الحكومة ترفع نفقات عتاد وخدمات الإدارة ب 25 مليار درهم في أقل من 3 سنوات .. انتقلت من 65 مليار درهم في 2021 إلى 91 مليارا في 2024

ارتفعت نفقات تسيير الإدارة الخاصة بأجور الموظفين والعتاد و السلع والخدمات خلال شهر نونبر 2024 ب 16 مليار درهم مقارنة مع مستواها في العام الماضي، أي بمعدل 7.2 في المئة لتتجاوز خلال الشهور ال11 من العام 227 مليار درهم، ضمنها 148 مليار درهم دفعت كأجور وتعويضات للموظفين و 78 مليار درهم صرفت على تجهيزات العتاد والخدمات التي استهلكتها الإدارات.
وإذا كان جزء من هذا الارتفاع الملحوظ في نفقات تسيير الادارة يعود إلى نتائج الحوار الاجتماعي والتي أسفرت عن زيادات جعلت نفقات الأجور ترتفع ب 7.9 في المائة في نونبر الأخير، فإن نفقات السلع والخدمات الخاصة بالإدارة ارتفعت من جهتها بمعدل 5.8 في المائة في ظرف عام واحد..
وشهدت نفقات تسيير الإدارة، من عتاد مكتبي وسيارات وخدمات الاستشارة والتنظيف والحراسة وفواتير الماء والكهرباء و الاتصالات …إلخ ارتفاعا ملحوظا خلال الولاية الحكومية الراهنة، حيث لم تكن هذه النفقات سنة 2021 تتجاوز 65.8 مليار درهم قبل أن تشهد منذ ذلك الحين ارتفاعا مطردا لتصل هذا العام إلى 91 مليار درهم أي بنمو يزيد عن 25 مليار درهم خلال فترة لا تتعدى 3 سنوات.
وتعكس الأرقام الواردة في التقرير الشهري للمالية العامة لشهر نونبر 2024 واقعا يثير القلق بشأن التوجهات المالية العامة للحكومة، حيث شهدت نفقات تسيير الإدارة ارتفاعا ملحوظا، مما يفرض تساؤلات عميقة حول تأثير هذه التوجهات على استدامة المالية العامة. فقد بلغت النفقات العادية 294.4 مليار درهم، مسجلة زيادة بنسبة 5.8% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
هذا التوجه نحو زيادة نفقات التسيير يثير مخاوف جدية بشأن تأثيره على النفقات الاستثمارية التي تعتبر المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي وخلق القيمة المضافة. فقد شهدت النفقات الاستثمارية تراجعا بنسبة 6.3%، حيث انخفضت إلى 88.2 مليار درهم مقارنة بـ 94.1 مليار درهم في العام الماضي. هذا التراجع يعكس انحرافا خطيرا عن الأولويات المالية، إذ أن تقليص الاستثمارات يحد من قدرة الاقتصاد على خلق فرص الشغل وتحفيز الإنتاجية، مما يساهم في تعزيز معدلات البطالة وتباطؤ النمو.
من ناحية أخرى، ازدادت تكاليف الفوائد على الديون بشكل كبير، حيث بلغت 37.5 مليار درهم، بزيادة قدرها 17% مقارنة بالعام الماضي. هذه الزيادة تعكس تصاعد الاعتماد على الاقتراض الداخلي، الذي بلغ 57 مليار درهم خلال هذه الفترة، مما يزيد من الضغوط على الموازنة العامة ويقلل من مساحة المناورة المالية للحكومة. وعلى الرغم من تحسن طفيف في العجز الإجمالي الذي بلغ 45.6 مليار درهم مقارنة بـ 50.6 مليار درهم في العام الماضي، إلا أن هذا التحسن لا يعكس تغييرا هيكليا في وضع المالية العامة، بل يرتبط بعوامل مؤقتة مثل ارتفاع الإيرادات العادية بنسبة 10.8%.
استمرار هذا الوضع يضع الحكومة أمام تحديات كبيرة، حيث يتطلب معالجة هذه الاختلالات المالية نهجا شاملا يعتمد على تعزيز الكفاءة في إدارة الموارد. كما يقتضي أن يكون هناك تركيز أكبر على ترشيد النفقات، خاصة تلك المتعلقة بتسيير الإدارة، مع ضرورة إعادة تقييم سياسات التوظيف وضبط كتلة الأجور التي تمثل نسبة كبيرة من النفقات العادية.
في المقابل، يتطلب الوضع الحالي العمل على تعزيز الإيرادات من خلال تحسين تحصيل الضرائب ومكافحة التهرب الضريبي، خاصة في ظل زيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 13% لتصل إلى 275.8 مليار درهم. هذه الزيادة تعكس جهودا لتحسين الأداء الضريبي، لكنها تحتاج إلى تعزيز من خلال توسيع الوعاء الضريبي وإدماج القطاع غير المهيكل.
على صعيد آخر، يفترض أن تحظى الاستثمارات بالأولوية في السياسات المالية للحكومة، حيث أن التركيز على النفقات الاستثمارية يمكن أن يسهم في خلق فرص الشغل وتحفيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل. وبالتالي فإن تراجع هذه النفقات لا يتماشى مع الاحتياجات التنموية الملحة، وهو ما يستدعي إعادة النظر في أولويات الإنفاق الحكومي.
وتتطلب التحديات التي تواجه المالية العامة في المغرب استجابة فورية وشاملة. حيث إن التحكم في نمو نفقات التسيير مع تعزيز الاستثمارات وتحسين الإيرادات يعتبر السبيل الوحيد لتحقيق توازن مالي مستدام يمكن من خلاله دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق الأهداف التنموية. بدون ذلك، ستظل المالية العامة عرضة لضغوط متزايدة، مما قد يعيق قدرة الدولة على تلبية احتياجات الاقتصاد الوطني في خلق مناصب الشغل.
ويذكر أن جميع الرسائل التأطيرية لقوانين المالية مافتئت تشدد خلال السنوات الأخيرة على أن الحكومة مقيدة بتوجهات رئيسية أبرزها التحكم في نفقات الموظفين، وعقلنة نفقات المعدات والنفقات المختلفة، وترشيد عمليات اقتناء وكراء السيارات، والعمل على تشجيع استعمال الطاقات المتجددة وتكنولوجيات النجاعة الطاقية، وكذا ترشيد استعمال الموارد المائية وخفض الاستهلاك المفرط لها واعتماد السقي بالتنقيط للمساحات الخضراء، وذلك في إطار تنزيل الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030، في شقها المتعلق باعتماد الأداء المثالي للدولة..


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 21/12/2024