5 – السلك القنصلي والدبلوماسي البرازيلي بمغرب القرن التاسع عشر
يجمع المؤرخون المغاربة والأجانب على أن المغرب بلد يضرب في عمق التاريخ بجذور تمتد إلى ما قبل العهود الرومانية والفينيقية والبيزنطية، وفي هذا دليل على أن الرافد الأمازيغي في المغرب شكل منطلق هذا التاريخ وأسس حضارة الشعب المغربي. وعلى العموم استطاع المغرب أن يرسخ مكونات الدولة المغربية من العهد الإدريسي إلى العهد العلوي مرورا عبر مختلف الأسر التي حكمت المغرب. ومن مميزات الدولة المغربية على امتداد العصور أنها حرصت على ربط الجسور مع دول البحر المتوسط وإفريقيا جنوب الصحراء والمشرق العربي والإسلامي ودول عبر المحيط الأطلسي. وهذا ما تسنى لها أن تقيم علاقات دبلوماسية وطيدة مكنتها أن تتبوأ مكانة دولية عززتها بما راكمته من إنجازات تمثلت في تنظيم سفارات وبعثات إلى كثير من الدول، وكذلك من تمكين هذه الأخيرة من فتح قنصليات لها على التراب الوطني.
وهي إنجازات تعود أكثر إلى القرن الثامن عشر، حيث استطاع من خلالها المغرب أن يكسب مقومات النهضة وبناء جسور الحداثة.
إن هذه المحطات البارزة في تاريخ المغرب المجيد جديرة بالاهتمام بها والعودة إليها من منظور جديد حتى يستطيع القارئ المهتم اليوم أن يقيس مدى حضارة بلاده وعمق تجذرها في الفضاء الجهوي الذي تنتمي إليه. وفي هذا الإطار ارتأينا أن نقدم جانبا من إصداراتنا التي انكبت على هذا الموضوع، تضيء بالخصوص العلاقات التي نسجها المغرب مع دول أوروبا وأمريكا اللاتينية. يتعلق الأمر في هذا المقال بتقديم كتاب (العلاقات المغربية النمساوية – الهنغارية: تاريخ وذاكرة المشتركة)، والذي نشره مجلس الجالية المغربية بالخارج سنة 2020، والذي نتمنى أن يجد فيه القارئ المهتم مادة دسمة حول عراقة هذه الدبلوماسية وما اتسمت علاقات المغرب الخارجية من زخم على أكثر من مستوى.
إن الكشف الذي قدمه مصطفى بوشعراء في كتابه الاستيطان والحماية لم يسبق له نظير في أي كتاب عربي مغربي مطبوع، إلا ما ورد نادرا وعفويا عند ابن زيدان. وقد اقتبس ذلك من المصادر الأجنبية والعربية، ومن التراث المخزني المنسي، إحياء له، وخدمة للتاريخ، وتعريفا برأي الدولة المغربية في المشاكل المصيرية التي واجهته. ولم يتم له هذا الأمر، ويستقم له هذا الجرد، لو لم يسلط على ما استطاع من أضواء على ما خفي من حياة أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي وأفراد الجالية الأجنبية والمصالح الاقتصادية. إن التجارة مع نصب القنصليات واستيطان الأجانب ببلادنا كانت تتم مباشرة من اتخاذ المحميين والسماسرة والخلطاء والعملاء، ومن التحولات المجتمعية الخطيرة. ومن خلال الحمايات الفردية، بدأ المغاربة – محميين كانوا أو شبه محميين – ينتقلون من طور إلى طور، وصارت الهياكل التقليدية تتدمر وتتخرب، لتحل محلها صور أخرى من الحياة الجديدة المدسوسة، فتعصف بما كان بمغرب القرن 19 من أصالة ومن مقومات، عصفا شديدا منكرا، وغدت عيون المغاربة مشدودة إلى الخارج. وفي هذا الصدد تفيدنا محفظة 62، ( رسائل بين المغرب والبرازيل وفنزويلا)، والتي تضم 125 وثيقة، تؤرخ للبدايات الرسمية للعلاقات الثنائية بين المغرب ودولة البرازيل، وتتناول قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية أو شكاوى ناجمة عن التجاوز في منح الحماية البرازيلية للسماسرة والمخالطين من المغاربة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المحفظة تقف عند حدود 1900، بينما نجد عند محمد العربي المساري، بأن العلاقات المغربية البرازيلية استمرت خلال فترة الحماية الفرنسية والإسبانية على المغرب، وقد اعتمد في ذلك على توقيع صالمون ماراشي بوصفه ‹› المكلف بقنصلية طنجة›› وذلك في تقرير بتاريخ 22/2/1921. وفي 16/10/1922 نجد تقريرا بتوقيع سيمون لوبيز فيريرا بوصفه ‹› عونا›› قنصليا، وقنصلا عاما للبرتغال، مكلفا بقنصلية البرازيل في طنجة. وآخر وثيقة تحمل تاريخ 1929 وهي السنة التي تم فيها إقفال القنصلية البرازيلية في المغرب .
لم يفلح البعد الجغرافي بين المغرب و دولة البرازيل في أن يؤثر على طبيعة العلاقات بين البلدين، ولهذا اكتفت البرازيل بإنابة ممثلين ومفوضين عنها، ندرجهم كالتالي:
– أليكساندر كرارة: A.karara، إيميليو كولاصو: Emilio Rey Colaço
وأدونيرام موريتي دي كاليميريو: Adonyram Maurity de Calimerio و بيطر نيطو: بأزمور والجديدة. وفيما يخص المغاربة رعايا جنس البرازيل بالمغرب، فإن الكتاب يقدم
لعبت ظاهرة الحماية القنصلية الدور الأساسي في خلق فئة اجتماعية ‹›هجينة››،
بيانا تفصيليا عن أسماء الرعايا المغاربة الذين احتموا بالبرازيل بمغر ب القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وذلك حسب المدن المغربية.
II – المسار الدبلوماسي للعلاقات المغربية الفنزويلية
كان المغرب على مر العصور والأزمان، منفتحا على العالم الخارجي متفاعلا مع محيطه الدولي، مؤثرا ومتأثرا بما يعرفه العالم من تطورات وتغيرات سياسية كانت أم اقتصادية، رابطا أواصر التعاون مع مختلف بلدان المعمور، محاولا تفادي العزلة والانغلاق. فبالإضافة إلى العلاقات التقليدية التي كانت تربطه بالدول الأوربية منذ عهد قديم، حاول المغرب ربط علاقات صداقة وتعاون مع دول أخرى تمثل قارات مختلفة ، خاصة بعد مؤتمر مدريد لعام 1880م ، وتحتم على المغرب إذاك نسج علاقات جديدة مع كيانات سياسية جديدة لعل في طليعتها دول أمريكا الجنوبية ، فكان النصف الثاني من القرن التاسع عشر بمثابة نقطة تحول في تاريخ العلاقات المغربية مع دول أمريكا الجنوبية . بدأت هاته العلاقات في الأول بالاعتماد عن الوساطة الأوربية؛ نظرا لكونها – هي أيضا – كانت خاضعة للنفوذ الامبريالي الأوروبي ، وكذلك الوساطة المغربية في بعض الأحيان والمتمثلة في المغاربة اليهود ، الذين كانوا يشتغلون كممثلين قنصليين لبعض الدول .
تمكن المغرب إذن، من ربط علاقات مهمة مع مجموعة من الدول الأمريكية الجنوبية ويأتي من ضمنها دولة فنزويلا.
1. طبيعة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وفنزويلا
لا زال البحث في تأصيل العلاقات المغربية بدول أمريكا الجنوبية عامة ودولة فنزويلا على وجه التحديد في طوره الأولي، خاصة بسبب ما يتعلق بتهجير المورسكيين من إسبانيا ومطاردتهم بمحاكم التفتيش سواء داخل إسبانيا والبرتغال، وكذلك عندما تمت الملاحقات بأوامر عدم تمكن العرب والبربر والمورسكيين من العبور إلى إسبانيا الجديدة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الخوف الجنوني الذي أظهره الإيبيريون تجاه المسلمين واليهود. فالحضور المغربي في هذه المرحلة إذن، لا زال يحتاج إلى فتح آفاق البحث فيه.
ففي رسالة محررة بكركاس بتاريخ 30يناير 1884من الرئيس الفنزويلي، يطلب فيها تعيين السنيور ليفي أبراهام كويهن قنصلا لفنزويلا بطنجة .
الحمد لله وحده نسخة من كتاب التولية الوارد لنا و ترجم
من ابرزيدنتي الدولة البنصولة السلام على كل من يقف على هذه فلما ظهر لنا تكون منفعة الجانبين بكثرة طرق البيع و الشراء بين دولة بنصولة الفخيمة ودولة مراكشة السعيدة عينا السنيور ليفي بن إبراهيم الكويهن يكون قنصول دولتنا الفخيمة بطنجة لمعرفته بذلك وسمناه بهذا الكتاب ثم إنا نطلب من الحضرة الشريفة العالية بالله أن تلقه بالقبول وتعرف به ولاتها ليستعين على كل الأمور والخدمة القانونية و شهد بذلك هذا الكتاب ختم وطبع كما هي العادة بخط يدنا وخط وزير الأمور البرانية و قيده بكركس في 30 إناير عام 1884 ختم ابرزدنت اخوان بن مونصون ووزير الأمور البرانية رفايل سيس.
وبعد ثلاثة أشهر سنة سترفع الرسالة التالية:
الحمد لله وحده
أبقى لله سيادة خديم المقام العالي بالله النائب الأجل المكرم الأمثل السيد الحاج محمد الطريس رعاك لله وأبقاك ومن كل مكروه وقاك و عن أحوالك المرضية لا زال السؤال أدامها المولى على أكمل حال وبعد ينهى لسيادتك أنه ورد علينا كتاب من دولة بنصولة بنيابتنا عنها بالغرب على عادة القنصليات وأمرنا البرزدنت أن نطلب من سيادتك إعلام الحضرة الشريفة بذلك و تطلب لنا منها ظهير القبول كما هو القانون و نطلب لله أن يجعل في ذلك خيرا كثيرا بالسعادة دائما وإني أرجو من سيادتك الجواب عن ذلك لنجاوب الدولة المذكورة بذلك ويطمئن البال وعلى تمام المحبة والتمام في 22 رجب الفرد الحرام 1302 هـ/ . 1884م. قنصل الدولة بنصولة بالغرب. ليفي بن إبراهيم الكوهن بطنجة
وبعد مضي ثمانية أشهر، لم تتلق الحكومة الفنزويلية على يد ممثلها السيد ليفي أبراهام كويهن أي رد، فبادرت رئاسة دولة فينزويلا على يد وزيرها في الشؤون الخارجية منويل طمس لاندر إلى مراسلة المخزن في شأن قبول تعيين قنصلها ليفي أبراهام كويهن:
الحمد لله وحده
برزيدنت دولة بنصولة الرببلك
كيسلم على كل من يقرأ هذا و حيث اقتضى النظر إنشاء البيع و الشراء و الزيادة فيه بيد رعية دولتنا و رعية دولة مراكشة نطلب من الدولة المراكشية أن يقبلوا ويعرفوا بالتاجر ليفي بن إبراهيم اكويهن بأنه قنصول لدولة بنصولة لأنه يصلح لها و نطلب من مخزن مراكشة الإعانة و التوقير للقنصول المذكور في جميع أموره على وجه المحبة و بقصد تتبع ذلك وجهنا له هذا الظهير و ختمناه له و طبعناه كما ختم عليه و طبعه وزير الأمور البرانية لدولتنا و قيده بكركس يوم 13 دجنبر عام 4 188 م / 24 صفر 1302هـ.
طابع البرزدنت وبإزائه ختمه خواكر كرسب – طابع الوزير و بإزائه ختمه منويل طومس لاندر .
ولم يمض يوم حتى بعث وزير الخارجية الفنزويلي منويل طومس لاندر رسالة أخرى إلى وزير الأمور البرانية السيد الحاج محمد بن العربي الطريس يذكره بظهير تعيين ليفي أبراهام كويهن قنصلا لدولته بالمغرب:
الحمد لله وحده
قيده بكركس يوم 14 من دجنبر عام 1884
لوزير الأمور البرانية و دولة مراكشة السعيدة السلام عليك و رحمة لله وبعد فإن رئيس من دولة فنزويلا الفخيمة سمى التاجر ليفي بن إبراهيم الكويهن قنصل الدولة المذكورة حسبما بالظهير الذي خرج له هذا اليوم و بأن يريه للحضرة الشريفة بقصد جواب القبول كما هي العادة وأعلمناك بهذا طالبا منك القبول راجيا إنشاء المحبة بين دولة مراكشة السعيدة ودولتنا الفخيمة كما تكون بيننا وبينك والسلام . منويل طمس لاندر .
وبعد سنتين من إلحاح الدولة الفنزويلية على تعيين ليفي ابراهام كويهن ممثلا لدولتها بالمغرب، راسل هذا الممثل الوزير المغربي محمد المفضل غريط مخبرا إياه بتعيينه ممثلا لدولة فنزويلا بطنجة، والرسالة التالية تتضمن ذلك:
الحمد لله وحده
أبقاك لله سيادة الوزير الأجل المكرم الأمثل الفقيه السيد محمد المفضل بن محمد غرنيط رعاك لله ولم يزل السؤال عنك نطلب لله أن تكون بخير وبعد اعلم رعاك لله أن دولة بنصولة و لتنا قنصلها هنا بهذا الثغر الطنجي بقصد النيابة والنظر في البيع والشراء لمن هو من جانبها هنا وبقصد ملاقة مراكبها و أمرتنا بقبول الشروط الجارية عند المؤيد بالله و كتب لسيادتك وزيرها كما يصلك طيه مترجم بالعربي من الأصل عجمي وأيضا يصل سيادتك ظهير توليتنا لتطالع عليه العلم الشريف و ترجعه لنا طالبا من سيادتك أن تجبنا عن ذلك بالقبول كما هي العادة و نطلب لله أن يعيننا على ذلك ولا يخفى عليك أن والدنا كان في الخدمة الشريفة بمرسى تطوان وطنجة والصويرة مع أسلاف السلطان نصره لله و كانت سيرته حسنة و لا شك أننا نسير بسيرة الوالد ولا ترى إلا ما يسرك بحول لله و على تمام المحبة و التمام في 25 جمادى الأولى عام 1303هـ./ 1 مارس 1886م.
قنصل دولة بنصولة بطنجة ليفي بن إبراهيم اكويهن.
وبعد مضي خمسة أشهر يأتي الرد على محمد بركاش مبينا تفاصيل تعامل النائب السلطاني محمد بركاش مع قضية تعيين أبراهام ليفي كويهن قنصلا لدولة فنزويلا بطنجة، ويدعم تماطل الرد ويعتبره إجراء في محله، كما يتبين من خلال رسالته هذه:
الحمد لله وحده وصلى لله على سيدنا ومولانا محمد وءاله وصحبه وسلم
محبنا الأعز الأرضى النائب الأبر سيدي الحاج محمد الطريس رعاك لله وسلام عليك ورحمة لله تعالى وبركاته عن خير مولانا أيده لله ونصره وبعد وصلنا كتابك بأن اليهودي ليبي كويهن كان أتاك بكتاب مدعيا أنه من وزير دولة بنسويلة ريبوبليك
بأمريكا الجنوبية تضمن أنهم عينوه قنصلا لدولتهم المذكورة بطنجة فتغافلت عنه ولما ألح عليك أحلته علينا فسكت مدة إلى أن كتب لك الفقيه سيدي محمد المفضل غريط بما وجهت لنا نسخة مع نسخة ظهير كبير الدولة المذكورة ونسخة كتاب وزيرها ألخ فقد كان حاول الكلام في ذلك برزينط ربوبليك آخر بواسطة أحد نواب الأجناس المحميين المستقرين بطنجة ولم يساعد على جعل نائب مستقل ومضمن ما كان أجيب به إن أراد ذلك الجنس أن يجعل نائب الجنس المتوسط له هو النائب عنهم فيما يعرض من أمور المراكب والرعية إذا خضر شيء منها بالمغرب فهو يقف معها ولا يجعل خلائف مستقلين بالمراسي بل خلائف الواسطة هم يباشرون أمره ولا يستغلون شيئا مما يستغله النواب المستقلون وخلفائهم مما هو في الشروط من الحمايات وشبهها وذلك لأن الإيالات الصغيرة الربوبليكوس كثيرون في الأوريا وغيرها وإذا فتح الباب لقبول النواب عنهم مستغلين يقع خرق عظيم في أمور الحمايات والتعلقات لأن كل واحد من أولئك النواب تطمح نفسه لاستغلال خصوصيات المنسطروس ونواب الدول من الترجمانات والكتاب والمخازنية والخدمة وتجويز الصناديق في المرسى، وجعل الخلائف في المراسي وكل منهم
يجعل أمور الخلائف وهلم جرا وينحصر شغل الولاة مقابلة مصاريفهم وتعلقاتهم ويعظم الأمر ولمثل هذا نفر من قبول النواب لمثل ذلك مع أن نواب السلاطين والدول العظام الذين بطنجة لاشك أنهم يأنفون من الجمع مع مثل ما ذكر ولا يقبلون عده من جملة أعضاء النيابة وربما يقع منهم الكلام معنا إذا قبل وقد أحسنت في تغافلك مع اليهودي المذكور في إعلامك لنا بما ذكر لننبهك فكن على بصيرة وإذا طولبت في الجواب عن ذلك فأجب بأن القانون في مثل هذا الطلب أن يكون على يد إحدى الدول التي نوابها بطنجة بواسطة نائبها لئلا يقع تزوير في المكاتيب ولا تدوى حقيقتها حيث ليس تم واسطة وتكون من هيان بن بيان كما وقع في المدعي أنه باشدور الروكانية البتاغوتية بالصويرة وآسفي كما تقدم لك الكتب به من الحضرة الشريفة بخلاف ما إذا وقع بواسطة إحدى الدول المعروفة وعلى يد نائبها فيجاب بمثل ما أجبنا به غيره قبل وعلى المحبة والسلام في 22 شوال الأبرك عام 1303هـ (1886م).
محمد بن برقش لطف لله به يرجع توجس المخزن من تعيين أبراهام ليفي كويهن قنصلا لفنزويلا بطنجة إلى كونه كان تحت عيونه ومراقبة أجهزته، وموسوما بالمكر والدسائس وأنشطته المتعددة وذات الصلة بالتآمر على المغرب، وخاصة أنه كان على اتصال مباشر مع زعماء اليهودية الدولية كالبارون أدموند دي روتشيلد Baron Edmond de Rothschild يتجشمون مصاعب السفر إلى طنجة بين الحين والآخر لتشجيع الطائفة اليهودية على الصمود في مواقفها المتعجرفة وإعداد الخطط وتدبير المكائد مع زعمائها مثل ليفي كوهن الذي كان ينسق من طنجة أنشطتها في جميع المغرب ويعتمد في القيام بأعماله الهدامة على محفلها الماسوني وهو آمن من كل متابعة لأنه مستظل بمظلة الحماية البريطانية. كما أنه أصدر جريدة «لورفي دو ماروك» سنة 1883، والتي أصبحت منبرا صحافيا للدفاع عن مصالح الفرنسيين المقيمين بطنجة من جهة، وتقريب وجهة النظر الإنجليزية من جهة ثانية، وباختصار تحولت الجريدة من منبر للدعاية الاستعمارية إلى فضاء وحلبة لافتعال الحروب والصراعات والتجاذب السياسي.
2. السلك القنصلي الفنزويلي بالمغرب
حرصت فنزويلا على أن تكون لها تمثيلية قوية بالمغرب، حيث ستعين شخصيات وازنة ومتمرسة في العمل السياسي والدبلوماسي والقنصلي، ومن أمثال هؤلاء الرجالات ندرج الشخصيات التالية:
– مدينة طنجة
1 – أبراهام ليفي كويهن
ولد ليفي. أ. كوهن يهودي مغربي بتطوان سنة 1844 ودرس بإنجلترا فاكتسب حمايتها، وأخذ يراسل منذ سنة 1877 اليهودي الإنجليزي الشهير السير مونطيفيور، وفي سنة 1880، صار وكيلا للجمعيات اليهودية الأجنبية في المغرب، كتب مقالات كثيرة عن يهود المغرب في الصحف الأوروبية، ولا سيما في جريدة التيمس اللندنية، وكان يشرف على المحفل الماسوني الذي أسسه اليهود بطنجة، كما سعى في إنشاء منظمات سياسية يهودية تعمل في الخفاء وفي العلن متسترة بستار الأعمال الإحسانية والتعليمية.
أصدر يوم 14 يونيو 1883 جريدة «ريفي دو ماروك»، le Réveil du Maroc، وقد أصدرها باللغة الفرنسية، يحمل الجنسية البريطانية. ولد بمدينة طنجة سنة 1844، من أبوين يهوديين ينحدران من مدينة الصويرة وقد تجنسا بالجنسية البريطانية. (يشكل نموذجا لشخصية يهودية مغربية مثقفة وأوروبيانية. أقام لمدة طويلة بإنجلترا وبفرنسا أيضا. وقد كان يشتغل بالتجارة والمحاماة، كما كان يمثل «الجمعية اليهودية البريطانية» بمدينة طنجة. وأحد عناصر المكتب الجهوي للرابطة الإسرائيلية العالمية بباريس. وكيل معتمد من طرف مجلس المندوبين الإسرائيليين في نيويورك
– Board of Delegate des Israélites de new york.
نشيط وكثير الحركة ودساس (ماكر) أيضا. كان مراسلو جريدته منتشرين في جميع ربوع المغرب. وقد جعل من جريدته فضاء وحلبة لافتعال الحروب والصراعات والتجاذبات السياسية.
وبعد موت ليفي أبراهام كوهن بلندن في شهر نونبر 1888، انتقلت ملكية الجريدة إلى يد البنكي المشهور بنشيمول الذي ينتمي إلى عائلة يهودية توارثت وظيفة الترجمة بالقنصلية العامة وبالمفوضية الفرنسية بطنجة.
إن شراء الجريدة كان بتدبير من الوزير الفرنسي بطنجة والذي كان يتشوف إلى عدم هيمنة البريطانيين على جميع الصحف بطنجة من جهة، وعدم السماح بأن يصبح ذلك شبه رسمي. وبالرغم من علاقات بنشيمول بالمفوضية الفرنسية، فإنه كان من المستبعد انحياز خط تحرير جريدته إلى مواقف.
وكانت معظم هذه الصحف وهي في ملك يهود- عدا التايمس- تبيح لنفسها مهاجمة الحكومة المغربية وتحمل على الدول التي تدافع عن كيان المغرب. فجريدة «انبعاث المغرب» Le Réveil du Maroc، قد أصدرها صاحبها السيد ليفي كوهين تحت شعار›› الدفاع عن مصالح الفرنسيين الموجودين بطنجة››. وهي صحيفة أسبوعية صدرت بطنجة بالفرنسية يوم 14 يونيو 1310هـ / 1883م في أربع صفحات. أما الطبع فقد تم بالمطبعة التجارية المغربية وصاحبها ومؤسسها إسرائيلي إنجليزي… كان يستهدف في كتاباته تقريب وجهة النظر الإنجليزية، ومدى أهدافها الاستعمارية في إفريقية، لكن سرعان ما توفي صاحبها فاشترى الجريدة ترجمان إسرائيلي كان يعمل في المفوضية الفرنسية بطنجة وكان له اتصال مباشر بحاشية السلطان مولاي الحسن، وبذلك جعل جريدة ( انبعاث المغرب) تتنقل من نفوذ السفارة الإنجليزية إلى نفوذ السفارة الفرنسية محاولا بذلك التستر خلف الحاشية المذكورة… ولقد استمرت هذه الصحيفة في الصدور إلى سنة 1902 . وبذلك توارث امتلاك جريدة لوريفي دو ماروك المغاربة اليهود، مثل حاييم بنشيمول الذي ولد بطنجة سنة 1834 وكان على قيد الحياة في أواخر القرن التاسع عشر . وقد كان أول أمره وكيلا لفرنسا بالعرائش دون أجرة، وكانت له قرابة مع أسرة بنشيمول بطنجة، وعلاقته وطيدة مع تجارهذه المدينة وتجار فرنسا من اليهود. كما كان له ارتباط مع الدوائر المخزنية، وكان لا يعرف الفرنسية ولا يكتب بها، وإنما كان يحرر رسائله باللغة الإسبانية. مع معرفته للغة العربية طبعا.
احتمى بفرنسا لأنه كان منذ ما قبل سنة 1870 ترجمانا بطنجة، وقد ‹› نال صك المواطنة الفرنسية ،وبذل كافة نفوذه لاكتساب ثروة طائلة، كان معروفا في الأوساط الماسونية وعضوا مشهورا في الاتحاد الإسرائيلي، وممثلا لشركات النقل البحري وللأبناك، ووكيلا ثم مالكا لجريدة لو ريفي دو ماروك››. وفي سنة 1886 ندد به وبأعماله الصحافي الفرنسي إدوارد درومون (1844 – 1917) على أعمدة جريدة La France Juive، فوصفه بأنه كان مسير دفة سياسة المفوضية الفرنسية بالمغرب، فقد كانت وزارة الخارجية الفرنسية تعتبره المفاوض ‹› المفضل›› ولما قرر مؤتمر مدريد أن لا تكون الحماية وراثية، استطاع ممثل فرنسا فيه أن ينال استثناء لصالح أسرة بنشيمول، وقد جاء يوم اضطرت فيه فرنسا إلى الاستغناء عن خدماته، مع تركها لهذا المساعد الثمين جوقة الشرف›› (شارل أندري جوليان، المغرب في مواجهة الإمبرياليات، ص. 32). وكانت السلطات المغربية تنظر إليه بكامل الحذر وتنعته بالتلون واختراع الترهات، حتى طلب غريط من الطريس فضح أعماله والتشنيع عليه في الصحافة، (رسالة غريط إلى الطريس في 17 رمضان 1305/ 17 ماي 1889، محفظة الطريس 16). غير الجريدة التي كان يملكها أو يشرف عليها . ومنم المصارف التي كان ينوب عنها البنك طرانز أطلانطيك بطنجة، منذ ما قبل 1885، وكان سنة 1889 يمثل شركة نيكولا ياكي البحرية الشهيرة. ومن هذا كله اكتسب جاها وثروة استغلها أحسن استغلال: ففي سنة 1883 هيأ لشارل دو فوكو أسباب السياحة بالمغرب صحبة مردوخي أبي سرور، فأوصى بهما خيرا لدى يهود المغرب ولا سيما فاس. وكما كان رحيما ياليهود عند ما تبرع بأرض بمدينة طنجة لتكون مدرسة لأطفالهم فطلبت ‹› أليانس جويف›› رخصة فتحها سنة 1889 بهاته المدينة. فإنه كان حازما صلبا في قضيته مع حاييم بونطي القصري، بفائدة 10 % في السنة، ولربما بأكثر من ذلك، لأنه كان زبونا، لكنه لما عجز بعد ذلك بسنوات عن التسديد، صدر الأمر ببيع أملاك البونطي بالمزاد، فبلغت 1450 ريالا، وحاول بنشيمول حيازتها بذلك الثمن، بالرغم من استحالة ذلك شرعا، ولما وجد بونطي مشتريا يدفع أكثر من مبلغ المزاد، امتنع بنشيمول سنة 1888 من التسليم.
(يتبع)
(*) عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس – فاس (جامعة سيدي محمد بن