فارق الحياة خلال الأيام الأخيرة عدد من الأشخاص بدون مأوى، في الدارالبيضاء، تطوان، اشتوكة آيت باها وغيرها، متأثرين بظروف وتداعيات الأوضاع التي يعيشونها، خاصة في ظل تدنّي موجات الحرارة التي عرفتها وتعرفها بلادنا منذ مدة، والتي تؤدي بشكل أو بآخر إلى توقف نبضات قلوب المعنيين، إما بفعل نيران أشعلوها من أجل التدفئة حيث يكون عدد منهم في وضعية تخدير، أو بسبب تبعات أمراض نخرت أجسامهم على مرّ السنوات، بسبب افتراش الأرض والتحاف السماء، في مشاهد تبعث على الكثير من الألم والحزن.
مشاهد تتكرر كل سنة، وفي مناطق مختلفة، لا يوقف تناسل صورها بعض الحملات المناسباتية التي يتم خلالها جمع بعض المنتسبين إلى هاته الفئة من المواطنين، الذين يعيشون في الهامش، بعيدا عن الكرامة وعن الإحساس بالدفء الأسري وغيرها من التفاصيل الحياتية الأخرى، الذين يتم توجيههم نحو دور للرعاية، هاته الأخيرة التي يرى عدد كبير من المهتمين بهذا الشأن بأن أغلبها يفتقد لعناصر أساسية تجعلها قادرة على استيعاب أعداد المحالين عليها، وتمكينهم من بيئة تحافظ على الإنسانية وتحترم آدميتهم، مما يجعل مجموعة مهمة من الفاعلين المدنيين ينبّهون دوما إلى هذا الإشكال، الذي قد يتم التعامل معه باستهانة في حالات معينة، والذي يؤدي في حالات متعددة إلى نتائج جد مؤلمة، خاصة فيما يتعلق باستمرار مظاهر استغلال الأطفال جنسيا والاعتداء عليهم، ونفس الأمر بالنسبة للفتيات اللواتي يتحوّلن في لحظة قاتمة إلى أمهات، وغيرها من الممارسات المقلقة جدا.
هذا الموضوع الذي تتداخل فيه مستويات متعددة ويتطلب متابعة على أكثر من صعيد، خاصة وأن مشاهده المختلفة والحاضرة في كل المدن، لاسيما الكبرى منها، باتت بالنسبة للكثيرين أمرا «اعتياديا» بسبب ارتفاع أعداد «سكان الشارع» الذين يحضرون بقوة في الملتقيات وعند المحطات الطرقية وعلى طول خطوط السكة الحديدة وفي البقع الفارغة والمباني المهجورة، أخذا بعين الاعتبار أن فئة مهمة منهم تنظر لاستمرار حضورها في الشارع على أنه حريّة لا يجب تقييدها بأي شكل من الأشكال، حتى ولو كان هذا الأمر قد يؤدي بالمعنيين بالأمر إلى الوفاة في لحظة من اللحظات، مما يجعل الجميع موضوع مساءلة، مسؤولين وفاعلين وعموم المواطنين.
ويطالب عدد من المهتمين بالظاهرة بأن تكون المعالجة لهذا المشكل فعلية لا تقتصر على فترات زمنية ترتبط بموسم البرد، الذي تحضر فيه بعض الحملات هنا وهناك، التي لا تشمل الجميع وإنما البعض من المعنيين فقط، والتي يتم الترويج لعدد منها باعتباره إنجازا مهما، والحال أن الأمر يتعلق بتوفير ظروف عيش أكثر أنسنة، وتضمن الحفاظ على الأمن العام، بما أن معالجة هذا الموضوع هي مركبة وتتقاطع فيها عدد من القطاعات.
الحملات العابرة لا تضمن لهم الكرامة .. «سكان الشارع» .. أعطاب نفسية، أمراض عضوية، ومعاناة بلا حدود
الكاتب : وحيد مبارك تصوير: هيثم رغيب
بتاريخ : 22/12/2025


