يجمع المؤرخون المغاربة والأجانب على أن المغرب بلد يضرب في عمق التاريخ بجذور تمتد إلى ما قبل العهود الرومانية والفينيقية والبيزنطية، وفي هذا دليل على أن الرافد الأمازيغي في المغرب شكل منطلق هذا التاريخ وأسس حضارة الشعب المغربي. وعلى العموم استطاع المغرب أن يرسخ مكونات الدولة المغربية من العهد الإدريسي إلى العهد العلوي مرورا عبر مختلف الأسر التي حكمت المغرب. ومن مميزات الدولة المغربية على امتداد العصور أنها حرصت على ربط الجسور مع دول البحر المتوسط وإفريقيا جنوب الصحراء والمشرق العربي والإسلامي ودول عبر المحيط الأطلسي. وهذا ما تسنى لها أن تقيم علاقات دبلوماسية وطيدة مكنتها أن تتبوأ مكانة دولية عززتها بما راكمته من إنجازات تمثلت في تنظيم سفارات وبعثات إلى كثير من الدول، وكذلك من تمكين هذه الأخيرة من فتح قنصليات لها على التراب الوطني. وهي إنجازات تعود أكثر إلى القرن الثامن عشر، حيث استطاع من خلالها المغرب أن يكسب مقومات النهضة وبناء جسور الحداثة.
إن هذه المحطات البارزة في تاريخ المغرب المجيد جديرة بالاهتمام بها والعودة إليها من منظور جديد حتى يستطيع القارئ المهتم اليوم أن يقيس مدى حضارة بلاده وعمق تجذرها في الفضاء الجهوي الذي تنتمي إليه. وفي هذا الإطار ارتأينا أن نقدم جانبا من إصداراتنا التي انكبت على هذا الموضوع، تضيء بالخصوص العلاقات التي نسجها المغرب مع دول أوروبا وأمريكا اللاتينية. يتعلق الأمر في هذا المقال بتقديم كتاب( المغرب وبلجيكا: التاريخ والذاكرة المشتركة)، والذي نشره مجلس الجالية المغربية بالخارج سنة 2020، والذي نتمنى أن يجد فيه القارئ المهتم مادة دسمة حول عراقة هذه الدبلوماسية وما اتسمت علاقات المغرب الخارجية من زخم على أكثر من مستوى.
يأتي هذا الكتاب حول الذاكرة المشتركة بين المغرب وبلجيكا، والذي نشره مجلس الجالية المغربية بالخارج سنة 2021، ليغطي جانبا مهما من التاريخ الدبلوماسي للسلاطين والملوك العلويين خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث عرفت الدبلوماسية المغربية في هذه الفترة نشاطا متميزا تم الاشتغال فيه على الواجهة الإقليمية والدولية الشيء الذي أكسبها تطورا نوعيا، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة والتي تميزت بأهميتها التاريخية وتحدياتها الكبرى إن على المستوى الوطني أو الدولي.
كما أن هذا الكتاب يتضمن إضاءات متعددة الجوانب للذكاء الدبلوماسي الذي نهجه المغرب بشكل ناجع في تدبير علاقاته مع الدول الأجنبية عامة ودولة بلجيكا على وجه التحديد. ما يفتح المجال اليوم ليس فقط لفهم تاريخ المغرب المعاصر وإنما أيضا لاستنباط أهم المحاور التي من خلالها يمكن إعادة قراءة طبيعة السياسة الأوروبية إزاء المغرب واستجلاء مُضْمَرَاتِهَا ومحاولة القَبْضِ على أساليب المَكْرِ المُتحكمة فيها.
يرجع الفضل لعبد الرحمان بن زيدان في التعريف بقوة دبلوماسية الدولة العلوية، حيث أبان السلاطين والملوك العلويين عن تمرس في صناعة سياسة خارجية تميزت بحيوية متجددة على عدة واجهات، وينبه بقوله: «غير خاف على نباهتكم ما لربط العلائق بين الدول والأمم من الفوائد الجمة والعوائد الحسنة المهمة، وما ينبني عليها من تسهيل المواصلات ونمو التجارة وجلب الثروة والمحافظة على الأمن واكتساب الثقة وراحة الضمير وضمان المستقبل وشحذ العزم والأخذ بالحزم والعمل ترويج البضاعة وترقية الصناعة والأخذ بأسباب الرفاهية والاستظلال بظل الطمأنينة والعافية. وهذا سر من أسرار الوحدة الدينية والوحدة الفكرية والوحدة السياسية والوحدة الاجتماعية والوحدة الثقافية».
لا يتوانى عبد الرحمان بن زيدان في الإشارة إلى أهمية عملية تدوين العمل الدبلوماسي وما له من أثر على خدمة التاريخ العام، والذي يعود بالنفع على المجتمع وذلك حينما يتم جعله حافزا ملهما باعثا، فإن›› في تدوين هذه العلائق خدمة للتاريخ العام، وإحياء لذكرياته المفيدة على الدوام. وتنبيها للجيل الحاضر والأجيال القادمة، على ما كان لنا من مجد وضخامة وفخامة في الأزمان المتقادمة. وحضا للأبناء على الأخذ بما أخذ به الآباء، مع شمم وإباء. وانتشال الشعب من وهدة العدم، والخوض على بصيرة نافذة صافية، في السياسة الداخلية والخارجية، ومزاحمة الأمم بالمناكب في كل نافعة، والسعي في جلب الراحة للأمة وحفظ منطقة نفوذها الواسعة، وحراسة سياج مملكتها الشاسعة، وسلوك سبل الحكمة والحنكة في ذلك. تخطب ودهم كبار الدول والممالك ‹›.
لقد اختار عبد الرحمان بن زيدان موضوع: العز والصولة في معالم نظم الدولة، لغرابته وجدته وطرافته، وجدارته بالبحث وأهميته. وهو موضوع مع شدة الحاجة إليه قد أغفله المؤرخون والكتاب، فما رفعوا عنه القناع ولا وضعوا النقاب ولا كشفوا عن حقيقته الحجاب حتى توهم الأغمار والأغرار أنه لم تكن لدولة المغرب نظم مقررة، ولا قواعد محررة، ولا طرق في الحكم والإدارة معروفة، ولا مناهج في تدبير الملك مألوفة).
وفي معرض كلامه عن اتصالات ملوك المغرب بسواهم من ملوك الإسلام وما كان للمغرب في مختلف مراحل تاريخه من علاقات قوية مع الدول الأجنبية على العموم مما تنبه إليه الأجانب وأغفله الوطنيون وما يجب على المؤرخين من شباب وشيوخ من الاهتمام.
وبالنظر إلى أهمية العمل الدبلوماسي بشكل عام في تنشيط العلاقات الدولية، فإن الدبلوماسية في الكتابة التاريخية المغربية لم يكن لها أهمية قصوى، ماعدا محاولات عبد الرحمان بن زيدان الذي أولى الموضوع أهمية وخصص له قسطا هاما من مؤلفاته. مثل «العلائق السياسية للدولة العلوية»، و» العز والصولة في معالم نظم الدولة «، وهدف ابن زيدان من هذه التآليف الرد على أولئك الذين تشككوا وشككوا في وجود دولة مغربية. وقد رأى في تهافت الأجنبي على المغرب مؤشرا ورمزا لمجده ولعزته. ونبه ابن زيدان من منطلق الزاوية التي حددها لنفسه إلى ضرورة الاهتمام بالعلائق ، وفي كلمة له في العلائق السياسية للدولة العلوية . «غير خاف على نباهتكم ما لربط العلائق بين الدول والأمم من الفوائد الجمة والعوائد الحسنة المهمة، وما ينبئ عليها من تسهيل المواصلات ونمو التجارة وجلب الثروة والمحافظة على الأمن واكتساب الثقة وراحة الضمير وضمان المستقبل وشحذ العزم و الأخذ بالحزم والعمل على ترويج البضاعة وترقية الصناعة والأخذ بأسباب الرفاهية والاستظلال بظل الطمأنينة والعافية».
ووفق ذلك يبرز الكتاب طبيعة امتلاك الدولة العلوية إستراتيجية واضحة في تدبير العلاقات الخارجية بشكل عام وعلاقاتها بدولة البلجيك؟ من الصعب الفصل بين الشأنين طبعا، لكن من المفيد لنا أن نتساءل عن الالتزام الرسمي بهذا الشأن لأن وجود إستراتيجية أو غيابها هو الذي يحدد مآل كل المصالح الوطنية.
فقد نهج السلاطين العلويين على امتداد القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، سياسة خارجية تحت عنوان ‹› سلم وصداقة ‹› من أجل تصفية أجواء علاقاتها الخارجية، فحققت مكاسب اقتصادية وسياسية واسعة. فما هو عنوان الإستراتيجية التي تمتلكها إذن الدولة المغربية لضمان المصالح الوطنية وحمايتها؟
إنها أسئلة دقيقة، تظل إجاباتها رهينة بوضع هذه الدبلوماسية في ميزان الاختبار بين ضغوطات وإكراهات الظرفية التاريخية. وبخصوص هذا وذاك، يحاول هذا الكتاب وضع القارئ سواء المتخصص أو المهتم بتاريخ العلاقات الدولية للمغرب، على بينة من طبيعة العلاقات المغربية البلجيكية وذلك في أفق قراءتها في سياقات العلاقات المغربية الأجنبية بشكل عام. كما أنه يقدم قراءة لسلوك سياسة السلاطين العلويين طيلة فترة الدراسة، سواء في علاقاتهم مع دولة البلجيك أو مع باقي الدول الأجنبية. ووفق ذلك تطرق الكتاب إلى المحاور التالية:
1 – العلاقات المغربية البلجيكة خلال القرن التاسع عشر: الإرهاصات والبوادر
تصدعت مملكة الأراضي المنخفضة المتحدة التي تأسست سنة (1815 – 1839) واستقلت عنها مملكة بلجيكا الجديدة عام 1830، حيث اندلعت الثورة البلجيكية على يد الطبقة الوسطى المتوسطة الكاثوليكية والليبرالية، المعارضة للنظام الحاكم لغيوم الأول، والتي أسست دولة ليبرالية مع ملكية دستورية ونظام انتخابي متعدد.
ففي 21 يوليوز 1831 اعتلى الأمير» ليوبولد ساكس كوبورغ «طليق أميرة إنجلترا شارلوت» عرش بلجيكا. ومنذئذ ستتحول الحكومة الجديدة إلى إحدى الدول الصناعية الأكثر تقدما في أوروبا، رغم أن أغلبية الساكنة تشتغل بالفلاحة والصناعة فقد استطاعت عبر تطوير تقنيات حديثة في ميدان الصناعة والمعادن والفحم أن تتبوأ هذه المكانة.
في إطار مواكبة وتيرة حركة التصنيع، اصطدمت الدولة البلجيكية الناشئة بعجز السوق الداخلي على ضمان المواد الأساسية اللازمة. لهذا توجب البحث عن موارد خارجية تُؤَمٍنُ سوق التصنيع. و تحت ضغط الصناع والتجار توجب على الحكومة البلجيكية إبرام صفقات تجارية مع دول أجنبية. فكان المغرب أول الواجهات التي أثارت انتباه ملاك السفن منذ بداية القرن السادس عشر.
فمنذ سنة 1832، وضع الوزير البلجيكي المكلف بالشؤون الخارجية صوب اهتمامه اقتحام السوق المغربي. فكلف لوكوك (Lecocq) قنصل بلجيكا بالجزائر بالدخول إلى المغرب عبر طنجة بهدف «إعلام مسؤولي هذا البلد باستقلال بلجيكا عن هولندا وفك التحالف مع فرنسا وإنجلترا…».
ولما وصل القنصل البلجيكي إلى فاس ركز أساسا على الإمكانات التجارية المحتملة مع بلجيكا. ويصفها بما يلي:
«فاس مدينة كبيرة تملك سوقا أسبوعية يتزود منها ليس فقط مدن الداخل، ولكن حتى المدن الإفريقية. كنت مندهشا لوفرة أثواب بلجيكا فى هذه السوق، ولسوء الحظ لا يستوردونها بشكل مباشر من بلجيكا ولكن بواسطة قادس وجبل طارق، عن طريق اليهود المغاربة، لهذا نخبر السيد الوزير مدى أهمية إيصال التجارة البلجيكية إلى موانئهم ومدى إنشاء علاقات بشكل مستمر. يجب أن يباع القماش البلجيكي بهذه الأسواق… هنا يوجد كميات كبيرة من القماش الإنجليزي، فإذا أراد قماش فلاندر (Flandre) البلجيكي أن ينافس القماش الإنجليزي، يجب على هذه البضاعة أن تكون متوفرة في الأسواق المغربية بكميات كبيرة.
وفي 26 غشت 1838 تم تعيين ليون فان لار (Léon Van Lare) قنصلا بطنجة. وقد أوصى وزير الشؤون الخارجية الفرنسي بأن لا تؤدي دولة بلجيكا الإتاوة السنوية لسلطان المغرب وذلك على اعتبار أن بلجيكا كانت جزءا من مملكة الأراضي المنخفضة.
وفي 27 دجنبر 1838 أخبر وزير الخارجية البلجيكي ملكه بأنه سيتم تعيين القنصل البلجيكي بطنجة وأنه يجب أن يقدم للسيد ليون فان لار القنصل البلجيكي المقترح بطنجة رسائل اعتماده إلى إمبراطور المغرب والمكلف بإبرام اتفاقية صداقة وتجارة مع المغرب…
لقد أولت بلجيكا اهتماما خاصا بالمغرب، وسعت إلى تثبيت حضورها به من خلال إنشاء قنصلية، بعدما لاحظه القنصل البلجيكي أهمية الانفتاح على المغرب لما يتوفر عليه من ثروات.
اقتنعت بلجيكا بأن الظرفية مواتية لتجسير العلاقات التجارية مع المغرب، وذلك عبر إنشاء قنصلية بطنجة، حيث راسل الملك ليوبولد الأول السلطان المولى عبد الرحمان في هذا الإطار، ويطلب منه: «صاحب السمو والفخامة الأمير ، السلام، حياة طويلة ومجد، لنا رغبة بتوطيد علاقة صداقة وتجارة وطيدة بين المغرب وبلجيكا، نعتقد أن إنشاء قنصلية في طنجة سيساهم في تحقيق النتيجة المبتغاة، ونحن نظن أنكم ستبادلوننا الاهتمام ذاته، نحن مقتنعون أن العلاقات ستتطور سريعا بما فيه مصلحة البلدين، نتمنى من جلالتكم، أن تقبلوا منا كامل التقدير و الازدهار لإمبراطوريتكم» (رسالة من الملك البلجيكي ليوبولد الأول إلى السلطان سنة 1838).
2 – التحضيرات الأولى لإحداث السلك القنصلي البلجيكي بالمغرب
بمجرد وصول ليون فان لار إلى مدينة طنجة في فاتح مارس 1841، راسل وزير الخارجية يخبره بلقائه بباشا مدينة طنجة، والذي انعقد بتاريخ 14 فبراير 1841: «بعد أن قدمني السيد هاي القنصل العام البريطاني للباشا، قدمت أوراق اعتمادي… وبينت له بأن بلجيكا لم تكن دولة جديدة وإنما كانت جزءا من النمسا وفرنسا وهولندا، فهذه العلاقات التجارية مع إمبراطورية المغرب كانت ضعيفة شيئا ما، كما أنه لم تكن هناك مصلحة كي يكون لها ممثل بالمغرب، وبدا أنه يجب سلك نفس خطى الدول العظمى، وبهذا سأوقع مع الإمبراطور معاهدة التجارة والصداقة». وخلال هذا اللقاء حضر القنصل مراسيم تسليم إمبراطورية السويد والدنمارك إلى السلطان إتاوة قدرها 25 ألف بسيطة، أما الهدايا البلجيكية فقد كانت مقرونة بتوقيع المعاهدة، وقد استغلها ليون فان لار ليقترح إضافة 2 إلى 3 من الأقمشة وبعض القطع من النسيج وثلاث بنادق والسكر وبعض الأشياء المصنعة في المنشآت الصناعية البلجيكية، وذلك قصد إرسالها كهدايا للسلطان.
وجدت فرنسا صعوبة في تسوية مفاوضاتها مع سلطان المغرب، ولذلك فإن ليون فان لار لن يُعول على تدخل القنصل العام الفرنسي السيد Denion، لمساعدته في إتمام إبرام الاتفاقية المقترحة، وفي لقاء آخر كان للقنصل مع باشا مدينة طنجة، والذي قال له «يجب علي الذهاب إلى فاس في 15من الشهر المقبل لأحتفل بعيد المولد النبوي، وإذاك سأرى السلطان وسأحاول إقناعه بجدوى مهمة البعثة البلجيكية . لقد أظهرت للباشا معرفتي بخصوص هذه النوايا الحسنة وأكدت له بأنه سيكون لي عظيم الشرف بأن يوقع معاهدة مع مفوض الملك ليوبولد، وأن هذا العمل يضيف له سمعة طيبة لسيادته وقد أبدا الباشا سرورا بهذا الثناء».
وفي 17 ماي 1841. أخبر القنصل وزير الخارجية عن لقائه بالباشا الذي سلم له رسائل المؤن ورسائل الاعتماد، بالإضافة إلى رسائل شخصية للملك التي ترجمت إلى العربية.
أما بالنسبة للهدايا المقترح تقديمها إلى السلطان المولى عبد الرحمان، فقد كانت كالتالي:
– قطعتان حربيتان عاديتان من البرونز.
– قطعة من حرير الجاكار لونه أخضر فاتح.
– قطعة من المخمل الحريري أحمر قاتم.
– كيس شاي و قوالب سكر.
ومن أجل وزيره الأول:
– سيف وخنجر موريسكي.
– قطعة غطاء أحمر قاتم 6,5/2 متر.
– بضع أرطال من الشاي وبعض قوالب سكر.
وفي3 ماي 1842 أكد وزير الشؤون الخارجية للقنصل ليون فان لار، إنشاء فرع لدار روجي مورتل (Egide Van Regemortel) في مدينة موغادور، وأن عليه أن يساند اقتراح تعيين السيد وليام غراس (W.Grace) مفوضا قنصليا بمدينة موغادور. وبخصوص ذلك، طرح للجانب البلجيكي مسألة التمثيل الحقيقي لها بالمغرب، واستقرت المشاورات بوزارة الشؤون الخارجية البلجيكية، على اعتبار القنصل ليون فان لار الممثل الوحيد لبلجيكا بالمغرب.
لقد اقتنع السيد ليون فان لار بمقترح باشا طنجة، والقاضي بتقديم هدايا أخرى للسلطان المولى عبد الرحمان، وذلك من أجل تقوية وتسريع عملية المصادقة على مشروع الاتفاقية البلجيكية – المغربية. وقد اقترح تقديم هدايا: البارود والبنادق والمدافع.
لقد تمت إقالة ليون فان لار في خضم معركة إيسلي (14 غشت 1844)، والتي كان لها انعكاس على المصالح التجارية البلجيكية بالمغرب، حيث خسرت شركة ماثيو Mathieu Aanthonis، وإجيد فان روجيمورتيل Egide Van Regemortel ثلاثة أو أربعة مائة ألف فرنك. ونتيجة لذلك طلب السيد Egide Van Regemortel من الحكومة البلجيكية أن تتقدم بإجراءات لدى الحكومة الفرنسية من أجل الحصول على تعويضات. وفي 4 شتنبر طلب وزير الشؤون الخارجية من السيد فيرمن Firmin Rogier المكلف بشؤون القنصلية البلجيكية في باريس، السعي لدى الحكومة الفرنسية لتحصل على تعويضات عن الخسائر بقيمة ثلاث أو أربع مائة ألف فرنك من السلطان لفائدة شركة Egide Van Regemortel بالصويرة . وفي 21 شتنبر أخبر فيرمن Firmin Rogier المكلف بشؤون القنصلية البلجيكية وزير الشؤون الخارجية أن الحكومة الفرنسية لم تطلب أي تعويض من السلطان المغربي وهي ترفض تسلم أي طلب مقدم من طرف بلجيكا. وعلى إثر ذلك ارتأى السيد كويل Longlands Cowell أنه ليس من الضروري عقد معاهدة تجارة رسمية مع المغرب في الظروف الحالية.
وبحثا عن حلحلة الوضع الجامد بين المغرب وبلجيكا، قدم الدوق مارنيكس Le Comte Ch .D.Marnix عضو مفوضية بلجيكا في إسبانيا، في 21شتنبر 1844، رأيا مفصلا للدوق غوبلي دالفيياLe Comte Goblet d’Alivella وزير الشؤون الخارجية سعيا منه لتفادي الجمود في العلاقات بين البلدين، عبر فيه: « خلال إقامتي في جبل طارق و قاديس وخصوصا في الرحلتين اللتين قمت بهما إلى طنجة، أعتقد أن أهم ما قمت به هو البحث عن إمكانية التوصل الى ترتيبات مع المغرب التي تعد أساسية في التقرير التجاري، خاصة الامتيازات التي تحظى بها الأمم ذات الأفضلية. إن أمير كاريني الذي كان لي الشرف أن أخبركم عنه. قد جعلني على اتصال مع السيد مارتينو Martino القنصل العام للصقليتين في طنجة حيث استفدت بشكل جيد من ظرف اللقاء، وقد وجدت هذا الأخير رجلا متعاونا جدا، ذكيا وذو مشاعر طيبة. لقد أبان بشكل مقنع للآخرين خلال المفاوضات الأخيرة على كفاءة ومعرفة جيدة بالبلد الذي يقيم فيه. فبناء على رأيه، فإن من الأسباب التي ساهمت في فشل المحاولات الأولى، الرغبة التي نظهرها بشكل واضح في عقد الاتفاقيات مع الإمبراطور ،إن رأيه إذا أردنا تحقيق الهدف و التوصل إلى اتفاق بشأن أي مسألة أخرى في هذا البلد ،يجب التقليص و التقليل من الأهمية التي نوليها من أجل إنهائها. لقد اقتنعت سيدي الدوق على أن قناصل فرنسا وانجلترا لم يكن لهم اعتراض مباشرة على مشاريعنا (وهو ما لا أضمنه حتى الآن)، وفكرة دعمنا غير موجودة سواء من هذا أو من ذاك. وهذه أسباب قوية من أجل القيام بمفاوضات جديدة سرية في حالة ما إذا اعتبرت الحكومة أنه في صالح الدولة. فالسيد مارتينو Martino اقترح علي قيادة المفاوضات تحت ادارتي وعرض بهذا الخصوص الاستفادة من تأثيره على الحكومة المغربية و خصوصا علاقته مع باشا العرائش، إثر تدخله من أجل التهدئة و الصداقة بين فرنسا و المغرب خلال الأحداث التي تعاقبت في الثلاثة شهور المنصرمة. كل ما سعيت الى معرفته ظل سريا الى حدود اليوم بيني وبين السيد مارتينو Martino،باستثناء أمير كاريني الذي هو على علم بجزء منه. وإن تم كشف شيء عن هذا الموضوع فأعتقد أني أبديت الى إنجلترا و فرنسا كثيرا من حسن النوايا للحصول على وكلاء من هاتين الدولتين القويتين، وهذا فقط كموقف إيجابي أثناء مفاوضاتنا حول المصالح البلجيكية مع المغرب .أنا جد واثق أنه في حالة الضرورة سأجد دعم السيد Bulwer والسيدGlucksberg حتى أضمن تصرفا إيجابيا يكون مراقبا من طرف قنصل فرنسا و قنصل إنجلترا . هناك إذن، عدة أسباب تدفعني الى الاعتقاد أن الظروف جد مواتية للتفاوض، وعندما أقول التفاوض ستكون هناك بالكاد مفاوضة، لأنه إما أن نتفاوض أو لا نتفاوض بصفة نهائية. هي فقط مسألة نقود، فإذا كنا نرى أننا نؤدي كثيرا من أجل هذه الاتفاقية سيتم الإخبار بذلك في الحين، وإلا سيتم تأجيل إبرام الاتفاقية إلى وقت آخر. و عند تواجدي في طنجة آخر مرة عرض علي السيد مارتينو أن انتقل حينها إلى الباشا بوسلهام لمعرفة ما إذا كان مستعدا ليدخل في ترتيبات معي، وقد اقترح السيد مارينو تقديم ستة آلاف بسيطة كإتاوة للسلطان، والتي ستوزع على الشكل التالي:
– أربعة آلاف للسلطان
– ألف لابن إدريس
– ألف لأبو سلهام
– أربع أو خمس مئة لموظفين أقل رتبة.
يتبع
(*) عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس – فاس (جامعة سيدي محمد بن