بعد احتلال منظومة التربية والتكوين في بلادنا، وفي العديد من المناسبات، لرتب متأخرة جدا وبمؤشرات جد مخيبة للآمال. كان لزاما على كل مكوناتها بلورة مشاريع إصلاحية قادرة على تخطي المخرجات الهزيلة لحقبة زمنية شهدت عدة إصلاحات وإصلاح الإصلاحات بشكل متواتر ، منذ مناظرة المعمورة سنة 1964 إلى غاية إقرار ما عرف بالتدابير ذات الأولوية ثم بلورة الرؤية الاستراتيجية لإصلاح جديد يمتد من سنة 2015 إلى غاية 2030، هذه الرؤية اعتبرت بمثابة دستور موجه للإصلاح منظومة التربية والتكوين بالمغرب عمل بعدها القائمون على الشأن التعليمي على بلورة مشاريع إصلاحية بتدابير وإجراءات محددة ومتعددة ثم أنشطة وتدخلات ترمي بالأساس إلى تجاوز حالة غير سليمة للمدرسة المغربية.
غير أن الموسم الدراسي 2020/2019 شهد تفشي وباء covid-19، الناتج عن الفيروس المستجد sars-cov-2، وما لحق ذلك من تبعات تمثلت أساسا في إقرار حالة الطوارئ الصحية ثم إجراءات الحجر المنزلي للمواطنين وتوقيف الدراسة الحضورية منذ 16 مارس 2020 مع ابتداع مفهوم الاستمرارية البيداغوجية ومحاولة إنهاء الموسم الدراسي بأقل الأضرار. ومع الارتفاع الغير مسبوق لأعداد المصابين واقتراب موعد الدخول المدرسي للموسم القادم 2021/2020 يتلقى الممارسون التربويون، وعموم المجتمع المغربي، قرارات عشوائية من قبل الوزارة الوصية تروم توجيه التدخل التربوي في هذه الفترة العصيبة للحفاظ على مصالح أطراف معينة كأرباب المؤسسات والمعاهد الخاصة ومدارس البعثات الأجنبية بالمغرب.
هذه القرارات يمكن للإنسان البسيط والمواطن العادي الوقوف على تناقضات صارخة تحملها في عدة مرات، ثم صعوبة تنفيذ بعض الحلول المقترحة ميدانيا ناهيك عن الأخطاء الفادحة في تقييم الوضع الوبائي وتبعات عدم إشراك أهل الميدان من مدرسين ومكلفين بمهام الإدارة التربوية ثم هيئة التأطير والمراقبة التربوية. وللوقوف على سمات وأركان عشوائية القرار الوزاري بصفة عامة ثم التدخلات المسطرة في حقل التربية والتكوين بالمغرب يمكن إثارة الانتباه للنقط التالية:
ثنائية التسرع والتأخر كركن أول لعشوائية القرار الوزاري التربوي
يستطيع المتتبع للشأن التربوي المغربي في الفترة الأخيرة الوقوف وبكل سهولة على اتسام القرارات الوزارية الخاصة بتدبير مختلف العمليات الخاصة بتمدرس أبناء المغاربة إما بالتسرع المفضي إلى سحق كل المجهودات المبذولة أو التأخر المبالغ فيه المؤدي إلى تعريض المتعلم أو الممارس التربوي للضرر والمجازفة بمستقبلهما التربوي والمهني، ومن القرارات التي عرفت قدرا مهما من التسرع نورد ما تم الإعلان عنه ضمن بلاغ الوزارة بتاريخ 12 ماي المنصرم بخصوص عدم استئناف الدراسة إلى غاية شتنبر 2020 ثم تأجيل الامتحان الجهوي للمتعلمين الممدرسين في السنة الأولى باكالوريا آنذاك، واعتماد ما تم إنجازه في التعليم الحضوري فقط في التقويم (الفروض المنجزة فقط قبل توقيف الدراسة) والامتحانات.
فتأمل هذه القرارات يمكننا من تسجيل كون الوزارة في قرارة نفسها تعترف بهزالة مخرجات فترة الاستمرارية البيداغوجية من جهة ومن جهة أخرى تنهي الموسم الدراسي قبل الأوان فالمتعلم المتابع بما تم إنجازه حضوريا فقط لن يهتم ولن يتابع فقرات التعليم عن بعد التي تصر الوزارة في نفس البلاغ على كون استمرار التعلم عن بعد ضرورة ملحة، فكان الأجدر تأخير الإعلان عن الإجراءات السابقة إلى غاية منتصف شهر يونيو 2020 مع الاكتفاء بما يهم الباكالوريا فقط. أما تأخر القرار الوزاري فيظهر جليا على سبيل المثال في ما عرف ببلاغ منتصف الليل الخاص بإلغاء توقيع محاضر الخروج بشكل حضوري لهيئة التدريس العاملة بأقاليم تم الإعلان عن إغلاقها بشكل تام تفاديا لتفشي الوباء جراء معطياتها الوبائية واعتماد التوقيع عن بعد.
وكان الأجدر في هذه الحالة هو التقييم القبلي للوضع الوبائي بالمغرب وإصدار قرار عدم التوقيع حضوريا قبل تنقل المدرسين والمدرسات لمسافات طويلة ثم جعلهم في وضعية صعبة جراء إغلاق المدن التي توجهوا إليها خصوصا وأن توقيع المحاضر يهم جانبا تقنيا فقط في صرف الأجور يمكن التغاضي عنه بمراسلة وزارية بسيطة.
عدم القدرة على الإقناع وغياب المبررات الموضوعية للقرارات الوزارية
لم تستطع الوزارة الوصية منذ اللحظات الأولى للتعامل مع ما ترتب عن ظهور أولى الحالات المعلنة للإصابة بوباء covid-19 إقناع الممارسين التربويين بوجاهة قراراتها المتخذة حتى على مستوى المفاهيم المستخدمة، فكان الجميع أمام ما عرف بالاستمرارية البيداغوجية تارة وتارة أخرى أما التعليم عن بعد أو التعليم الإلكتروني وصولا لمفهوم أخر استخدمه السيد الوزير في لقاء تلفزي مخصص لشرح بلاغ الوزارة حول صيغة الدخول المدرسي 2021/2020 وهو التعلم الذاتي، علما أن هذا الأخير لا يعني في الأدبيات التربوية المعروفة تعلم الطفل خارج الفصل الدراسي.
كما أن قرار تأجيل الامتحان الجهوي للأولى باكالوريا بالنسبة للممدرسين غاب عنه التبرير الكافي والموضوعي ولعل تطور الحالة الوبائية بعد ذلك يؤكد مجانبة هذا القرار للصواب، لنجد أنفسنا اليوم أمام قرار أخر لتأجيل هذا الامتحان مرة ثانية دون مراعاة لشعور فئة عريضة من المتعلمين ومدى التأثير السلبي لذلك على مستواهم الدراسي، نفس القرار هذه المرة جاء مصحوبا بقرار أخر متمثل في عودتهم للدراسة في حال موافقة أوليائهم ضمن السنة الثانية باكالوريا مما يشكل تناقضا كبيرا وصارخا في قرارات الوزارة الوصية وكأن كل قرار صادر من جهة مخالفة لجهة القرار الأخر.
فكيف يعقل تأجيل الامتحان بسبب المعطيات الوبائية وفي نفس الوقت السماح بالدراسة الحضورية لنفس الفئة حيث لا يمكن للآباء جعل متعلمي السنة النهائية للباكالوريا ضمن الفئات المستفيدة من التعلم عن بعد نظرا لخصوصيات هذه السنة التي تعتبر حاسمة في مستقبل أبنائهم. فإذا كان سبب التأجيل فعلا هو المعطيات الوبائية فالأجدر إلزام الجميع بالدراسة عن بعد أو على الأقل تأخير الدخول المدرسي. هذا دون إغفال ضرورة إيجاد حل للمتعلمين المقيمين في الأقسام الداخلية للمؤسسات التعليمية والذين تتفادى الوزارة الوصية الإعراب عن مخططاتها الخاصة بتدبير الداخليات وسبل العيش المشترك داخلها في زمن الوباء.
استمرار تطوير النموذج البيداغوجي رغم الزمن الاستثنائي للوباء
من أهم مميزات الدخول المدرسي 2021/2020 نجد إنهاء إصلاح مقررات السلك الابتدائي من خلال تغيير مقررات المستويين الخامس والسادس ابتدائي في إطار الارتقاء بجودة النموذج البيداغوجي المعتمد وتطويره، علما أن متعلمي المستويين الثالث والرابع وكذا أساتذتهم وأستاذاتهم كانوا جميعا على موعد مع تغيير المقررات الدراسية خلال الموسم الفارط والذي أقرت الوزارة الوصية بعدم اكتمال التعلمات المسطرة له وأوصت بضرورة اعتماد فترة داعمة في بداية الموسم الحالي تخصص لإرساء ما تم تغافله خلال شهر شتنبر 2020.
هذا من حيث التعلمات، أما ما يهم التكوين ومواكبة مشروع التغيير وإصلاح المقررات ثم تقويم التغييرات المعتمدة ومدى نجاعتها فحدث ولا حرج. بمعنى أن الوزارة الوصية مستمرة في التغيير بشكل ميكانيكي وتقني دون مراعاة لنتائج كل مرحلة من مراحل التغيير، فمتعلمي المستويين الثالث والرابع لم يتمكن أي منهم من إنهاء المقرر المسطر لهم ونطالبهم هذه السنة أيضا بالاستمرار في تعلم مفاهيم ومضامين مبنية على أخرى لم يتم التطرق إليها ونفس المسألة بالنسبة للمدرسين من خلال اعتماد مقررات جديدة لبعضهم إسوة بزملائهم للموسم الفارط دون مواكبة حضورية وتكوين جاد يرمي لإتاحة فرص النجاح أكثر وتجاوز الإكراهات التي تعرفها عملية التغيير في المقررات.
فكان الأجدر بالقرار الوزاري التربوي أن ينحو اتجاه تأجيل المرحلة الثالثة من التغيير لعدم قدرة المغرب على المجازفة بالاعتمادات المخصصة للتكوين والتتبع الذي يصير غير ممكن في حالة الدراسة عن بعد ثم تفاديا لمواجهة الناشرين عند وجود مشاكل في الكتب المدرسية التي تم تأليفها في فترة التواصل عن بعد بين مختلف المتدخلين.
التربية الدامجة، التعليم الأولي والولادة العسيرة لمشروعين بالغي الأهمية
يعتبر تعميم نموذج موحد للتعليم الأولي من أهم الأهداف التي تشتغل عليها وزارة التربية الوطنية بهدف إكساب المتعلم المغربي وبشكل متكافئ نفس شروط النجاح في التعليم المدرسي لاحقا، حيث يعتبر هذا الورش بالإضافة لورش التربية الدامجة من أهم الأوراش التي يعول فيها على مطلع الموسم الدراسي 2021/2020 لتحقيق الأهداف المتوخاة من خلال اعتماد الأقسام الدامجة التي ستضم متعلمين في وضعية إعاقة إلى جانب زملائهم الأخرين حفاظا على حق ذوي الإعاقة في التعلم بنفس شروط الجودة والوسائل والاهتمام ولكن بمراعاة حالتهم الصحية واعتماد ما يعرف بقاعات للمصادر والدعم لهذه الفئة بغية تقليص الهوة وتجاوز الفرق في الاكتساب والتعلم.
أما بخصوص التعليم الأولي فالدخول المدرسي القادم يشكل نقطة الانطلاق خصوصا بعد تجاوز مشكل المقررات المخصصة لهذه الفئة وإصدار كتب مدرسية جديدة ملائمة لما جاء به الإطار المنهاجي الخاص بالتعليم الأولي لسنة 2018، ثم ضمان التحاق أعداد مهمة من الأطفال بالأقسام المحدثة على صعيد المؤسسات التعليمية.
والملاحظ هو سكوت القرار الوزاري التربوي بصفة عامة عن التطرق لكيفية تدبير هذين المشروعين أو مصير هذه الفئة من المتعلمين التي تعتبر فئة هشة ويصعب وبشكل كبير الإقرار بإمكانية التزامها بتدابير احترازية صارمة من قبيل ما يتم تسطيره من تباعد جسدي واستخدام المعقمات التي قد تشكل هي نفسها خطرا أخر على الأطفال صغار السن أو من هم في وضعية إعاقة.
أما بخصوص رغبة الآباء في استفادة أبنائهم من تمدرس حضوري كما جاء في البلاغ الوزاري بتاريخ 22 غشت 2020 فهي تصطدم بمعطيات طبية بالغة الأهمية تقر بنزول مؤشرات المناعة الخاصة بالأطفال الصغار إلى أدنى مستوياتها خلال شهري أكتوبر ونونبر لما تشهده هذه الفترة من السنة من انتشار الإصابات الفيروسية، من زكام ونزلات البرد الحادة، مما يهدد متعلمي التعليم الابتدائي بصفة عامة ومتعلمي التعليم الأولى بصفة خاصة إلى جانب الأطفال في وضعية إعاقة والذين يعانون من مشاكل صحية في غالب الأحيان يصعب حتى على طبيب تخصص واحد تحديد مدى سلامة استفادتهم من الدراسة الحضورية فبالأحرى الآباء، وهذا ما تؤكده كل الدلائل الخاصة بالتعامل مع هذه الفئة من خلال التأكيد على ضرورة متابعة الطفل بشكل دوري من قبل فريق طبي متكامل حسب أنواع الإعاقة.
انعدام تصور خاص بمنظومة التقويم وتدبير الامتحانات في زمن الوباء
يعد مشكل التقويم وتدبير إجراء الفروض والامتحانات من أهم أركان الفعل التربوي التي تستوجب يقظة دائمة لدى صانعي القرار التربوي والتعليمي، فبدون منظومة تقويم قوية وصادقة لا يمكن بأي شكل من الأشكال التحدث عن منجزات أو تحسن المؤشرات الخاصة بقطاع التربية والتكوين في بلادنا. ولعل شعار تجويد منظومة التقويم المرفوع منذ أيام المشروع الاستعجالي لازال بعيد المنال فالوزارة نفسها خلال الموسم الفارط لم تحاول حتى اعتماد صيغة للتقويم تراعي خصوصية المرحلة بل اكتفت بما تم إنجازه في التعليم الحضوري وتم تقويمه وفقا للطريقة العادية التي تستهدف أساسا قياس قدرة المتعلم على الاسترجاع والحفظ.
ففترة التعليم عن بعد كانت فرصة لاعتماد نموذج تقويمي حديث يستهدف بالأساس استخدام المكتسبات لحل وضعيات مقترحة ومكافئة لما يعيشه المتعلم في حياته اليومية، حتى وإن كان هذا الاعتماد على سبيل التجربة فقط. فبهذه الطريقة يكون التقويم منصبا بالأساس على توظيف المعرفة والإبداع في هذا التوظيف هو ما يميز بين متعلم وأخر من جهة وما يعطي إمكانية الإنجاز خارج الفصل الدراسي وبمصادر مفتوحة كما يتم تماما في العديد من الأنظمة التعليمية العالمية التي تتخذ الهدف الأساسي من التقويم ليس تصنيف المتعلم وتعجيزه أو الحكم على إنجازه بثنائية النجاح والفشل بل الهدف هو إكساب المتعلم القدرة على اكتشاف مشاكله التعليمية وتدبير تعلمه بشكل يرمي إلى تجاوز هذه المشاكل.
فلحدود الساعة لم تعرب الوزارة الوصية عن كيفية تقويم تعلمات المتعلمين الذين سيختار أولياؤهم صيغة التعليم عن بعد، علما أن الاستفادة من التعليم عن بعد واجتياز الفروض حضوريا يعد بمثابة العبث الواضح المعالم والذي ستنتفي معه كل التبريرات التي تزكي اعتماد هذا النمط من التعليم.
ختاما، فبلوغ الشعار المقترح للدخول المدرسي الحالي والمتمثل في: «من أجل مدرسة متجددة ومنصفة ومواطنة ودامجة»، يستلزم على صانعي القرار التربوي بالمغرب مراجعة طريقة اشتغالهم ودراسة الحلول المقترحة بشكل متكامل قبل اعتمادها في إطار مواكبة مجريات تفشي الوباء ومراعاة حق المتعلم وحاجة الدولة لمخرجات قطاع التربية والتكوين التي يراهن عليها مستقبلا في عدة ميادين أهمها قطاعي الصحة والتعليم ثم قطاع البحث العلمي الذي يعتبر محركا أساسيا لتطور المجتمعات.
فالمدرسة المغربية، في هذه الحقبة التي تعتبر استثنائية بكل المقاييس، غير قادرة على تجديد أساليب عملها وعلى تحقيق الإنصاف التام لمتعلميها، خصوصا عندما يتم الحديث عن قدرة المدارس الخاصة عن توفير مستلزمات مواجهة تفشي الوباء وعجز المدرسة العمومية عن ذلك، كما أنها لا تستطيع العمل وفق قرارات عقلانية وبإجماع وطني على سلامتها وقدرتها على تجاوز كل التهديدات المحتملة من خلال مبدأ التشاور وإشراك أهل الاختصاص. بهذا الشكل فالمدرسة العمومية المغربية لا تستطيع القيام بدورها في خلق التغيير الاجتماعي وتطوير فكر جمعي قادر على التحلي بالتضامن والتماسك لتجاوز كل العراقيل والمشاكل التي تعوق نهضة المجتمع.
(*) باحث في قضايا التربية والتكوين – مفتش تربوي بمديرية خنيفرة