كشف وزير الصحة منتصف شهر ماي الفارط عن نتائج المسح الوطني السادس حول السكان وصحة الأسرة الذي أنجز بتنسيق مع المندوبية السامية للتخطيط، بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، واليونسيف، ومنظمة الصحة العالمية، والوكالة الوطنية للتأمين الصحي وجامعة الدول العربية. تقرير تم من خلاله تسليط الضوء على إشكالية وفيات الأطفال دون سن الخامسة، التي تعد مشكلة ترخي بظلالها المؤسفة على العديد من الأسر وعلى المشهد الصحي ببلادنا، بالمقابل أنهت وزارة الصحة قبل أيام التحقيق الذي باشرته بخصوص وفيات المواليد الخدج بأحد المؤسسات الصحية العمومية بالرباط، وهي القضية التي كانت مثار اهتمام مهنيي الصحة والمهتمين بالشأن الصحي وكذا المواطنين.
«الاتحاد الاشتراكي» التقت الدكتور رشدي طالب، الاختصاصي في مجال التخدير والإنعاش، للحديث عن وفيات الخدج والمواليد حديثي الولادة، عن العرض الصحي المتوفر في الدارالبيضاء، وعن كيفيات تحسين المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية التي تخص التنمية، من خلال تحسين وتجويد الخدمات الصحية التي تمكن من إنقاذ حياة هذه الفئة.
– وفيات الرضع أثناء الوضع وفي أقلّ من سنة تعتبر تحديا للصحة في بلادنا، كيف هو الوضع بلغة الأرقام؟
– لقد قطعت بلادنا أشواطا كبيرة من أجل تقليص نسب وفيات الأطفال أقل من 5 سنوات والأمهات الحوامل أثناء الوضع، وهي استطاعت بالفعل تحقيق بعض التقدم في هذا الصدد بالرغم من الإكراهات التي لم تحل وبكل أسف دون استمرار تسجيل وفيات مؤلمة. لقد تتبعنا جميعا كيف أشارت نتائج المسح الوطني السادس حول السكان وصحة الأسرة، إلى أن معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة قد سجل انخفاضا بنسبة 27 في المئة خلال الفترة ما بين سنة 2011 و 2018، إذ انتقل من 30.5 إلى 22.16 حالة وفاة لكل 1000 مولود حي، كما أن معدل وفيات الأطفال حديثي الولادة قد تراجع من 21.7 إلى 13.56 كل 1000 مولود حي، إلا أن رقما آخر بالمقابل يجب الانتباه إليه والوقوف عنده بكل ما يحمله من دلالات ومؤشرات، والذي يفيد بأنه من بين 700 ألف حالة ولادة جديدة في السنة فإن نسبة 10 في المئة هي تخص مواليد خدّج، أي أن 75 ألف جنين يولدون قبل إتمام فترة 9 أشهر داخل أحشاء الأمهات الحوامل، وحين يرون النور يجب أن تتوفر شروط استقبالهم حتى لا يفارقون الحياة أو على الأقل لا يصابون بمضاعفات صحية وخيمة ترافقهم ما تبقى من عمرهم إن هم عاشوا.
– ما هي خصوصيات الوضع الصحي للمواليد الخدّج والمضاعفات التي يكونون عرضة لها؟
– إن إتمام مرحلة 9 أشهر في رحم الأم الحامل، لم تأت اعتباطا، فلها أهميتها الزمنية في تطور مراحل تكوين الجنين واكتمال نموه، سواء على مستوى التنفس، أو دقات القلب، أو تشكيل الكبد والكلي والعظام وكذا الوزن، فهذا الزمن الجنيني مهم جدا، لأن ولاة الجنين قبل هذا الوقت في الشهر السابع أو الثامن وأحيانا قبل ذلك، ينطوي على خطر بالغ على حياته، فالجنين الذي يولد ووزنه يتراوح مابين 800 و 900 غرام هو يفارق الحياة لا محالة، والذين يرون النور ووزنهم يتراوح ما بين 1500 و 2000 غرام، هم تحت رحمة العناية الإلهية، خاصة بالنسبة لمن هم في وزن 1500 غرام، الذي قد يعيشون بمضاعفات وإعاقات، خلافا لمن هم أكثر وزنا. وهنا يجب التأكيد على أن إنقاذ حياة الجنين يتطلب توفير فضاء صحي لاستقباله من خلال حاضنة تكون بديلة لرحم والدته، حتى يتم وضعه بها، التي تتوفر على الحرارة المناسبة 37 درجة التي هي الأخرى ليست بمصادفة وإنما لها بعدها الصحي، لضمان اكتمال نموه، وفي حال وجود عسر على مستوى التنفس وجب توفير معدات التنفس الاصطناعي، وهذا الوضع لا ينطبق على الخدّج فحسب، بل كذلك على المواليد الذين يتمون 9 أشهر، لكن يولدون بمضاعفات صحية على مستوى التنفس، الذين إذا ما تم توفير حاضنات لهم يمكن إنقاذهم، وفي حال عدم توفرها فإنه وبكل أسف يكونون عرضة للموت.
-هل الحاضنات والأطباء المتخصصين هم متوفرون بالعدد الكافي لتغطية هذا الرقم الكبير في المواليد الخدّج؟
– أودّ الإشارة ارتباطا بهذا السؤال إلى أن 3 أرباع الوفيات التي تسجل في صفوف المواليد الجدد، هي تتم في فترة 3 أشهر الأولى التي تلي عملية الوضع، وقد أبرز المسح الوطني أن 75 في المئة من الأطفال هم يفارقون الحياة في الشهر الأول، أي من بين 4 وفيات تسجّل 3 منها تكون في المراحل الأولى للوضع، وبالتالي فالإشكال هو كبير جدا، ويخص المواليد الخدّج وحتى المواليد في وقت طبيعي لكن بمضاعفات صحية متعددة، وعليه فإن الحاضنات المتوفرة اليوم هي وبكل أسف لا يمكن أن تغطي الطلبات، وهناك خصاص في هذا الباب في القطاع الصحي بشكل عام، وعلى الصعيد الوطني، بل وحتى بمدن كبرى كما هو الحال بالنسبة للدارالبيضاء المدينة المليونية، وليس فقط في المدن الصغرى والمناطق البعيدة، ويكفي أن نعلم أن عدد الحاضنات بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بالدارالبيضاء لا يتجاوز 16 حاضنة، في حين لا تتوفر أغلب المستشفيات الإقليمية على هذا النوع من الحاضنات، ويبقى وجود بعضها في عدد معدود شكليا، علما أن مجال التدخل هو ليس مفتوحا للجميع، بالنظر إلى أن وضعية الخدج هي تتوزع على مستويات 3، كل مستوى بإشكاليات صحية وتدخلات معيّنة، ليس الجميع مؤهلا للتعامل معها كلها، كما أن بعض مصحات القطاع الخاص هي بدورها لا تتوفر على مصالح لإنعاش المواليد الخدج، وينضاف إلى هذا الإشكال كون أطباء الإنعاش المتخصصين في المجال، وأتحدث عن التخصص بكل ما تحمله الكلمة من معنى، هم يتراوح عددهم ما بين 12 و 15 طبيبا، مطلوب منهم التدخل في عدد من المواقع لإنقاذ هؤلاء المواليد.
– ما هي سبل تجاوز هذا الوضع المتأزم والمساهمة في إنقاذ أرواح هؤلاء المواليد وغيرهم؟
– إن هذا الوضع المؤسف الذي يجعلنا نأتي في مرتبة بعد لبنان والأردن وتونس وليبيا انطلاقا من أرقام الوفيات المسجّلة في صفوف الأطفال دون سن الخامسة، وخاصة الخدّج والمواليد في سنتهم الأولى، يجب أن يدفعنا لنعزز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، التي نؤسس لها في هذه المرحلة على عهد وزير الصحة الحالي أناس الدكالي، والكاتب العام للوزارة، الملمّ جيدا انطلاقا من تخصصه الطبي بأهمية وراهنية الموضوع وإشكالاته المتعددة، وبالمناسبة أنوّه من خلال منبركم بالأشواط التي تم قطعها وبجوّ الارتياح الذي يسود النقاش بيننا جميعا، بما يخدم صحة المواطن ويمكّن من إنقاذ أرواح أطفال وأمهاتهم على حدّ سواء، وهذا الموضوع هو بالضرورة سيكون مفيدا تطوير الشراكة فيه للمساهمة في الرفع من مؤشراته التي تعد أحد عناصر تقييم تقدم الدول.
بالمقابل وأمام حجم الخصاص ونسب الوفيات المؤلمة، وبالرغم من كون إحداث مصلحة مختصة في هذا الباب هو لا يغري الجميع، فقد عملنا وانطلاقا من بعد مواطناتي محض، على إحداث مصلحة مختصة مجهزة بأحدث التقنيات بمصحتنا الجديدة عين البرجة التي تم افتتاحها مؤخرا، وتضم 20 حاضنة إضافة إلى 8 أجهزة مختصة في التنفس الاصطناعي للخدج وللمواليد الجدد بشكل عام، الذين يعانون من مشاكل تنفسية، حتى يمكن إنقاذهم وزرع البسمة على محيّا أهاليهم.
* مدير مجموعة
مصحات أكديتال