية صندوقيها اللذين يعانيان من عجز لا يقل عن 11 مليار درهم.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 12/10/2022