تقدم الباحث بوشتى المشروح بأطروحة في موضوع «المجتمع المغربي والسينما خلال الحماية الفرنسية» حضرها لنيل الدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية، من مركز الدراسات في الدكتوراه ونالها بميزة مشرف جدا مع توصية بالطبع وناقشتها يونيو 2023 لجنة مكونة من السادة الأساتذة: الدكتور سمير بوزويتة عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس رئيس وعضوية كل من الدكتور الصديق رداد والدكتور عمر صوصي علوي الدكتور سيدي محمد الكتاني.
وفي الأثناء ،شكك الدكتور بوشتى المشروح في المعلومات المتعلقة بنشأة السينما بالمغرب. وقال « إن المعلومات التي أرجعتها العديد من المصادر المغربية إلى سنة 1901 كأول ظهور لمؤثرات سينمائية من طرف بعض الأجانب الذين قاموا بإدخال بعض معدات العرض السينمائي ،و صوروا بعض اللقطات بعدة مدن خصوصا بالرباط وفاس غير صحيحة خلال « وأوضح في حوار سبق نشره بجريدة الاتحاد الاشتراكي» أن تشكيكه في المعطيات الرسمية المتداولة بهذا الخصوص جاء بعد رحلة ميدانية سيقتفي من خلالها آثار البدايات الأولى للسينما بالمغرب، سواء من خلال التصوير أو العرض . حاور خلالها العديد من المتخصصين والخبراء من المغاربة والأجانب في هذا المجال .
في ( 100 دقيقة ) يكشف الفيلم المغربي الوثائقي الطويل ” ورثة لوميير ” الذي أخرجه بوشتى المشروح مجموعة من المعطيات التي تتحدث عن البدايات الأولى لظهور السينما بالمغرب . الفيلم الذي سبق عرضه بسينما بوجلود التاريخية بقلب المدينة العتيقة بفاس عام 2017 ،بحضور العديد من الفنانين والنقاد والمشتغلين بالمجال الفني أثار الجدل وشكل محور أسئلة فارقة حول نشأة السينما بالمغرب في عصر الحماية .
وحول القيمة المضافة للرببيرتوار السينمائي المغربي من خلال فيلمه الطويل قال الدكتور بوشتى المشروح أن فيلم «ورثة لوميير»يتضمن حقائق جديدة تهم بدايات السينما بالمغرب، وأبدى أسفه لكون تاريخ بداية السينما بالمغرب المعتمد من طرف المركز السينمائي ومواقع حكومية أخرى يتضمن معلومات ومسلمات مغلوطة. منبها إلى أن فيلمه «ورثة لوميير» يجعل تلك المعلومات والمسلمات محط تساؤل و مناقشة. ويتحدث الفيلم إلى جانب ذلك عن فئة مهمشة كانت صانعة للفرجة تشتغل في القاعات السينمائية خلال مرحلة البدايات من خلال مهن بسيطة مرتبطة بالسينما. فئة بشرية ارتبط مصيرها ومصير أسرها بمصير القاعة السينمائية. إذ سرعان ما أصبحوا عرضة للتشرد والضياع بعد إغلاق هذه القاعات السينمائية.
وأعرب الدكتور عن أسفه في مناسبات عديدة موضحا أن « كل من كتب حول البدايات الأولى للسينما المغربية يرى أن أول ارتباط للمغرب بها كان على يد الأخوين لوميير ، و أنهما أرسلا مساعدين لهما لتصوير مشاهد بالمغرب ، و تم تصوير فيلم راعي الماعز المغربي . و أن هذا الفيلم يحمل رقم 1394 في كتالوغ أفلام الأخوين لوميير» . وهذا منافيا للحقيقة ويفند الرواية الرسمية المعتمدة بهذا الخصوص .
ويضيف مؤكدا « من خلال البحث الذي قمت به ، فإنه لا وجود لفيلم اسمه راعي الماعز المغربي ، أو الفارس المغربي ، و أن الأخوين لوميير لم تطأ أقدامهما المغرب أبدا ! و أن عنوان الفيلم الذي يحمل رقم 1394 : تمارين في التزحلق على الجليد ، و مضمونه هو « تدريب على التزحلق لصيادين من الألب بمنطقة بريانصون) في جبال الألب الفرنسية « ويلفت الدكتور المشروح أن « أول فيلم تم تصويره بالمغرب لحدود الساعة ، كان على يد الأمير ألبير الأول حاكم موناكو. و ذلك سنة 1897، حيث صور أثناء زيارته إلى المغرب ، فيلمين قصيرين جدا ، الأول بالرباط ، و الثاني بآسفي.»
وحول المصادر الإسنادات والوثائق التي اعتمدها في هذا الرأي يقول بوشتى المشروح «بعد أن توصلت لهذه المعطيات ، راسلت معهد لوميير بفرنسا ، و استفسرته عن مجموعة من المعطيات .و معلوم أن معهد لوميير من المعاهد السينمائية الكبرى في العالم ، و يضم كل أعمال الأخوين لوميير ، و قد تمت إحالة مراسلتي على خبير المعهد و المسؤول عن قسم الأرشيف السيد جون مارك لاموط Jean Marc Lamotte. و قد أكد لي المعطيات التي توصلت إليها يقول الدكتور المشروح ، ويتابع قائلا « بالإضافة الى تنويري بدلائل أخرى حول معطيات أخرى» و أستغرب الدكتور المشرح كيف أن الباحثين و مؤرخي السينما المغربية و الجمعيات المتخصصة ، لم يقوموا بمراسلة معهد لوميير للتدقيق في معلومة من المعلومات الواردة أعلاه، أما بخصوص الأمير ألبير الأول ، فيكفي مراسلة مؤسسة أرشيف المغرب لتؤكد ما ورد أعلاه «.
وبالعودة إلى تاريخ السينما الرسمي بالمغرب. يؤكد المشروح «إن أول عرض سينمائي كان سنة 1897 بالقصر الملكي و بعده كان أول عرض عمومي سنة 1912. و سمي بالملهى الكبير . ويخلص متسائلا «ألا يطرح هذا الفارق الزمني (15 سنة ) أسئلة عن ما وقع خلال 15 سنة بعد أول عرض سينمائي بالقصر ؟ فعلا ، فالتاريخ الرسمي المعتمد لا يتحدث عن ما وقع بعد أول عرض سينمائي بالقصر الملكي بفاس . و لهذا فالفيلم» ورثة لوميير» يغوص فيما بعد هذا العرض ، فمن المعلوم أن المولى عبد كان مولعا بالاختراعات و استهوته السينما بعد أول عرض و مباشرة بعد موت باحماد الوصي على العرش ماتت وصايته على المولى عبد العزيز حيث أصبح سلطانا فعليا . و هناك طلب من الصدر الأعظم المنبهي أن يعمل على جلب معدات و آلات السينما ، فتم جلب المعدات من باريس و لندن ، و لتشغليها ، قام الصدر الأعظم بفتح ما يشبه طلب عرض دولي لمن سيكون المصور الخاص للسلطان ، و يعلمه التصوير الفتوغرافي و السينمائي و… ، و نظرا للصراع الامبريالي الكبير بين القوى الكبرى حول الاستفراد بالمغرب يضيف الدكتور المشروح « فقد ألحت الجالية الفرنسية على ( غابرييل فيير ) ليتقدم و يفوز بالعرض ، و هذه التفاصيل موجودة في كتاب/مذكرات غابرييل فيير بعنوان : « في صحبة السلطان «.
وحول العلاقة بين السلطان المولى عبد العزيز والأعمال السينماتوغرافية لغابرييل فيير Gabriel Veyre . فإن هذا الأخير يقول مخرج ورثة لوميير « صور أول فيلم بالمغرب لفائدة الدولة المغربية و سماه FANTASIA ، و أتبعه ب4 أفلام أخرى خلال نفس السنة. و كلها أفلام تشبه أفلام لوميير الأولى ، كما قام بالتقاط صور ملونة ابتداء من سنة 1907 مستخدما تقنية Autochrome ، إضافة إلى تصويره أفلاما ملونة حول مناطق و عادات المغرب. و ذلك خلال نهاية 1934 إلى حين وفاته سنة 1936» . وفي هذا الصدد يقول الدكتور المشروح « قمت بمجهودات كبيرة للحصول على بعضها إلى أن التقيت بحفيده السيد Phillipe Jacquier المسؤول عن إرث جده .و أجريت معه حوارا ثم زودني ببعض هذه الأعمال ، فقمت بتضمين مقتطفات منها في فيلمي «ورثة لوميير» أما السلطان المولى عبد العزيز فيقول المشروح» هو أول سينمائي مغربي و أول مغربي وقف خلف الكاميرا ، و صور فيلما مثل أفلام الأخوين لوميير ، للأسف بعد خلعه و مبايعة أخيه المولى عبد الحفيظ ، اختفت كل أعماله ، لكن لحسن الحظ ، هناك فوطوغرام Photogramme لأحد أفلامه ، نشرها غابرييل فيير بجريدة Illustration التي كان يعمل كمراسل لها ، و فيلمي يتضمنها ، حيث نشاهد صورا لحريمه يركبن الدراجات ، أو جالسات في مكتبه.»
معطى آخر على جانب كبير من الأهمية ،يتعلق الأمر بالفرجة السينمائية و كيف انتقلت من القصر الملكي إلى عموم الشعب ؟ هنا يذكر المخرج « أن مدينة طنجة كانت تحت الحماية الدولية ، و كانت تضم جاليات و قنصليات و سفارات أوروبية متعددة ، و كانت هذه الجاليات على اتصال دائم بما يقع في أوروبا من تطورات اجتماعية سياسية و ثقافية ، و طبيعي جدا أن يتم استقدام الفرجة السينمائية إلى مدينة طنجة ، و يؤكد الناقد أحمد بوغابة أن أول عرض سينمائي عمومي مؤدى عنه ( أداء ثمن تذكرته ) كان سنة 1905 . أما في مدينة فاس ، ففي نفس سنة توقيع الحماية سنة 1912 ، قامت سلطات الحماية بفتح قاعة سينمائية بحي النواعريين ، القريب جدا من جامع القرويين ، و لازالت معالم هذه القاعة السينمائية موجودة و تضمن الشريط شهادة شخص شاهد الأفلام في قاعة النواعريين ، و بعدها قامت النخبة اليهودية بفتح قاعة بشارع الملاح و سموها سينما سطار ، كما قام أحد مالكي القاعات السينمائية بشراء محل/ طاحونة لطحن الدقيق ، و تحويله إلى قاعة سينما في مدخل حي مولاي عبد الله بفاس .
ابتداء من منتصف العقد الأول من القرن العشرين انتشرت القاعات السينمائية كالفطر في المدن المغربية ، حاولت الإقامة العامة الفرنسية ضبط هذا المجال لتلافي بعض المشاكل التي كانت تحدث لذلك أصدرت سنة 1916 قرارا وزيريا و للأسف فإن مؤرخي السينما المغربية ، يذكرونه كظهير ، في حين هو قرار وزيري فقط ، صادر بتاريخ 22أبريل 1916 ، بعنوان : قرار وزيري في تأسيس ضوابط لمراسح التمثيلات السينماتوغرافية ، يتضمن 16 فصلا ، حيت كانت القاعة السينمائية تسمى مرسحا ، و»المرسح «هو مكان معد للتمثيل والرقص « جمع مراسح .
و مضمون هذا القرار الوزيري هو : ضرورة توفر رخصة فتح المرسح ، ضرورة توفر شروط السلامة داخل المرسح ، و أن تكون مقصورة التمثيل في مكان منعزل عن الجمهور ، و أن يتم استعمال التيار الكهربائي فقط أثناء التشغيل ، و أمور أخرى متعلقة بالسلامة و الاحتياطات و بالرقابة و غيرها .وفق المصدر ذاته.