الأشخاص ما بين 15 و 40 سنة أصبحوا أكثر عرضة للإصابة بكوفيد 19 ونشره في صفوف المسنين والمصابين بأمراض مزمنة
ارتفعت في الأيام الأخيرة نسبة الإصابات بفيروس كوفيد 19 بشكل لافت مقارنة مع بدايات الجائحة الوبائية، ونفس الأمر بالنسبة للوفيات، الأمر الذي طرح علامات استفهام متعددة بعد اتساع رقعة انتشار المرض واستقبال مصالح الإنعاش والعناية المركزة لحالات في وضعيات صحية متقدمة ومتدهورة، تنذر بما هو أسوأ.
تصاعد خلّف قلقا كبيرا، رفع من منسوبه عودة «الحجر الصحي» إلى بعض المناطق، واتخاذ السلطات العمومية لقرار منع التنقل من وإلى مدن أخرى، على بعد أيام قليلة من عيد الأضحى. وضعية بتساؤلات متعددة، نقلناها الدكتور مولاي سعيد عفيف، رئيس الجمعية المغربية للعلوم الطبية وأنفوفاك المغرب، من أجل تسليط الضوء على الوضعية الوبائية الحالية، والتدابير الوقائية، والمسؤولية الفردية والجماعية لمواجهة هذا الوباء والحيلولة دون استمرار تفشيه.
p ارتفع عدد حالات الإصابة بكوفيد 19 في عدد من المدن، ما هو تفسيركم لذلك؟
n لقد كان من المنتظر ارتفاع أعداد المصابين، وهو أمر نبّهنا إليه مرارا وتكرارا، لأن بلادنا قررت الرفع من أعداد اختبارات الكشف عن فيروس كوفيد 19، في أوساط المهنيين في القطاع الخاص، والأشخاص الراغبين في السفر، إلى جانب الحالات المشكوك فيها، وبالتالي كلما ارتفع عدد الاختبارات كلما تم تسجيل نسبة من الإصابات.
إلا أن هذا الارتفاع لا يرتبط بهذه النقطة لوحدها، وإنما هو نتيجة كذلك لحالة التراخي والتهاون في تطبيق الإجراءات الحاجزية التي أصبحنا نلاحظها جميعا، فإذا كانت وحدات مهنية، صناعية وتجارية وغيرها، تحترم الشروط الوقائية، فإن البعض الآخر، لا يزال مقصّرا في ذلك، ونفس الأمر بالنسبة لعموم المواطنين، الذين منهم من يتجول بكل حرية بدون وضع الكمامة، وغير مهتم باحترام مسافة الأمان وتطبيق التباعد الجسدي، ولا يقوم بغسل يديه أو تعقيمها، مما أدى إلى ارتفاع المصابين وإلى اتساع رقعة انتشار الفيروس، لأنه يمكن لأي شخص أن تطاله العدوى، سواء في فضاء العمل أو سوق تجاري أو في مقهى أو في الشارع العام، إذا لم يتخذ الاحتياطات الضرورية، ولا يمكن أن نطالب أو ننتظر تراجع الإصابات بفيروس متواجد بيننا، وحاضر في العالم بأسره، ونحن لا نحترم الإجراءات الوقائية.
p هل هذا سيضر مرة أخرى بالأنشطة الاقتصادية والحرفية التي بدأت تحاول الخروج من الأزمة مؤخرا؟
n إن الحفاظ على السلامة الفردية والجماعية هي مسؤولية مشتركة، مسؤولية المواطن، وكذلك مسؤولية المقاولة والإدارة، وصاحب وسيلة النقل العمومية، حافلة كانت أو سيارة أجرة، وغيرهم، فالكل معني من موقعه والكل يجب أن يحرص على تفادي الإصابة بالفيروس ونقله إلى الغير.
أما إذا ما ظل التراخي والتهاون فإنه من الطبيعي أن تصاب عدد من الأنشطة بالسكتة القلبية، لكن إذا كان الحرص على التقيد بالتدابير الحاجزية الوقائية فإن الحياة ستعود إلى طبيعتها، وسنساهم جميعا في تحقيق دينامية اقتصادية واجتماعية مع الحفاظ على الصحة العامة، وهنا أشير إلى دراسة ميدانية أجريت في أمريكا، وتبين على أنه بمحلين للحلاقة يتم فيهما الحرص على وضع الزبائن للكمامات، ونفس الأمر بالنسبة للحلاقين، لم يصب أي زبون بكوفيد 19، رغم إصابة حلاقين اثنين بالفيروس، وهو ما يعكس أهمية وضع الكمامات، لهذا يجب التنويه بمبادرة وزارة الداخلية لحث المواطنين على استعمالها استعمالا صحيحا، بالنظر إلى أن الكثير من الأشخاص أصبحوا يضعونها على العنق أو الذقن، وهو أمر خاطئ لن يحميهم من العدوى ولن يقي غيرهم منها.
p بات لافتا إصابة شباب وأشخاص غير مصابين بأمراض مزمنة بالفيروس، ما هو تعليقكم على ذلك؟
n صحيح، فقد أصبحت الفئة العمرية ما بين 15 و 40 سنة أكثر عرضة وأكبر مسبب لانتشار العدوى، خاصة وأن أغلبهم لا تظهر عليهم أعراض المرض، وبالتالي يكون الفيروس صامتا عندهم، ويساهمون في نشره بفعل الاحتكاك اليومي بالغير، لا سيما مع عدم احترام التدابير الوقائية، فيتسببون في انتشار المرض بشكل واسع، وللأسف يؤدي غيرهم ثمن ذلك، خاصة المسنين والمصابين بأمراض مزمنة، الذين يصلون إلى المستشفيات وإلى مصالح الإنعاش والعناية المركزة في وضعية صحية متفاقمة ومتدهورة، مما يعرض بعضهم للوفيات.
هذا الوضع الذي أصبح واقعا، هو ما يجعلنا نؤكد خاصة بمناسبة عيد الأضحى على ضرورة وضع الكمامات واحترام الشروط الوقائية، والسفر إلا للضرورة، والاقتصار على الاحتفال بالعيد وسط الأسرة الصغيرة وتفادي التردد على العائلة الكبيرة والزيارات والعناق والتقبيل، فكل هذه السلوكات لن تؤدي إلا لمزيد من الأذى والضرر، وحب الغير لا يترجمه العناق والتقبيل فقط.
p نلاحظ أن عددا من المناطق أصبحت متجاوزة في مواجهتها للفيروس ما الذي يجب القيام به؟
n إن الفيروس لم يعد بتلك الضراوة التي كان عليها في البداية، لكنه بالمقابل أصبح قوي الانتشار وهو ما أدى إلى ارتفاع معامل تكاثره أو ما يعرف بـ R0، ومن الطبيعي أمام هذا الوضع أن تنهك قوى مهنيي الصحة الذين ظلوا يواجهون الجائحة منذ بدايتها، لأن تكفلهم بالمرضى يتواصل ويستمر ولم يتوقف، بل أنه أصبح مؤخرا في عدد من المناطق مرتفعا، وهو ما نبهنا إليه كما أسلفت، ونحن اليوم أمام امتحان جماعي لتعزيز المكتسبات التي حققناها في مواجهة الوباء بفضل التدابير الاستباقية التي أكدت عليها التعليمات الملكية السامية لجلالة الملك محمد السادس منذ ظهور الفيروس، حتى نستطيع جميعا التغلب عليه، ومنع انتشاره في صفوف المواطنات والمواطنين باحترام شروط الوقاية والسلامة الصحية.
p قررت وزارة الداخلية ووزارة الصحة منع التنقل من وإلى عدد من المدن، كيف تنظرون لهذا القرار في هذه الظرفية؟
n هو قرار صائب، بالنظر لارتفاع حالات الإصابات في هذه المناطق، التي يجب أن نحميها كي تعود إلى الوضع الطبيعي، ولأننا كذلك لا نريد أن تنتقل العدوى من منطقة لأخرى فتصاب مناطق أخرى سليمة، ويكون ذلك بمثابة عقاب لسكانها الذين ظلوا ملتزمين بالتدابير الوقائية، لكنه بالمقابل قرار مفاجئ، وهو أمر لا يجب أن ننكره، وكان يجب منح وقت مناسب للمواطنات والمواطنين لتدبر أحوالهم وترتيب تنقلاتهم كي تكون عادية وتمر في أجواء طبيعية.
وعموما فإن أي إجراء يتم اتخاذه من طرف السلطات المختصة فإن الرهان الأساسي المتحكم فيه هو المصلحة العامة للمواطنين والمواطنات وحماية وطننا من خطر انتشار الجائحة، ونتمنى بهذه المناسبة أن يمر الاحتفال بعيد الأضحى في جو صحي وآمن، وأن يحفظ الله وطننا وملكنا من كل شر.