الدكتور هشام العلمي: بعد القرارات والإجراءات القوية التي اتخذها جلالة الملك منذ بداية الجائحة، لاحظنا أن وزارة الصحة لم تكن في مستوى التدبير الجيد لمرحلة ما بعد الحجر الصحي

في حوار مع الأخ الدكتور هشام العلمي:  المنسق الوطني لقطاع الصيادلة الاتحاديين 

 

– كصيادلة، مكون أساسي للمنظومة الصحية الوطنية، ماهو تقييمكم للاستراتجية التي اعتمدتها بلادنا لمواجهة جائحة كورونا منذ ظهور البوادر الأولى للوباء إلى حد الآن ؟
– في حقيقة الأمر، وإلى حدود نهاية فترة الحجر الصحي ، أقدمت بلادنا بتوجيه وقيادة من جلالة الملك على خطوات و قرارات، كان لها الأثر الإيجابي الكبير، في الحد من موجة أولى للوباء شرسة، كما حصل في الكثير من الأقطار، التي رغم أن كورونا دقت أبوابها بقوة، فقد استهانت بالأمر، وكانت نتيجة ذلك وخيمة.
بالنسبة إلينا، منذ التباشير الأولى للوباء، وقع إغلاق الحدود والمجال الجوي الوطني، وأعلنت حالة الطوارئ ثم الحجر الصحي “الشامل“، وأحدث صندوق لمعالجة الآثار السلبية اجتماعيا واقتصاديا، وتم تجنيد المنظومة الصحية برمتها مدنية وعسكرية ،… بالإضافة إلى الكثير من الإجراءات والمبادرات التي كانت غايتها أن تنجح التجربة المغربية مع هذه المحنة غيْر المسبوقة .
بالفعل، لقد ربحنا الرهان إلى حد كبير ، حتى إن المغرب صار نموذجا حينها. وأهم من ذلك، أن القرارات السيادية التي كان جلالة الملك وراءها ،كان لها فضل تجنيب المغرب والمغاربة كارثة ،كانت ستحصل لا محالة بالنظر للهشاشة الكبرى التي كان الوباء سيجد عليها منظومتنا الصحية والطبية.
إلا أنه وللأسف الشديد، وقد جاء هذا حتى في خطب جلالة الملك ، فمنذ بداية الرفع التدريجي للحجر الصحي، صرنا أمام واقع آخر، لا يبعث نهائيا على الارتياح. الأرقام ناطقة ، أرقام المصابين، أرقام الموتى ، أرقام حرجة وخطيرة، وأما أرقام ما عرفناه في بداية الوباء بالمخالطين، فلم يعد أحد يتحدث أو يسأل عنها .
بعد فترة حجر صحي امتدت لأكثر من ثلاثة أشهر ، ورفع تدريجي للحجر امتد أكثر من ذلك ، كان يفترض في وزارة الصحة، إعداد العدة اللازمة لمواجهة هذا الوضع الجديد، الذي كان الجميع يعرف أنه سيحدث (خاصة وأن سؤال الإمكانيات لم يعد مطروحا بعدما مدها به صندوق كورونا من إمدادات مهمة).
-هل قامت الوزارة بما يلزم؟
– نحن لسنا عدميين حتى نمحو كل شيء ، كما أننا جزء أساسي من منظومة الصحة ببلادنا ، وبالتالي لا يمكننا إلا أن نزكي ونصفق لما أنجز، ولا يمكننا إلا أن ننحني إجلالا أمام التضحيات التي قدمها زملاؤنا في مختلف الأطر الصحية ، وهي مناسبة لنترحم على أرواح الذين سقطوا وهم يقاتلون كورونا . ولكن دعونا نطرح نحن أيضا بعض التساؤلات على الوزارة الوصية على القطاع:
ما هو حجم ونسبة تغطية الكشوفات على الصعيد الوطني والجهوي؟ هل كانت متاحة وهي الآن متاحة لكل راغب فيها أو مضطر إليها؟ مامدى مساهمة القطاع الخاص في عمليات الكشف؟ وهل شمل تدخل المختبرات الخاصة كل التراب الوطني؟ وما السر في منع مختبرات من العمل بعدما رخصت لها وزارة الصحة؟ هل تواكب وزارة الصحة فعلا مدى احترام الاحترازات التي أوصت بها، في المدارس والمعامل و الأسواق….؟
ما السر الكامن وراء إبعاد القطاع الخاص عن لعب دوره كشريك في المنظومة الصحية الوطنية أيمكنه أن يخفف العبء عن المؤسسات العمومية؟
فيما يخص المخزون الوطني للدواء ، فقد لاحظنا جميعنا ، وبدون أدنى مزايدة أنه حتى الإعلام العمومي تطرق لمعضلة الخصاص الكبير الذي عرفته بعض الأدوية اللازمة لمجابهة الفيروس، والتي تضمنتها حتى البروتوكولات، التي كانت تصدر عن الوزارة للمرضى كوصفات علاجية.
ونفادُ الكثير من الأدوية الأخرى اللازمة لبعض الأمراض المزمنة، علما بأنه كان معروفا منذ إغلاق الحدود على المستوى العالمي ، بأن المواد الأولية سيرتفع ثمنها ، ويقل رواجها، وبلادنا تتوفر على بنية صناعية دوائية وطنية محترمة، كان على الوزارة تعبئتها منذ البداية ، وكإجراء مرافق كان يجب الشروع في شرعنة حق الاستبدال Droit de substitution كما طالبت بذلك الهيئة الوطنية الصيادلة المغرب وكذا التمثيليات النقابية منذ استشعارها لخطورة ما سيحدث لو وقعت أزمة دواء. وأكثر من ذلك أن المنظومة الصحية الوطنية تتكون من مكونات وشركاء وفاعلين كثر، كان يجب أمام هول الجائحة أن تكون وزارة الصحة قاطرة لإدماجها وتعبئتها وإشراكها، وفي أقل الأحوال الأخذ بمشورتها ورأيها ، ولكن الملاحظ هو أن القائمين على وزارة الصحة، قد اختاروا الاكتفاء بذاتهم و صد الباب في وجه للجميع، حتى على مستوى التواصل ومابالك بالإشراك…. وهو سلوك، على أية حال ، مخالف لما تتطلبه الظرفية، ومناقض لصريح منطوق الدستور بخصوص الديمقراطية التشاركية .
– ما موقع القطاع الصيدلي الوطني في كل هذا؟
-يكفي أن نقول بأن قرار الحجر الصحي والإغلاق الشامل، لم يشمل الصيادلة والصيدليات ليتبين الواحد مكانة الصيدلي في المنظومة الصحية الوطنية.
لقد تعبأنا بروح وطنية وتضامنية كبيرة منذ البداية وإلى يومنا هذا، وقدمنا العديد من الضحايا يرحمهم الله، وظللنا بجانب كل مرتفق إلينا، نصحا، و إرشادا وتوجيها وتحسيسا ، وحاولنا قدر المستطاع المساهمة في توفير الأمن الدوائي لأبناء شعبنا، ولم تتوان هيئاتنا التمثيلية الشرعية في طرق الأبواب و تقديم المقترحات والمبادرات……
وبذلك نكون قمنا بواجبنا على أحسن وجه، وهو ما كان على الوزارة أن تتعامل معه بنضج ومسؤولية سياسية وأخلاقية محترمة …ولكن ما لاحظناه وعايناه من أقوال في الإذاعات والصالونات، هو أن المسؤول الأول عن الوزارة، يكاد يناصب العداء للقطاع الصيدلاني الوطني، متعللا في ذلك بكون التعدد الذي يعرفه هذا القطاع في تمثيلياته وهيئاته، هو عائق أمام محاورة ومجالسة ومشاركة هذه التمثيليات، والحالة أن هذه التمثيليات، هي شرعية (مؤسسة بشكل قانوني)، و كل واحدة منها تمثل جزءا من القطاع، وهي نفسها التي أبرمت اتفاقات وتفاهمات سابقة مع الذين سبقوا الوزير الحالي إلى تدبير هذا القطاع ، و كان جديرًا به أن يتحلى بأخلاق رجال الدولة ويضمن احترام واستمرارية التزامات الإدارة عوض العبث بها لأغراض وأسباب نجهلها ونريد جوابا عنها.

– وماذا عن مكانة القطاع الصيدلاني الاتحادي في كل هذا ؟
– بكل اعتزاز، يمكنني الجزم كمنسق وطني لقطاع الصيادلة الاتحاديين، بأننا مكون أساسي في هذا القطاع ، حجما و وقعًا ومواقفَ ونموذجا…. ولعل سلوكنا المبدئي تُجاه كل زملائنا و زميلاتنا و دفاعنا الدائم عن كل القضايا العادلة للصيدلاني المغربي ، وانفتاحنا وتعاوننا مع جميع من يشاطر أو يتقاطع مع قناعاتنا…. هو ما مكننا من اكتساب المصداقية والصيت الطيب الذي يتميز به قطاعنا الصيدلاني الاتحادي.
ولا حاجة للقول هنا بأنه وانطلاقًا من تربيتنا وأخلاقنا ومبادئنا الاتحادية الداعية إلى الوطنية والتضامن والعدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى ضميرنا المهني النزيه، كنا في طليعة الصيدلانيين المغاربة في مكافحة الوباء ووضعنا أنفسنا كمتطوعين رهن إشارة بلادنا.
ويمكن أن أختم بعد الدعاء إلى لله، بأن يرفع عنا البلاء، حتى نسترجع حياتنا الطبيعية ،بأنه، فيما يستقبل من استحقاقات مهنية (وهذه مناسبة لتجديد مطالبتنا للمشرع بتسريع إخراج القوانين الجديدة المتلائمة مع دستور البلاد فيما يخص جهوية المجالس المهنية للصيادلة)، سيكون للقطاع الصيدلاني الاتحادي كلمته وموقعه إلى جانب أصدقائه و حلفائه.


الكاتب : الاتحاد الاشتراكي

  

بتاريخ : 17/10/2020